مواجهة الإمام الصادق ( عليه السلام ) للأفكارِ المُنحرِفة
اتَّسم العصرُ الذي عاشَهُ الإمام الصادق ( عليه السلام ) بظهور الحركات الفِكريَّة ، ووُفُورِ الآراءِ الاعتقاديَّة الغريبة إلى المجتمع الإسلامي .
وأهمُّها عنده هي حركة الغُلاة الهدَّامة ، الذين تطلَّعَتْ رؤوسهم في تلك العاصفة الهوجاء إلى بَثِّ روح التفرِقَة بين المسلمين .
وترعْرَعَتْ بناتُ أفكارهم في ذلك العصر ليقوموا بمهمَّة الانتصار لِمَبادِئِهم التي قضى عليها الإسلام .
فقدِ اغتَنَموا الفُرصَة في بَثِّ تلك الآراء الفاسدة في المجتمع الإسلامي ، فكانوا يبثُّونَ الأحاديثَ الكاذبة ، ويسندونها إلى حَمَلَةِ العِلم من آل مُحمَّدٍ ، ليغرِّروا به العامَّة .
فكان المغيرة بن سعيد يدَّعي الاتِّصال بأبي جعفر الباقر ، ويروي عنه الأحاديث المكذوبة ، فأعلَن الإمامُ الصادق ( عليه السلام ) كذبَه والبراءةَ منه .
وأعطى الإمام ( عليه السلام ) لأصحابه قاعدةً في الأحاديث التي تروى عنه ، فقال ( عليه السلام ) : ( لا تَقبَلوا عَليْنا حَديثاً إِلاَّ مَا وَافَقَ القُرآنَ وَالسُّنَّةَ ، أوْ تَجِدُونَ مَعَه شَاهِداً مِنَ أحَادِيثِنَا المُتقدِّمَة ) .
ثم إن الإمام ( عليه السلام ) قام بهداية الأمَّة إلى النهج الصواب ، في عصرٍ تضارَبَتْ فيه الآراء والأفكار واشتَعَلَتْ فيه نار الحرب بين الأمويِّين ومُعارِضيهم من العباسيِّين .
ففي تلك الظروف الصعبة و القاسية استغلَّ الإمام ( عليه السلام ) الفرصة ، فنشر من أحاديثِ جَدِّه المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) ، وعلوم آبائه ( عليهم السلام ) ما سارت به الرُكبان ، وتربَّى على يَديه آلافُ من المحدِّثين والفقهاء .
ولقد جمع أصحاب الحديث أسماء الرواة عنه من الثقاة - على اختلافِ آرائهم ومقالاتهم - فكانوا أربعة آلاف رَجُل ، وهذِه سِمَة امتاز بها الإمام الصادق عن غَيرِه من الأئمَّة ( عليهم السلام ) .
شرع الإمام ( عليه السلام ) بالرواية عن جدِّه و آبائه ( عليهم السلام ) عندما اندفع المسلمون إلى تدوين أحاديث النبي ( صلى الله عليه وآله ) بعد الغفلة التي استمرَّت إلى عام ( 143 هـ ) .
حيث اختلط آنذاك الحديث الصحيح بالضعيف ، وتسرَّبت إلى السُنَّة العديد من الروايات الإسرائيلية الموضوعة من قبل أعداء الإسلام ، من الصليبيِّين والمجوس ، بالإضافة إلى المختَلَقَات والمجعولات على يد علماء السلطة ، ومرتزقة البلاط الأموي .
ومِن هنا فقد وجد الإمام ( عليه السلام ) أنَّ أمر السنَّة النبوية قد بدأ يأخذ اتِّجاهات خطيرة ، وانحرافات واضحة .
فعمد ( عليه السلام ) للتصدِّي لهذه الظاهرة الخطيرة ، وتفنيد الآراء الدخيلة على الإسلام ، والتي تسرَّب الكثير منها نتيجة الاحتكاك الفكري والعقائدي بين المسلمين وغيرهم .
إن تلك الفترة شكَّلتْ تحدِّياً خطيراً لوجود السنة النبوية ، وخلطاً فاضحاً في كثير من المعتقدات ، لذا فإنَّ الإمام ( عليه السلام ) كان بحقٍّ سَفينَة النجاة من هذا المُعتَرَك العَسِر .
إن علوم أهل البيت ( عليهم السلام ) متوارثة عن جَدِّهم المصطفى ( صلى الله عليه وآله ) ، الذي أخذها عن الله تعالى بواسطة الأمين جبرائيل ( عليه السلام ) ، فلا غرو أن تجدَ الأمَّة ضالَّتها فيهم ( عليهم السلام ) ، وتجدُ مَرْفأ الأمان في هذه اللُّجَجِ العظيمة .
ففي ذلك الوقت ، حيث أخذ كلٌّ يحدِّث عن مجاهيل ونكرات ، ورموز ضعيفة ومطعونة ، أو أسانيد مشوَّشة ، تجد أنَّ الإمام الصادق ( عليه السلام ) يقول : ( حَديثِي حَديثُ أبِي ( عليه السلام ) ، وحَديثُ أبي حَديثُ جَدِّي ( عليه السلام ) ، وحَدِيثُ جَدِّي حَديثُ عَليِّ بن أبي طَالِب ( عليه السلام ) ، وحَديثُ عَليٍّ حَديثُ رَسولِ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) ، وحَديثُ رَسولِ اللهِ ( صلى الله عليه وآله ) قولُ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ) .
بَيْدَ أنَّ ما يثير العجب أن تجدَ من يُعرض عن دَوحَةِ النُبوَّة إلى رجالٍ قَدْ كانوا وبالاً على الإسلام وأهلِه ، وتلك وَصْمَةُ عارٍ وتقصيرٍ لا عُذرَ فيه ، خُصُوصاً في صَحيح البُخاري .