الأهداف الكبرى والمهام العظمى:
المهام الكبرى، والمهام العظمى المناطة بالإمام المهدي مهمة تنفيذها وتحقيقها تستدعي آيات ومعجزات من نوع مكثف وخاص. فالمهدي المنتظر مكلف بأن يقطف ثمرة جهد كافة الأنبياء والرسل والأوصياء، وأن يحقق ما تطلعوا إلى تحقيقه، وذلك بأن يهدي سكان الكرة الأرضية من مختلف الأديان إلى دين الله الواحد وهو الإسلام، ومكلف بأن يكون دولة عالمية تسمل كافة أقاليم الكرة الأرضية برا وبحرا وجوا، ويحمل جنسيتها كافة أبناء الجنس البشري المتواجدين على الكرة الأرضية في زمن المهدي، ومكلف أيضا بأن يجعل المنظومة الإلهية قانونا نافذا في كافة أرجاء دولته العالمية، وأن ينشر العدل المطلق، ويحقق الكفاية والرخاء التام لكافة أبناء الجنس البشري، ليتعرف العالم على طبيعة الحكم الإلهي، ونتائج هذا إن طبق، وليحيا أبناء الجنس البشري العصر الذهبي في ظلال هذا الحكم قبل قيام القيامة بقليل. وتلك أهداف ومهام لم يكلف بها نبي ولا رسول ولا وحي قط قبل المهدي المنتظر، كانت مهمة النبي والرسول والوحي على الإطلاق: (أي نبي أو رسول أو وحي) مقتصرة على بذل العناية، وإقامة الحجة، ولا تنصب بكليتها على تحقيق غاية، فالنبي أو الرسول أي نبي أو رسول، مطالب بأن يبلغ رسالات ربه، وأن يبذل العناية الكافية بهداية قومه، وأن يثبت بأنه حقيقة نبي الله ورسوله، فإذا رفضت هذه الأمة أو تلك مضامين الرسالة الإلهية، فإن هذا الرسول أو ذاك غير مخول بجر الناس إلى الحق جرا، وإلزامهم بالاعتراف بمضامين الرسالة الإلهية قسرا، لأن الفئة القليلة المؤمنة التي آمنت به وصدقت بمضامين الرسالة الإلهية لا تقوى على مواجهة الأكثرية الساحقة الكافرة بتلك المضامين، والمواجهة بهذه الحالة لون من ألوان الانتحار، لأن نتائج المواجهة محسومة سلفا وفقا لموضوعية وقواعد عملية (الابتلاء الإلهي) التي يجب أن تجري في مناخ حيادي، حتى يخضع العمل للثواب أو العقاب!! وأمام عدم قدرة الفئة المؤمنة على المواجهة، ولأنه لا بد من عقاب الذين كذبوا رسولهم، وكفروا بمضامين رسالته، فقد ختمت أكثر الرسالة الإلهية بالعذاب النكر الذي صبه الله تعالى على الأكثرية الفاسدة التي آمنت بباطل أئمة الضلالة، وكفرت بالحق الذي جاءت به الرسالات الإلهية، فتصبح رسالة كل نبي سطر في تاريخ الهداية الإلهية، ومشعل يتألق نوره وسط عالم ملأه المجرمون بالظلمات.
مهمة الإمام المهدي المنتظر مختلفة اختلافا جوهريا:
إذا كان النبي، أي نبي مكلف إلهيا ببذل عناية بقوم وعلى رقعة محدودة من الأرض، فإن الإمام المهدي مكلف إلهيا بتحقيق غاية على مستوى الكرة الأرضية، وعلى مستوى العالم كله، وتحقيق غايات الإمام المهدي كاملة، وتنفيذ المهام المنوطة به من المحتومات الإلهية التي لا مفر من تحقيقها، لأن الله تعالى قد حتم ذلك، وكلف الإمام المنتظر بتحقيق كافة الغايات الإلهية التي حددها تعالى بنفسه، وأن ينفذ كافة المهام الإلهية التي وضعها الله تعالى بنفسه، ووعد الإمام المهدي بالدعم المطلق، والتأييد المطلق اللازمين لتحقيق الغايات الكبرى والأهداف العظمى، فلا بد أن يدخل سكان الكرة الأرضية في زمن المهدي بالإسلام، ولا بد من أن يكون المهدي دولته العالمية الشاملة لكل بقاع الأرض، ولا بد أيضا من أن تكون المنظومة الحقوقية الإلهية هي القانون النافذ على كل سكان الأرض، ولا بد من نشر العدالة المطلقة، وتحقيق الاكتفاء التام والرخاء المطلق لكل بني البشر، هذه أوامر الله، وتلك مشيئته التي لا راد لها، وهي حتميات لا بد من وقوعها بالكم والكيف الذي أراده الله.
آيات ومعجزات كافية لتحقيق الغايات وإنجاز المهمات:
الأهداف والمهام الكبرى المناطة بالإمام المهدي المنتظر تحقيقها على مستوى الكرة الأرضية، وعلى مستوى بني البشر جميعا تحتاج إلى آيات ومعجزات كافية، وناطقة بالحق، فإذا كان النبي موسى المكلف بإنقاذ بني إسرائيل من قبضة الفرعون، وهداية الإقليم المصري يحتاج إلى تسع آيات بينات، ومع أنه قد أظهر هذه الآيات التسع إلا أن أهل مصر لم يهتدوا، وأثمرت هذه الآيات عن إنقاذ بني إسرائيل فقط وهدايتهم إلى حين، ومع أن الآيات والمعجزات الربانية قد تتابعت وأظهرها موسى جميعا، إلا أن بني إسرائيل قد انحرفوا انحرافا كبيرا، وعبدوا العجل عندما غاب عنهم موسى أياما معدودات، وحال الأنبياء جميعا لم تختلف كثيرا عن حال موسى، ومعاناتهم لم تقل عن معاناته، إذا كان هذا الكم والكيف من المعجزات قد أظهرهما الله تعالى وأيد بهما موسى لغايات إنقاذ بني إسرائيل من قبضة فرعون وهدايتهم، وهم مجرد عشيرة، فما هو حجم الآيات والمعجزات التي تلزم لتحقيق المحتومات المكلف الإمام المهدي بتحقيقها وهي على مستوى الكرة الأرضية ومستوى الجنس البشري!!!! من المؤكد بأن الله سبحانه وتعالى سيزود الإمام المهدي بالآيات والمعجزات اللازمة والكافية لتحقيق الغايات، وإنجاز المهمات التي كلفه الله تعالى بتحقيقها وإنجازها.
نماذج من الآيات والمعجزات التي سيظهرها الله على يد المهدي المنتظر:
قال الإمام جعفر الصادق: (ما من معجزة من معجزات الأنبياء والأوصياء إلا ويظهر الله تبارك وتعالى مثلها في يد قائمنا، لإتمام الحجة على الأعداء). (راجع الحديث رقم 931 من معجم أحاديث الإمام المهدي ج 3 ص 380، وإثبات الرجعة للفضل بن شاذان، وإثبات الهداة ج 3 ص 700، ومنتخب الأثر ص 312 ح 3). والإمام جعفر الصادق لا يحدث مثل هذا الحديث برأيه أو تحليله أو استنتاجاته، إنما يحدثه رواية عن أبيه، وعن جده، وعن رسول الله، وهذا ثابت عن الأئمة الكرام بأنهم إذا حدثوا فإنما يحدثون عن رسول الله، فضلا عن ذلك، فإن هذا الجزم من رجل وإمام معروف بالصادق لا يتسع به الرأي ولا الاجتهاد، وعلى أي حال، فإن أهل بيت النبوة مجمعون على أنهم قد سمعوا ووعوا رسول الله وهو يؤكد بأن الله سبحانه وتعالى سيزود المهدي بالآيات والمعجزات الكافية لتحقيق الغايات الكبرى، وتنفيذ المهام العظمى التي أناط الله تعالى بالمهدي تحقيقها وتنفيذها وأن هذه الأحاديث صحيحة ومتواترة عندهم، وهم يجزمون بأنها قد صدرت من رسول الله بالفعل، وتبعا لإجماع أئمة أهل بيت النبوة، وجزمهم ويقينهم أجمعت شيعتهم التي تتلمذت على أيديهم، ونهلت العلوم منهم، ومع الإجماع جزمت وتيقنت بأن رسول الله قد أكد بالفعل، بأن الله سبحانه وتعالى سيظهر على يد المهدي المنتظر الآيات والمعجزات الكافية، لتحقيق الغايات الكبرى التي كلفه الله تعالى بتحقيقها. وهذا الإجماع والجزم واليقين من المسلمات التي لا يختلف فيها اثنان من شيعة أهل بيت النبوة المخلصين.
1 ـ فمع المهدي راية النبي الغالبة الحديث رقم 771، ومعه سلاح النبي الحديث رقم 772، ومعه مواريث النبي الحديث رقم 773، ومعه عصا موسى وهي خضراء كهيئتها حين انتزعت من شجرتها، وأنها لتنطق إذا استنطقت، أعدت للمهدي ليصنع، كما كان موسى يصنع بها، وأنها لتروع وتلقف، ومعه حجر موسى لا ينزل المهدي منزلا إلا انبعثت عين منه، فمن كان جائعا شبع ومن كان طمآنا روي. (راجع الحديث 775 و 777).
2 ـ ينادي مناد من السماء ألا إن الحق في آل محمد الحديث 813، وينادي المنادي: (إن المهدي من آل محمد، فلان بن فلان باسمه واسم أبيه الحديث 815، ويسمع هذا النداء أهل المشرق والمغرب، حتى تسمعه الفتاة في خدرها الحديث 817.
3 ـ ويخرج المهدي المصحف الذي كتبه علي كما أنزله الله بخط يده، وبإملاء رسول الله، ويخرج الجامعة التي فيها بيان حكم كل شيء حتى أرش الخدش. (راجع الحديث رقم 1115).
4 ـ وروي أن الملائكة الذين نصروا محمد يوم بدر الأرض ما صعدوا بعد ولا يصعدوا حتى ينصروا المهدي، الحديث 824.
نماذج من أحاديث رواها شيعة الخلفاء أو أهل السنة عن بعض معجزات الإمام المهدي:
1 ـ (يخرج الإمام المهدي على رأسه غمامة فيها مناد ينادي هذا المهدي خليفة الله فاتبعوه). (راجع الحديث رقم 118 ج 1 من المعجم. راجع بيان الشافعي ح 511 ب 15، والفصول المهمة لابن الصباغ المالكي ص 298، وقال:
روته الحفاظ كأبي نعيم، والطبراني، والحاوي للفتاوي للسيوطي ج 2 ص 61، وتاريخ الخميس ج 2 ص 288 عن أبي نعيم).
2 ـ ومثله قوله صلى الله عليه وآله وسلم: (يخرج المهدي وعلى رأسه ملك ينادي إن هذا هو المهدي فاتبعوه. (رواه الطبراني، وأبو نعيم، وبيان الشافعي ص 512 ب 16، راجع الحديث رقم 119 ج 1).
3 ـ يظهر في آخر الزمان على رأسه غمامة تظله من الشمس تدور معه حيثما دار ينادي مناد بصوت فصيح هذا هو المهدي، الحديث 120.
4 ـ (مع المهدي راية رسول الله المغلبة)... (الحديث رقم 133 ج 1 وابن حماد ص 98، وملاحم ابن طاووس ص 68 ب 140، وعرف السيوطي الحاوي ج 2 ص 75).
5 ـ في راية المهدي مكتوب البيعة لله. (راجع الحديث رقم 134 ج 1).
6 ـ قال صلى الله عليه وآله وسلم: (فلو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يأتيهم رجل من أهل بيتي تكون الملائكة بين يديه ويظهر الإسلام). (رواه الترمذي على ما في تحفة الأشراف ج 9 ص 428، والديلمي على ما في كنز العمال ج 14 ص 269 ح 38684، والفردوس ج 3 ص 372، وتذكرة القرطبي ص 700، راجع الحديث رقم 84 ج 1 من أحاديث المهدي)..
وقد صحت هذه الأحاديث وأمثالها عند أهل السنة وتواترت، وجزموا بأنها قد صدرت بالفعل من رسول الله.
لماذا وصف بالمهدي؟
الله سبحانه وتعالى هو الذي وصف الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة بالمهدي، وبناء على هذا الوصف الإلهي بشر رسول الله بهذا الرجل ووصفه بالمهدي أيضا وبناء على هذين الوصفين اعتقد المسلمون قاطبة بهذا الوصف فأطلقوه على الإمام الثاني عشر من أئمة أهل بيت النبوة، أو على ذلك الخليفة الذي سيملك مشارق الأرض ومغاربها، ويكون دولة عالمية، وينشر العدل والرخاء والإسلام في الكرة الأرضية. أما لماذا وصف بالمهدي؟ فقد وردت عدة أخبار عن رسول الله وأهل بيته تجيب على هذا السؤال منها:
! ـ فعن الإمام محمد بن علي بن الحسين بن علي بن أبي طالب أنه قال:
(إنما سمي المهدي مهديا لأنه يهدي لأمر خفي، يهدي ما في صدور الناس، ويخرج التوراة من مغارة في أنطاكية، ويعطى حكم سليمان). (راجع الحديث رقم 748 ج 3 من المعجم).
2 ـ وروي حديث عن رسول الله أنه قد قال لعلي: (يا علي لو لم يبق من الدنيا إلا يوم واحد لطول الله ذلك اليوم حتى يملك رجل من عترتك يقال له المهدي يهدي إلى الله عز وجل ويهتدي به العرب، كما هديت أنت الكفار والمشركين من الضلالة، ثم قال: ومكتوب على راحته بايعوه بإن البيعة لله عز وجل. (الحديث رقم 92 ج 1 من المعجم).
وما يعنينا هنا أن الرسول قد قال: يقال له المهدي، يهدي إلى أمر الله ويهتدي به العرب.
3 ـ وروي عن الإمام جعفر الصادق أنه سئل: (المهدي والقائم واحد)؟
فقال نعم. فقال السائل: لأي شيء سمي المهدي؟ قال الإمام: لأنه يهدي إلى كل أمر خفي، الحديث رقم: 1121.
4 ـ وروي عنه أيضا أنه قد قال: (إذا قام القائم عليه السلام دعا الناس إلى.
الإسلام جديدا، وهداهم إلى أمر قد دثر فضل عنه الجمهور، وإنما سمي القائم مهديا، لأنه يهدي إلى أمر مضلول عنه)... (راجع الحديث رقم: 1122 والمراجع المذكورة تحته).
وعندما يظهر المهدي سيكون الإسلام أثرا بعد عين، وسيكون العالم كله في ضلالة عمياء، يتخبط ولا يعرف طريق الهدى، إنه فريسة الظن والتخمين حائر بأمره، عندئذ يظهر الإمام المهدي فيهدي العالم إلى الصراط المستقيم ويدله عليها، ويضع تحت تصرف العالم الحوافز التي تحفزه لسلوك هذا الطريق، ومع التأييد الإلهي، والتوفيق ينجح المهدي المنتظر بإنقاذ العالم وهدايته إلى طريق الخير، وينجح بتوحيد أبناء الجنس البشري ويهتدي إلى الطرق التي تشيع كافة حاجاتهم وتجعلهم يعيشون عيشة كفاية ورخاء. كل هذه الأسباب مجتمعة ومنفردة تكمن خلف وصف الإمام الثاني عشر بالمهدي..