عند دراسة أية نظرية أو فكرة أو حركة يجب دراسة شخصية الفرد المؤسس لها من جوانبها كافة الفكرية والاجتماعية والأخلاقية كي يتم التعرف بعمق على ماهية هذه الفكرة من خلال التعمق في شخصية مؤسسها، ومتابعة ما إذا كانت هذه الشخصية تنسجم كلياً مع مبادئ تلك الفكرة أو الفلسفة، لأن ذلك يتيح للباحث تقييم الفكرة ومدى تأثيرها وهيمنة أفكارها على صاحبها أولاً. وينطبق ذلك على الديانات أيضاً. فالله سبحانه وتعالى لا يختار للرسالة سوى تلك الشخصيات التي تمتلك كفاءات وصفات قادرة على حمل عبء الرسالة، وأن تكون من أفضل شخصيات عصرها علماً وورعاً وعفة وصدقاً وحكمة وشجاعة وصبراً وقيادة.
صحيح أننا نؤمن بذلك من خلال عقيدتنا الإسلامية التي ترى في أن جميع الأنبياء معصومون قبل البعثة وبعدها لأنهم يحملون الأحكام الإلهية للبشر، ولا يمكن أن يكون هناك تفاوت ولو بسيط بين التعاليم التي جاءوا بها سلوكا أو تصرفا مهما كان بسيطاً لأنهم يمثلون القدوة للبشرية في سلوكهم وكلامهم ومواقفهم طوال حياتهم، ولكن لا يتناقض الإيمان بالعصمة مع البحث التاريخي لشخصية النبي والرسول.
لذلك فإن دراسة الأنبياء العظام من الذين تتوفر عنهم مصادر تاريخية موثوق بها سواء ما جاء في القرآن الكريم أو السنة الصحيحة أو السيرة الشريفة تؤكد الحقائق والأحداث التاريخية.
إن دراسة شخصية الرسول محمد (صلى الله عليه وآله) والتعرف على سجاياه وأخلاقه قبل البعثة أمر ذو أهمية كبيرة يؤكد ما جاء به الوحي. فلقد كان (صلى الله عليه وآله) يعرف بالصادق الأمين وهما صفتان قلما يتصف بهما شخص في مكة آنذاك. ولم يسجل عليه أعداؤه من قريش وغيرهم في يوم ما كذبة أو تصرفاً مشيناً، إذ كان في شبابه يتجنب مجالس اللهو ولا يدخل حانات مكة التي اعتادها القرشيون، ولم تسجل عليه ملاحظة أخلاقية مطلقاً، فقد كان عفيف النفس، ذا خلق عظيم كما وصفه القرآن.
ولو كان في سلوكه (صلى الله عليه وآله) قبل البعثة ما يشين لما توقف أعداء الإسلام من نبزه بها والتشنيع عليه.
ويشير القرآن الكريم إلى طفولة الرسول (صلى الله عليه وآله) بقوله (ألم يجدك يتيماً فآوى، ووجدك ضالاً فهدى، ووجدك عائلاً فأغنى).
بعد البعثة الشريفة تعرض الرسول لاتهامات كثيرة من أعداء الإسلام. وبقي القرآن يدافع عنه ويرد تلك الاتهامات التي تتهمه تارة بالسحر أو التعلم من أعجمي أو النقل عن التوراة والإنجيل، وينفي عنه الجنون أو الافتراء على الله أو التخيل (ما كذب الفؤاد ما رأى)، وغيرها من الاتهامات التي ذكرها الله تعالى في كتابه المجيد.
وهكذا يجب البحث عن جوانب شخصية كل العظماء والمفكرين والفلاسفة وعلاقاتهم بمن يحيطون بهم وبمجتمعاتهم كي نعرف حقيقة دعوتهم وآرائهم وأفكارهم، وفيما إذا كان ما يعلنونه مجرد شعارات أم لا. فقد تكون الفكرة ذات بعد أخلاقي وإنساني عال ولكن صاحبها لا يطبقها في حياته. فعلى سبيل المثال كشف بحث تاريخي أن ماركس الذي كان ينادي بحقوق العمال والعدالة الاجتماعية كان كثيرا ما لا يدفع أجور عمال مطبعته في ألمانيا. وآخر كان ينادي بحقوق المرأة ثم تم اكتشاف وجود عدة عشيقات له دون زوجته.
من خلال هذا المنهج يمكننا التعرف على كل الشخصيات الإسلامية من صحابة أو خلفاء أو فقهاء أو غيرهم ومطابقة أفعالها مع القرآن الكريم والسنة النبوية باعتبارهما المعيار في التقييم. ولا نخشى كذلك في تطبيقه على سيرة الأئمة عليهم السلام.
وهكذا يجب البحث عن جوانب شخصية كل العظماء والمفكرين والفلاسفة وعلاقاتهم بمن يحيطون بهم وبمجتمعاتهم كي نعرف حقيقة دعوتهم وآرائهم وأفكارهم، وفيما إذا كان ما يعلنونه مجرد شعارات أم لا. فقد تكون الفكرة ذات بعد أخلاقي وإنساني عال ولكن صاحبها لا يطبقها في حياته. فعلى سبيل المثال كشف بحث تاريخي أن ماركس الذي كان ينادي بحقوق العمال والعدالة الاجتماعية كان كثيرا ما لا يدفع أجور عمال مطبعته في ألمانيا. وآخر كان ينادي بحقوق المرأة ثم تم اكتشاف وجود عدة عشيقات له دون زوجته.
من خلال هذا المنهج يمكننا التعرف على كل الشخصيات الإسلامية من صحابة أو خلفاء أو فقهاء أو غيرهم ومطابقة أفعالها مع القرآن الكريم والسنة النبوية باعتبارهما المعيار في التقييم. ولا نخشى كذلك في تطبيقه على سيرة الأئمة عليهم السلام.
شخصية الإمام الحسين (عليه السلام)
واليوم ندرس صاحب الثورة الكربلائية، الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، وندرس شخصية هذا الإمام الثائر كي نرى هل كان طالب سلطة أم مغنم دنيوي أو باحثاً عن مجد شخصي كما يدعي بعض المؤرخين والباحثين أم كان يريد إصلاح أمة جده التي انحرفت عن جادة الحق بسبب انحراف الخلافة.
تهيأت للإمام بيئة ونسب لم يحظ أحد بهما لا قبله ولا بعده عدا أخيه الإمام الحسن المجتبى: والده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ووالدته فاطمة الزهراء وهو أطهر حضن وأشرف بيت في العرب، وجده رسول الله (صلى الله عليه وآله) معلم الإنسانية ومربي البشرية، أشرف الأنبياء وأسمى المخلوقات. في هذا البيت النبوي العلوي تربى الحسين، ورضع أخلاق النبوة وشب على مبادئ الرسالة الإسلامية.
واليوم ندرس صاحب الثورة الكربلائية، الإمام الحسين بن علي بن أبي طالب، وندرس شخصية هذا الإمام الثائر كي نرى هل كان طالب سلطة أم مغنم دنيوي أو باحثاً عن مجد شخصي كما يدعي بعض المؤرخين والباحثين أم كان يريد إصلاح أمة جده التي انحرفت عن جادة الحق بسبب انحراف الخلافة.
تهيأت للإمام بيئة ونسب لم يحظ أحد بهما لا قبله ولا بعده عدا أخيه الإمام الحسن المجتبى: والده أمير المؤمنين علي بن أبي طالب، ووالدته فاطمة الزهراء وهو أطهر حضن وأشرف بيت في العرب، وجده رسول الله (صلى الله عليه وآله) معلم الإنسانية ومربي البشرية، أشرف الأنبياء وأسمى المخلوقات. في هذا البيت النبوي العلوي تربى الحسين، ورضع أخلاق النبوة وشب على مبادئ الرسالة الإسلامية.
الحسين في القرآن
هناك آيات عديدة نزلت في حق الإمام الحسين باعتبارها عضواً في العائلة العلوية الشريفة مثل آية التطهير (إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت ويطهركم تطهيرا). وآية المودة (قل لا أسألكم عليه أجراً إلاّ المودة في القربى، ومن يقترف حسنة نزد له فيها حسنا).
ولكن هناك آية تشير إليه وأخيه الحسن بشكل أوضح وهي آية المباهلة حيث سمته بلفظة (أبناءنا) في قوله تعالى (فمن حاجك فيه من بعد ما جاءك من العلم، فقل تعالوا ندع أبناءنا وأبناءكم، ونساءنا ونساءكم، وأنفسنا وأنفسكم، ثم نبتهل فنجعل لعنة الله على الكاذبين). فالإمام الحسين عليه السلام يمثل الجيل الثاني من الرسالة الإسلامية. وقد نسبه الله تعالى إلى الرسول ودعاه بابنه كما ورد في الآية، فهو (عليه السلام) من خط جده (صلى الله عليه وآله)، ومنهجه (عليه السلام) هو الإسلام المحمدي الأصيل الذي عرفه وتشبع به فصار معلماً من معالمه.
الحسين في السنة النبوية
هناك أحاديث كثيرة توضح منزلة الإمام الحسين (عليه السلام) العالية أراد النبي (صلى الله عليه وآله) أن ينبه الأمة إليها مثل قوله (صلى الله عليه وآله): (حسين مني وأنا من حسين)، (الحسن والحسين إمامان قاما أو قعدا)، (الحسن والحسين سيدا شباب أهل الجنة)، (اللهم إني أحبهما وأحب من أحبهما)، (إن أبنيّ هذين ريحانتاي من الدنيا)، (من أحب الحسن والحسين فقد أحبني ومن أبغضهما فقد أبغضني). وكان عليه السلام معروفاً بخشوعه في صلاته وورعه وسمو أخلاقه بين الناس وتواضعه حيث كان يأكل مع المساكين إذا دعوه.
كيف ندرس ثورة الحسين؟
كيف ندرس ثورة الحسين؟
أولاً: ما زالت ثورة الإمام الحسين مشعلاً ينير درب الثائرين والمجاهدين من أجل إعلاء كلمة الحق وإرساء معالم العدل. وكل عام نستعيد الذكرى وتفاصيل الواقعة المؤلمة. وكل فرد يرتشف من ثورة الحسين بقدر ما يدركه أو يفهمه أو يشعره من معانٍ ومشاعر وتصورات. لذلك ترى الجميع يتمسكون به وبخطه ولكن من خلال رؤى متنوعة وفهم متفاوت ولكن الذي يجمعهم هو الولاء للإمام وخطه ومنهجه. فالفقيه يفهم الجوانب الشرعية من الثورة، والسياسي يؤكد الدور السياسي للثورة في ذلك العصر، والمجاهد يرى فيها أنموذجاً يحتذى في مواجهة الظلم والقهر، والشخص العادي يرى في بكائه وتضامنه ثواباً كبيراً ومواساة لرسول الله (صلى الله عليه وآله). وكل له ثوابه إن شاء الله وليست ثورة الحسين حكراً لفئة معينة أو فهماً محدداً أو تفسيراً معيناً. فهي معين ينهل المسلمون منه كي يتجدد الإسلام وتستمر شعلته في التوهج.
ثانياً: من خلال استعادة ذكرى الواقعة نجد أن بعض الناس يؤكد على الجانب التاريخي وسرد الأحداث بشكل تفصيلي بحيث يأخذ جمهور المستمعين إلى زوايا التاريخ ويطوف بهم بين المشاهد التاريخية في عصر الإمام من خلال سرد مواقف المعاصرين للحدث سواء من معسكر الإمام أو معسكر الأعداء، والتركيز على ما جرى في كربلاء والكوفة والشام والمدينة وردود أفعال أهلها تجاه الحدث. وهذا كله جيد ومهم ولكن لا يجب الاقتصار عليه، أي نريد أن نجلب التاريخ إلى عصرنا ونحاكم أحداث ووقائع عصرنا على معايير الثورة الحسينية.
ترى لو تمثلنا واقعة الطف اليوم وافترضنا أن الإمام الحسين (عليه السلام) كان معاصراً لنا أي يشهد ما نشهده، فماذا كان موقفه وفق المنطلقات التي أعلنها قبل ثورته؟ ألا يوجد اليوم آلاف مثل يزيد والشمر وعمر بن سعد وعبيد الله بن زياد؟ ألا يمارس الحكام العرب والمسلمون اليوم نفس ممارسات أعداء الحسين المعاصرين له؟ ألا يتولى الحكم اليوم من هم أخس وأدنى من يزيد ويحكم باسم الإسلام؟ ألا يوجد اليوم من هم أمثال جنود جيش يزيد، يقتلون النساء والأطفال، وينتهكون الحرمات؟ ألا يوجد من يرفع شعارات إسلامية ويرتكب أبشع الجرائم باسم الجهاد والمقاومة؟ ألا يوجد من علماء السوء من يجاهرون بعدائهم وفتاواهم المحرضة على قتل وتهجير أتباع الحسين (عليه السلام)؟
ثم من جانب آخر ألا يوجد رجال أحرار انتهجوا نهج الحسين وقدموا أرواحهم ودماءهم وأهليهم فداء للعقيدة والدين والأمة؟ ألا يوجد اليوم آلاف من الشهداء في العراق وإيران ولبنان وفلسطين وغيرها ممن استشهدوا دفاعاً عن الأمة ومقدساتها؟
هنا يجب أن نحدد مع من نقف: مع معسكر الحسين المعاصر أو مع معسكر يزيد المعاصر؟ هل نعتذر من نصرة الحق كما اعتذر بعضهم عن نصرة الحسين؟ هل نتخاذل عن دعم الحق والعدل كما فعل حجار بن أبجر وشبث بن ربعي وغيرهم ممن اشتراهم المال؟ أم نقف وقفة رجولة وبطولة في اللحظات الأخيرة كما فعل الحر بن يزيد الرياحي وزهير بن القين؟ أم نكون قد اتخذنا قرارنا وأننا من أنصار الحسين وخطه أمثال هاني بن عروة ومسلم بن عوسجة وحبيب بن مظاهر الأسدي وعابس الشاكري وغيرهم من أنصار الإمام؟
ثالثاً: أعطت الثورة الشرعية الإسلامية لقضية حساسة جداً في العلاقة بين الأمة والحكومة، وهي كيفية إزاحة الحاكم الظالم عن السلطة ولو بالقوة دون الاتهام بالبغي والردة والكفر.
فهذه القضية تناقش نظرياً في الفقه عند تناول مسألة عزل الخليفة حين يفقد أحد شروط الخلافة ولكن لم تتم مناقشة كيفية عزله ومن قبل من؟ بعضهم أشار للشورى وأهل الحل والعقد وهم غالباً من بطانة الحكم ودعائمه. أما دور الجماهير فمغيّب دائماً ولا حول لهم ولا قوة.
إن الإمام الحسين وهو الإمام المعصوم قد عبّد الطريق أمام الأحرار والثوار لينتفضوا بوجه الحاكم الظالم وعزله ولو بالقوة. لقد أعاد الإمام الحسين للإسلام كرامته وشرفه بعد أن تم ترويض الأمة على الخضوع والخنوع تارة بالقوة والبطش وتارة بالفقه السلطاني الذي ينكر على الأمة مخالفة الحاكم تحت ذريعة الفتنة والبغي.
source : http://www.abp-ashura.com