موقف الإمام الجواد ( عليه السلام ) من الدولة العباسية
عندما كان الإمام الجواد ( عليه السلام ) يعيش في المدينة المنورة كان يحتلُّ موقعاً قيادياً ، ومقاماً رفيعاً ، في نفوس الأمة المسلِمَة هناك ، باعتبارِه الخَلَف الصالح ، والممثِّل الحقيقي لإمامة أهل البيت ( عليهم السلام ) .
لذلك نَجِد الخليفة المأمون يستقدم الإمام الجواد ( عليه السلام ) من المدينة المنوَّرة في عام ( 211 هـ ) ، محاولةً منه لاحتِواء حركَتِه الجماهيرية في مجالَي الفكر والسياسة .
ولكنَّ الإمام ( عليه السلام ) كان على العكس من ذلك ، فقد كان يمارس نشاطه بدِقَّة وإتقان ، ويتحرك في كل مجال تتوفر له فرصة الحركة فيه .
فيرفض ( عليه السلام ) البقاء في بغداد ليكون بعيداً عن حِصَار السلطة ومراقبتها ، ويعود إلى المدينة المنورة ، مَسْقط رأسه ، ودار إقامة آبائه ، ومركز العلم والإشعاع الفكري ، ليُسقِط الخُطَّة ، ويحقق الأهداف المرتبطة به ، كإمام للأمة ، ورائِدٍ من رُوَّاد الشريعة المقدّسة .
وقد سَجَّلت لنا كتب التاريخ القلق العباسي من شخصية الإمام الجواد ( عليه السلام ) من خلال الحوار الذي جَرى بين أعمدة الأسرة العباسية والخليفة المأمون ، حين أقدم على تَزويجِهِ من ابنَتِه أم الفضل .
وبعد انتهاء حياة المأمون بدأت حياة المعتصِم ، فكان كَسَلَفِهِ ، يخافُ من الموقع القيادي الذي يحتلُّه أهل البيت ( عليهم السلام ) ، بين صفوف الأمة .
لذلك قام المعتصِمُ باستدعاء الإمام ( عليه السلام ) من المدينة المنوَّرة إلى بغداد في عام ( 219 هـ ) .
وذلك ليكون على مقربة من مركز السلطة والرقابة ، ولغرض الحَدِّ من دورِ الإمام ( عليه السلام ) السياسي والعلمي ، وبالفعل تَمَّ استقدامُهُ إلى بَغداد ، ولم يَبْقَ فيها إلاَّ مُدَّةً قصيرة .