المأتم أو العزاء
المأتم بمعنى العزاء و المصيبة و المواساة. و يعني في الأصل مجتمع الناس عموماً غلب عليهم الحزن. و أصبحت الكلمة تطلق على اجتماع الناس للعزاء على مصيبة أبي عبدالله عليه السلام أو على الموضع الذي يجتمعون فيه .
حثّت الشريعة الإسلامية على مواساة ذوي المتوفي وتفقدّهم(بحار الأنوار 79: 71 -113)، وقد وردت بشأن سيّد الشهداء روايات عن إقامة المآتم عليه في الملكوت الأعلى: "وأقيمت عليك المآتم في أعلى عليين"(بحار الأنوار 241:98و323).
لما أخذ سبايا أهل البيت إلى الشام وأدخلوا على يزيد أقام بنو أمية المآتم على شهداء كربلاء(بحار الأنوار 143:45-155)، ولما بلغ أم سلمة نبأ مقتل الحسين ونظرت إلى التراب الذي عندها في القارورة ووجدته قد تحول إلى دم عبيط، جعلت ذلك اليوم يوم مأتم على الحسين عليه السلام(بحار الأنوار:231).
روي عن الصادق عليه السلام أن زوجة الحسين عليه السلام أقامت بعد مقتله مأتماً عليه، وكانت تأخذ السويق لتتقوى به على البكاء(بحار الأنوار:170، الكافي 266:1).
إنّ أعظم مأتم في التاريخ هو مأتم واقعة كربلاء التي لن يخبو أوارها ولن تخفّ مرارتها على مرّ الأزمنة والعصور.
تمثّل أيام عاشوراء بالنسبة للشيعة فصلاً من البكاء والعزاء على الشهداء، وهذه الممارسة الدينية كانت سبباً في تخليد صنّاع تلك الملحمة. وعاشوراء بالنسبة لاتباع أهل البيت يوم حداد وحزن، وهو بالنسبة لأعداء أهل البيت يوم فرح وسرور.
وقد كان لأهل الشام ولأهل العراق في هذا المجال منهجان مختلفان؛ وصفهما السيّد الرضي في أحد أشعاره بالقول: كانت مآتم بالعراق تعدُّها **** أموية بالشام من أعيادها (بحار الأنوار 250:45).
و وصف الإمام السجاد عليه السلام بعض المآسي التي مرت عليهم بعد يوم عاشوراء في أبيات من الشعر جاء فيها: يفرح هذا الورى بعيدهم **** ونحـن أعيادنا مآتمـنا (بحار الأنوار 92:46).
وهذا هو معنى الحديث: أن بني أمية لم يتركوا لنا عيداً .
المجالس الحسينية
وهي المجالس التي تعقد في أيّام عاشوراء أو الأيام الأُخرى في المساجد والحسينيات والدور على تخليد ذكرى الحسين وإحياء واقعة عاشوراء، ومن أبرز معطيات شهادة أبي عبدالله عليه السلام هي تمهيد الأرضية المناسبة للوعظ والإرشاد، وتعميق وعي أبناء الأمّة بأمور الدين وترسيخ التزامهم الديني. وجاءت في الروايات تأكيدات كثيرة على إقامة مثل هذه المجالس على الدوام. أقيمت على فاجعة سيّد الشهداء مجالس عديدة من قبل الملائكة والجن والأنبياء السابقين ورسول الله صلّى الله عليه وآله والأئمة بكوا فيها على شهادته. كما أقيمت مجالس في نفس عام الواقعة في كربلاء والكوفة والشام ودير الراهب ومكة والمدينة.
جاء المرحوم الشيخ جعفر الشوشتري على ذكر هذه المجالس بالتفصيل، وذكر في كلّ واحد منها اسم قارئ المراثي والباكين وزمان ومكان إقامتها(الخصائص الحسينية للشوشتري:137:102)، وقسّمها بشكل عام إلى خمسة أقسام:
1- المجالس التي عقدت قبل خلق آدم.
2- المجالس التي أقيمت بعد آدم وقبل ولادة الحسين عليه السلام.
3- المجالس التي عقدت قبل شهادته.
4- المجالس التي عقدت بعد شهادته في الدنيا.
5- المجالس التي ستعقد في القيامة بعد فناء الدنيا.
و كما أن كتب المقتل تتحدّث عن شهادة الإمام الحسين، فكذا المجلس أو المجالس هي نوع من الكتب التي تتحدّث عن فضائل سيّد الشهداء وبعض الأُمور الأُخرى المتعلقة به، وهي تكتب للوعاظ الذين يستقون منها مواضيع وعظهم على المنبر. وهناك كتب كثيرة دونت تحت هذا العنوان.
لبس السواد
من التقاليد الشائعة هو لبس السواد حزنا على وفاة الأشخاص الأعزاء. وفي أيام محرم يرتدي المعزون الثياب السوداء حزنا على الحسين، ويغطّون المساجد والتكايا وأبواب الدور بالسواد. روي أن الحسين لما قتل ارتدت نساء بني هاشم السواد وأقمن المآتم يندبنّه ، والإمام السجاد يعدّ لمأتمهن الطعام (بحار الأنوار 188:45) .
سر خلود عاشوراء
واقعة كربلاء لا تضاهيها أيّة واقعة أُخرى في خلودها وبقائها حيّة في الأذهان، وفي مدى شمولها واتساعها الزماني، ولم يبق تيار متلاطم على مدى التاريخ مثل عاشوراء. وسر ذلك يكمن في جملة من القضايا منها:
1) إلهية العمل: فالعمل الذي أقدم عليه الإمام الحسين عليه السلام وأدى إلى استشهاده كانت دوافعه والنوايا الكامنة وراءه لله وفي سبيل الله. وكل ما كان الله يكتب له الخلود والبقاء. فنور الله لا ينطفئ، والجهاد في سبيل الحق يبقى ممتداً على الدوام، والقيام في سبيل الله لا تنسى وقائعه ولا ينطفئ نوره لأن صبغته إلهية ونوره ربّاني.
2) دور سبايا أهل البيت في كشف الحقائق: كلّ ثورة تستلزم ساعداً ولساناً، دماً ورسالة، عملاً وإعلاماً. وخطب زينب والسجاد عليهما السلام والبقية الباقية من واقعة كربلاء أثناء سبيهم كان لها دور مهم في فضح حقيقة العدو وإفشال إعلامه الكاذب، وتوعية الناس على حقيقة الثورة وماهية شخصية أبي عبدالله عليه السلام شهداء الطف. وهذا ما جعل الأمويين عاجزين عن إسدال الستار على جرائمهم أو محوها من الأذهان.
3) الإحياء والذكر: وردت في وصايا أهل البيت تأكيدات كثيرة بالبكاء على الحسين وشهداء كربلاء، وأن يكثروا من النياح وقراءة الأشعار والمراثي والعزاء، وأن يذهبوا لزيارة مرقد الحسين (عليه السلام)، والسجود على تربته. وهذا كله أدى إلى بقاء مدرسة الطف وواقعة كربلاء ومظلومية الحسين حيّة في الأذهان وباقية على الدوام.
إذن فالذكر والبكاء والشعر والعزاء والمراثي لها دور مهم في تخليد ملحمة الطف.
4) كيفية الواقعة: إنّ واقعة عاشوراء بذاتها وما حصل فيها من تضحيات والفداء بأقصى وأمثل ما يمكن، وذروة العنف والقسوة التي مارسها جيش الكوفة ضد سيد الشهداء عليه السلام، وغاية الغربة والمظلومية والعطش الذي تحمّله، كل هذا قد جعل تلك الواقعة الفريدة خالدة على مرّ العصور.