التشيّع في البلاد الأفريقيّة له تاريخ عريق، على الرغم من أنّ المناطق الأفريقيّة التي تواجد فيها التشيّع قديماً أصبحت لا تحمل في عصرنا الحاضر ـ تبعاً للضغوط التي تعرّض لها الشيعة طوال الفترات المنصرمة ـ إلاّ تقاليد وعادات شيعيّة فقط.
وكانت بلاد مصر مركزاً لحكومة الفاطميّين، وكان لها ازدهار كبير في فنون العلم على مدى قرون ثلاثة، لا يَزال « الجامع الأزهر » من آثارها الماثلة إلى يومنا هذا، وقد سعى الخواجة نظام المُلك في تقليد المدارس العلميّة المصريّة، فأسّس المدارس النظاميّة في إيران والعراق.
بيد أنّ الحكومات الشيعيّة ( الفاطميّة، البويهيّة، الحمدانيّة ) كانت حكومات ذات سياسات منفتحة بعيدة عن التعصّب المذهبيّ، فإنّها لم تحدّ من نشاطات أهل السنّة، بينما نجد بعض الحكومات السنّيّة المتعصّبة التي أعقبت الفاطميين ( كالدولة الأيّوبيّة ) قد مارست ضدّ الشيعة أشدّ الضغوط، حتّى بلغ بها الحدّ في ذلك إلى استئصال الشيعة ومحوهم في بعض مناطق البلاد.
ويوجد في بلاد المغرب مدينة تدعى « كثامة »، سكن فيها أبو عبدالله الشيعيّ ( أحد دعاة الإسماعيليّة ) وعمل على جعلها قاعدة لنشر التشيّع في بلاد المغرب. ويُستفاد من عبارة ابن حوقل أن التشيّع في تلك المدينة له جذور متقدّمة تسبق تواجد أبي عبدالله الشيعيّ (1) كما ورد أنّ مدينة « سوس » المغربيّة كان فيها وجود للشيعة (2).
وقد ازدهر التشيّع في مصر بعد مجيء الدولة الفاطميّة، حتّى نقل السيوطيّ أنّ الفاطميّين كانوا يخطبون بـ « اللهمّ صلِّ على محمّد المصطفى، و عليّ المرتضى، و فاطمة البتول، و على الحسن و الحسين سبطَي الرسول » وذكر الاسنوي المصريّ في مقدّمة كتاب « مهمّات الفقه » بأنّ العلماء الرافضة حلّوا محلّ العلماء الشافعيّين بعد مجيء الدولة الفاطميّة.
وجاء في كتاب « الطالع السعيد » أنّ أهالي قرية « أرمنت » المصريّة كانوا من الشيعة، ثمّ تناقص عدد الشيعة بمرور الوقت (3) كما جاء في الكتاب المذكور أنّ مدينة « أسفون » المصريّة كانت تضمّ أعداداً من الشيعة، ثمّ تناقص عدد الشيعة فيها (4).
وذكر المقدسيّ في القرن الرابع الهجريّ أنّ أهالي قصبة « فسطاط » وقصبة « صندفا » ينتمون إلى المذهب الشيعيّ (5).
وقال ابن حوقل: إنّ من أولاد القبط: غيلان أبو مروان رئيس الغيلانيّة، وهم فرقة من فرق الشيعة (6).
وعلى أيّة حال، فقد تعرّض الشيعة إلى قمع وملاحقة شديدين بعد ظهور صلاح الدين الأيوّبيّ، وذكر ابن الأثير في وقائع سنة 584 هـ أنّ عدداً من الشيعة يُقدَّرون باثني عشر رجلاً ثاروا في القاهرة ونادوا « يا عليّ يا عليّ »، إلاّ أنّ أحداً لم يُغثهم (7).
وورد أنّ مدينة « نفطة » الواقعة في بلاد المغرب، بين الجزائر وتونس هي المدينة الوحيدة في تلك الديار التي ينتمي جميع أهليها إلى المذهب الشيعيّ، وذُكر أنّها تُدعى بـ « الكوفة الصغيرة » (8).
وذكرت بعض المصادر أنّ طائفة من أهل شيراز ـ وهم من الشيعة ـ هاجروا إلى بلاد أفريقية (9).
ومن الجدير بالتأمّل أنّ من الآثار التي خلّفها التشيّع في البلاد الأفريقية انتشار حبّ أهل البيت عليهم السّلام ومودّتهم، وهي ظاهرة مكثّفة في بلاد السودان على الخصوص، حيث ذكر أحمد بن أبي الضياف في كتاب « الإتحاف » أنّ أهالي أفريقية لهم محبّة زائدة لعليّ وآله، يشترك في ذلك عالمهم وجاهلهم، حتّى إنّ نساءهم إذا ضربهنّ الطلق نادَين برفيع الصوت « يا محمّد يا عليّ ». وكان الشاذلي ـ وهو من قادة المذهب الصوفيّ في تلك الديار ـ قد أوصى أصحابه أن يستغيثوا عند الشدائد وينادوا « يا محمّد يا عليّ » (10).
ومن أفريقية انتشر التشيّع إلى بلاد الأندلس، حيث ذكر القاضي نور الله أنّ في بلاد الأندلس منطقة تُدعى بـ « جزيرة الرفضة »؛ لأنّ سكّان سواحل تلك الجزيرة قاطبةً هم من الشيعة الإماميّة (11).
وجاء في بعض التقارير التي نُشرت حديثاً أنّ هناك طائفة من الشيعة الإماميّة في مدينة « غرناطة »، يُعدّون من السكّان الأصليّين في تلك الديار (12)، وهو خبر جدير بالتأمّل حقّاً.
----------------------------------------------------
الهوامش:
1- صورة الارض93
2- صورة الارض99-الشيعة في المغرب العربي4-6
3- دائرة المعارف الشيعية57:4
4- دائرة المعارف الشيعية121:4
5- احسن التقاسيم 286:1
6- صورة الارض150
7- الکامل في التاريخ24:12
8- المغرب في ذکر کربلاء،افريقية في المغرب 75
9- دائرة المعارف الشيعية67:5
10- دائرة المعارف الشيعية11:12
11- مجالس المؤمنين78:1
12-Jaunal.Tnstitute 0f Moslim Minoritg 263.Affairs vol.b.1.p294
source : تبیان