السرّ الثامن - زيارة الإمام الرضا (عليه السلام) أفضل من الحجّ بأضعاف مضاعفة
الحجّ بمعنى القصد إلى بيت الله الحرام في مكّة المكرّمة في أيام معلومات لأداء مناسك خاصّة . ومن يُقبل حجّه ، فأدنى ما يصنع به الله ويؤجره ويثيبه ، أن يغفر ذنوبه ويكون كيوم ولدته اُمّه.
فالحجّ ممّـا يوجب التقرّب إلى الله سبحانه ، وتطهير النفس ، وتزكية القلب وانشراح الصدر ، كما ورد في الآيات الكريمة والروايات الشريفة[1].
وهناك علاقة وثيقة بين زيارة الإمام الرضا (عليه السلام) وبين الحجّ ، فكلاهما يوجبان القرب إلى الله سبحانه قاب قوسين أو أدنى ، إلاّ أنّ الزيارة لها من التأثير والتقرّب أكثر من الحجّ بأضعاف مضاعفة بألف حجّة مقبولة وألف عمرة مبرورة.
ولتوضيح هذا المعنى نقول : المرء في حياته الدنيويّة لا يزيد ـ غالباً ـ على الثمانين عاماً ، وإنّه من يوم بلوغه إلى يوم رحلته من دار الدنيا الفانية ، يعبد ربّه ويطيعه بخلوص فيتقرّب إليه ، وقد جعل الله سبحانه ليلة من عمره في كلّ سنة تعادل عبادة عمره الطبيعي ونيّف ، أي ( ليلة القدر ) التي هي خيرٌ من ألف شهر ، فربّما الإنسان بليلة واحدة يطوي مسيرة مائة عام ، وتعادل عبادتها عبادة ألف شهر لم يكن فيها ليلة القدر ـ كما ورد في الروايات الشريفة ـ .
وإذا أردنا أن نشبّه ذلك الأمر المعقول بالمحسوس ، فإنّه يشبّه بالقنابل مثلا ، فإنّ قنبلة ربما تدمّر بيوتاً ، وربّما هناك قنابل تدمّر قرى وبلدان ـ كما يفعله الاستكبار الغربي والشرقي ـ وهناك قنبلة ذرية تفني مملكة كاملة ، وأخطر منها وأكثر تأثيراً وفعالية ومساحة في التخريب والتهديم القنبلة النووية ، فإنّها تعادل ألف ألف قنبلة عادية.
وكذلك في الاُمور الروحانية والمعنوية ، فإنّ ليلة القدر عند الله تعادل ألف شهر لم يكن فيه ليلة القدر ، وزيارة مولانا الرضا (عليه السلام) تعادل ألف ألف حجة مقبولة ، يعني أكثر تأثيراً من الحجج المستحبّة والنافلة للتقرّب والوصول إلى الله سبحانه وتعالى . فتدبّر.
ثمّ يبدو لي أنّ التعبير بحجّة مقبولة تارة ، واُخرى بسبعين ، وثالثة بسبعين ألف ، ورابعة بألف ألف ، إنّما يرجع كلّ ذلك إلى المعرفة ، فإنّ قيمة المرء ما يحسنه من المعرفة ، فإنّ من يعرف إمامه بمعرفة جمالية ، فإنّه يثاب ويؤجر بغير ما يثاب صاحب المعرفة الجلاليّة ـ والمعرفة من الكلّي المشكّك ذات المراتب الطولية والعرضية كما هو ثابت في محلّه ـ وهذا ما يدلّ عليه الوجدان فإنّ هدايا الملوك تختلف عن هدايا الرعيّة ، فاختلاف الحجج وتعدادها في الروايات الشريفة ربما ناظرة إلى اختلاف معرفة الزائر بإمامه ، ومن هذا المنطلق نجد الإسلام في قرآنه الكريم والسنّة الشريفة يدعو ويهتمّ غاية الاهتمام بالمعرفة وزيادتها وتكميلها قبل الموت ، فإنّ الثواب والعقاب يرتّب عليها ، كما يترتّب على العقل كما ورد ( بك اُثيب وبك اُعاقب ) ، فتأمّل.
وأمّا الروايات الدالة على أنّ زيارة الإمام الرضا (عليه السلام) تعادل الحجّ بأضعاف مضاعفة ، فمنها :
عن محمد بن سليمان قال : سألت أبا جعفر (عليه السلام) عن رجل حجّ حجّة الإسلام ، فدخل متمتّعاً بالعمرة إلى الحجّ ، فأعانه الله تعالى على حجّة وعمرة ، ثمّ أتى المدينة فسلّم على النبي (صلى الله عليه وآله) ، ثمّ أتى أباك أمير المؤمنين (عليه السلام) عارفاً بحقّه يعلم أ نّه حجّة الله على خلقه وبابه الذي يؤتى منه ، فسلّم عليه ، ثمّ أتى أبا عبد الله (عليه السلام) فسلّم عليه ، ثمّ أتى بغداد فسلّم على أبي الحسن موسى (عليه السلام) ، ثمّ انصرف إلى بلاده.
فلمّـا كان في هذا الوقت رزقه الله تعالى ما يحجّ به ، فأ يّهما أفضل ، هذا الذي حجّ حجّة الإسلام يرجع أيضاً فيحجّ أو يخرج إلى خراسان إلى أبيك علي بن موسى الرضا (عليه السلام) فيسلّم عليه ؟ قال :
بل يأتي خراسان فيسلّم على أبي (عليه السلام) أفضل ، وليكن ذلك في رجب ، ولا ينبغي أن تفعلوا هذا اليوم ، فإنّ علينا وعليكم من السلطان سنة[2].
العيون بسنده عن الهروي قال : سمعت الرضا (عليه السلام) يقول :
ما منّا إلاّ مقتول شهيد.
فقيل له : فمن يقتلك يا ابن رسول الله ؟
قال : شرّ خلق الله في زماني يقتلني بالسمّ ، ثمّ يدفنني في دار مضيعة وبلاد غربة ، ألا فمن زارني في غربتي كتب الله عزّ وجلّ له أجر مائة ألف شهيد ومائة ألف صدِّيق ومائة ألف حاج ومعتمر ومائة ألف مجاهد وحشر في زمرتنا ، وجعل في الدرجات العلى من الجنّة رفيقنا.
ثواب الأعمال بسنده عن البزنطي ، قال : قرأت كتاب أبي الحسن الرضا (عليه السلام) :
أبلغ شيعتي أنّ زيارتي تعدل عند الله عزّ وجلّ ألف حجّة.
قال : فقلت لأبي جعفر الإمام الجواد (عليه السلام) : ألف حجّة ؟
قال (عليه السلام) : أي والله ألف ألف حجّة لمن زاره عارفاً بحقّه.
عن سليمان بن حفص قال : سمعت موسى بن جعفر (عليه السلام) يقول :
من زار قبر ولدي علي كان له عند الله عزّ وجلّ سبعون حجّة مبرورة.
قلت : سبعين حجّة مبرورة ؟
قال : نعم سبعين ألف حجّة ! !
قلت : سبعين ألف حجّة ؟
قال : فقال : ربّ حجّة لا تقبل ، من زاره أو بات عنده ليلة كان كمن زار الله في عرشه ـ الخبر ـ[3].
وهذا يعني كلّه التقرّب إلى الله سبحانه ، وسرعة الوصول واللحوق حتّى يكون في مقعد صدق عند مليك مقتدر ، كما يحدث ذلك في ليلة القدر لمن أدركها حقّاً ، وأدركته الرحمة الإلهيّة والسعادة الأبديّة.