عربي
Saturday 23rd of November 2024
0
نفر 0

الفصل الرابع عشر : أول نياحة على الحسين (عليه السلام) وآله في مصر

الفصل الرابع عشر

أول نياحة على الحسين (عليه السلام) وآله في مصر

أما السيدة زينب أخت الحسين (عليه السلام) فكان وجودها في مدينة الرسول بعد عودتها مع السبايا كافياًًً لأن يلهب شعور الحزن والأسى على شهداء كربلاء وأن يؤلب الناس على الطغاة وسفاك الدماء، حتى كاد الأمر من جراء ذلك يفسد على بني أمية، فكتب واليهم بالمدينة إلى يزيد: (أن وجود زينب بين أهل المدينة مهيج للخواطر، وإنها فصيحة عاقلة لبيبة، وقد عزمت هي ومن معها على القيام للأخذ بثأر الحسين).

وفور تسلم يزيد في الشام هذه الرسالة من عامله والي المدينة أمره يزيد بأن يفرق البقية الباقية من آل البيت في الأقطار والأمصار. فطلب الوالي من السيدة زينب بأن تخرج من المدينة فتقيم حيث تشاء، فامتنعت في بادئ الأمر عن الخروج من المدينة، لكنها نزلت في النهاية على رأى نساء بني هاشم، فخرجت من المدينة، ورحلت إلى مصر. وقد وصلتها في أول شعبان سنة (61) هـ ،أي بعد مجزرة كربلاء بأكثر من سبعة أشهر.

واستقبلت من قبل أهالي مصر أعظم استقبال، وسار بها إلى قرية قرب (بلبيس). وكان في مقدمة مستقبليها مسلمة بن مخلد الأنصاري أمير مصر. فلما أطلت على المستقبلين أجهش الجميع بالبكاء وحفوا بركبها، حتى إذا بلغت عاصمة مصر مضى بها (مسلمة) إلى داره فأقامت بها قرابة عام.

وفي خلال هذه السنة التي أقامتها بمصر بذرت بذور ـ الحركة المعادية لبني أمية، وأثارت الرأي العام المصري ضد من قاموا بقتل الإمام الحسين وآله وأصحابه في كربلاء، كما أقامت المآتم الخاصة والعامة على أرواح هؤلاء الشهداء الميامين.

وقد ماتت السيدة زينب عشية اليوم الرابع عشر من رجب، سنة (62) هـ. ولازال قبرها منذ ذلك التاريخ حتى الآن في مصر مزارا يفد إليه المسلمون للتبرك به.

وهكذا أخذت المآتم والمناحات تقام في مختلف المدن والقرى والقصبات والدساكر المصرية سراً وجهراً على شهداء الطف بكربلاء رغم ما كانت تلاقي من معارضة ومناهضة القائمين بالسلطة والحكم من الأمويين، وقد اتسع نطاق إقامة هذه المآتم والأحزان والنياحات على استشهاد الإمام الحسين (عليه السلام) في مجزرة كربلاء في جميع أكناف وأرجاء القطر المصري تدريجاً، وخاصة على زمن الفاطميين الذين أطلقوا الحرية للمصريين بمزاولة شعائر العزاء والحزن لسيد الشهداء (عليه السلام) طول السنة وبالأخص في العشرة الأولى من شهر محرم من كل سنة، وخاصة يوم عاشوراء منه.

وفيما يلي أنقل بعض النتف التاريخية من أوثق المصادر عن إقامة شعائر المأتم الحسينية في القطر المصري منذ وطأت قدم السيدة زينب أرض مصر.

1- جاء في (موسوعة آل النبي) قسم (بطلة كربلاء) صفحة (755 ) ما نصه:

(بزغ هلال شعبان عام 61 هـ في اللحظة التي وطئت قدم السيدة زينب أرض النيل، فإذا جموع من الناس قد احتشدت لاستقبالها. وساروا هكذا حتى بلغوا قرية بلبيس، فقابلتهم هناك جموع آتية من عاصمة الوادي الطيب.

إنه مسلمة بن مخلد الأنصاري أمير مصر في وفد من أعيان البلاد وعلمائها، قد خرجوا للقاء بنت الزهراء والإمام علي، وأخت الإمام الشهيد.

فلما أطلت عليهم بطلعتها المشرقة بنور الاستشهاد أجهشوا بالبكاء، وحفوا بركبها، حتى إذا بلغت العاصمة مضى بها (مسلمة) إلى داره، فأقامت بها قرابة عام لم تر خلالها إلا عابدة متبتلة.

ثم كانت نهاية المطاف، ماتت السيدة زينب عشية يوم الأحد، لأربع عشرة مضين من رجب 62 هـ، على أرجح الأقوال. وأغمضت العينان اللتان شهدتا مذبحة كربلاء وآن للجسد المتعب المضني أن يستريح.

فمهدت لها الأرض الطيبة مرقداً ليناً في مخدعها، وحيث اختارت أن تكون ضجعتها الأخيرة.

وبقى قبرها مزاراً مباركاً يفد إليه المسلمون حتى يومنا هذا من كل فج عميق..).

وقالت الدكتورة (بنت الشاطئ) أيضاً في الصفحة (768) من موسوعتها ما يلي:

(أجل، هي زينب التي جعلت من مصرع أخيها الشهيد مأساة خالدة، وصيرت من يوم مقتله مأتماً سنوياً للأحزان والآلام).

2- وبهذه المناسبة نوجز كلمة عن المكان الذي قبرت فيه السيدة زينب. إذ أن الخلاف بين المؤرخين في مكان قبرها كبير، فبعضهم أقر بوجوده في مصر بمحله الحالي المعروف، وآخرون قالوا أنه في دمشق. وغيرهم أفاد: انه في المدينة، وأنقل في ما يلي رأي العلامتين، السيد هبة الدين الحسيني الشهرستاني، والسيد محسن الأمين العاملي، حسماً للخلاف. سيما وإنهما الحجتان في مثل هذه المواضيع في هذا القرن. وأتبع ذلك بالمرويات عن النياحات الحسينية في مصر، منذ وطأت قدم السيدة زينب تلك البلاد.

3- جاء في الصفحة (256) من الجزء (6) من المجلد (3) من مجلة (المرشد) البغدادية، بقلم العلامة الشهرستاني الحسيني، ما نصه: (واختلف المؤرخون في المكان الذي دفنت فيه السيدة زينب، والمشهور أنها دفنت في قناطر السباع بمصر. وجاء في كتاب (الدر المنثور في طبقات ربات الخدور) صفحة 235 ما يلي:

(وعلى اختلاف الروايات أن للسيدة زينب مقامين، أحدهما بدمشق، وهو مقصود من كل الجهات، خصوصاً من أهل الشيعة. والثاني بمصر، وهو أشهر من الأول، ولها أوقاف وإيراد زائد من ديوان عموم الأوقاف المصرية، ولها مسجد بمصر لم يوجد مثله). وقال صاحب دائرة المعارف البستاني، صفحة (355) مجلد (9) (وللسيدة زينب، بنت علي بن أبي طالب، أخت الحسن والحسين، مزار في قناطر السباع بمصر، يزار ويتبرك به). كما أن السيد محسن الأمين العاملي ذكر ضمن مقال عن الشيعة الإسماعيلية، في الجزء (3) من المجلد (16) من مجلة العرفان بأن (مزار القبر المنسوب إلى السيدة زينب في دمشق هو قبر السيدة زينب الصغرى المكناة بأم كلثوم، بنت الإمام علي (عليه السلام). ويقع بقرية راوية،على بعد فرسخ من مدينة دمشق..). انتهى كلام العلامة الشهرستاني الحسيني.

4- أما العلامة السيد محسن الأمين العاملي فقد أشار إلى هذا الموضوع في الصفحة (218) من المجلد (33) من موسوعته (أعيان الشيعة) حيث قال:

(وهذا المشهد ـ أي مشهد زينب في مصر ـ مزور، معظم، مشيد البناء، بناءه غاية الإتقان، فسيح الأرجاء دخلته وزرته في سفري إلى الحجاز بطريق مصر، عام (1340) هـ، ويعرف بمشهد السيدة زينب وأهل مصر يتوافدون لزيارته زرافات ووحداناًًًًً، وتلقى فيه الدروس، هم يعتقدون أن صاحبته زينب بنت علي بن أبي طالب، حتى رأيت كتاباً مطبوعاً بمصر لا أذكر اسمه الآن، ولا اسم مؤلفه وفيه: أن صاحبة هذا المشهد هي زينب بنت علي بن أبي طالب...).

وأنا أكتفي بهذا القدر من البحث عن قبر السيدة زينب، وأعود إلى موضوع الرسالة في المناحة على الإمام الحسين في مصر منذ صدر الإسلام.

5- جاء في كتاب (الدلائل والمسائل) لمؤلفه السيد هبه الدين الحسيني الشهرستاني ما نصه: (وتروي تواريخ الدولة العبيدية بمصر اهتمام الملك المعز الفاطمي بأمر إقامة عزاء الحسين في خارج البيوت أيضاً، فكانت النساء يخرجن في أيامه ليلاً، كما يخرج الرجال نهاراً..).

6- جاء في الصفحة (66) في كتاب (دول الشيعة في التاريخ) لمؤلفه الشيخ محمد جواد مغنية، ما نصه: (وعن خطط المقريزي: أن شعار الحزن بيوم العاشر من المحرم كان أيام الإخشيديين، وأتسع نطاقه في أيام الفاطميين، فكانت مصر في عهدهم بوقت البيع والشراء تعطل الأسواق، ويجتمع أهل النوح والنشيد يكونون بالأزقة والأسواق ويأتون إلى مشهد أم كلثوم ونفسية، وهم نائحون باكون. وقال السيد مير علي في مختصر تاريخ العرب: وكان من أفخم عمارة القاهرة في عهد الفاطميين: الحسينية، وهي بناء فسيح الأرجاء، تقام فيه ذكرى مقتل الحسين في موقعة كربلاء، وأمعن الفاطميون في أحياء هذه الشعائر وما إليها من شعار الشيعة حتى أصبحت جزءاً من حياة الناس..).

7- ورد في الصفحة (159) من كتاب (إقناع اللائم) ما نصه: (وقال السبط ابن الجوزي في تذكرة الخواص: أن أبو عبيد الله النحوي بمصر قال:كحل بعض العلماء عينيه يوم عاشوراء، فعوقب على ذلك فقال:

وقــائــل: لــم كــحــلــت عــينـاً          يــوم اســتــبــاحوا دم الحسين

فــقــلت: كــفواً، أحــق شــيء          تــلــبــس فــيــه الــسواد عيني

8- هذا ولم يكد يستولي صلاح الدين الأيوبي على مصر إلا وأخذ بالضغط على الشيعة فيها ومطاردتهم، ومنعهم عن إقامة شعائر الحزن والعزاء على الإمام الشهيد (عليه السلام) وقد تواترت أخبار المؤرخين في ذلك، واتفقت كلمتهم على ذلك فيما يلي بعض مروياتهم.

9- جاء في كتاب (إقناع اللائم) صفحه (3) نقلاً عن خطط المقريزي، في جزءه الثاني، صفحه (385) ما عبارته: (فأنه ـ أي المقريزي ـ بعد ما ذكر أن العلويين المصريين كانوا يتخذون يوم عاشوراء يوم حزن، تعطل فيه الأسواق، قال: فلما دالت الدولة، أتخذ الملوك من بني أيوب يوم عاشوراء يوم سرور، يوسعون فيه على عيالهم، ويتبسطون في المطاعم، ويصنعون الحلاوات، ويتخذون الأواني الجديدة ويكتحلون ويدخلون الحمام، جرياً على عادة أهل الشام التي سنها لهم الحجاج في أيام عبد الملك بن مروان، ليرغموا بذلك آناف شيعة علي بن أبي طالب (كرم الله وجهه) الذين اتخذوا يوم عاشوراء يوم عزاء وحزن على الحسين بن علي، لأنه قتل فيه...).

ثم قال:(وقد أدركنا بقايا مما عمله بنو أيوب، من اتخاذ يوم عاشوراء يوم سرور وتبسط ..).

10- جاء في الجزء الأول القسم الأول من موسوعة (أعيان الشيعة) صفحة (61) ما نصه:

(وحبس صلاح الدين بقايا العلويين في مصر، وفرق بين الرجال والنساء حتى لا يتناسلوا، وذلك من الظلم الفاحش. وأعيد اتخاذ يوم قتل الحسين عيداً الذي كان قد سنّه بنو أميه والحجاج، بالشام وغيرها، وأحدث جعله عيداً بمصر، ولم يكن معروفاً فيها بنص المقريزي).

11- ورد في الصفحة (92) من كتاب (الشيعة والحاكمون) لمؤلفه الشيخ محمد جواد مغنية، عند ذكره مطاردة صلاح الدين الأيوبي للفاطميين والشيعة في مصر قولة: (وحبس صلاح الدين بقايا العلويين في مصر، وفرق بين الرجال والنساء حتى لا يتناسلوا، وأعاد يوم قتل الحسين عيداً الذي كان قد سنه بنو أميه والحجاج...).

12- وبمناسبة ذكر المناحات على الإمام الشهيد في مصر، وتأييدها حيناً ومنعها أحيانا، حسب رغبة الحكام فيها، لا أجد ضيراً من الإشارة إلى المكان الذي قبر فيه رأس الإمام الشهيد (عليه السلام) بعد نقله من كربلاء إلى الكوفة، ثم الشام ثم عسقلان والقاهرة واختلاف المؤرخين والمحققين في المكان الذي دفن فيه في نهاية المطاف، ورأى الأكثرية منهم في أنه نقل على عهد الفاطميين من عسقلان إلى القاهرة حيث ووري التراب في محله الحالي في القاهرة، وهنا اكتفي برأي السيد حسن الأمين، المحقق المعاصر، أيد هذا الأمر في مقال تحقيقي نشرته له مجلة (العربي) الصادرة في الكويت، بعددها (155) المؤرخ شعبان 1391 هـ حيث قال السيد الأمين ما نصه:

(لقد دفن سليمان بن عبد الملك الأموي الرأس في مقابر المسلمين، ولكن لا في دمشق بل في مدينة عسقلان بفلسطين لأنه حدس بأن سيكون لمدفن الرأس شأن يوماً ما فلم يشاء أن يكون في دمشق، فأبعده إلى عسقلان وفي العام (548) نقل الفاطمييون الرأس من مدفنه في عسقلان إلى مكانه الحالي في القاهرة...).

وقد كتب السيد الأمين هذا البحث رداً على ما نشرته مجلة (العربي) بأن سليمان بن عبد الملك دفن الرأس في دمشق بمقابر المسلمين، بعد نقله من مخازن الأسلحة فيها، التي خزن فيها يزيد الرأس.
___________________________________________

source : اهل بیت
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

عاشوراء.. استراتيجية انتصار الدم على السيف
هذه مقولة اهل السنة في يزيد بن معاوية!!
لماذا لم يلطم رسول الله (ص) عند المصائب ؟
المدن الشيعيّة في شبه القارّة الهنديّة
مصادر حدیث الغدیر عند السنة و الشیعة
وسيلة الفوز والأمان في مدح صاحب الزمان عليه ...
محاولة اغتيال النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) في ...
نساء يأكلن من خبز النفايات لإشباع بطونهن ، في ...
ظلال من غزوة بدر الكبرى
الإمامة عند أهل السنة

 
user comment