:
(تواترت الأخبار بان المهديّ من هذه الأمة، وان عيسى بن مريم سينزل ويصلي خلفه).(1) وقال القاضي الشوكاني في أحاديث المهديّ: (وهي متواترة بلا شك ولا شبهة بل يصدق وصف التواتر على ما دونها على جميع الاصطلاحات المحررة في الاُصول)(2) ، وقال ابن حجر الهيثمي: (والأحاديث التي جاء فيها ذكر ظهور المهديّ كثيرة متواترة).(3)
وصرح بتواتر أحاديث المهديّ عليه السلام الحافظ أبو الحسن الأبري السجزي المتوفى سنة 363 هـ في كتابه (مناقب الشافعي)، وابن الصباغ المالكي في (اسعاف الراغبين)، والبرزنجي في كتابه (الاشاعة لاشراط الساعة)، والشيخ عبد الحق في كتاب (اللعمات)، وابن الصديق المغربي في كتابه (ابراز الوهم المكنون من كلام ابن خلدون)، وصديق حسن القنوجي في كتابه (الاذاعة لما كان ويكون بين يدي الساعة) وغير هؤلاء كثيرون.
وممن اعترف بتواتر أحاديث المهديّ عليه السلام وشهرتها بين عموم طوائف المسلمين ابن خلدون في مقدمته، بالرغم من محاولته للتشكيك بها والطعن باسانيدها، وهذا نص كلامه:
(اعلم ان المشهور في الكافة من أهل الإسلام على ممر الأعصار، انه لا بد في آخر الزمان من ظهور رجل من أهل البيت، يؤيد الدين ويظهر العدل ويسمى بالمهدي)(4) ، ومن هنا يظهر ان طعنه باحاديث المهديّ عليه السلام يدل على جهله بقواعد علم الحديث، وعدم معرفته لمعنى التواتر.
ثانياً: الاتفاق على وجوب الاعتقاد به
ان قضية المهديّ عليه السلام من قضايا الغيب الإلهي، المخبر عنها من طريق الوحي والنصوص الدينية المعتبرة صريحة في وجوب الايمان والاعتقاد بقضايا الغيب المذكورة في الكتاب والسنة، قال تعالى: (ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون والذين يؤمنون بما اُنزل اليك وما اُنزل من قبلك وبالآخرة هم يوقنون).(5)
فهذه الآية على عمومها تدل على وجوب الايمان بجميع قضايا الغيب الثابتة بالأدلة المعتبرة من طريق الشرع، فكما يجب على المسلم اقامة الصلاة و إيتاء الزكاة والايمان بالقرآن، وما انزل من كتب سماوية قبله، كذلك يجب عليه الاعتقاد بجميع قضايا الغيب المخبر عنها في الإسلام في النصوص المعتبرة، وكل من انكر قضية من غيبيات الإسلام كخروج المهديّ عليه السلام، ونزول عيسى عليه السلام، وخروج الدجال وغيرها مما هو ثابت بالأدلة المعتبرة يخرج عن صفة المتقين والمؤمنين الذين يؤمنون بالغيب، لأن الايمان بالغيب، هو الحد الفاصل بين مجتمع المؤمنين برسالات الله ومجتمع الملحدين الماديين. وبهذا الدليل القرآني استدل بعض المعاصرين من علماء أهل السنة على وجوب الاعتقاد بالمهدي، ومنهم الشيخ ناصر الدين الألباني قال:
(ان عقيدة خروج المهديّ عقيدة ثابتة متواترة عنه صلى الله عليه وآله وسلميجب الايمان بها، لأنها من اُمور الغيب، والايمان بها من صفات المتقين كما قال تعالى: (ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين الذين يؤمنون بالغيب)، وان انكارها لا يصدر إلاّ من جاهل مكابر أسأل الله تعالى ان يتوفانا على الايمان بها وبكل ما صح في الكتاب والسنة).(6)
وقال الاستاذ عبد المحسن العباد في محاضرته التي القاها في الرد على من انكر العقيدة بالمهدي عليه السلام:
(والتصديق بها داخل في الايمان بان محمداً رسول الله صلى الله عليه وآله وسلملأن من الايمان به تصديقه فيما اخبر به، وداخل في الايمان بالغيب الذي امتدح الله المؤمنين به بقوله: (ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين الذين يؤمنون بالغيب).(7)
ومن الأدلة التي استدل بها الأستاذ العباد على وجوب الاعتقاد بالمهدي عليه السلام وجوب الايمان بالقدر فقال: (فان سبيل علم الخلق بما قدر الله امران: (أحدهما): وقوع الشيء...، (والثاني): الأخبار بالشيء الماضي الذي وقع، وبالشيء المستقبل قبل وقوعه من الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وآله وسلم، فكل ما ثبت اخباره به نعلم بان الله قد شاءه وانه لا بد أن يقع على وفق خبره صلى الله عليه وآله وسلم كاخباره بنزول عيسى عليه السلام في آخر الزمان، واخباره بخروج المهديّ عليه السلام وبخروج الدجال وغير ذلك من الأخبار، فانكار أحاديث المهديّ عليه السلام أو التردد في شأنه أمر خطير نسأل الله السلامة والعافية والثبات على الحق حتى الممات).(8)
والاعتقاد بالمهدي عليه السلام اعتماداً على وجوب الايمان بالقدر صرحت به الأحاديث المعتبرة عن رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم كما جاء في حديث جابر الأنصاري عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال:
(من انكر خروج المهديّ فقد كفر بما أنزل على محمد، ومن انكر نزول عيسى فقد كفر، ومن انكر خروج الدجال فقد كفر، فان جبرئيل عليه السلام أخبرني بأن الله عزّ وجلّ يقول: من لم يؤمن بالقدر خيره وشره فليتخذ رباً غيري).(9)
ودليل وجوب الايمان بقضايا الغيب الثابتة في الإسلام هو من جملة الأدلة التي تستدل بها مدرسة أهل البيت عليهم السلام على وجوب الاعتقاد بالمهدي عليه السلام، وحينما سُئل الإمام الصادق عليه السلام عن تفسير قوله تعالى:
(ألم ذلك الكتاب لا ريب فيه هدىً للمتقين الذين يؤمنون بالغيب ويقيمون الصلاة ومما رزقناهم ينفقون) قال: المتقون شيعة علي عليه السلام، والغيب فهو الحجة الغائب ـ يعني المهديّ المنتظر عليه السلام ـ (10)، وشاهد على ذلك قوله تعالى: (ويقولون لولا اُنزل عليه آية من ربه فقل انما الغيب لله فانتظروا اني معكم من المنتظرين).(11)
ثالثاً: الاتفاق على أنه من أهل البيت عليهم السلام
ودلت على ذلك الأخبار الصحيحة من طرق الفريقين. روى سعيد بن المسيب قال: (كنا عند أم سلمة فتذاكرنا المهديّ فقالت: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول: (المهديّ من عترتي من ولد فاطمة)(12) ، وعن الإمام محمد الباقر عليه السلام قال: (المهديّ رجل من ولد فاطمة)(13) ، وعن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (المهديّ منا أهل البيت، اشم الأنف، اقنى أجلى، يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت جوراً وظلماً)(14) ، والأخبار في انه من أهل عليهم السلام البيت كثيرة، بل متواترة وستمر علينا طائفة منها في البحوث القادمة.
رابعاً: الاتفاق على حتمية قيام دولته
كما نطقت بذلك الأحاديث الكثيرة الصريحة والصحيحة في أخبار الملاحم والفتن واشراط الساعة في مصادر الحديث لأهل السنة والإمامية، ورووا عن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا تذهب الدنيا حتى يلي أمتي رجل من أهل بيتي يقال له المهديّ)(15) ، وعن الإمام الصادق عليه السلام قال: (وخرج القائم عليه السلام من المحتوم)(16)، وعن ابن مسعود عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطول الله ذلك اليوم حتى يبعث فيه رجل من أهل بيتي يواطئ اسمه اسمي)(17) ، وعن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لو لم يبق من الدنيا إلاّ يوم لطوله الله عزّ وجلّ حتى يملك رجل من أهل بيتي)(18) ، وآيات الوعد الإلهي المفسرة بظهور المهديّ عليه السلام التي سنقرأها في الموضوع القادم صريحة بحتمية قيام دولته.
خامساً: الاتفاق على عالمية دولته
والنصوص القرآنية والنبوية، المبشرة بدولة المهديّ عليه السلام العالمية وبحتمية انتصار الإسلام على جميع اعدائه في العالم، وظهوره على الاديان الكافرة والمشركة والأنظمة الضالة والمنحرفة كلها، كثيرة من طرف الفريقين.
وهذا الموضوع في اعتقادي، من أكثر المواضيع المهدوية التي تظافرت عليه الآيات الصريحة مع الروايات المعتبرة والصحيحة، وهي جميعها تؤكد أصالة قضية المهديّ عليه السلام في المغيبات الإلهية، وحتمية تحقق دولته في مستقبل تاريخ الأمة الإسلامية. ولنبدأ بذكر ما جاء في القرآن الكريم من آيات مبشرة بهذا الحدث السياسي العالمي الكبير.
الدولة العالمية في القرآن
والآيات القرآنية المبشرة بدوله المهديّ عليه السلام العالمية كثيرة، وهي نوعان، منها ما يحتاج الى تفسير وتأويل وايضاح علمي مفصل لاقناع القارئ باختصاصها في الموضوع، ومنها واضح جلي بل نص صريح في هذا الموضوع، وسنكتفي هنا بعرض بعض آيات النوع الثاني، مما اتفق على اختصاصها بموضوع دولة المهديّ عليه السلام العالمية مفسروا الشيعة والسنة معاً.
? منها قوله تعالى: (يريدون ان يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلاّ أن يتم نوره ولو كره الكافرون هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون).(19)
روى الحاكم بسند صحيح على شرط مسلم عن عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال: (لا يذهب الليل والنهار حتى تعبد اللات والعزى) قالت عائشة فقلت: يا رسول الله اني كنت اظن حين انزل الله تبارك وتعالى (هو الذي ارسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) ان ذلك يكون تاماً؟ فقال صلى الله عليه وآله وسلم: (انه سيكون من ذلك ما شاء الله، ثم يبعث الله ريحاً طيبة فيتوفى من كان في قلبه مثقال حبة من خردل من خير، فيبقى من لا خير فيه فيرجعون الى دين آبائهم).(20)
وعن تميم الداري قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
(ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدر ولا وبر إلاّ أدخله الله هذا الدين، يعز عزيزاً، ويذل ذليلاً، عزاً يعز الله به الإسلام وأهله، وذلاً يذل به الكفر وأهله).(21)
وعن المقداد بن الأسود قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
(لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا وبر إلاّ أدخله الله كلمة الإسلام بعز عزيز، وبذل ذليل، امّا يعزهم فيجعلهم من أهلهم أو يذلهم فيدينون لهم).(22)
وعن أبي ثعلبة الخشني قال: كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اذا رجع من غزاه أو سفر أتى المسجد فصلى فيه ركعتين ثم ثنّى بفاطمة رضي الله عنها ثم يأتي ازواجه، فلما رجع (ذات مرة) خرج من المسجد، فتلقته فاطمة عند باب البيت وأخذت تقبله وتبكي فقال لها: (يا بنية ما يبكيك؟) قالت: (يا رسول الله أراك شعثاً نصباً قد اخلولقت ثيابك؟) قال فقال لها: (لا تبكي فأن الله عزّ وجلّ بعث أباك لأمر لا يبقى على ظهر الأرض بيت مدر ولا شعر إلاّ أدخل الله به عزاً أو ذلاً، حتى يبلغ حيث بلغ الليل والنهار).(23)
ولما سألوا أبا هريرة عن تفسير قوله تعالى:
(هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون) قال: (هذا وعد من الله بأنه تعالى يجعل الإسلام عالياً على جميع الأديان.(24)
ولما سُئل السدي عن تفسير الآية السابقة قال: (وذلك عند خروج المهديّ).(25)
هذا ما روي من طرق أهل السنة في تفسير هذه الآية المباركة وهو يطابق تمام المطابقة مع ما جاء من طرق أهل البيت عليهم السلام في تفسيرها، واليك طائفة مما جاء عنهم بهذا الصدد.
روي ان عليّاً تلا هذه الآية وسأل الحاضرين:
(هل ظهر الإسلام على الدين كله بعد ان أرسل الله رسوله بالهدى ودين الحق؟) فقالوا: نعم ! فقال لهم: (كلا فو الذي نفسي بيده حتى لا تبقى قرية إلا ينادي فيها بشهادة أن لا إله إلاّ الله محمداً رسول الله بكرة وعشياً).(26)
وسألوا الإمام محمد الباقر عليه السلام عن تفسيرها فقال: (ان ذلك يكون عند خروج المهديّ من آل محمد فلا يبقى أحد إلاّ أقر بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم).(27)
وسأل المفضل بن عمر الإمام جعفر الصادق عليه السلام عن تأويلها، بعد أن أخبره بـان بعض المسلمين يدّعون ان الإسلام قد ظهر على الأديان كلها!
فأجابه عليه السلام بقوله: (يا مفضل لو كان ظهر على الدين كله، ما كانت مجوسية ولا نصرانية ولا يهودية، ولا صابئة، ولا فرقة ولا خلاف، ولا شك ولا شرك، ولا عبدة أصنام ولا اوثان). ثم فسرها عليه السلام للمفضل بدولة المهديّ المنتظر عليه السلام(28)، وقال: (ويكون الدين كله واحد، كما قال جل ذكره (ان الدين عند الله الإسلام)(29) ومن يبتغ غير الإسلام ديناً فلن يقبل منه وهو في الآخرة من الخاسرين).(30)
ومنها قوله تعالى: (ونريد ان نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين).(31)
فقد روى الحاكم الحسكاني في شواهد التنزيل، وابن أبي الحديد في شرح نهج البلاغة عن الإمام عليّ عليه السلام قال:
(لتعطفن علينا الدنيا بعد شماسها عطف الضروس على ولدها ثم قرأ: (ونريد ان نمنّ على الذين استضعفوا في الأرض ونجعلهم أئمة ونجعلهم الوارثين).(32)
وروي عن الإمامين محمد الباقر، وولد جعفر الصادق عليه السلام انهما قالا في تفسير هذه الآية: (ان هذه مخصوصة بصاحب الأمر الذي يظهر في آخر الزمان ويبيد الجبابرة والفراعنة ويملك الأرض شرقاً وغرباً ويملأ الأرض عدلاً كما ملئت جوراً).(33)
ومنها قوله تعالى: (وقاتلوا المشركين كافة كما يقاتلونكم كافة)(34)، ولمّا سُئل الإمام محمد الباقر عن تفسيرها قال عليه السلام:
(لا لم يجيء تأويل هذه الآية، ولو قد قام قائمنا بعد سيرى من يدركه ما يكون من تأويل هذه الآية، وليبلغن دين محمد ما بلغ الليل حتى لا يكون مشرك على ظهر الأرض كما قال الله)(35) ، ونظير الآية السابقة قوله تعالى: (فقاتلوا أئمة الكفر انهم لا ايمان لهم)(36) ، وقال حذيفة بن اليمان في تفسيرها: (ما قوتل أهل هذه الآية بعد).(37)
الدولة العالمية في الأحاديث النبوية:
وبالرغم من ان الأحاديث المفسرة للآيات السابقة، من النصوص النبوية الصريحة على حتمية قيام دولة الإسلام العالمية، مع ذلك نذكر هنا طائفة اُخرى من الأحاديث المصرحة بعالمية دولة المهديّ المنتظر عليه السلام.
روي عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
(ملك الأرض أربعة، مؤمنان وكافران، فالمؤمنان ذو القرنين وسليمان، والكافران نمرود وبخت نصر، وسيملكها خامس من أهل بيتي).(38)
وعن حذيفة بن اليمان في حديث نبوي طويل بشأن المهديّ المنتظر عليه السلام قال:
(يبايع له الناس بين الركن والمقام، يرد الله به الدين ويفتح له فتوحاً، فلا يبقى على وجه الأرض إلاّ من يقول: لا إله إلاّ الله).(39)
وعن ابي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (لا تقوم الساعة حتى تملأ الأرض ظلماً وجوراً، ثم يخرج من أهل بيتي من يملأها قسطاً وعدالً كما ملئت ظلماً وعدواناً).(40)
والروايات في الصحاح الستة مصرحة بنزول عيسى بن مريم عليه السلام في عصر دولة الإمام المهديّ المنتظر عليه السلام، وانه يصلي خلفه ويعينه على قتل الدجال وهداية النصارى الى الإسلام، وهذا ما ذكرته بصراحة رواية أبي هريرة عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم أنه قال:
(ان روح الله عيسى بن مريم نازل فيكم... فيدق الصليب، ويقتل الخنزير، ويضع الجزية، ويدعو الناس الى الإسلام، فيهلك الله في زمانه المللّ كلّها إلاّ الإسلام، ويهلك المسيح الدجال، وتقع الامنة على أهل الأرض) وفي رواية لأبي هريرة قال: (وتكون الدعوة واحدة لله رب العالمين).(41)
وعن الإمام جعفر الصادق عليه السلام قال: (إذا قام القائم عليه السلام لا تبقى أرض إلاّ نودي فيها بشهادة ان لا إله إلاّ الله وان محمداً رسول الله).(42)
وروي عن الإمام الكاظم عليه السلام في تفسير قوله تعالى:
(أفغير دين الله يبغون وله اسلم من في السموات والأرض طوعاً وكرهاً واليه يرجعون)(43) فقال: (نزلت في القائم إذا خرج باليهود والنصارى والصابئين والزنادقة، وأهل الردِّة والكفار في شرق الأرض وغربها فعرض عليهم الإسلام فمن أسلم طوعاً امره بالصلاة والزكاة وما يؤمر به المسلم ويجب لله عليه، ومن لم يسلم ضربت عنقه حتى لا يبقضى في المشارق والمغارب أحد إلاّ وحّد الله).(44)
والأخبار الدالة على حتمية قيام الدولة الإسلامية العالمية في خلافة المهديّ المنتظر عليه السلام كثيرة جداً، ومنها الخبر المتواتر من طريق الفريقين عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم انه قال في وصفه لدولة المهديّ عليه السلام وعدله (يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً). فاذا أخذ هذا الحديث على اطلاقه يعني ذلك ان حكم المهديّ عليه السلام يشمل عموم الأرض فيكون هذا الحديث النبوي تفسير للوعد الألهي بوارثه المؤمنين للأرض في قوله تعالى: (وعد الله الذين آمنوا منكم وعلموا الصالحات ليستخلفنهم في الأرض كما استخلف الذين من قبلهم وليمكنن لهم دينهم الذي ارتضى لهم).(45)
سادساً: الاتفاق على بعض علامات ظهوره
تدل الأخبار المروية في كتب الملاحم والفتن في مصادر الفريقين على وقوع عدد من العلامات التي تسبق ظهور المهديّ عليه السلام وتكشف عن قرب قيامه بثورته الإسلامية لانجاز الوعد الالهي، والعلامات المتفق عليها بينهما كثيرة وابرزها علامتين:
الأولى: قيام دولة إسلامية في بلاد إيران تقوم بدور التمهيد للثورة المهدوية، وهي المشار إليها في حديث رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يخرج قوم من المشرق يوطئون للمهدي سلطانه)(46) ، وفي حديث ثوبان قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (إذا رأيتهم الرايات السود قد اقبلت من خراسان فأتوها ولو حبواً على الثلج)(47) ، والأخبار عن دولة الموطئنين للمهدي عليه السلام من طرق أهل البيت عليهم السلام كثيرة أيضاً منها موثقة جابر عن أبي جعفر عليه السلام قال: (فاوّل أرض تخرب أرض الشام يختلفون عند ذلك على ثلاث رايات راية الأصهب وراية الابقع وراية السفياني.. فبينما هم كذلك إذ اقبلت رايات من قبل خراسان تطوي المنازل طياً حثيثاً ومعهم نفر من اصحاب القائم).(48)
الثانية: قيام دولة معادية للمهدي عليه السلام في بلاد الشام يقودها رجل من بني امية وهو المعبر عنه في الأحاديث (بالسفياني) واخباره من طريق الفريقين مستفيضة، وهو المذكور في موثقة جابر السابقة، وقد ركزت الصحاح الستة على حادثة الخسف بالبيداء التي تحل بجيش السفياني وهو متوجه الى مكة للقضاء على ثورة المهديّ عليه السلام بعد ان يسمع بسيطرتها على بلاد الحجاز.
روى البخاري ومسلم عن أم المؤمنين عائشة ان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال:
(سيعوذ بهذا البيت ـ يعني مكة ـ قوم ليست لهم منعة ولا عدّة يُبعث اليهم جيش حتى اذا كانوا ببيداء من الأرض خسف بهم)(49) ، وعن عائشة أيضاً قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (يغزو جيش الكعبة فاذا كانوا بالبيداء من الأرض يخسف بأولهم وآخرهم).(50)
سابعا: الاتفاق على صلاة عيسى بن مريم عليه السلام خلفه
وجاء الخبر بذلك مستفيضاً في الصحاح الستة، وكذلك في الأحاديث المعتبرة من طرق أهل البيت عليهم السلام، فعن الإمام محمد الباقر عليه السلام قال:
(القائم منصور بالرعب مؤيد بالنصر تطوى له الأرض، وتظهر له الكنوز، ويبلغ سلطانه المشرق والمغرب، ويظهر الله عزّ وجلّ به دينه ولو كره المشركون، فلا يبقى من الأرض خراب إلاّ عمر، وينزل روح الله عيسى بن مريم فيصلي خلفه).(51)
وفي صحيح البخاري وصحيح مسلم عن أبي هريرة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: (كيف انتم اذا نزل ابن مريم فيكم وامامكم منكم)(52) ، وأخرج مسلم في صحيحه عن جابر بن عبد الله يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وآله وسلم يقول:
(لا تزال طائفة من امتي يقاتلون على الحق ظاهرين الى يوم القيامة، قال: فينزل عيسى بن مريم فيقول أميرهم، تعال صل لنا، فيقول: لا إن بعضكم على بعض امراء تكرمة الله هذه الأمة).(53)
وروى الحافظ أبو عمر الداني في سننه حديث جابر عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم ولفظه يختلف عن لفظ مسلم وهذا نصه:
(لا تزال طائفة من امتي تقاتل على الحق حتى ينزل عيسى بن مريم عند طلوع الفجر ببيت المقدس ينزل على المهديّ فيقال له تقدم يا نبي الله فصل لنا فيقول: ان هذه الأمة أمير بعضهم على بعض لكرامتهم على الله عزّ وجلّ).(54)
المجالات الخلافية في القضية المهدوية:
بعد اتفاق السنة والشيعة على وجوب الاعتقاد بالمهدي عليه السلام وبحتمية قيامه بدولته الإسلامية العالمية الموعودة، اختلفوا في بعض النقاط الجانبية الخاصة بأمره وشؤونه، فاختلفوا في ولادته، وفي اسم أبيه، وفي جده الأعلى، هل هو الحسن أو الحسين؟ وكذلك اختلفوا في غيبته وامكانية بقائه حياً، كما اختلفوا في عصمته، وسنتعرض هنا الى موارد الاختلاف مع ذكر أدلة الفريقين على مدعاهما ليعلم القراء الاعزاء جانب الصواب في أي موقف منهما.
الاختلاف في ولادته:
فان غالبية أهل السنة ينكرون ان يكون المهديّ عليه السلام قد ولد، ويقولون انه سيولد في آخر الزمان، والمتصفح لكلمات علمائهم بهذا الموضوع لا يجد لهم مستنداً شرعياً ولا علمياً ولا تاريخياً لاثبات مدعاهم بخلاف علماء الشيعة فان الاجماع منعقد بينهم على القول بولادته في مدينة سامراء عاصمة الدولة العباسية سنة 255 هـ في خلافة المهتدي العباسي، ولهم على ذلك أدلة كثيرة تثبت صحة لامهم، أهمها شهادة أهل البيت عليهم السلام بولادته، وشهادة عدد من المؤرخين من الشيعة والسنة بولادته، وشهادة أكثر من سبعين عالماً من علماء أهل السنة(55) بولادته بما يوافق رأي الشيعة، وسننظر في هذه الشهادات الثلاث كلٌ على انفراد.
شهادة أهل البيت عليهم السلام:
تنقل هذه الشهادة الأخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم وأهل بيته المبشرة بولادة ولدهم المهديّ المنتظر عليه السلام والصادرة منهم قبل وقوع الولادة بفترة تاريخية كبيرة تصل بعضها الى مائتين سنة أو أكثر، كالأخبار المروية عن النبي صلى الله عليه وآله وسلم والإمام علي عليه السلام وولديه السبطين، وقد صرحوا في بعضها ان الأمة ستختلف في ولادة ولدهم المهديّ عليه السلام، لأن أباه سيخفي أمرها على عامة الناس خوفاً على حياته من السلطة العباسية، التي كانت تترصد اخباره وترتقب أيام ولادته برعب ودقة وحذر، واليك قارئي العزيز شهادات أهل البيت عليهم السلام بولادة ولدهم المهديّ عليه السلام مرتبة ابتداءً من شهادة رسول الله ـ صلى الله عليه وآله ـ حتى الإمام العسكري والد الإمام المهديّ عليه السلام.
شهادة رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
روي انه قال: (ان الله عزّ وجلّ اختار من الأيام يوم الجمعة، ومن الليالي ليلة القدر، ومن الشهور شهر رمضان، واختارني من الرسل، واختار مني علياً، واختار من علي الحسن والحسين، واختار من الحسين الأوصياء تاسعهم قائمهم، وهو ظاهرهم وباطنهم)، وفي رواية اضاف قائلاً: (ينفون عن التنزيل تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين).(56)
شهادة الإمام علي عليه السلام:
سُئل عن معنى قول رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم:
(اني مخلف فيكم الثقلين، كتاب وعترتي، مَن العترة) فقال عليه السلام: (أنا والحسن والحسين، والأئمة التسعة من ولد الحسين تاسعهم مهديهم، لا يفارقون كتاب الله، ولا يفارقهم حتى يردوا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم حوضه).(57)
شهادة الإمام الحسن عليه السلام:
روي عنه انه قال: (الأئمة بعد رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم اثنا عشر، تسعة من صلب أخي الحسين، ومنهم مهدي هذه الأمة).(58)
شهادة الإمام الحسين عليه السلام:
قال في رواية عنه قال: (قائم هذه الأمة هو التاسع من ولدي، وهو صاحب الغيبة، وهو الذي يقسم ميراثه وهو حي).(59) وقال: (في التاسع من ولدي سُنّة من يوسف وسنة من موسى بن عمران عليه السلام، وهو قائمنا أهل البيت، يصلح الله تبارك وتعالى أمره في ليلة واحدة).(60) واللفظ الأخير من هذا الحديث ورد من طرق أهل السنة في أسانيد معتبرة.
الهوامش
--------------------------------------------------------------------------------
(1) فتح الباري 5: 362.
(2) ابراز الوهم المكنون: ص4، نقلاً عن رسالة التوضيح للشوكاني.
(3) الصواعق المحرقة 2: 211.
(4) مقدمة ابن خلدون: ص397.
(5) البقرة: 3 ـ 4.
(6) مجلة التمدن الإسلامي عدد 22: ص643، دمشق.
(7) مجلة الجامعة الإسلامية ـ الحجاز عدد 3، السنة الأولى 1388 ذو القعدة، والكلام مقتطف من نهاية المحاضرة.
(8) نفس المصدر.
(9) فرائد السمطين 2: 234 ب61، الحاوي للفتاوي 2: 83، الفتاوي الحديثية: ص27، الاذاعة: ص137، عقد الدرر: ص157.
(10) كمال الدين للصدوق 2: 34.
(11) يونس: 20.
(12) سنن ابن ماجة: ج2 ح4086، تاريخ البخاري 3: 346، المستدرك على الصحيحين، التاج الجامع للأصول: قال بسندين صحيحين.
(13) البحار ج51: ص43، ح32.
(14) مستدرك الصحيحين 4: 557، وقال: صحيح على شرط مسلم، الجامع الصغير للسيوطي 2: 672ح9244، التاج الجامع للأصول: قال بسندين صحيحين.
(15) كتاب الغيبة للشيخ الطوسي: ص112، وهذا الحديث متفق عليه في مصادر الفريقين.
(16) البحار 52: 206 ح40 عن كمال الدين.
(17) سنن ابن داود 2: 106 ح4282، مستدرك الصحيحين قال: صحيح ووافقه الذهبي.
(18) صحيح الترمذي، كتاب الفتن، باب ما جاء في المهديّ، سنن ابن ماجة 2: 982 ح2779.
(19) التوبة: 32 ـ 33.
(20) مستدرك الصحيحين 4: 447، وقال حديث صحيح على شرط مسلم ووافقه الذهبي في التلخيص.
(21) مجمع الزوائد 6: 14 قال: رواه أحمد والطبراني ورجال أحمد رجال الصحيح، مستدرك الصحيحين 4: 430، وقال: صحيح ووافقه الذهبي في التلخيص.
(22) مجمع الزوائد 6: 14 قال: رواه أحمد والطبراني ورجال الطبراني ورجال الصحيح، مستدرك الصحيحين 4: 430 قال: صحيح على شرط الشيخين ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في التلخيص.
(23) مستدرك الصحيحين 3: 155، وقال صحيح وتعقبه الذهبي مضعفاً له ولم يفعل شيئاً لان الأحاديث السابقة شاهدة على صحته.
(24) التفسير الكبير للفخر الرازي 16: 40.
(25) تفسير أبي الفتوح 6: 16.
(26) تأويل الآيات 2: 689، ينابيع المودة للحنفي القندوزي: ص423.
(27) تفسير العياشي 2: 87 ح50.
(28) الهداية الكبرى: ص74 ـ 82، البحار 53: 4.
(29) آل عمران: 19.
(30) المصدر السابق: 85.
(31) القصص: 5.
(32) شواهد التنزيل 1: 431 شرح نهج البلاغة لابن أبي الحديد 19: 29.
(33) حليلة الأبرار 2: 597 تفسير البرهان 2: 220.
(34) التوبة: 36.
(35) المحجة فيما نزل في القائم الحجة: ص96.
(36) التوبة: 12.
(37) الدر المنثور للسيوطي 4: 136. ط. دار الفكر ـ بيروت.
(38) الحاوي للفتاوي 2: 81 نقلاً عن تاريخ ابن الجوزي، الفتاوى الحديثية: ص39، عقد الدرر ليوسف الشافعي: ص19 ـ 20.
(39) ذخائر العقبى: ص136، المنار المنيف: ص146 ح333.
(40) مسند الإمام أحمد ج3: ص36، مسند أبي يعلى الموصلي ج2: ص274 حديث 987، مستدرك الصحيحين ج4: ص557، وقال: صحيح على شرط الشيخين، ولم يخرجاه ووافقه الذهبي في التلخيص.
(41) مستدرك الصحيحين 2: 595، وقال صحيح الإسناد ووافقه الذهبي في التلخيص، سنن ابي داود: ج2، كتاب الملاحم، كنزل العمال ج14: ح38855 و38843 و38856.
(42) ينابيع المودة للقندوزي الحنفي: ص421، تفسير العياشي 1: 183.
(43) آل عمران: 83.
(44) تفسير العياشي 1: 182 تفسير البرهان 1: 296.
(45) النور: 55.
(46) سنن ابن ماجة: ج2 ح4088، مجمع الزوائد 7: 318، كنزل العمال: ج14 ح38657.
(47) مسند أحمد 5: 277، مستدرك الصحيحين 4: 502، وقال صحيح على شرط الشيخين، ووافقه الذهبي، الجامع الصغير للسيوطي 1: 100 ح468، قال وسنده صحيح، دلائل النبوة 6: 4511.
(48) بحار الأنوار 52: 237 كتاب الغيبة للنعماني.
(49) صحيح مسلم ج4: ص221 ح7.
(50) صحيح البخاري 3: 86، كتاب البيوع، باب ما ذكر في الأسواق.
(51) بحار الأنوار 52: 191 ح24.
(52) صحيح البخاري ج4: ص205، صحيح مسلم ج1: ص136.
(53) صحيح مسلم 1: 137.
(54) سنن الداني: ص143، مسند أحمد 3: 345، مسند ابي يعلى الموصلي 4: 59 ح2078.
(55) ذكر اسمائهم وترجم لهم شيخنا الكبير العلاّمة لطف الله الصافي في كتابه منتخب الأثر في الإمام الثاني عشر: ص326 ـ 346.
(56) إثبات الوصية: ص225 و227، دلائل الإمامة: ص240، كمال الدين 1: 81 ح32، كتاب الغيبة للنعماني: ص67 ح7، وقوله ينفون عن التنزيل تحريف الغالين...رواه ابن حجر في الصواعق المحرقة: ص90، والطبراني في ذخائر العقبى: ص17، عن ابن عمر.
(57) بحار الأنوار 23: 147 ح110، عن كمال الدين 1: 240 ح64.
(58) كفاية الأثر: ص223، بحار الأنوار 36: 383 ح1.
(59) كمال الدين 1: 317 ح2، البحار 51: 133 ح3.
(60) كمال الدين 1: 317، بحار الأنوار 51: 132 ح2، عن كمال الدين.