اللقاء بالإمام المهدي عجل الله تعالى فرجه الشريف
المصدر: كتاب جنة المأوى في ذكر من فاز بلقاء الحجة
من ينل في عصر الغيبـة الكبرى ويحصـل على لقاء ذلـك القمر المنيـر ، والانعـطاف المتـدفق ، ينـل زيـارة مقصـد الأنقيـاء وقبلة الصـالحين ، ذلك السـر الأعظم ، فهو بـاليقين سعيد ومحظوظ ، وأي حظ أكبر من هذا ،وأي ساعة أروع وأسعد من تلك الساعة !
ولا بد من الالتفات الى أن ما وقع ومـا يمكن وقوعـه بهذا الاتجـاه لهو في بعض المواقـع ((مكاشفـة))، وفي مواقـع أخرى ((مشاهدة )) ، وفي مواقـع ((رؤية)) وهذا التصنيف ينسجم في كـل حـالـة منه مـع مستوى الأفراد الروحي، ولكل مستوى في نفسه مراحل ودرجات.
وقـد تشرف عـدد من علمائنـا الـدين بلغـوا أعلى مراحـل الرقيّ الروحي والمعنوي عن طـريق الأرتباط العميق بـالنبي الأكرم ( صلى اللهّ عليه واله وسلم ) والأئمة الطاهرين (عليهم السلام ) والاقتداء الكامل بهؤلاء والالتزام الدقيق بالعقيدة الإِسـلامية وبـأحكام الشريعة التفصيليـة في السلوك والممـارسة فـكانوا بـذلك أصحـاب مـواقـع رفيعـة ومن ذوي الكشف والبصيـرة ، أمثال : السيـد رضي الـدين بن طـاوس الحسني ، والمحقق الأردبيلي ((المقـدس)) ، والسيد محمـد مهـدي بحـر العلوم الطباطبائي ، والسيـد محمد العـاملي ، والشيـخ ابـراهيم القطيفي ، والسيـد مرتضى النجفي ، والشيـخ الحر العـاملي ، والسيـد القـزويني ، والحـاج علي البغدادي وغيـرهم من علمائنـا الذين نـالوا شـرف اللقاء . وبعض من اعتيادي الناس وأبناء المجتمع الإِسلامي بعامـة ، الذين حصل لهم لقـاء بشكل مـا على أثر الـدعـاء والتـوسـل ومـا الى ذلـك . وبعض الأفراد الذين تيقنـوا من وجود الإِمـام الحجـة ( عـج ) على أثر حصـول واقعة لهم من قبيل شفـاء مريض، وقضـاء الحاجـة ، وبلوغ الهدف ومـا إلى ذلـك ، رغم عـدم حصـول لقـاء الإِمـام ( عـج ) لهم ، وخصـوصـاً أولئك الذين يعرفون الإِمام ( عج ) ويقصدونه في دعائهم .
وجليُ أنّ أرقى وأرفع الأفراد الـذين بلغوا لقـاء الإِمام ( ع ) إبان عصر الغيبـة الكبرى ونـالـوا شـرف ذلـك هم من العلماء الـروحيين العظام، الذين بلغوا أرفع المقـام عن طريق معـرفة كنـوز القرآن وعلومـه بعيـدأً عن كل انحراف نـظري وعملي ، مجـانبين كـل مـدرسـة واتجـاه فلسفي عرفاني غريب ، وبمنأى عن منهـج التصوف وحـركة المسـالك الصوفية ،بل عُدّوا في عداد أولياء اللّه ، واحتلوا مـوقع القرب من النبي ( صلى الله عليـه وآلـه وسلم ) والأئمـة الـطاهـرين بمحض الألتـزام الإِسلامي الدقيق والجهاد الداخلي النافذ .
ان قصص الذين تشرفوا بلقاء الإِمـام المهدي ( عـ ) كثيرة جـداً ، وكل قصة تدل على مواضيع صمـة وفوائـد جمة ، وقـد حدثت هـذه الحوادث في خلال قرون عديدة، من أوائل الغيبة الكبرى الى زماننا هذا.
ففي سامراء يلتقي الإِمام المهدي ( ع ) بإسماعيل الهرقلي ويبرىء قرحتـه ، ويخبـره أن المستنصـر العبـاسي سـوف يـدفـع إليـه شيئـاَ من المال ، وينهاه عن أخذه منه.
وفي النجف الأشرف يلتقي ( ع) بـالـرجـل المسلول ويشرب القهـوة ويـدفـع سؤره اليـه ، فيبـرأ من السـل المـزمن ، ويتـزوج تلك المرأة ، بعد أن كان أهلها يمتنعون عن ذلك.
وفي البحرين يلتقي ( ع ) بمحمد بن عيسى ، ويخبره عن قصة الرمانة ، والحيلة التي استعملها الوزير ، ويخبر عن مكان القالب الذي صنعه الوزير.
وفي طريق كربلاء المقدسـة يحضر ( ع ) عند عشيرة عنيزة ، ويصيـح فيهم تلك الصيحة ، فيلقي اللّه الرعب في قلوبهم ويرحلون عن ذلك المكان خائبين ، ويفتح الطريق لزوار قبـر الإِمام الحسين ( عليه السلام ).
وفي مـدينة الحلَّة يخبر ( ع ) الحـاج علي بالخسـارة التي حلت به ، ويبشره بتبدل الأحوال وتحسن حالته الأقتصادية . وفي الحلَّة أيضـاً يحضر ( ع ) في دار العـالم الجليـل السيد مهدي القـزويني ، ويخبره أنـه خـرج من السليمانيـة أمس - وهي على الحـدود العـراقيـة التركية ، وفي أقصى نقـاط شمـال العـراق - ويخبـره بالفتح والانتصار ، ثم يغيب عنهم فلا يرونه ، ويصـل الخبر الى حكـام الحلّة بعد عشرة أيام.
ويحضـر في مجالس الشيعـة التي تنعقـد لإِحيـاء ذكـريـات الأئمـة الطاهرين (عليهم السلام) .
فانظر كيف يثبت ( عليـه السلام ) وجـوده لشيعته ، وكيف يسعفهم ويغيثهم ويـدفـع عنهم الأعداء ، ويخبـرهم عن المؤامرات والمكـائـد والمخططات التيِ يرسمها الأعداء لإِيـذاء الشيعة ، ثم يغيب عنهم فجـأة لتكون غيبته دليلاً على انه هوالإمام لا غير. وفي هذا المجال يتضـح لك أيهـا القارئ الكـريم ما كتبـه ( عليه السـلام ) إلى الشيخ المفيـد ، من قولـه : (( فإنّـا نحيط علماً بـأنبائكـم ، ولا يعزب عنّا شيء من أخباركم)) وقولـه : (( إنّا غير مهملين لمراعـاتكم ولا نـاسين لـذكـركم ، ولولا ذلـك لنـزل بكـم الـلأواء واصطلمكم الأعداء))، وقوله : (( لأنا من وراء حفظهم بالـدعاء الذي لا يحجَب عن ملك الأرض والسماء ))، وقوله: (( ولو أن أشياعنا - وفقهم الله لطاعته - على اجتماع من القلوب ، في الوفاء بالعهد عليهم، لما تأخر عنهم اليمن بلقائنا، ولتعجلت لهم السعادة بمشاهدتنا )). (الاحتجاج ج2 ص 325).