مصحف فاطمة الزهراء ( عليها السلام )
ما هو مصحف فاطمة ( عليها السلام ) :
كتاب فيه بعض الأسرار والأخبار الغيبية ، ويعتبر أوّل كتاب أُلّف في الإسلام ، فلم يكتب قبل هذا الكتاب ، وهو كتاب أملاه جبرائيل الأمين ( عليه السلام ) على سيّدتنا فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) من وراء حجاب ، وكتبه الإمام علي بن أبي طالب ( عليه السلام ) بخطّه المبارك .
فقد مكثت ( عليها السلام ) بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خمسة وسبعين يوماً ـ أو أقلّ أو أكثر ـ وقد دخلها حزن شديد على أبيها ، وكان جبرائيل ( عليه السلام ) يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ، ويطيّب نفسها ، ويخبرها عن أبيها ومكانه ، ويخبرها بما يكون بعدها في ذرّيتها .
ورثه الأئمة ( عليهم السلام ) :
يعتبر مصحف فاطمة ( عليها السلام ) من ضمن ميراث أهل البيت ( عليهم السلام ) العلمي ، ومن جملة ودائع الإمامة يتوارثونه ، فهو ينتقل من معصوم إلى آخر حتّى وصل بيد الإمام صاحب الزمان ( عليه السلام ) .
ولم يصل المصحف بيد شيعتهم ، ولم يطّلعوا عليه ، ولم يدّعي أحد من علماء الشيعة باطلاعه على المصحف ، أو يقول : المصحف عندي موجود ، وما يدّعيه أعداء أهل البيت ( عليهم السلام ) بأنّ مصحف فاطمة ( عليها السلام ) في تناول الشيعة في العراق ، أو في الحجاز ، أو في إيران ، أو أي مكان آخر هو مجرد افتراء وكذب .
كتاب حوادث وليس قرآناً :
المصحف كتاب فيه أخبار ووقائع وحوادث ، أخبر بها جبرائيل ( عليه السلام ) فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) بما يكون ، وأخبرها عن أبيها رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ، ومكانه في الجنّة ، وأخبرها بما يجري على أولادها وذرّيتها ، من قتل وتشريد وظلم من الأمويين والعباسيين ، وكذلك بشّرها بدولة ابنها المهدي الموعود ( عليه السلام ) ، الذي يملأ الأرض قسطاً وعدلاً كما ملئت ظلماً وجوراً ، وأخبرها بما يحلّ بالأُمم وما يملك من الملوك ، وكيف تنتهي هذه الدنيا .
فنحن لا نعتقد أنّ مصحف فاطمة ( عليها السلام ) فيه شيء من القرآن ، فالشيعة ليس لهم قرآن غير قرآن المسلمين ، ولا يعترفون بغيره .
إذن ، فمصحف فاطمة ( عليها السلام ) ليس فيه أحكام في الحلال والحرام ، وليس فيه شيء من القرآن ، ولا كتاباً منزلاً على الناس ، ولكن نستطيع أن نقول : أنّه كتاب تاريخي يتحدّث عن أُمور سوف تقع في المستقبل ، وهذا ما أشارت إليه روايات أهل البيت ( عليهم السلام ) ، منها :
1ـ قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( وكان جبرائيل يأتيها فيُحسن عزاءَها على أبيها ، ويُطيب نفسها ويخبرها عن أبيها ومكانِه ، ويخُبرها بما يكون بعدها في ذرّيتها ) .
2ـ قال الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( مصحف فاطمة ما فيه شيء من كتاب الله ، وإنّما هو شيء أُلقي عليها بعد موت أبيها ( صلى الله عليهما )) .
فاطمة ( عليها السلام ) محدثة :
لقد دلّت النصوص على أنّ فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) كانت محدّثة ، أي يكلّمها الملك ( جبرائيل ) من وراء حجاب ، فالله قادر على إرسال الوحي ، مع من يشاء ، وحيث شاء ، وأنّى شاء ، لأنّ الوحي لا يقتصر على الأنبياء ، بدليل قوله تعالى :
1ـ ( فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاء أَمْرَهَا ) فصلت : 12 .
2ـ ( وَإِذْ أَوْحَيْتُ إِلَى الْحَوَارِيِّينَ أَنْ آمِنُواْ بِي وَبِرَسُولِي ) المائدة : 111 .
3ـ ( إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلآئِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ فَثَبِّتُواْ الَّذِينَ آمَنُواْ ) الأنفال : 12 .
4ـ ( وَأَوْحَى رَبُّكَ إِلَى النَّحْلِ أَنِ اتَّخِذِي مِنَ الْجِبَالِ بُيُوتًا ) النحل : 68 .
5ـ ( وَأَوْحَيْنَا إِلَى أُمِّ مُوسَى أَنْ أَرْضِعِيهِ ) القصص : 7 .
فإنّ الله سبحانه بصريح الآيات أوحى إلى السماء ، وأوحى إلى الحواريين ، وإلى الملائكة ، وإلى النحل ، وإلى أُم موسى ، وبصريح الرواية أوحى إلى فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، وليس السماء أو الحواريين أو النحل أعظم من سيّدة نساء العالمين من الأوّليين والآخرين .
ولكن دأب الأعداء أن لا يركنوا للحقيقة والمنطق ، فقد اعتبروا هذا غلّواً ومبالغة ، لقد حدّثنا القرآن عن نماذج من النساء مثل مريم بنت عمران ، وأُمّ موسى ، وسارة امرأة إبراهيم التي بشرّها الملائكة بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب ، فشاهدت الملائكة وحدّثتهم ، أو أوحي إليهن بأسلوب غير تحديث الملائكة ، ولم يستنكر ذلك أحد أو يستكثر ، ولكن عندما تذكر النصوص بأنّ فاطمة ( عليها السلام ) محدّثة ، يصبح غلّواً ومبالغة .
أليست فاطمة بنت اشرف بني آدم ، وكانت الملائكة تخدم أبيها ، واليوم جاءت تسلّيها ، إنّ نزول الملائكة على فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ليس غلّواً ، فلماذا تستكثرون على بنت محمّد المصطفى ، والنصوص في كتب الصحاح كثيرة ومستفيضة في حقّ فاطمة الزهراء ( عليها السلام ) ، نذكر منها ونترك الباقي على من يريد الحقّ والحقيقة :
1ـ روى البخاري عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) قال : ( فاطمة سيّدة نساء أهل الجنّة ) .
2ـ روى مسلم عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) أنّه قال لها : ( يا فاطمة أمّا ترضين أن تكوني سيّدة نساء المؤمنين أو سيّدة نساء هذه الأُمّة ) .
فهي سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ، ففاطمة الزهراء ( عليها السلام ) أفضل من مريم بنت عمران ، ومن سارة زوج إبراهيم ( عليه السلام ) ، ودلّت النصوص على أنّها كانت محدّثة ولم تكن نبية .
وكذا تعتقد الشيعة الإمامية بالنسبة لأئمّة أهل البيت ( عليهم السلام ) ، فأنّهم محدّثون دون أن يدّعي أحد منهم لهم النبوّة ، إذ لا تلازم بين نزول الملائكة والنبوّة .
فبالنسبة للرسول ( صلى الله عليه وآله ) لم يكن كلّ ما نزل عليه من الوحي قرآناً ، فهناك الأحاديث القدسية ، وهناك تفسير القرآن وتأويله ، والإخبار عن المستقبل .
وممّا يدلّ على عدم الملازمة بين تحديث الملائكة والنبوة :
عن حمران بن أعين قال : قلت لأبي جعفر ( عليه السلام ) : الست حدّثتني أنّ علياً كان محدّثاً ؟ قال : ( بلى ) ، قلت : من يحدّثه ؟ قال : ( ملك ) ، قلت : فأقول أنّه نبيّ أو رسول ؟ قال : ( لا ، بل مثله مثل صاحب سليمان ، ومثل صاحب موسى ، ومثل ذي القرنين ، أما بلغك أنّ علياً سئل عن ذي القرنين ، فقال : كان نبياً ؟ قال : لا ، بل كان عبداً أحبّ الله فأحبّه ، وناصح الله فناصحه ) .
روايات أئمة أهل البيت ( عليهم السلام ) حول المصحف :
1ـ عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : ( إنّ فاطمة مكثت بعد رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) خمسة وسبعين يوماً ، وكان دخلها حزن شديد على أبيها ، وكان جبرائيل ( عليه السلام ) يأتيها فيحسن عزاءها على أبيها ، ويطيب نفسها ، ويخبرها عن أبيها ومكانه ، ويخبرها بما يكون بعدها في ذرّيتها ، وكان علي ( عليه السلام ) يكتب ذلك ، فهذا مصحف فاطمة ( عليها السلام )) .
2ـ عن أبي حمزة أنّ أبا عبد الله ( عليه السلام ) قال : ( مصحف فاطمة ما فيه شيء من كتاب الله ، وإنّما هو شيء أُلقي إليها بعد موت أبيها ( صلى الله عليه وآله )) .
3ـ عن عنسبة بن مصعب عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : ( ومصحف فاطمة ، أما والله ما ازعم أنّه قرآن ) .
4ـ عن حماد بن عثمان قال : سمعت أبا عبد الله الصادق ( عليه السلام ) يقول : ( إنّ الله تعالى لمّا قبض نبيّه ( صلى الله عليه وآله ) دخل على فاطمة من وفاته من الحزن ما لا يعلمه إلاّ الله عزّ وجل ، فأرسل الله إليها ملكاً يسلّي غمّها ويحدّثها ، فشكت ذلك إلى أمير المؤمنين ( عليه السلام ) .
فقال : إذا أحسست بذلك وسمعت الصوت قولي لي ، فأعلمته بذلك ، فجعل أمير المؤمنين ( عليه السلام ) يكتب كلّما سمع ، حتّى اثبت من ذلك مصحفاً ) ، قال : ثمّ قال : ( أمّا أنّه ليس فيه شيء من الحلال والحرام ، ولكن فيه علم ما يكون ) .
5ـ عن محمّد بن عبد الملك عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) : ( ... وعندنا مصحف فاطمة ( عليها السلام ) ، أما والله ما هو بالقرآن ) .
6ـ روي عن الوليد بن صبيح أنّه قال : قال لي أبو عبد الله ( عليه السلام ) : ( يا وليد ، إنّي نظرت في مصحف فاطمة ( عليها السلام ) فلم أجد لبني فلان فيه إلاّ كغبار النعل ) .
7ـ عن علي بن أبي حمزة عن الكاظم ( عليه السلام ) قال : ( عندي مصحف فاطمة ، ليس فيه شيء من القرآن ) .
8ـ عن أبي بصير عن أبي عبد الله ( عليه السلام ) قال : ( ... وإنّ عندنا لمصحف فاطمة ( عليها السلام ) ، وما يدريهم ما مصحف فاطمة ( عليها السلام )) ؟
قال : قلت : وما مصحف فاطمة ( عليها السلام ) ؟ قال : ( مصحف فيه مثل قرآنكم هذا ثلاث مرّات ، والله ما فيه من قرآنكم حرف واحد ) .
9ـ عن فضيل بن سكرة قال : دخلت على أبي عبد الله ( عليه السلام ) فقال : ( يا فضيل ، أتدري في أيّ شيء كنت أنظر قبيل ) ؟ قال : قلت : لا ، قال ( عليه السلام ) : ( كنت أنظر في كتاب فاطمة ( عليها السلام ) ، ليس من ملك يملك الأرض إلاّ وهو مكتوب فيه باسمه واسم أبيه ، وما وجدت لولد الحسن فيه شيئاً ) .