عربي
Wednesday 25th of December 2024
0
نفر 0

المهمة الكبرى للمهدي المنتظر


بعد انتقال النبي الأعظم إلى جوار ربه، واستيلاء بطون قريش على منصب الخلافة بالقوة والتغلب، وحيازتها الفعلية للملك الذي تمخضت عنه النبوة، حدثت تغييرات هائلة وشاملة وجذرية، طالت كل شيء كان النبي قد مسه، فنقلته من مكان إلى آخر، وعدلت وبدلت فيه، حتى غيرت حقيقته تماما ولم يبق منه إلا اسمه أو رسمه الإسلامي.
فقد حلت عرى الإسلام كلها سريعا عروة بعد عروة، ورفعت مضامينه ومفاهيمه الجوهرية من واقع الحياة تماما أو حيدتها!! ولم يبق من الإسلام إلا اسمه والإطار العام أو الشكل اللازم لبقاء الملك، وتوسيع رقعة المملكة أو الامبراطورية ولكن باسمه، أما الإسلام الحقيقي بجوهره ومضمونه فقد صار غريبا، لا يعرفه المجتمع أبدا!! ولا شيء يدل عليه أو يرمز إليه إلا الفئة المؤمنة القليلة والمتكونة من آل محمد وأهل بيته وقدامى المحاربين المؤمنين الذين قامت دولة النبوة على أكتافهم، وانتشرت دعوة الإسلام بسيوفهم وألسنتهم، وصحبوا النبي فأحسنوا الصحبة ووالوه فأخلصوا بالولاء، واستوعبوا ووعوا علوم الإسلام، فلما مات النبي تمسكوا بالقرآن وبأهل بيت النبوة كما أمروا فنقمت عليهم دولة الخلافة، وصبت جام غضبها عليهم فعزلتهم مع أهل بيت النبوة، وحرمت عليهم.
تولي الوظائف العامة وكممت أفواههم، وضيقت عليهم معيشتهم، ونفرت الناس منهم، فأذلوا وعزلوا تماما وصاروا غرباء كغربة الإسلام والإيمان!! وهم من عناهم النبي بقوله: (فطوبى للغرباء الذين يصلحون إذا فسد الناس). (راجع سنن الدارمي ج 2 ص 311 ـ 312 وصحيح مسلم ج 1 ص 130 وصحيح الترمذي ج 5 ص 18) اسم الإسلام ورسمه، والقرآن الكريم بين دفتين، وأهل بيت النبوة، والفئة القليلة المؤمنة الغريبة المستضعفة هم جميعا كل ما تبقى من الإسلام، وعمق الشعور بالإحباط وجذر المصيبة وضاعفها أن دولة الخلافة قد أجبرت أهل بيت النبوة وآل محمد وقدامى المحاربين وكافة أفراد الفئة المؤمنة على الجلوس على مقاعد التلاميذ وقصرت دورهم على الاستماع والموافقة، بعد أن سلمت الإمرة والقيادة ومنصب (الاستاذية والتعليم) إلى القضاء وحديثي العهد بالإسلام المتأخرين بالقوة وأمرتهم، وأخرت المتقدمين السابقين بالقوة وأجبرتهم على الاعتراف بأنهم متأخرون بالقوة أيضا!!!
ولم تكتف بذلك إنما خلطت الأوراق خلطا عجيبا!! فلم يعد المراقب المنصف يدري بالفعل أيا من أي كما قال الرسول وحذر!!
وهكذا اقتصرت مهمة الدين على حراسة تاريخ عصر ما بعد النبوة وإثبات شرعية وقائعه وظواهره التي تمخضت عنها الحركة السياسية لمسيرة الخلفاء المتغلبين من بعد النبي!!! وهرولت وراءهم الأكثرية الساحقة من الأمة طمعا برغيف العيش وبقيا منها على الحياة وتربت هذه الأكثرية تحت قبة الرأي والتأويل المفضي مباشرة إلى فقه الهوى، ونشأ فقه الهوى بالفعل وصار هو القانون النافذ في المجتمع، وتمكن هذا الفقه من النفوس، وظهر أو أظهر بصورة الدين الإسلامي وثوبه، وألقى هذا الفقه أجرانه في ديار الإسلام!! فعليك أن تقبل به وبتاريخ ما بعد النبوة معا، أو ترفض الدين وهذا التاريخ معا!! فهما وجهان لعملة واحدة، وكل جيل كان يسلم راية فقه الهوى للجيل الذي يليه، فأشربت قلوب المسلمين كليات وتفاصيل هذا الفقه بما كسبت أيديهم، وكانت الأجيال كلها تتحرك تحت أشراف وسطوة الخلفاء المنقلبين الذين صنعوا هذا الفقه ورعوه..
ومنه استمدوا شرعية وجودهم وسلطتهم!!
ومع أن المسلمين يعترفون بأن عرى الإسلام كلها قد حلت عروة بعد عروة، وأنه لم يبق من الإسلام عروة بدون حل!! وهم يعترفون أيضا بأن الإسلام قد أخرج من واقع الحياة ومسرحها وصار تاريخا، وهم يقرون أن الإسلام والإيمان والمسلمين والمؤمنين الصادقين قد صاروا جميعا غرباء، وأن حكم الله قد رفع من الأرض، وأن الأمة الإسلامية لم تعد أمة وسطا وأنها لم تعد مؤهلة لتكون الشاهدة على الناس، وكان هذا واضحا للناس جميعا من اللحظة التي أصبح فيها الذين عادوا الله ورسوله هم الحكام والمعلمون وأجبر أهل بيت النبوة وأولياء الله ورسوله على أن يكونوا تابعين ومحكومين ومقتصر دورهم على الإصغاء والسكوت أو مواجهة الموت الزؤام!!
مع أن المسلمين يعرفون كل ذلك معرفة تامة، ويقرون بحدوثه ووقوعه إلا أنه ليست لأحد من المسلمين الرغبة لمعرفة: من الذي فكك الإسلام، وحل عراه، وتسبب بإخراجه من واقع الحياة، وجعله والمتمسكين به في حالة غربة وهو صاحب الدار، ومن الذي مكن أعداء الله والمتأخرين من أن يصبحوا هم القادة وفرض على أهل بيت النبوة وقدامى المحاربين المؤمنين والفئة المؤمنة التأخر والذل؟!!
مع أن معرفة أولئك الذين تسببوا بكل هذه المصائب أمر ضروري!!
وتشخيص لا بد منه لوصف الدواء!!
وإذا رغب المسلمون بمعرفة من الذي فعل بهذه الأمة هذه الأفاعيل، وتسبب بدمار الإسلام والمسلمين فإن رغبتهم تصطدم مع فقه الهوى الذي أشربته قلوبهم، وحسب قواعد هذا الفقه، فإن طاعة ومحبة الذين حلوا عرى الإسلام وجعلوه غريبا واجبة، ومعصيتهم، أو كراهيتهم، أو الخروج عليهم حرام بالإجماع!!!! فمحبتهم واجبة وهم أموات، والاقتداء بهم دين حتى وإن كانوا مخطئين!!
وهكذا تصطدم الرغبة بتشخيص الداء ومعرفة الأعداء بفقه الهوى الذي تمكن من النفوس واستقر فيها بعد 14 قرنا من المداومة على حفظه على ظهر قلب والإيمان به وتصطدم مع اللاشعور المسكون بالرعب والخوف من سيوف المتغلبين وأعوانهم، والخشية من قطع العطاء، والحرمان من الجاه والنفوذ!! فلا شعور الأمة ما زال تحت سطوة معاوية والخلفاء الأمويين.
لهذا كلما سأل المسلم نفسه التساؤلات التي طرحناها قبل قليل يسيطر على قلبه وسمعه وعقله عالم لا شعوره المملوء بالرعب والعائش بالفعل تحت سلطة معاوية وحكمه، عندئذ يلعن هذا المسلم الشيطان ويعود لنفس الدائرة التي سجن المسلمون فيها أنفسهم طوال التاريخ!!!
فنكون أمام مشكلة حقيقية مستعصية الحل، فلو عاش الناس مليون قرن فلن يخرجوا من هذه الدائرة التي سجنوا أنفسهم فيها، ولن تفارقهم أشباح الرعب التي تتحكم بلا شعورهم!! فنحن أمام عقبة كبرى لا يمكن أن يقتحمها إلا نبي أو ولي مجرب ومدعوم إلهيا، وبما أن محمدا هو رسول الله وخاتم النبيين ولا نبي بعده، فيكون الولي العارف المجرب المطلع هو القادر على حل مشكلة المسلمين واجتياز هذه العقبة الكؤود، وإخراجهم من الدائرة التي سجنوا أنفسهم فيها.
وقد اختار الله سبحانه وتعالى عبده محمد بن الحسن ليكون هو المهدي المنتظر، لحل المشكلة العالمية من عقالها وتجاوز العقبة، وإخراج الناس من دائرة التقليد الأعمى (إنا وجدنا آباءنا على أمة) إلى دائرة الإبداع الملتزم! وقد وهب الله تعالى للمهدي المنتظر عمرا طويلا، وقدرة هائلة على التنقل والاستيعاب، والتخفي، فهو يعيش بين الناس، ويفهم كليات وتفاصيل ما يجري في العالم وهو ينتظر اكتمال الأسباب وأمر الله له بالظهور والخروج فعندما يخرج المهدي المنتظر تكون أسباب النجاح قد هيئت تماما، فيقوم المهدي المنتظر بإعادة الأمور إلى نصابها الشرعي تماما، ويدوس على الخلط بقدمه، ويفرز الأوراق عن بعضها البعض، ويضع النقاط على الحروف ويسمي الأشياء بأسمائها، ويقدم الإسلام على حقيقته للعالم، فتزول الغشاوات عن العيون، والرين عن القلوب، ويشكل المهدي حكومته العالمية من المؤمنين الصادقين أصحاب القوة والأمانة من رجال العالم ونسائه، وتصبح كل أقاليم العالم (دولة) ولايات لدولته، ويصبح كل أبناء الجنس البشري رعايا ومواطنين في دولته.
تعاملهم بكل المحبة والاحترام لا فرق بين لون ولون أو بين عرق وعرق، أو بين قوم وقوم، وتؤول إلى خزينة دولة المهدي كافة موارد العالم الاقتصادية، فيوزعها بين الناس بالسوية دون أن يميز أحدا عن أحد، لأن الحاجات الأساسية لبني البشر متشابهة، وخلال عهده تعطي السماء كل بركاتها، وتخرج الأرض كل كنوزها وخيراتها ويقصم المهدي كل جبار في الأرض. ويتحرر الإنسان من الخوف والعوز معا، وتتفتح أمام أبناء الجنس البشري أبواب ومنافذ العصر الذهبي الدنيوي الذي لا يضاهيه عصر في الدنيا، فلا عدوان ولا بغي ولا ظلم، ولا خوف ولا عوز، ولا مرض ولا قلق...
هذه هي الخطوط العريضة لتوجهات المهدي المنتظر واتجاهاته وهذه هي المهمة الكبرى التي اختار الله عبده المهدي لإنجازها وهذا هو المهدي الذي طالما بشر به النبي، ووعد المؤمنين والجنس البشري بالخلاص على يديه، وهذا هو خاتم الأئمة الذين اختارهم الله لقيادة العالم!.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

استشهاد النبي الرسول محمد(ص) اغتيالا بالسم
صيام رمضان.. حقائق علمية وفوائد صحية
تعظيم العلماء للإمام الصادق عليه السلام
ذكرى استشهاد السيدة أم البنين (عليها السلام)
مرقد الامام الجواد عليه السلام
الحجاب و الحرية
التناسخ عند الغزالي
الصراط و الهداية
في اجتهاده في كسب المعاش
الحبّ في القرآن والروايات

 
user comment