عربي
Sunday 26th of May 2024
0
نفر 0

أيهما افضل: التعدد أم الفوضى والاباحية؟

لا شك ان تعدد الزوجات ـ وفق الشرع الاسلامي ـ هو في أحسن الاحوال، أمر مباح للرجل وليس واجبا، وهذا يعني ان الاسلام لحظ ظروف خاصة، يكون التعدد فيها حلا لمشاكل العلاقة الزوجية، فأباح التعدد، ولكنه لم يمنع المجتمع الاسلامي عبر هيئاته المختصة بتطبيق النظام، من التدخل للحد من استعمال الرخص المباحة اذا كان النظام العام يتطلب ذلك.

غياب النظام العام، وضعفه كان يدفع الى استعمال حق تعدد الزوجات من دون ضوابط، واحيانا من دون أسباب تلجئ اليها الضرورات والحاجات، وربما ما تزال هذه الظاهرة رغم، انحسارها ـ نسبيا ـ قائمة بصورة متفاوتة في المجتمعات الاسلامية.

ان المرأة المسلمة متضررة من غياب التشريعات التي تحدد مجال تعدد الزوجات للرجل كما هي متضررة من غياب التشريعات التي تعيد النظر في الحقوق المالية للمرأة داخل الاسرة الزوجية قال تعالى: (وأن خفتم أن لا تقسطوا  في اليتامى فانكحوا ما طاب لكم من النساء مثنى وثلاث ورباع فأن خفتم أن لا تعدلوا فواحدة).

هذه الاية واحدة من بضع آيات في اول سورة النساء جاءت لحماية حقوق اليتامى ذكورا وإناثا...

وفرض قيام المجتمع لهم بالعدل، والتحذير من الاخلال بذلك، والهداية الى الوسائل التي تكفل العدل في اليتامى بايفائهم حقوقهم على المجتمع أو على أفراد معينين فيه.

ولا ريب ان الواقع العملي يثبت وجود علاقة قوية وأكيدة بين وجود تعدد الزوجات في المجتمع، وضمان حقوق اليتامى بوجه عام، وتوضيح ذلك فيما يلي: لا يستطيع المجتمع أن يقدم بما فرضه الله عليه من الوفاء بحوق اليتامى بمجرد إيجاد (دور اليتامى) كافية لاستيعاب أعدادهم, كما ان لدور الايتام سلبيات كثيرة لا يبرر التسامح تجاهها إلا قيام الضرورة لوجود (دور الايتام) وعدم البديل لها.

وأيضا لليتيم حاجات تتجاوز حاجة الجسم من الاكل واللباس والمأوى، حاجات عاطفية ونفسية وتربوية لا تقل في أهميتها عن الحاجات الجسدية، والواقع العملي وأحكام الشرع الاسلامي تظهر أن هذه الحاجات في الغالب تلبى عندما تتزوج أم اليتيم، فيكون لليتيم في هذه الحالة أب بديل وجو أسري بديل وأ‌خوة وأخوات من أمه، وتكون علاقة زوج الام بربيبه، مشابهة في الغالب لعلاقته بأولاد لصلبه، حتى أنه يحرم عليه شرعا الزواج بربيبته كما يحرم عليه الزواج من ابنته.والواقع يظهر ان أم الايتام في الغالب لا تتزوج الا في مجتمع يكون فيه الطلب على النساء كثيرا والعرض قليل، وهذا الوضع لا يتحق عادة إلا في مجتمع يشيع فيه تعدد الزوجات.

في هذا المجتمع وحدة تتاح فرصة الزواج لكل امرأة مهما كان لديها من موانع فيها كزوجة، مثل أن تكون أرملة ذات أولاد.

وبالعكس فأن المجتمعات التي لا يشيع فيها تعدد ا لزوجات تتحدد فيها فرصة الارامل في الزواج حتى أنه مع مرور الوقت يصبح زواج الارملة عيبا أو محرما بحكم التقليد، كما هو الحال في القارة الهندية.

وعليه، فأن شيوع تعدد الزوجات في مجتمع ما، يجعل الطلب على النساء في ذلك المجتمع كبيرا، فحتى الارملة ذات الايتام سوف تجد الرجل المناسب الذي يرغب في زواجها، فاذا تزوجت فاء ظل الاب البديل على اولادها اليتامى ونعموا بالجوالاسري كأي أطفال عاديين لم يصابوا بفقد أبيهم، وبذلك يتحقق في هذا المجتمع الوفاء لليتم بحقوقه، كما جاء في الاية الكريمة (الاقساط فيه).

وما تقدم يشير الى معنى أوسع للحكمة من تشريع تعدد الزوجات اذ لا يبقى في المجتمع عوانس ولا مطلقات أو أرامل فقدن الامل في الزواج بعد فقد أزواجهن, وأن يعاملن من قبل الرجل والمجتمع بالعدل. ولعل هذا تشير له الاية الشريفة وذلك أدنى أن لا تعولوا، فتعدد الزوجات في النظر المتعمق يحمي المرأة من الظلم وانتقاص الحق.

أما في المجتمعات التي يسود فيها نظام الزوجة الواحدة، كالمجتمع الهندي مثلا، تشعر الاسرة حين تولد البنت بأنه وَلـِدَ للاسرة عبء مالي أضافي يتمثل في الثمن الباهض لشراء الزوج عندما تبلغ من الزواج.

ومن الطبيعي ان المرأة الهندية عندما تنجح في الحصول على الزوج، فانها تحت سلطان شبح الخوف من فقده،‌سوف تصبر على ظلمه، وسوف تتغاضى عن مطالبتها اياه بحقوقها من قبله، ولن تستطيع القوانين البشرية مهما كانت كفايتها وفعاليتها مقاومة عمل القوانين الطبيعية ومن يتابع الصحف اليومية الهندية وأخبار ما تنشره من مآسي انتحار الزوجات أو حرقهن من قبل أزواجهن بسبب عجز الزوجة عن الوفاء بالتزامها بثمن زواجها، سوف يرى صورة من صور الظلم الناشىء عن تدني قيمتها هناك.

وهذا الوضع في الهند له صلة بمشكلة وأد البنات واجهاضهن في الهند حيث انها مشكلة قائمة منذ مدة طويلة، وتستمد مبرراتها من العادات المرتبطة بمهور الزواج التي تجعل المرأة، المساعدة الدولية لمنع مليونين من حالات الاجهاض تتح في الهند سنويا بسبب اكتشاف ان الجنين أنثى.

وعلى العكس فالمرأة المسلمة عندما تبلغ سن الزواج، تستقبلها أبواب العش الزوجي، وتدخلها مرفوعة الرأس بكرامة، وسوف يتردد زوجها كثير قبل أن يقدم على ظلمها أو انتقاص حقوقها أو حريتها، لانه يعلم انه إذا فارقها فلن تكون أبواب الزواج موصدة ـ من جديد ـ أمامها لان القوانين الاسلامية قد رفعت قيمتها واعطتها القدرة على التصرف والاختيار، وسيكون زوجها مضطرا أو مختارا لمعاشرتها بالمعروف.

 

الغرب.. والانقلاب الجنسي

 

ولكل هذا، فمن المنطقي توقع أن تنخفض نسبة الطلاق في مجتمع يشيع فيه تعدد الزوجات، بحكم ان تشريع التعدد في الاسلام بقيوده وضوابطه يضمن البديل العادل للمرأة، ولا يجعلها، كما هو الواقع في المجتمعات التي تنكر التعدد المشروع، محرومة من الحماية لحقوقها وحقوق ثمرة التعدد، أو محتاجة لتشريع قوانين غير كاملة وغير مضمونة النفاذ لحماية حقوقها وحقوق أولادها.

واذا كانت حقوق المرأة في الامومة والزواج وتمتعها بالجو الاسري الذي تمارس فيه الوظائف التقليدية للمرأة، اذا كانت هذه الحقوق بهذه الاهمية للمرأة، فأن أي دولة أو مجتمع يحدد ويضيق فرصتها في الحصول على هذه الحقوق لا يمكن أن يدعي العدل في جانب المرأة ولا العمل لصالحها وسعادتها. واذا كان كذلك، فكيف تفسر الصورة السلبية لدى الحضارة المعاصرة لنظام تعدد الزوجات؟ للاجابة على هذا التساؤل، نلاحظ ان ضمير المجتمع في الغرب يسهل عليه أن يتقبل وجود علاقات تحت تأثير قبوله لفكرة الحرية الجنسية حتى لو كانت شاذة  ومع هذا فالديانة المسيحية التي هي عنصر هام من عناصر الموروث الثقافي الاوروبي، تحرم التعدد، ولذا يسهل علينا فهم النظرة السلبية للثقافة الاوروبية الى نظام تعدد الزوجات بالرغم من الفوض الجنسية هناك.

والموروثات الثقافية كما هو معروف لا تخضع دائما للمنطق والعقل، ولكن على كل حال فهذه النظرة لها في المجتمعات الغربية كما رأينا مبررات وإن كانت غير صحيحة.

اما في العالم الاسلامي حيث صدرت قوانين في بعض البلدن مثل تركيا وتونس، تحرم وتجرم تعدد الزوجات، فانه يصعب أن توجد لهذه القوانين مبررات مفهومة، خاصة ان الموروث الثقافي في هذه البلدان فضلا عن احكام الشريعة لا يمكن أن يكون مصدرا لهذه القوانين، بل انه ضدها.

 

هيمنة الثقافة الغربية

 

وإذا فما هو التفسير لصدور هذه القوانين في العالم الاسلامي؟

والجواب: انه إذا استثنينا الانتهازية السياسية، وتقليد العلمانية الغربية، والهوى الجامع في التفلّت من أحكام الاسلام، فأنه يمكن القول بأن الدافع لاصدار قوانين المنع، هو الخضوع اللاواعي لهيمنة الثقافة الاوروبية على العقل المسلم، واعتبارها القيم الخلقية الغربية مقاييس حقيقية لما هو صالح وغير صالح، دون تمييز بين ما يكون من هذه القيم مؤسسا على المنطق والعقل والمصلحة الواقعية، وبين ما هو مؤسس على مجرد الموروث الثقافي، والانبهار بالفاظ الحرية والمساواة وكرامة الانسان.

وفي المقابل اعتاد الغرب على إطلاق الفاظ وعبارات لها ايحاءات فكرية ممقوتة مثل: الحريم، واستعباد الرجل للمرأة وتسخيرها لمتعته، والحياة الهينة للمرأة، كما تعود ببغاوات الشرق على ترديد هذه الالفاظ والعبارات.

وليس أدل على طغيان وهيمنة الثقافة الغربية على العقل المسلم في هذا المجال من أنه حتى المدافعون عن الاسلام من الكتاب الملتزمين لم يستطيعوا التخلص من هذا التأثير, فنجدهم يدافعون عن نظام تعدد الزوجات بصفة اعتذارية، كأنهم قد اقتنعوا بأن هذا النظام غير مرغوب فيه وأنهم يودّون أنه لو لم يوجد في التشريع الاسلامي، أما وقد وجد، فلا حيلة لهم إلا التماس المبررات لوجوده، فهم يسلمون من حيث المبدأ بصحة النظرة السلبية لهذا النظام كنظام استثنائي، وانه في طريق الانقراض من حياة المسلمين، وانه مبرر فقط في ظروف معينة، ثم يحاولون حصر هذه الظروف التي تقوم بها الحاجة الفعلية أو الضرورة لان يتزوج الرجل على زوجته. وفضلا عن انه لا يوجد أساس علمي شرعي لاعتبار نظام تعدد الزوجات في الاسلام نظام استثنائيا، لا يمكن أن يتسامح الاسلام تجاهه الا في ظل الظروف وضمن الشروط الواقعية التي تجعله حاجة معتبرة، اذ أنه لا النصوص الثابتة ولا تطبيقها من قبل المسلمين الواعين، يشهد لذلك كما ان نظام التعدد في ذاته نظام يحقق المصلحة العامة للمجتمع، فقد كان ينبغي لهؤلاء الكتاب أن يعتبروه نظاما اجتماعيا صالحا، حقيقيا بأن يعتز به ولا يعتذر عنه، وأن يكون الهدف الاول، اشاعته بدلا من التنفير عنه، على أنه في الحالات التي يكون الدافع فيها وراء القوانين المحّرمة لتعدد الزوجات في العالم الاسلامي، اتباع ما تهوى الانفس والضنون والاوهام، بدلا من الاعتماد على الحقائق واجراء المحاكمة العقلية للامور قبل الحكم عليها، ولو حكم المشرعون لتلك القوانين، العقل لابصروا التناقض العجيب بين تحريم تعدد الزوجات، وإباحة صور من علاقات المتزوجين بنساء خارج نطاق الزوجية، علاقات تشبه العلاقة الزوجية في كل شيء الا في عدم وجود الاجراء الشكلي لعقد الزواج، الذي كان سيحمي حقوق المرأة وحقوق ثمرة علاقتها بالرجل من الاولاد.

ويبرز التناقض عندما يقدم الشخص للمحاكمة بتهمة ارتكابه لجريمة تعدد الزوجات, فتبرئه المحكمة إذا عجز الادعاء العام عن اثبات وجود عقد زواج شرعي في الحالة بحيث يقوم الدليل على أن الحالة حالة زواج يمنعه القانون وليست حالة زنا يبيحها القانون الوضعي.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

مدة حكم المهدي المنتظر
شبهات حول ترجمة القرآن، وتفنيدها
السرّ الثامن - زيارة الإمام الرضا (عليه السلام) ...
دعاء الامام الصادق عليه السلام
التفاضل سنة الهية
الفصل الاَول (المهدي في الكتاب والسُنّة)
ارشادات أخلاقية من وحي القرآن الكريم
لیلة السابع والعشرین من رجب (لیلة المبعث)
زيارة أئمة البقيع: الإمام جعفر الصادق
كيف تغازل زوجتك؟..اليك هذه الخطوات

 
user comment