عربي
Thursday 28th of March 2024
0
نفر 0

أسلوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

يساهم الأسلوب أو طريقة إيصال الفكرة وإحداث التغيير مساهمة فعّالة في إنجاح الجهود التي يبذلها المصلحون والمغيِّرون.. فكلّما كان الأسلوب ناجحاً والوسيلة مقنعة، كان التأثير أكثر نجاحاً، والتغيير أعمق أثراً إذ قد يختار شخص أو جماعة أسلوباً معيّناً للقيام بمهمة الإصلاح والتغيير، فلا يحققون نجاحاً، ولا يسلمون من الضرر والأذى.. في حين يقوم أفراد أو جماعة أخرى بممارسة نفس النشاط في المجال والمحيط ذاته فتحقق نجاحاً كثيراً وتنفذ أهدافها كاملة بأقل ضرر، أو بدون أن يلحقها أي ضرر أو أذى.. فحسن استخدام الأسلوب وحسن استخدام الإمكانات والقابليات يوفر الجهد والوقت، فيسرع في تحقيق الأهداف وإنجاحها.
ونحن ـ في عصرنا الحاضر ـ عصر التخطيط والتنظيم والبراعة الأسلوبية.. ليس بوسعنا أن نقوم بعملية الإصلاح والتغيير الاجتماعي ونقاوم وسائل الفساد والغزو الحضاري المعادي للاسلام، إلاّ بالأسلوب المتفوّق، وبالطريقة المتقنة الفعالة، لتكون الدعوة إلى التغيير والقيام بواجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر قائمة على أساس من الوضوح والبصيرة، وبوعي وحكمة.. عملاً بقوله تعالى: (قُلْ هذِهِ سَبِيلي أدْعُو إِلَى اللهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَا وَمَنِ اتَّبَعَني وَسُبْحَانَ اللهِ وَمَا أَنَا مِنَ المُشْرِكِينَ) (يوسف/ 108).
(اُدْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّك بِالْحِكْمَةِ وَالمَوْعِظَةِ الحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ...) (النحل/ 125).
واهتداء بالحديث الشريف: «العامل على غير بصيرة كالسائر على غير الطريق، لا يزيده سرعة السّير إلا بُعداً».
«إنّا معاشر الأنبياء اُمرنا أن نكلّم الناس على قدر عقولهم».
«اُمرت بمداراة الناس، كما اُمرت بتبليغ الرسالة».
فلابدّ من اختيار الأسلوب المناسب، والطريقة الناضجة في عرض مفاهيم الإسلام وأفكاره، وممارسة التغيير والإصلاح، والدعوة إليه.
فنحن أمام قوى معادية تستخدم الوسائل والأساليب لمقاومة الإسلام ومعاداته. فغدت تسخر الأجهزة والعقول والخبراء والمتخصصين للدعوة إلى أفكارها، وممارسة نقل وتطبيق صورة الحياة التي تؤمن بها.
والإسلام بإيضاحه المبادئ الأساسية للأساليب، وعدم تحديده لنوع معيّن منها، ترك الباب مفتوحاً أمام المُصلح والداعية إلى الإسلام ليختار على ضوء هذه الإيضاحات ما يراه مناسباً من الوسائل والأساليب.
وبالعودة إلى الآيتين الآنفتين، والحديث المتطابق معهما، والتأمل بما جاء في هذه القواعد الأساسية من معنى ومضمون ندرك أنّ هناك قاعدتين أساسيتين تجب مراعاتهما عند اختيار أي أسلوب من أساليب التغيير والإصلاح، وهاتان القاعدتان هما:
1 ـ الإلتزام: والمقصود بالالتزام هو أن لا يشذ الأسلوب عن أحكام الشريعة الإسلامية وأخلاقيتها النبيلة، فقد ورد في الحديث: «لا يُطاع الله من حيث يعصى».
فالمفاهيم الإسلامية والقواعد الشرعية لا تبيح قاعدة (الغاية تُبرر الوسيلة) ولا يجوز لدعاة الإسلام أن ينحرفوا بوسائلهم وأساليبهم عن مفاهيم الشريعة وأحكامها، لأنّ الواسطة أو الأسلوب سلوك إنساني يترتب عليه حكم شرعي كغيره من المواقف والممارسات الإنسانية الأخرى.
2 ـ اتباع الحكمة: والمقصود بالحكمة هنا هو اختيار الأسلوب المناسب للأوضاع والظروف والأشخاص الذين يراد تغييرهم وإصلاح أوضاعهم.
وقد حدّدت الشريعة الإسلامية عدّة مراتب يحقّ للآمر بالمعروف والناهي عن المنكر أن يتدرّج بإستعمالها، لمكافحة الفساد والانحراف، وإقامة الحق والعدل، وتقويم السلوك وتسديد مسيرة الإنسان، وعليه أن يختار الموقف المناسب والمرتبة التي تحقق الاصلاح والتغيير وفق مبدأ (الحكمة والالتزام).
أمّا المراتب التي أعطى الشارع المقدّس حق استعمالها، فهي:
1 ـ مرتبة الإيحاء والتحسيس النفسي باتخاذ الموقف النفسي السلبي الذي يشعر تارك الواجب أو فاعل الحرام بالاستنكار وعدم الرضاء.. فإنّ من الناس مَن يملك حسّاً مرهفاً واستعداداً لتقبُّل التغيير بمجرّد شعوره بكراهية الآخرين لمواقفه وعدم رضاهم بأفعاله.. ولا يصلح هذا الأسلوب إلاّ في حالة الإصلاح الفردي، ذلك لأنّ أثره يتقلّص في مجال التأثير الاجتماعي.. فليس بإمكان فرد أو أفراد أن يؤثروا على المجتمع والسلطة والمؤسسات السياسية والاجتماعية والاقتصادية باستعمال هذه الوسيلة.. ذلك لأنّ أثر هذه الوسيلة محصور تقريباً بحدود الأفراد.
2 ـ التوعية والتوجيه الفكري والثقافي واستعمال الكلمة والفكرة كسلاح لمقاومة المنكر، ونشر المعروف في صفوف المجتمع إذا ما فشل الموقف الأول. فللكلمة أثرها ودورها الذي كثيراً ما تعجز القوة والسلطة عن تحقيقه.. فالكتابة والشعر والخطابة والتعليم والإرشاد.. عن طريق المدارس والجامعات ووسائل الإعلام والكتاب والصحيفة والمجلّة والمسرح.. إلخ، كلّها وسائل فعّالة في توجيه الأفراد والجماعات وأساليب ناجحة في خدمة الاصلاح والتغيير.
وقد وجّه القرآن الكريم الأنظار إلى أهمية هذه الوسيلة بقوله: (لاَ خَيرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْواهُمْ إِلاَّ مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إصْلاح بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذلِك ابْتِغَاءَ مَرْضَاتِ اللهِ فَسَوْفَ نُؤتِيهِ أجْراً عَظِيماً) (النساء/ 114).
وقوله: (أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللهُ مَثَلاً كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتُ وَفَرْعُهَا فِي السَّماءِ * تُؤتى اُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بإذْنِ رَبِّهَا وَيَضْرِبُ اللهُ الأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ) (إبراهيم/ 24 ـ 25).
3 ـ العزل والمقاطعة: أمّا المرحلة الثالثة فهي مرحلة العزل وفرض المقاطعة وتطويق مَن يمارس المنكرات.. فالسلطة الجائرة، والتاجر المحتكر، والشخص المتحلل المستهين بالقيم والمبادئ الخيرة، وشارب الخمر والمرتشي... إلخ، إذا فرضت عليه المقاطعة، وشعر بالطوق الاجتماعي ويضيّق عليه الخناق.. فإنّه يضطر إلى التراجع أو السقوط الاجتماعي.
فالسلطة الجائرة عندما يقاطعها أبناء الاُمّة، ويرفضون التعاون معها وتنفيذ مقرراتها، أو استلام الوظائف والمناصب في أجهزتها.. تضطر إلى السقوط أو تتلافى الأمر بإصلاح أوضاعها..
وكذا التاجر والمؤسسة الاقتصادية، ومشروع الانتاج الذي يمارس الاستغلال والجشع والإضرار بمصالح الآخرين، حينما يقاطع فلا يشترى منه، ولا يباع إليه، ولا يتعامل معه يضطر إلى الفشل والسقوط.. أو يعيد النظر في مواقفه فيغير أوضاعه وأصول تعامله.
وهكذا يشكل الرأي العام سلاحاً فعالاً في خدمة التغيير الاجتماعي وتنفيذ فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر.. في مجال المجتمع والسلطة والمؤسسات المختلفة.
4 ـ استعمال العنف والقوّة: أمّا المرحلة الرابعة فهي مرحلة استعمال العنف والقوة كالضرب والقتل ضد مَن يصرّون على فعل المحرمات وترك الواجبات، ولا يستجيبون لأي وسيلة من وسائل الإصلاح والتغيير ويتمادون في الاستمرار على هذا الانحراف والتخريب والفساد، إلا أنّ لاستعمال هذا الأسلوب شروطاً وأحكاماً قانونية، تجب مراعاتها، والالتزام بها، وهي:
1 ـ أعطى الإسلام الأفراد حق ضرب فاعل الحرام وتارك الواجب بعد فشل الأساليب المتقدمة معه على أن لا يؤدي هذا الضرب إلى الجرح أو الكسر.. فإن أدّت عملية الضرب ـ خطأ أو عمداً ـ إلى الكسر أو الجرح فعلى الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر ضمان الضرر الواقع على المتضرّر، وتطبق عندئذ بحق الفاعل قوانين الجناية العمدية، أو الخطئية حسب ظروف الفعل.
2 ـ للسلطة الشرعية أو مَن ينوب عنها حق القتل أو الاذن به ضد فاعل الحرام وتارك الواجب إذا كان الأمر يستوجب تطبق مثل هذا الحكم.. وعندئذٍ ليس على السلطة الشرعية أو مَن ينوب عنها أي ضمان أو مسؤولية.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

الفرق بين علوم القرآن والتفسير
وتسلّط‌ ارباب‌ السوء
اليقين والقناعة والصبر والشکر
القصيدة التائية لدعبل الخزاعي
في رحاب أدعية الإمام الحسين (عليه السلام)
أقوال أهل البيت عليهم السلام في شهر رمضان
آيات ومعجزات خاصة بالمهدي المنتظر
علي الأكبر شبيه الرسول (صلى الله عليه وآله وسلم)
أوصاف جهنم في القرآن الكريم
ألقاب الإمام الرضا عليه السلام

 
user comment