مراسيم الشيعة في القرن الخامس و السادس الهجريين .
يعد انشاد المناقب من المراسيم الشيعية المالوفة في ايران ابان القرن الخامس والسادس الهجريين و كـان يـجـري بشكل علني في المراكز التي شهدت حضورا قوياللشيعة فيها و يمكن ان نشبه هذا الـعـمـل بـانـشاد المدائح الشائع في ايران هذا اليوم بكثرة وان المصدر الذي تكفل ببيان نوع هذه المناقب و شكلها هو كتاب فضائح الروافض الذي اكملته توضيحات الرازي القزويني يقول الرازي على لسان مؤلف الكتاب المذكور:.
(( و كان منشدو المناقب ذوو الافواه النتنة ينشدون مناقبهم في الاسواق قائلين انهم ينشدون مناقب امـيـرالـمـؤمـنين و يقراون عادة قصائد ابن بنان الرافضي و امثاله كلها,و يجتمع حولهم جمهور الـروافـض و هم ينالون من صحابة النبي الابرار, و خلفا الاسلام ,و غزاة الدين و نظموا الصفات الـتـنـزيـهية للّه ـ جل جلاله ـ و عصمة الرسل ـ عليهم السلام ـوالمعجزات التي لا تكون لغير الانبيا, شعرا, و نسبوها الى علي بن ابي طالب ((1460)) )).
و يواصل كلامه , و هو ينقل عنه قائلا:.
(( و يـقـراون الـمـغـازي زاعمين ان عليا وضع في المنجنيق بامراللّه ـ تعالى ـ و رمي على ذات السلاسل , لياخذ تلك القلعة التي كان فيها خمسة آلاف مقاتل وحده و قلع علي باب خيبر بيد واحدة , و هو ذلك الباب الذي لو اجتمع عليه مائة رجل , لما زعزعوه عن مكانه اما علي فقد قلعه بيده , ليعبر عـليه الجند و كان الصحابة الاخرون يذهبون و يجيئون عليه لما كان بيده حسدا منهم اياه و فعلوا ذلك ليسام علي و يظهر عجزه ((1461)) )).
و يشير المرحوم القزويني الرازي الى موقف اهل السنة من انشاد المناقب , و ذلك ضمن دفاعه عن بـعـض الـروايـات الخاصة بفضائل اميرالمؤمنين , و ايمائه الى ان بعض الكلام يصدر عن الجهال و الـعـوام و الـطغام و يتمثل هذا الموقف باقامة سوق لانشادالفضائل و بموقفهم هذا, احدثوا للشيعة مراسيم انشاد المناقب على تواتر الايام يقول الرازي :.
((والـعـجـيب ان هذا الخواجه يرى منشدي المناقب في الاسواق و هم ينشدون مناقبهم ولا يرى منشدي الفضائل الذين لم يسكتوا يوما و ا نى كان قمار خمار, لا خلاق له في دنياه , و لا يعرف فضل ابـي بـكـر, و لا منزلة علي , فانه يستظهر عددا من الابيات في شتم الرافضة و يقراها ليكسب من ورائهـا مـالا و جـعـل شـتم المسلمين عملا من اعماله الاساسية فكان يلعنهم لعنا لا مسوغ له و ما يـحصل عليه من مال يصرفه على غناه و زناه في دورالدعارة والفسق و يضحك على اذقان القدرية والمجبرة و ليس انشاد الفضائل و المناقب في الاسواق قاعدة جديدة لكن هذا القمار الخمار و امثاله يـنـشـدون الـجـبر و التشبيه واللعن , و اولئك ينشدون التوحيد, و العدل , و النبوة , و الامامة , و الشريعة ((1462)) )).
و يقول في موضع آخر ايضا عن محتوى الفضائل التي ينشدها اهل السنة :.
(( و هـكـذا لـم يطق المتعصبون من الامويين و المروانيين سماع فضيلة لعلي بعد قتل الحسين و جمعوا حولهم شريحة من الخوارج الذين نجوا من سيف علي , و فئة من الملاحدة ليضعوا لهم مغازي مفتراة و قصصا لا اساس لها تدور حول رستم , و سهراب ,و اسفنديار, و كاوس , و زال , و غيرهم و مـكـنـوا الـمـنـشدين من مربعات الاسواق , كي ينشدوا لهم ما يشتهون , فيردوا بذلك على فضل امـيرالمؤمنين و شجاعته و لا تزال هذه البدعة قائمة و تجمع امة المصطفى على ان مدح المجوس بـدعـة و ضلالة فاذا كان الخواجه لا يطيق سماع منقبة لعلي من منشدي المناقب , فليذهب الى هؤلا الغوغائيين تحت قوس باجكر, و في صحرا غايش ((1463)) )).
و لـعـل مؤلف فضائح الروافض كان ممتعضا من منشدي المناقب و واصل كلامه قائلا:((يجتمعون في الخرابات و ينشدون المناقب )) و دافع الرازي بقوله : ((اتحسب انه لم ير و لم يسمع ان هؤلا ينشدون في قطب روده , و رشته نرصه , و سر بليسان , والمسجد العتيق ماينشدونه في بوابة زاد مهران , و مصلحگاه ((1464)) )).
ان اصـرار مـؤلـف الـفـضـائح على رايه وفر لنا معلومات اكثر في هذا المجال و عندما قال :((ان الروافض ينشدون هذه المناقب ليضلوا عوام الناس و احداثهم من الطوائف الاخرى ويظهروا لهم ان مـا فعله علي وحده خارج عن قدرة غيره من الناس , و ان الصحابة كلهم اعدا علي )) اجاب الرازي قائلا : (( كذب ظاهر و بهتان عظيم و الدليل على ذلك ا نه لوكان هذا هو الهدف من انشاد المناقب بـزعمه , لما انشدوا في قم , و كاشان , و آبه , ومازندران , و سبزوار و غيرها من هذه الحواضر الـتـي لـيـس فـيـهـا غـيـر الـشـيعة و من الواضح ا نهم كانوا ينشدون في هذه الاماكن اكثر من غيرها ((1465)) )).
و تـدل هـذه الـفقرة من كلامه على ان ذلك التقليد كان شائعا في كافة المناطق الشيعية في ايران و نـلمس هنا حقيقة تتمثل في ان نشر فضائل اهل البيت , اجمالا, كان يزيد اقبال الناس على التشيع , و يـضـاعـف نـفـوذ السادة و العلويين الذين كانوا شيعة اصلا و عندماامر المعتضد العباسي ان تقرا صحيفة في فضائل اهل البيت , لم يتخوف من تمردالسنة و لكن حينما قيل له : ان العلويين يستثمرون ذلك لمصلحتهم , فزع , و لم تقراالصحيفة المذكورة ((1466)) .