من بين جميع الناس وانطلاقاً مما لدينا من معارف إلهية حقّة وآثار إسلامية وآيات قرآنية يمتاز أهل البيت^ في كمالهم في كل المراحل سواء في المرحلة العلمية في ذات المكنون وفي المرحلة المثالية في لوح المحو والإثبات وفي المرحلة العقلية في اللوح المحفوظ، وفي المرحلة الخلقية والطبيعية في النشأة الدنيا، وأنهم عليهم أفضل الصلاة وأتم السلام طووا هذه المراحل على أتم وأكمل صورة، وأتم وأكمل سير، ذلك أنهم من شجرة واحدة ومن نور خاص وسائر الناس من شجر شتى متفاوتين ومختلفين وقد جاء في الأثر الشريف النبي’: >أنا علي من شجرة واحدة وسائر الناس من شجر شتى<([1]).
إن السعة الوجودية لأهل البيت^ لا يمكن مقارنتها بأي كان من الناس وفي كل مرحلة من مراحل الوجود، ولذا فإن لهم من الكرامة والشأن ما ليس لغيرهم ووجوداتهم متحققة نورياً وهم مظهر للذات ومظهر ما في الذات ومظهر الحقائق العلمية.
وقد جاء في القرآن الكريم ما يشير إلى مرحلة من عظمة وشخصية الإنسان وهي عندما يكون محلاً للخطاب الإلهي قال الله عز وجل:
{وَما كانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلاَّ وَحْياً أَوْ مِنْ وَراءِ حِجابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولاً فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ ما يَشاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ}([2]).
وأن أشرف وأكمل هؤلاء المخاطبين هو محمد بن عبدالله’ وأهل بيته الأطهار^، فكل ما أشرق على قلب النبي محمد’، انتقل إليهم فهم ورثة الرسول’ والأمناء على رسالة الله عز وجل التي هي آخر الرسالات.
وأهل البيت^ وهم أشرف وأكمل وأتم الخلق وهم من طووا مراحل ودرجات قوس الصعود والنزول دون نقص أو عيب هم مظهر الوجود إلى شمس وجودهم وهم السبب المتصل للخطاب الإلهي مع سائر المخلوقات.
وقد جاء في الأثر أن رسول الله’ قال لعلي×:
>إنّك تسمع ما أسمع وترى ما أرى<([3]).
إن الإنسان الكامل والذات الجامعة بين العقل والنقل والغيب والشهود والنوم واليقظة والدنيا والآخرة، ليبلغ ذروة الدرجات والمراحل الوجودية والمعرفية؛ لأنه بلغ مرحلة >كأنّ< وحصل على مقام الإحسان >الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه<([4]) حتى بلغ مرحلة التحقق فقال بكل قوّة:
>ما كنت أعبد رباً لم أره<([5]).
يعني أن عبادته لله كأنه يراه وهو يراه حقاً، لكن ليس ببصره، بل بقلبه المتفتح للحق والنور وببصيرته المشرقة، فهو لا يبعد ربّاً لم يره.
ولهذا قال×:
>لو كشف الغطاء ما ازددت يقيناً<([6]).
ذلك أنه لا توجد بينه وبين الحق حجب تحجبه عنه فهو قد أزال عن بصيرته كل الحجب، وقد بلغ مرحلة من الوجود أنه أصبح سبباً متصلاً الوجوب والأماكن وبين الخالق والمخلوقين؛ ومن شمس وجوده التي هي شمس الحقيقة المحمدية ظهرت الكائنات في مقام الشهود والخلق.
قال’: >أنا وعلي من نور واحد<([7]).
الإنسان الكامل هو معلم الملائكة وقد سجدت له جميعاً على اختلاف درجاتهم ومراتبهم، وقد سجدت له لأنها تعلمت منه الأسماء فأصبح أسمى منها؛ فخضعت له ودانت لسلطانه المعنوي، ولذا نعتقد بأن الملائكة وسائر الكائنات تدين لسلطة الإنسان الكامل الذي هو بقية الله في الأرض عجل الله تعالى فرجه الشريف.