عربي
Saturday 23rd of November 2024
0
نفر 0

سفر الإمام الرضا ( عليه السلام ) إلى البصرة

سفر الإمام الرضا ( عليه السلام ) إلى البصرة

بعد وفاة الإمام الكاظم ( عليه السلام ) سافر الإمام الرضا ( عليه السلام ) إلى البصرة للتدليل على إمامته وإبطال شُبَهِ المنحرفين عن الحق .

وقد نزل ( عليه السلام ) ضيفاً في دار الحسن بن محمد العلوي ، وقد عقد في داره مؤتمراً عاماً ضَمَّ جمعاً من المسلمين .

وكان من بينهم عمرو بن هداب ، وهو من المنحرفين عن آل البيت ( عليهم السلام ) والمعادين لهم ، كما دعا فيه جاثليق النصارى ، ورأس الجالوت .

فالتفت إليهم الإمام ( عليه السلام ) وقال لهم : ( إني إنما جمعتكم لتسألوني عما شئتم من آثار النبوة وعلامات الإمامة التي لا تجدونها إلا عندنا أهل البيت ، فَهَلِمُّوا أسألتكم ) .

فبادر عمرو بن هداب فقال له : إن محمد بن الفضل الهاشمي أخبرنا عنك أنك تعرف كل ما أنزله الله ، وأنك تعرف كل لسان ولغة .

فانبرى الإمام ( عليه السلام ) ، فَصَدَّقَ مقالة محمد بن الفضل في حقه قائلاً : ( صدق محمد بن الفضل ، أنا أخبرته بذلك ) .

وسارع عمرو قائلاً : إنّا نختبرك قبل كل شيء بالألسن واللغات ، هذا رومي ، وهذا هندي ، وهذا فارسي ، وهذا تركي ، قد أحضرناهم .

فقال ( عليه السلام ) : ( فَليتكَلَّموا بما أحبُّوا ، أُجِبْ كلَّ واحدٍ منهم بلسانه إن شاء الله ) .

وتقدم كل واحد منهم أمام الإمام فسأله عن مسألة فأجاب ( عليه السلام ) عنها بلغته .

فَبُهِر القوم وعجبوا ، ثم التفت الإمام ( عليه السلام ) إلى عمرو فقال له : إن أنا أخبرتك أنَّك ستبتلي في هذه الأيام بدم ذي رحم لك هل كنت مصدقا لي ؟.

فأجابه عمرو : لا ، فان الغيب لا يعلمه إلا الله تعالى .

فَردَّ الإمام ( عليه السلام ) عليه مقالته : ( أَوَ لَيسَ الله تعالى يقول : ( عَالِمُ الغَيْبِ فَلا يُظْهِرُ عَلَى غَيبِهِ أَحَداً * إِلا مَنِ ارْتَضَى مِنْ رَسُولٍ .. ) الجن : 26 – 27 .

فرسول الله ( صلى الله عليه وآله ) عند الله مُرتَضى ، ونحن ورثة ذلك الرسول الذي أَطلَعه اللهُ على ما يشاء من غيبهِ ، فعلمنا ما كان ، وما يكون إلى يوم القيامة ) .

ثم قال ( عليه السلام ) : ( وإنَّ الذي أخبرتك به يا بن هداب لَكَائِنٌ إلى خمسة أيام ، وإن لم يَصحُّ في هذه المُدَّة فإني .. ، وإن صَحَّ فَتَعلم أنَّك رَادٌّ عَلى الله ورسوله ( صلى الله عليه وآله ) ) .

وأضاف الإمام ( عليه السلام ) قائلا : ( أما إنَّك سَتُصَاب بِبَصَرِكَ ، وتصير مكفوفاً ، فلا تبصرُ سَهلاً ولا جبلاً ، وهذا كائنٌ بعد أيام ) .

ثم قال ( عليه السلام ) : ( ولك عندي دلالة أخرى ، أنك سَتَحلِفُ يَميناً كَاذِبَة فَتُضرَبُ بِالبَرَص ) – وأقسم محمد بن الفضل بالله بأن ما أخبر به الإمام ( عليه السلام ) قد تحقق ، وقيل لابن هداب : هل صَدَقَ الرضا ( عليه السلام ) بِمَا أَخبرَ بِهِ ؟ فقال : والله لقد علمت في الوقت الذي أخبرني ( عليه السلام ) به أنه كائن ، ولكني كنت أتجلد – .

ثم التفت الإمام ( عليه السلام ) إلى الجاثليق فقال له : ( هل دل الإنجيل على نبوة محمد ( صلى الله عليه وآله ) ) ؟

وسارع الجاثليق قائلا : لو دَلَّ الإنجيل على ذلك ما جحدناه .

ثم سأله الإمام ( عليه السلام ) أيضاً : ( أخبرني عن السكنة التي لكم في السِّفْرِ الثالث ) ؟

فأجاب الجاثليق : إنها اسم من أسماء الله تعالى ، لا يجوز لنا أن نظهره .

ورد عليه الإمام ( عليه السلام ) قائلاً : ( فإن قَرَّ بِهِ رَبُّك أنه اسم محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، وأقرَّ عيسى ( عليه السلام ) به ، وأنه بَشَّرَ بني إسرائيل بمحمد لِتقرَّ بِهِ ، ولا تنكره ) ؟

ولم يجد الجاثليق بُدّاً من الموافقة على ذلك قائلا : إن فعلت أقررت ، فإني لا أَرُدُّ الإنجيلَ ولا أجحدُهُ .

وأخذ الإمام ( عليه السلام ) يقيم عليه الحجة قائلاً : ( خذ على السِّفْرِ الثالث الذي فيه ذكر محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، وبشارة عيسى ( عليه السلام ) بمحمد ( صلى الله عليه وآله ) ) ؟

فسارع الجاثليق قائلاً : هَات مَا قُلته .

فأخذ الإمام ( عليه السلام ) يتلو عليه السِّفر من الإنجيل الذي فيه ذكر الرسول محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، وقال للجاثليق : ( من هذا الموصوف ) ؟ قال الجاثليق : صِفْهُ .

فأخذ الإمام ( عليه السلام ) في وصفه قائلاً : ( لا أصفُهُ إلا بما وصفه الله ، وهو صَاحِب الناقة ، والعَصَا ، والكساء ، النبي الأُمِّي ، الذي يجدونه مكتوباً عندهم في التوراة والإنجيل ، يأمرهم بالمعروف ، وينهاهم عن المنكر .

ويُحِلُّ لهم الطيبات ، وَيُحرِّمُ عليهم الخبائث ، ويضع عنهم إِصرَهُم والأغلال التي كانت عليهم ، يهدي إلى الطريق الأقصد ، والمنهاج الأعدل ، والصراط الأقوم ) .

ثم قال ( عليه السلام ) : ( سألتك يا جاثليق بحق عيسى ( عليه السلام ) روح الله وكلمته ، هل تجدون هذه الصفة في الإنجيل لهذا النبي ) ؟

فأطرقَ الجاثليق مَلِيّاً برأسه إلى الأرض وقد ضاقت عليه الأرض بما رَحُبَت ، فَقد سَدَّ عليه الإمام كل نافذة يسلك منها ، ولم يسعهُ أن يَجحَدَ الإنجيل ، فأجاب الإمامَ ( عليه السلام ) قائلاً : نعم ، هذه الصفة من الإنجيل ، وقد ذَكَر عيسى في الإنجيل هذا النبي ، ولم يصح عند النصارى أنه صاحبكم .

فانبرى الإمام ( عليه السلام ) يقيم عليه الحجة ، ويبطل أوهامه قائلاً : ( أما إذا لم تكفر بجحود الإنجيل ، وأقررت بما فيه من صفة محمد ( صلى الله عليه وآله ) ، فَخُذ على السِّفْرِ الثاني .

فإنه قد ذكره ( صلى الله عليه وآله ) وذكر وَصِيه وذكر ابنته فاطمة وذكر الحسن والحسين ( عليهم السلام ) ) .

وقد استبان للجاثليق ورأس الجالوت أن الإمام ( عليه السلام ) عالم بالتوراة والإنجيل ، وأنه واقف على جميع ما جاء فيهما .

فَفَكَّرا في التخلص من حجج الإمام ( عليه السلام ) فأبديا الشك في أن الذي بَشَّر به موسى والسيد المسيح ( عليهما السلام ) هو النبي محمد ( صلى الله عليه وآله ) .

وطفقا قائلين : لقد بَشَّر بِهِ موسى وعيسى ( عليهما السلام ) جميعاً ، ولكن لم يتقرَّر عندنا أنه محمد هذا ، فأما كون اسمه محمد ، فلا يجوز أن نقرَّ لكم بنبوتِهِ ونحنُ شَاكُّون أنَّه مُحَمدُكُم أو غيره .

فانبرى الإمام ( عليه السلام ) فَفَنَّدَ شُبْهَتَهُم قائلاً : ( اِحتَجَجْتُم بالشك ، فهل بَعثَ اللهُ قَبل أو بَعد مِن وُلدِ آدم ( عليه السلام ) إلى يومِنَا هَذا نَبِيّاً اسمه مُحمد ، أو تجدونه في شيء من الكتب التي أنزلها الله على جميع الأنبياء غير محمد ) ؟

فَأُحجِمُوا عن الجواب ، ولم يجدا شبهة يتمسكان بها ، وأَصَرَّا على العناد والجحود قائلين : لا يجوزُ لَنَا أن نُقرَّ لك بأن مُحمّداً هُوَ مُحمدكم .

فإنَّا إن أقررنا لك بِمُحمد ووصيِّهِ وابنتِهِ وابنَيهَا على ما ذكرتم أَدخَلتُمُونَا في الإِسلام كُرْهاً .

فانبرى الإمام ( عليه السلام ) قائلاً : ( أنت يا جاثليق آمن في ذمة الله وذمة رسوله أنه لا يبدؤك مناشيء تكرهه ) .

وسارع الجاثليق قائلاً : إذ قد آمنتني ، فإن هذا النبي الذي اسمه محمد ، وهذا الوصي الذي اسمه علي ، وهذه البنت التي اسمها فاطمة ، وهذان السبطان اللذان اسمهما الحسن والحسين في التوراة والإنجيل والزبور .

وطفق الإمام ( عليه السلام ) قائلاً : ( هل هذا صدق وعدل ) ؟ فقال : بل صدق وعدل ، وسكت الجاثليق واعترف بالحق .

ثم التفت الإمام إلى رأس الجالوت فقال له : اِسمع يا رأس الجالوت السِّفر الفلاني من زبور داود .

قال رأس الجالوت : بارك الله فيك وفيمن ولدك ، هات ما عندك .

وأخذ الإمام ( عليه السلام ) يتلو عليه السِّفر الأول من الزبور حتى انتهى إلى ذكر محمد وعلي وفاطمة والحسن الحسين ( عليهم السلام ) .

وجه ( عليه السلام ) السؤال الثاني قائلاً : ( سألتك يا رأس الجالوت بحق الله هذا في زبور داود ) ؟

فقال : نعم هذا بعينه في الزبور بأسمائهم .

وانبرى الإمام ( عليه السلام ) قائلاً : ( بحق عُشرِ الآيات التي أنزلها الله على موسى بن عمران في التوراة ، هل تجد صفة محمد وعلي وفاطمة والحسن والحسين ( عليهم السلام ) في التوراة منسوبين إلى العدل والفضل ) ؟

فلم يسع رأس الجالوت إلا الإقرار والاعتراف بذلك .

ثم أخذ الإمام يتلو في سفر آخر من التوراة ، وقد بهر رأس الجالوت من اطِّلاعِ الإمام ( عليه السلام ) ومن فصاحته وبلاغته ، وتفسيره ما جاء في النبي وعلي وفاطمة والحسنين ( عليهم السلام ) .

فقال رأس الجالوت : والله يا بن محمد ، لولا الرياسَة التي حَصَلَت لي على جميع اليهود لآمنت بأحمد ، واتبعت أمرك .

فَوَ الله الذي أنزل التوراة على موسى ، والزبور على داود ، ما رأيت أَقْرَأَ للتوراة والإنجيل والزبور منك ، ولا رأيت أحسن تفسيرا وفصاحة لهذه الكتب منك .

وقد استغرقت مناظرة الإمام معهم وقتاً كثيراً حتى صار وقت صلاة الظهر فقام ( عليه السلام ) فصلى بالناس صلاة الظهر ، وانصرف إلى شؤونه الخاصة ، وفي الغد عادَ إلى مجلسه ، وقد جاءوا بجارية رومية لامتحان الإمام ( عليه السلام ) .

فكلمها الإمام بلغتها ، والجاثليق حاضر ، وكان عارفاً بلغتها ، فقال الإمام للجارية : أَيُّما أحب إليك مُحمد ( صلى الله عليه وآله ) أم عيسى ( عليه السلام ) ؟

فقالت الجارية : كان فيما مضى عيسى ( عليه السلام ) أَحَبُّ إليَّ ، لأني لم أكن أعرف محمداً ( صلى الله عليه وآله ) ، وبعد أن عرفت محمداً فهو أحب إلي من عيسى .

والتفت لها الجاثليق فقال لها : إذا كنت دخلت في دين محمد ( صلى الله عليه وآله ) فهل تبغضين عيسى ( عليه السلام ) ؟

فأنكرت الجارية كَلامُهُ فقالت : معاذ الله بل أحب عيسى ( عليه السلام ) وأومن به ، ولكن محمداً ( صلى الله عليه وآله ) أحبُّ إليَّ .

والتفت الإمام ( عليه السلام ) إلى الجاثليق فطلب منه أن يُتَرجِمَ للجماعة كلام الجارية .

فَترجمَهُ لهم ، وطلب الجاثليق من الإمام أن يحاجج مسيحياً من السند له معرفة بالمسيحية ، وصاحب جدل .

فحاججه الإمام ( عليه السلام ) بلغته ، فآمن السندي بالإسلام ، وأقر للإمام ( عليه السلام ) بالإمامة ، وطلب ( عليه السلام ) من محمد بن الفضل أن يأخذه إلى الحمام ليغتسل ، ويطهر بدنه من دِرَنِ الشرك .

فأخذه محمد إلى الحمام ، وكساه بثياب نظيفة ، وأمر الإمامُ ( عليه السلام ) بحمله إلى يثرب ليتلقى من علومه ، ثم وَدَّع الإمام أصحابه ومضى إلى المدينة المنورة .

 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أدعية الإمام الرضا ( عليه السلام )
صحيفة الإمام الرضا ( عليه السلام )
لماذا أبو نواس تأخر عن مدح الإمام الرضا(ع)؟
الإمام الرضا (ع) وتجربة المشارکة السياسية في ...
نبذة من حياة الامام علي بن موسي الرضا (ع)
طب الرضا
أدعية الإمام الرضا عليه السلام
مناظرة الإمام الرضا ( عليه السلام ) مع أصحاب ...
تراث الإمام الرضا عليه السلام
کرامات الامام الرضا علیه السلام

 
user comment