عربي
Thursday 28th of November 2024
0
نفر 0

البحث عن الله تعالى ومقاصده

 

 

لطالما كان البحث عن حقيقة وجود الله عزّوجلّ، الهدف الأسمى لدى الإنسان منذ إطلالته الأولى على الحياة الدنيا، ويتناسب ذلك مع واقع خلقه على فطرة الله تعالى حيث نقرأ في سورة الروم 30 (فطرت الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله).

فالتساؤل عن الله والبحث عن مقاصده أمر تكويني، ينبع من الأعماق دون قصد أو إرادة، ولكن ما هي العوامل التي تبعد المخلوق عن خالقه وتكبت هذه الفطرة؟

إن ما يكبت الفطرة ويسيطر عليها هو المجتمع الذي ننشأ


فيه، ولذلك نجد كل مولود يعتنق معتقد ومذهب مربّيه، فترى اليهودي يدافع عن اليهودية ويرى في عزير أنّه (الله)، وينطبق ذلك أيضاً على النصارى الذين يدافعون بشراسة عن النظرية التي أورثهم إيّاها الفيلسوف المشهور أفلاطون بشأن التثليث فيجدون الله تعالى في ثلاث شخصيات أو أقانيم كما وجده آباؤهم الأولون.

ولكن هل يمكن اعتبار هذا المقياس في مسألة المعرفة وما هي المقاييس المشتركة بين المسيحية والإسلام للوصول إلى معرفة الله؟

 

المقياس الأول:

يستعين الإسلام لمعرفة الله وكل الأحكام الدينية الموافقة لإرادته بثلاث أدوات لكلّ منها مجال يختص به ويستعين الكتاب المقدس بذات الأدوات كطرق لمعرفة الله تعالى.

1- الحسّ: ومن أبرز الحواس المستعملة في هذا المجال السمع والبصر، وقد رود عن ذلك في القرآن الكريم (والله أخرجكم من بطون أمهتكم لا تعلمون شيئا وجعل لكم السمع

    

والأبصر والأفئدة لعلّكم تشكرون) النحل: 78).

والشكر يعني التطبيق الصحيح لما توصّل إليه العبد عن طريق السمع والبصر، الطريقة الأولى للتمييز بين الحق والباطل.

السمع والبصر وسيلتان للمعرفة في الكتاب المقدس.

ورد في سفر الأمثال 20: 12 (معيار فمعيار مكيال فمكيال.. الولد أيضاّ يعرف بأفعاله هل عمله نقي ومستقيم الأذن السامعة والعين الباصرة الرب صنعهما كلتيهما... يوجد ذهب وكثرة لآلئ أما شفاه المعرفة فمتاع ثمين).

ويقول صاحب المزمور في كتابه 95: 9: (اختبروني أبصروا أيضاَ فعلي).

وعليه تكون الطريقة التي يتبعها الإسلام في تحديد الصواب والخطأ هي عينها التي يقرّها الكتاب المقدس في نصوصه.

ومن البديهي أن نعلم أن الذي يرى الحق ويبتعد عنه سوف يصاب بعمى البصيرة وهذه هي إرادة الشيطان التبي بيّنها بولس في 2كو: 4: 4 حيث نقرأ (الذين فيهم إله هذا الدهر (الشيطان) قد أعمى أذهان غير المؤمنين لئلاّ تضيء لهم إنارة


مجد الإنجيل). مقارنة مع سورة البقرة: 6 والتي تنصّ: (إن الذين كفروا سواء عليهم ءأنذرتهم أم لم تنذرهم لا يؤمنون).

2- العقل: وهو يكتشف الحقيقة في مجالات محدودة منطلقاً من البديهيات النظرية والعملية كما أنّ القرآن يعتبره مصدراً من مصادر المعرفة كما تشير إليه الآية التي أشرنا إليها في الصفحة السابقة وقد عرّف بالأفئدة، وقد عرّف العقل كحجة في الكتاب المقدس وكوسيلة لمعرفة الله في عدّة أمكن منها.

تثنية 32: 28 و 29 (إنّهم أمة عديمة الراي ولا بصيرة فيهم لو عقلوا لفطنوا بهذه وتأملوا آخرتهم) إذن فالعقل الفطري وسيلة للمعرفة والعملي وسيلة للخلاص في الآخرة.

وقد أمر العهد الجديد باستعمال العقل كوسيلة للتأكد من الأمور حيث قال: (فليتيقن كل واحد في عقله) رومية 14 /: 5.

وهكذا تتم كلمات بولس الواردة في رسالته الى تيطس 2: 12 حيث نقرأ (لأنّه قد ظهرت نعمة الله المخلّصة لجميع الناس معلمة إيّانا أن ننكر الفجور والشهوات العالمية ونعيش بالتعقل والبرّ والتقوي في العالم الحاضر).



ولا يمكن أن يعرف الله عزّوجلّ من خلال النظر والسمع بل يعرف بالعقل كما ينص الكتاب المقدس إذ نقرأ في رومية 1: 21:

(إذ معرفة الله ظاهرة فيهم لأنّ الله أظهرها لهم لأنّ أموره غير المنظورة ترى منذ خلق العالم مدركة بالمصنوعات قدرته السرمدية ولاهوته حتى أنّهم بلا عذر لأنّهم لما عرفوا الله لم يمجدوه أو يشكروه كإله بل حمقوا في أفكارهم وأظلم قلبهم الغبي وبينما هم يزعمون أنّهم حكماء صاروا جهلاء وابدلوا مجد الله الذي لا يفني بشبه صورة الإنسان (المسيح) الذي يفني).

3- الوحي: (الذي هو وسيلة لارتباط ثلّة ممتازة ومميزة من البشر بعالم الغيب) (كتاب العقيدة الإسلامية ص15).

وقد قال سبحانه عن الوحي في محكم تنزيله: (وما كان لبشر ان يكلمه الله الا وحياً أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي بإذنه ما يشاء إنه علي حكيم) (الشورى: 51).

ولذلك كان من الواجب على كلّ مكلّف أن يستعمل الوسائل

 

للوصول إلى المعرفة في أي مجال أو صوب ولا يمكن لنا أن نستفيد من الوسيلة الثالثة (الوحي) كونها تختص بالأنبياء.

وقد استعمل الوحي كوسيلة ارتباط بين الأنبياء والله تعالى في الكتاب المقدس حيث نقرأ في رسالة بطرس الثانية: 1: 21:

(لأنه لم تات نبوة قط بمشيئة إنسان بل تكلّم بها أناس الله القديسون مسوقين من الروح القدس) والأسلوب الذي يربط هذه الثلة الطاهرة بالروح القدس هو الوحي حيث نقرأ في تيموثاوس الثانية: 3: 16 (كل الكتاب هو موحى به من الله ونافع للتعليم والتوبيخ للتقويم والتاديب الذي في البر لكي يكون إنسان الله كاملاً متأهباً لكلّ عمل صالح).

 

الخلاصة:

إنّ كيفية الوصول الى المعرفة أمر لابدّ من الحصول عليه وله وسائله الخاصة وطرقه الثابتة وقد بيّنا في هذا الفصل كيف يمكن أن نصل إلى معرفة الله تعالى ومقاصده من خلال الكتابين الإلهيين القرآن والكتاب المقدس مثبتين بذلك الوحدة فيما بينهما على الأقل في هذا المضمار، وإن وجد ما يخالف هذه النظرية المثبتة فهو قطعاً مدسوس وليس من وحي



الله تعالى، لأن التناقض في الوحي نقص ولا يجوز أن ينسب إلى المولى جلّ وعلا.

والحمد لله رب العالمين.


source : http://www.aqaed.com
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

- نفي العبث و ما يوجب النقص من الاستهزاء و ...
أنّه تعالى مريدٌ ومن صفات كماله إرادته
المعتزلة
الخروج من القبر
الأخوة في القرآن الكريم
الخروج من القبر
في صفات الواجب الوجود تعالى معنى اتصافه بها
ذكر الموت
العدل
لباس النساء بين القرآن والكتاب المقدس

 
user comment