قال المحدث الشيخ عباس القمـي(1) (قدس سره) : رأيت الميرزا القمي (قدس سره) ذات ليلة في المنام ، وسألته هـذا السؤال : هل سينال أهل قم شفاعة السيدة فاطمة المعصومة (سلام الله عليها) ؟
سألني سؤال المتجاهل : ماذا قلت ؟!
كرّرت عليه السؤال ، فكرّر عليّ الجواب .
ولمّا سألته السؤال نفسه في المرة الثالثة ، قال لي الميرزا : ما كان ينبغي أن تسأل مثل هذا السؤال ، لأنـي أنا سأكون شفيـــع أهل قـم يوم الــقيامــة . أمّا السيّدة المعصومة (سلام الله عليها) ، فإنها ستشفع لكل الشيعة في العالم ، لما لها من المقام المحمود والمنـزلة العالية عند الله تعالى .
كرامة الأنصاري
ذكر أن الشيخ مرتضى الأنصاري (قدس سره) ذهب ذات مرّة إلى كربلاء لزيارة العتبات المقدّسة ، وعند عودتـه عزم علـى الركوب بأحد الزوارق ، وكان الزورق آنذاك إحـدى الوسائل النقلية ، فوضـع الشيخ ( قدس سره) ـ ومن دون قصد ـ حذاءه على فرش كان أحد مشايخ العرب جالساً عليه .
فرمق الرجل الشيخ الأنصاري بنظرةٍ جاهلية ثم أعقبها بكلام جارح ، قال : ( إن أهل شوشتر عديمو الأدب والفهم ) ، ثم أخذ فـي سباب الشيخ بألفاظ قبيحة وعبارات نابية .
فلم يردّ عليه الشيخ الأعظم .
وكان المرحوم الحاج السيد علي(2) يرافق الشيخ الأنصاري في سفره ، فقال للشيخ : أو لا تردّ عليه يا شيخنا ؟
والتزم الشيخ الصمت أيضاً .
وفي عصر ذلك اليوم أصيب ذلك الرجل الذي أهان الشيخ بمرض شديد ، توفيّ على أثره في صباح اليوم الثاني ، وكان ما يزال فـي الزورق ، فأخرجوه ودفنوه في ضفة النهر .
فأدرك الحاضرون فـي الواقعـة ، أن وفاتـه كانت أثر إهانته للأنصاري ( رضوان الله تعالى عليه ) .
قال : لا إله إلا الله فرأي العالم الخفي
يروي الشيخ محمد كريم قصّة عن أستاذه الماهر في علم المعقول الشيخ محمود الحكيم .
يقول : في عصر أحد الأيام جاء أستاذي إلى المدرسة ، وقال : إنني أشعر بضيق فـي صدري ، وأحتاج إلـى شـيء من الراحة ، فقرّرنا الذهاب إلى تكية(3) ( هفت تنان ) لتناول طعام العشاء .
ذهب الشيخ لتهيئة السفرة على أن أتبعه بعد ذلك مع بقية الطلّاب ، غير أن نزاعاً قد نشب بين بعض الطلّاب ، واضطررت للتدخل فـي تهدئته ، فطال بنا الوقت حتى خيّم علينا الظلام ، فلم نـــخـرج من المدرسة لمـــا كان يلازم الخروج بالليل من الأخطار والمخاوف ، لفقدان الأمن .
وفي صبيحة اليوم التالي ، توجّهت إلى أستاذي فرأيته في المسجد القريب من بيته حيران مضطرباً غارقاً في الفكر مشغول الحال والبال .
سلمّت عليه ، فردّ عليّ السلام ثم قال : لماذا لم تجيئوا بالأمس ؟
بيّنت له السبب ، ثم سألته عن حاله يوم أمس وكيف قضى ليلته ، لا سيمّا وأنا أجد الاضطراب بادياً على محياه .
قال : لقد حدث لي حدث عظيم !
وأضاف : عندما تيقّنت من عدم مجيئكم ولم أجد من أتحدث إليه لأنفّس عن حالي وكربي ، خرجت أسير وحيـداً ، ومن منتصف الطريق لمحت زاهداً جالساً على قارعة الطريق ، فناديته وكأنني وجدت فيه ضالّتي :
يا زاهد
قال : نعم .
قلت له : ألا تقصّ لنا حكاية نتسامر بها ؟
قال لي : لا أعرف !
قلت له : فاقرأ لنا قصيدة من الشعر .
قال لي : لا أعرف !
هنالك قلت له : إذا كنت لا تعرف كل هـذا ، فما الذي كان عندك حتى علوت على الناس ؟
قال لي : لقد علمني شيخي أن أسلَّم كلّما دخلت على أحد !
وما أن تفوّه بهذا الكلام حتّى أحسست أنه أثلج صدري .
ثم قال لي الزاهد : شيخنا لا بأس عليك ، تعال فاجلس هنا . وأشار إلـى حصيرة كان جالساً عليه .
جلست على الحصير .
فقال لي : قل : لا إله إلا الله .
وما أن لقّنني كلمة التوحيد ، حـتى كُشف عن بصري وصرت أرى كل شيء ما بين الثرّيا والثرى ، وكلّما نظرت إلى ما حولي من الأعلى إلى الأسفل كنت أرى كلمة التوحيد منقوشة على كل شيء .. كل شيء ، في السماء، في الأرض، على الأشجار ، على الماء ، على الجدار .. على كل شيء .
ولا أدري أي عالم كان ذلك العالم ، لقد شاهدت عالماً ذا صفاء عجيب .
ثم قال لي : يا شيخ ، والآن استلق ، لتنام علـى الحصير فإنك قـد أصبت بإعياء وتعب .
فتغطّيت بعباءتي ، وجعلت أرمقه من تحت العباءة ، لأرى ماذا يفعل !
شاهدته يذكر ذكـراً من الأذكار ، فيخـرج نور من فمـه ، ويصعد إلى السماء ، ثم سيطر عليّ النعاس ، فأغفوت غفاءة نهضت بعدهـا ، فلـم أجد لذلك الزاهد من أثر .
لقد علّمني الرجل : أن الزهد الحقيقي هـو مصـداق الحديث القدسي : (عبدي أطعني تكن مثلي أو مثلي ، أقول للشيء كن فيكون وتقول للشيء كن فيكون) . وهكذا يكون العالم الزاهد الحقيقي يكون موضع لطف فيكون في كلامه الأثر الكبير .
إن كنت عبدي فاصطبر !
أسس محمد اليالوشي فـي جبل عامل حزباً منحرفاً ، استطاع أن يغوي به بعض عوام الناس ، ويخدعهم ، ويثير بينهم النعرات الطائفية ، ممّا أدّى إلى إيجاد الاضطرابات والمشاحنات في بعض بلاد الشام .
غير أن الشهيد الأول(4)(قدس سره) تصدى له ، وأقنع الحكومة المركزية ـ آنذاك ـ بضرورة مواجهته وإخماده ، فتحركت قطعات من الجيش لقمع الفتنة ، فقتل محمد اليالوشي واندحرت فلـوله ، وقتـل بعـض أيضاً ، واسر آخرون ، لكن البعض استطاع الفرار إلى مناطق أخرى .
وكان من نتيجة ذلك أن جمع ( قرن الشيطان ) فلول تلك الحركة الضالة تحت قيادة تقي الدين الجبلي فـي جنوب اللبناني ، ثم توسعت الحركة في عهد يوسف بن يحيى ، الذي خلَّف الجبلي في قيادة الحركة ، وقد تمكن بعض أفراده في القوة القضائية في مدينتي بيروت وحلب ، وكان شغلهم الشاغل الانتقام من الشهيد الأول ( رضوان الله تعالى عليه ) .
وهكذا استغلوا نفوذهم فـي القوة القضائية ، وتقربـوا من حاكم دمشق ( بيدمر ) وهو صاحب السلطة المطلقة آنذاك(5).
ودبّجوا التقارير ، وحاكوا المؤامرات للكيد بالشهيد العاملي ( رضي الله عنه ) .
وآخر تلك المؤامرات ، كان افتعال رسالة مزورة تطفح بالارتداد ومخالفة الشرع الإسلامي ، دبّجها يوسف بن يحيى المذكور ونسبها إلى الشهيد . واشهد عليها من جماعته سبعين رجلاً ، وادّعوا إن الشهيد ( رضي الله عنه ) كان قد ارتد عن دين الإسلام .
رفعوا المذكرة إلى قاضي صيدا ، وهو أحد أعضاء حركتهم ، ثم رفعها هو بدوره إلى القاضي عبّاد بن جماعة الشافعي ، قاضي قضاة الشام فـي دمشق ، وهو المنصب الثاني في البلاد . ولم يكن حقد هذا الأخير وحسده للشهيد بأقل من سابقيه . وطالما كان يتحيّن للشهيد فرصـة كهـذه ليزيـحه من طريقه . خصوصاً وإن الشهيد كان قد صلت الأضواء عن ابن جماعة وأشباهه ، وذلك لما اشتهر به من علم وتواضع . بحيث كان قاضياً محبوباً من جميع الأطراف والمذاهب ، يقضي لكلّ على مذهبه ، ويسعى دائماً من أجل لم الشمل ووحدة الصف .
أصدر ابن جماعة أمراً باعتقال الشهيد ، وشكل محكمة صورية تحت إشراف برهان الدين المالكي ، للنظر فـي تهمة الارتداد ، واجتمع الملك بيدمر والأمراء والقضاة والشيوخ ، وأُحضر الشهيد العاملي ، وقرأُ عليه المحضر .
أنكر الشهيد ذلك .
قيل له : قد ثبت ذلك عليك شرعاً ، وإنّ القاضي قد حكم بارتدادك .
فـرد الشهيد الحكم الغيابي الذي صدر بحقه استناداً إلى قاعدة ( إن الغائب على حجته ) .
فقال القاضي برهان الدين ، الذي يحكم وفق المذهب المالكي : أن الشهود قد أدلوا بشهاداتهم ، وردّك للتهمة لا ينفي الحكم .
قال الشهيد : إنني على استعداد ان أبطل شهادات الشهود ، بعد أن أثبت جرحهم .
قال القاضي : إن حكم القاضي غير قابل للفسخ(6) .
فلمّا علم الشهيد إصرار القاضي على الباطل ، توجه إلى القاضي عباد بن جماعة بالقول : أتزعم أنك إمام لمذهب الشافعي ، فاقض لـي حسب موازين مذهبك(7).
لكن ابن جماعة الشافعي قطع مقولة الشهيد وقال : إن المرتد حسب المذهب الشافعي يسجن سنة واحدة ، ويفـرج عنه إذا تاب . وإنك قـد أنهيت مدة السجن ، وما عليك إلا أن تستغفر ربك ، وتتوب لكي يطلق سراحك .
لكن مكرهم وحيلتهم لم تكن لتنطلي على رجل مثل الشهيد ، ذلك لأنه لو نفذ طلبهم لاحتجوا بذلك لقتله . بذريعة أنه اعترف بالارتداد ، فضـلاً عن سقوطه اجتماعياً أمام الرأي العام ، الذي سرعان ما تنطلي عليه أحابيل الأعلام ودعايته . ثم كيف يتوب من ذنب هو لم يرتكبه .
عندئذ توجّه ابن جماعة الشافعي إلى برهان الدين ، وأوعز له بالقضاء على ضوء المذهب المالكي ، فأصدر القاضي حكم الإعدام بحقه .
ثم اقتادوه ( رضوان الله عليه ) إلى قلعة دمشق ، وفي وسط الطريق ، كتب الشهيد على رقعةٍ كانت عنده ( ربّ إنّـي مغلوب فانتصر ) . ثم وضعها على الأرض ، وما هي إلاّ خطوات ، وإذا بريح ترفع الرقعة وتلقي بها إمام الشهيد ، وقد كتب على طرفها الآخر بخط غيبيّ : ( إن كنت عبدي فاصطبر ) .
هناك أيقن الشهيد أن التقدير الإلهي هو أن يقتل في سبيل الله عزوجل . كما ورد بالنسبة إلى الإمام أبي عبد الله الحسين (عليه السلام) : (شاء الله أن يراك قتيلاً) .
وعند الفجر قطعوا رأس الشهيد وصلبوه ، ثم نادوا فـي الناس ، أن يرموا جثمانه الشريف بالحجارة . وعصر ذلك اليوم المشؤوم أضرموا فـي جسده الطاهر النار ، ثم جمعوا رماده وذرّوه في الهواء .
نعم ، لقد قتل الشهيد واحرق وذرّ في الهواء ، ولكن إرادة السماء شاءت أن يبقى اسم الشهيد خالداً ، رغم مكـر الآثمين وكيد الحاقدين . وصار قبر الشهيد في قلب كل مؤمن ، وآراؤه وعلومه في قلب كل عالم . وقد انتقم الله سبحانه من كل اشترك فـي هذا القتل الظالم بأنواع العذاب حتى أبادهم عن آخرهم ، ولعذاب الآخرة أشد .
له دعوة الحق
فعرف أن الآية نداء له لتلبية دعوة الله سبحانه ، فكسر ختمه وأخذ شيئاً من التربة الحسينية وتناولها وقال : هـذا آخر زاد لي من الدنيا ثم لبّي نداء ربه وفارقت روحه الدنيا .
الاستشفاء برداء الشيخ الأنصاري (قدس سره)
قـدّم الشيخ مرتضى الأنصاري (قدس سره) رداءاً من الصوف كهدية للشيخ زين العابدين المازندراني(9) . فقبل الأخـير الهدية ، واعتز بها أيما اعتزاز، بل لم يكن شيء آثر عنده منها . فصار يشتملها في الأعياد والمناسبات .
لكن السنوات طبعت أثرها على الرداء ، فذهب بريقه وانكسرت نضارته .
واتفق إن زار معير الممالك(10) الشيخ زين العابدين في عيد من الأعياد ، فوقع بصره على ردائه البالي ، فأخذه خلسة ثم استأذن من الشيخ فـي الخروج بعد ساعة من الزمن ثم عاد وفي يده رداء فاخر وثمين ، وطلب من الشيخ أن يقبله كهدية متواضعة منه . لكن الشيخ اعتذر عن القبول ، وعلّل ذلك بأن الرداء الذي يرتديه إنما هـو ذكرى غالية عليه من الشيخ الأعظم الأنصاري (قدس سره) وإنه يرتديه من باب التيمّن والتبرّك ولذا ردّ الزائر ردائه وقـد تسامع الناس فيما بينهم بأمر الرداء وقصته ، فصاروا يتوافـدون على الشيخ زين العابدين بنية الاستشفاء والتـبرك وكذلك كان ، حيث انهم كانـوا يرتدونه لحظات فيبرأون من مرضهم بإذن الله سبحانه .
يتنبأ بمن يصلي على جنازته !
تعجب الحاضرون حينما قال لهم السيد محمد مهدي بحر العلوم(11) (قدس سره) وهو يحتضر : أحب أن يكون الشيخ حسين نجف هو الذي يصلي على جنازتي ، ولكن لا يصلي عليّ أحد غير الميرزا مهدي الشهرستاني(12).
ولم يكد السيد ينتهي من كلامه ، حتى لبّي نداء ربه ، وبعد الغسل والكفن طافوا بالجنازة حول ضريح أمير المؤمنـين (عليه السلام) ثـم اصطَّف العلماء والفضلاء ، وكل من حضر، لإقامة الصلاة على الجنازة .
وحدثت جلبة بسيطة انه كيف قال السيد بإن الشهرستاني يصلي عليه وهو في كربلاء ثم فوجئ الحاضرون بعدها بدخـول الشهرستاني من الباب الشرقي للحرم المطهر .
وعندما سئل عن سبب مجيئه إلـى النجف ، أجاب : حينما سمعت بمرض السيد بحر العلوم (قدس سره) عزمت على المجيء لزيارة الأمير (عليه السلام) وعيادة السيد . ولم يجد الجمع بدّأ من أن تتفق كلمتهم على تقديم الشهرستاني للصلاة .
وهكذا تحقق ما تنبأ به السيد بحر العلوم رضوان الله تعالى عليه ، من صفائةِ نفسه واتصاله بإذنه سبحانه بعالم الغيب .
يشفى على يد الإمام المنتظر ( عجل الله تعالى فرجه )
حكى الشيخ الحر العاملي(13) قصة مرضه في الطفولة ، فقال : أصبت فـي صغري بمرض عضال ، بحيث فقد الجميع الأمل في بقائي . وفيما كنت أنا على تلك الحال ، وأنا بـين النوم واليقظة ، رأيت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) والأئـمة الأطهار ( صلوات الله عليهم أجمعين ) ، فسلمـت عليهم وصافحتهم .ولقد كلمني الإمام الصادق (عليه السلام) إلاّ أنـي لا أذكر من حديثه سوى دعائه (عليه السلام) لي بالشفاء .
وأتذكر أنـي عندما صافحت الإمـام الحجـة ( عجل الله تعالى فرجـه الشريف ) لم أتمالك نفسي من البكاء ، وقلت له : يا مولاي ، إني أخاف أن أموت في مرضي هذا ولم أصل إلى هدفي في طلب العلم والعمل .
فقال (عليه السلام) : لا تخف ، أنك لا تموت فـي مرضك هذا ، وإن الله سبحانه سيمنّ عليك بالشفاء ، وسيطول عمرك . ثم ناولني قدحاً فشربت منه . وأفقت من تلك الحالة ، وأنا سالم معافى ، كأن لم يكن بي مرض أو علة .
ووسط فرحة الأهل ودهشتهم ، كنت أحكي لهم قصّة الداء العضال والنوم واليقظة .
من صافحني دخل الجنة
ومثل قصّة الحرّ العاملي الآنفة الذكر هذه ، حكى الشيخ نجم الدين قصّة له مماثلة فقال : بينما كنت في حالة بين النوم واليقظة ، شاهدت رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) وأمير المؤمنين (عليه السلام) ، فأخذت يـد أمير المؤمنين أصافحها واستفيض منها . وعندما مرّ بخاطـري حديث نبوي يقـول : (من صافح علياً دخل في الجنة) (14) . فسألت الإمام (عليه السلام) عن مدى صحته، فقال : نعم صـدق رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (مَـن صافحني دخل الجنة)(15).
من خاف الله خافته المخلوقات
نقل المحدث القمـي (قدس سره) عن ( أمان الأخطار ) إنّ السيد ابن طاووس كان يقول : كنت أسكن ـ زماناً ـ بجوار مرقد أمير المؤمنين (عليه السلام) .
ولقد فوجئت ذات يوم بزوجتي ، وقد أقبلت إليّ هلعة خائفة لا تمتلك أن تتكلم . وبعد أن هدّأت من روعها أخبرتني إنها رأت ، بأمّ عينيها ، الحصران التي بمدخل الحمام ، وهي تنطوي وتنفرش ، ثم تنطوي وتنفرش دون أن أرى أحداً .
انطلقت معها إلى ذلك المكان ، وناديت بصوت سموع : السلام عليكم ، ما هذا الذي نراه منكم ، ونحن في جوار مولانا أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ونحن أولاده وضيوفه ؟ فلا تكدروا علينا صفو هذه المجاورة وإنكم لو كررتم فعلتكم هذه مرة أخرى ، فإنّا سنشكوكم إلى الإمام (عليه السلام) .
وبعد ذلك الخطاب لم نشهد منهم أذى أبداً .
نعم ، أن الله سبحانه ليكفي شرّ الجن والإنس ، ببركة الأدعية والأذكار ، وقراءة القرآن الكريم ، مضافاً إلـى ما ذكـروه (عليه السلام) مـن أن أقتنأ الحمام والديك الأبيض فـي المنـزل ، يساعـد علـى طرد الجـن بإذن الله عزّ وجل .
يقول السيد ابن طاووس : إن الإنسان إذا خاف ربه خوفاً حقيقياً ، فإن جميع المخلوقات ستخاف منه ، لأن المؤمن إذا كان مخلصاً أخاف الله منه كل شيء . وهو مصداق الحديث الشريف : (من خاف الله أخاف الله منه كل شيء ، ومن لم يخف الله أخافه الله من كل شيء) (16) .
القرينان
قال السيد نعمة الله الجزائري(17) (قدس سره) : في إحدى ليالي الجمعة ، وبعد بكاء وأنين ، وتضرع وخشوع ، رأيت في منامي صحراء واسعة ، ليس فيها غير دار واحدة . والناس يتوافدون عليها من كل الأطراف .
قصدت الدار مع الوافدين ، فشاهدت رجلاً جليل القدر ، وقـد قعد في إحدى زواياها يجيب عن أسئلة السائلين .
سألت بعض الحاضرين ، من يكون هذا ؟
قالوا : إنه رسول الله .
انسللت بين الصفوف ، ودنوت منه وقلت : يا جداه ، بلغنا عنك دعاء ، أمرتنا بذكره في الصلاة ، وهو ( إني أقدّم إليك محمداً بـين يـدي حاجتي ، وأتوجه به إليك ) . ولم يرد في الدعاء اسم علي (عليه السلام) وإني اذكر دائماً اسم أمير المؤمنين مع اسمك يا رسول الله فـي الدعاء وأنا أخاف أن أكون قد أحدثت بدعة بعملي هذا .
فما راعني إلاّ والنبي (صلى الله عليه وآله وسلم) يرفـع إحدى يديه ويضم منها إصبعين ويقول : إن ذكر اسم علي مع اسمي ليس بدعة .
وعندما استيقظت من نومي ، وراجعت الدعاء ، فوجئت باسم علي (عليه السلام) ، قد انتقش مع اسم الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم) .
تجسيم الأعمال
أحد الزهّاد في مدينة كربلاء المقدّسة ـ والذي عاشرتـه من قريب وكان مظهره يخبر عن زهده ، حيث كان دائم الذكر لله سبحانه وتعالـى ومشغول الذهن وبعيد عن زخارف الدنيا وزينتها ـ كان جالساً ذات يوم في محل أحد الحلاقين في سوق قبلة الإمام الحسين (عليه السلام) وإذا به يـرى جنـازة تمرّ بمشيّعين كثيرين ، ولما وقع بصره على الجنازة امتعض بشدّة ، وقـال لصاحب المحل وفي حالة تعجّبٍ واستغراب ما هذا الكلب الذي يجلس على التابوت ؟
فنظر الحلاّق وفي حالة استغراب قال : إني لا أرى شيئاً .
عندها أخذ الزاهد يمشي خلف الجنازة وهـو يسـأل المشيّعين عمـّا فوق التابوت ، وكانوا يقولون وفي حالت تعجّب من هذا السؤال : لا شيء سوى القماش الأسود الذي يلّف به التابوت .
وعند وصول الجنازة إلى باب الحرم فإذا بالزاهد يـرى الكلب وقـد تعلّق بالهواء بعد أن أدخلت الجنازة إلى الحرم .
فدخل الزاهد مع المشيّعين والجنازة إلى الحرم الشريف ولم يكن فوق التابوت شيء ، ولما خرجوا من باب الشهداء(18) متوجّهين إلى حرم أبي الفضل العبّاس (عليه السلام) رأى الزاهد ذلك الكلب ، وقد هوى على الجنازة .
أقول : لعل هذا الكلب هو تجسيم لعمل الميت في الدنيا . ونظير هذه القصّة ذكرها المحـدّث الشيخ عباس القمي ) قدس سره ( فـي كتابه القيّـم منازل الآخرة : من دخول الكلب إلى قبر ذلك الميّت .
وقد جاء في القرآن الكريم : ( فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الكَلبِ إن تَحمِل عَلَيهِ يَلهَث أو تَترُكهُ يَلهَث )(19) .
وقد ورد في الدعاء : (من دنيا استكبلتني) أي جعلتني كلباً .
وقد ورد في التاريخ إن الإمام الصادق (عليه السلام) كشف للذي كان معه وجوه من في عرفات على حقيقتهم ، فرآهم على هيئة حيوانات مختلفة والقليل منهم على هيئة إنسان .
وفي جملة من الأحاديث إنّ صور الإنسان فـي يوم القيامة تكون كصفاتهم الباطنية أو أعمالهم المحرّمة ، فبعضهم يكون كالذر يداس بالأقدام وهكذا .
إنسان على هيئة حمار
قال أحد علماء النجف الأشرف ، رأيت إنساناً دخل حـرم الإمام أمير المؤمنين علي (عليه السلام) وسلّم على الإمام وهو على عجالة من أمره ويتمتم ببعض الكلمات لم استطع فهمها ، فأحببت أن استفسر عن هـذه الظاهرة التي أوقفني فضولي عليها . فتقدّمت إليه وسلّمت عليه وسألت عن سبب خروجـه من الحرم بهذه السرعة ثم سألته عن الألفاظ التي كان يتمتم بها .
في البدء أبى أن يــجيــب ، ولكن بعد إصراري وإلحاحي قال : إنّ العالم الـــزاهد الفلاني ـ وذكر اسمه ـ . قال في درسه ذات يوم : إن لكـلّ إنسان صورة واقعيّة ، والأئمة المعصومون (عليه آلاف التحية والسلام) يرون كـل شخصٍ على صورته الواقعية . وبعد أن أتمّ الدرس سألته : ما هي صورتي ؟
قال ذلك العالم الزاهد : صورتك على هيئة حمار .
وإنني كلّما دخلت حرم الإمام علي (عليه السلام) للزيارة خرجت مسرعاً خجلاً من الإمام المعصوم ، وأتمتم مع نفسي مخاطباً إياها : يا حمار ، وألومها على ما أصابني وما اقترفت من ذنوب لعل الله سبحانه يبدّل صورتي إلى صورة إنسان .
أقول : وقد ورد في الحديث الشريف : (أما يخاف الذي يصلي بغير حضور قلب أن يحول الله صورته صورة حمار) .
وفي الآية المباركة : ( كَمَثَلِ الحِمَارِ يَحمِلُ أَسفَارَاً …)(20).
الدعاء الذي أنقذه من الموت
في عام 1260ه انتشر وباءٌ في نجف الأشرف وقد ذهب ضحيته كثير من الناس . وقد أبتلي فجأة السيد علي الشوشتري الـذي كان من المقربين عند الشيخ الأنصاري بهذا الوباء ، واضطربت حالته .
أراد بعض من فـي الدار أن يخبر الشيخ الأنصاري بذلك . ولكن السيد الشوشتري قال : لا حاجة لذلك ، فإن الشيخ سيأتي بعد قليل .
وبعد لحظات فإذا بالباب تطرق .
قال السيد افتحوا الباب فإن الشيخ قد وصل .
وعندما فُتحت الباب فإذا بالشيخ مع خادمه الملا رحمة الله .
قال الشيخ الأنصاري للسيد الشوشتري : ستشافى في القريب العاجل . قال السيد الشوشتري : وكيف ذلك ؟
أجاب الشيخ أنني طلبت من الله سبحانه وتعالى أن تصلي على جنازتي .
وبالفعل : أُستجيب دعاء الشيخ ، فقـد برئ السيد من مرضه وصلى على جنازة الشيخ الأنصاري .
مَن يتق الله يجعل له مخرجا
كان السيد محمد الدزفولي مشغولاً بالمطالعة وبـين فترة والأخـرى يسرح فكره في الديون التي حان وقت تسديدها ، وكانت هذه الديون البالغـة ثمانين تومان تؤرقه كثيراً . ثم خلد إلى النوم وإذا به يرى رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) يقول له : ( لا تفكر بديونك لقـد أوصيت الشيـخ الأنصاري بتسديدها ) .
وبالفعل في صباح يوم التالي جـاء خادم الشيخ الأنصاري الملا رحمة الله يقول: إن الشيخ الأنصاري في انتظارك .
وعندما دخل السيد محمد الدزفولي على الشيخ الأنصاري قال له : أعطني أسماء الذين يطلبونك ومقدار ديونهم وسأقوم بتسديدها .
1 ـ الشيخ عباس محمد رضا بن ابي القاسم القمي ، ولد في مدينة قم المقدسة سنة 1294هـ ، وتوفى في النجف الأشرف سنة 1359هـ ، وكان من المحدّثين المتقين ، ويعدّ من تلاميذ الشيخ حسين النوري ، ترك عدّة مؤلفات منها : مفاتيح الجنان ، الأنوار البهية في تواريخ الحجج الإلهية ، بيت الأحزان ، الكنى والألقاب .
2 ـ من العلماء الأجلاّء في ذلك العصر وكان وصياً للشيخ الأنصاري .
3 ـ اصطلاح فارسي يطلق على مكان تجمع الناس لقراءة العزاء على الإمام الحسين (عليه السلام) .
4 ـ الشيخ محمد بن مكي العاملي الجزيني ، ولد سنة 734هـ ، واستشهد في دمشق في التاسع من جمادى الأولى سنة 786هـ عن عمر يناهز الثاني والخمسين ، ويُعد من تلاميذ فخر المحققين والشيخ شمس الدين .
ترك واحداً وعشرين مؤلفا منها : اللمعة الدمشقية ، الرسالة الألفية في الصلاة ، القواعد والفوائد في الفقه ، الدروس الشرعية في فقه الإمامية ، نهاية المراد في شرح الإرشاد .
5 ـ وكان بيدمر نائب السلطان يرقوق الذي كان يسكن فـي مصر في عهد السلطان بايزيد العثماني ولم تكن مصر وبلاد الشام آنذاك داخلة في حكمه .
6 ـ لا يخفى بطلان مقولة القاضي على ما ذكره المؤلف ( دام ظله ) فـي موسوعة الفقه كتاب القضاء ، وهكذا ذكر سائر الفقهاء .
7 ـ إنّما قال الشهيد ذلك لانّ الشافعي يجيز توبة المرتد .
8 ـ سورة الرعد : الآية 14 .
9 ـ من فقهاء عصره ، اشتهر أمره في التقليد ولا سيما في بلاد الهند ، درس فـي مدينة كربلاء عند المولى محمد سعيد المازندراني الشهير بسعيد العلماء ، وهاجر الى النجف ودرس عند الشيخ محمد حسـن صاحب الجواهر والشيخ مرتضى الأنصاري ، توفـى سنة 1309هـ ، من مؤلفاته ذخيرة العماد ، مناسك الحج ، الدرّة النجفية .
10 ـ هو صهر ناصر الدين شاه ، أحد ملوك إيران في العهد القاجاري .
11 ـ السيد محمد مهدي بن السيد محمد بن السيد محمد تقي بن محمد رضا الطباطبائي المشهور ببحر العلوم ، ولد في كربلاء سنة 1115هـ وتتلمذ عند العلماء الإجلاء أمثال المجدد الشيرازي ، وكان من العلماء المعروفين بالزهد والتقوى وحسن السيرة . يقول هبة الدين الشهرستاني في كتابه أسرة المجـدد الشيرازي ص171 ( كان بحق بحراً زاخراً بالعلوم الدينية حـتى لقب عن جدارة ببحر العلوم ) . توفى سنة 1212هـ .
12 ـ كان الشهرستاني حينها يسكن كربلاء المقدسة ، في حين أن السيد بحر العلوم كان في النجف الأشرف .
13 ـ الشيخ محمد بن الحسن الحر العاملي الجبعي المشهور بالحرّ العاملي ، ولد سنة 1023هـ وتوفى سنة 1104هـ ودفن في إيوان المشهد الرضوي . خلّف ما يقارب ثمانية وعشرين مؤلفاً كبيراً وسبعة وعشرين منظومة وحاشية ، ومن مؤلفاته وسائل الشيعة ، إثبات الهداة ، أمل الأمل .
14 ـ ونظير هذا الحديث ورد في كتاب إرشاد القلوب ص257 . (من صافح علياً فإنما صافحني… ومن صافحني فكأنما صافح أركان العرش … ومن صافح محباً لعلي (عليه السلام) غفر الله له) .
15 ـ المقصود من صافحه وهو مؤمن بما جاء به رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) لوضوح إن الأحاديث يفسّر بعضها بعضاً .
16 ـ كشف الغمة : المجلد الثاني ص135 ، تحف العقول : ص57 ، مشكاة الأنوار : ص117 ، جامع الأخبار : ص97 .
17 ـ السيد نعمة الله بن السيد عبد الله بن السيد محمد الجزائري ، ولد في المنطقة الجنوبية من إيران سنة 1050هـ وتوفى في الثالث والعشرين من شوال 1112هـ ، وكان عالماً فاضلاً ومحققاً مدققاً ومتضلعاً في اللغة العربية وآدابها وفي الفقه والحديث ، ويُعد من تلاميذ المجلسي والسيد هاشمي البحراني والفيض الكاشاني ، ترك ثلاثاً وأربعين كتاباً وتعليقة منها : غاية المرام في شرح تهذيب الأحكام ، شرح روضة الكافي ، البحور الزاخرة فـي شرح كلام العترة الطاهرة ، أُنس الوحيد فـي شرح التوحيد ، الأنوار النعمانية في معرفة النشأة الإنسانية .
18 ـ المتصلة بشارع علي الأكبر .
19 ـ سورة الاعراف : الآية 176 .
20 ـ سورة الجمعة : الآية 5 .
كان الحجة الكوه كمري من الفقهاء الكبار والمراجع المعروفين في مدينة قم المقدسة . عندما شعر بدنوّ أجله . استخار الله بالقرآن علـى كسر ختمه ، فخرجت هذه الآية : ( له دعوة الحق )(8).
source : http://alshirazi.com