بلغ أهل البيت^ مقام العبودية لله عز وجل لا يبلغ شأوهم في هذا أحد لأن معرفتهم بالله عز وجل هي الأجل والأعظم والأكثر من سائر الناس أجمعين، وقد بلغوا مقام التسليم لله تبارك وتعالى.
فهم لا يخطون خطوة واحدة إلا لله وفي سبيل الله وامتثالاً لأمر الله عز وجل وحياتهم وأعمالهم وأقوالهم وسيرتهم تدور في فلك الخالق البارئ المصور سبحانه وتعالى.
قيامهم وقعودهم سكوتهم وحديثهم وحتى زواجهم وتعاملهم وكسبهم وتجارتهم وحربهم وصلحهم سفرهم وحضرهم لباسهم ونظرتهم قولهم وصحوهم بكاؤهم وابتسامتهم وكل أعمالهم: إن كل ذلك ينطلق من نية خالصة وصفاء قلب وإيمان عميق، وهي بذلك جزء لا ينفك من مسيرتهم العبادية وهي انعكاس تام لعبوديتهم الخالصة لله عز وجل.
أهل البيت^ وهم يعبدون الله ويطيعونه ويسلّمون له سبحانه تسليماً أنما يفعلون ذلك لأن الله أهل للعبادة، فهم لا يعبدون الله طمعاً في الجنة أو خوفاً من النار، إنما ينطلقون في عبادتهم من خلال معرفة بالله سبحانه وعرفاناً لنعمائه وتسليماً لأمره ووفاء له تبارك وتعالى.
ولهذا فقد بلغوا الأوج في العبادة، ومن يطلع على مناجاتهم ودعواتهم لا يجد فيها إلا الإخلاص والتسليم والشعور بالتقصير لأنهم يقارنون عبادتهم بعبادة رسول الله التي لا يبلغها أحد من العالمين.
وقد بلغت عبادتهم أعلى المراتب لأنها لا تأتي خوفاً ولا طمعاً وإنما لإدراك ووعي تام بأن الله سبحانه يجب أن يعبد وأن الإنسان الكامل يجب أن يكون عبداً لله عز وجل.
يقول الإمام علي أمير المؤمنين×: >إلهي ما عبدتك طمعاً في جنتك ولا خوفاً من نارك، ولكن وجدتك أهلاً للعبادة فعبدتك<([1]).
وعنه× أيضاً قال: >إنّ قوماً عبدوا الله رغبة فتلك عبادة التجار، وإنّ قوماً عبدوا الله رهبةً فتلك عبادة العبيد، وإن قوماً عبدوا الله شكراً فتلك عبادة الأحرار<([2]).
وأقسم بالله لو أن الله عز وجل قال لأهل البيت^: سأمحو عن الوجود الجنة والجحيم فلا عقاب ولا ثواب فإن ذلك لن يؤثر قيد شعرة على عبادة أهل البيت وتسليمهم.
وبلغ الإمام علي أمير المؤمنين× الذروة التي لا يبلغها أحد حتى أولاده وذريته واعترفوا بذلك مراراً.
وأهل البيت^ من الأئمة الأطهار بلغوا الذرى في عبادتهم وإن كانت لا تضاهي عبادة الرسول’ ووصيه علي× ولكن عبادتهم كانت المثل الأعلى للجميع، وبهذه العبادة الفريدة بلغوا ما بلغوا من القرب الإلهي، فكانت لهم الولاية والإمامة وبلغوا المقام المحمود ومقام الشفاعة، وأصبحت طاعتهم على الناس من أوجب الواجبات.