عربي
Thursday 2nd of May 2024
0
نفر 0

التعامل مع القرآن بين الواقع والمفروض



كيف نتعامل مع القرآن الكريم؟ وكيف استطاع المسلم الأول الوصول إلى القمة من خلال القرآن؟ وما الفرق بينه وبين المسلم في الحاضر! مع أنهما ينهلان من نفس الثقافة الواحدة؟
إن المشكلة تكمن في مستوى العلاقة بالمنهج الرباني حيث كان المسلم الأول يتعامل مع القرآن على أساس أنه منهج للسلوك والبناء الحضاري وبالتالي فإن التعامل يؤثر على علاقته بالقرآن والتمسك الواعي بمفاهيمه المقدسة، بخلاف المسلم في هذا العصر الذي يتعامل مع القرآن على أساس الفهم الخاطئ: حيث يعتقد أن هذا الكتاب المقدس يجب أن تقتصر العلاقة معه على أساس القراءة للبركة والاستشفاء بعيداً عن كونه منهجاً لتفكير الانسان في الحياة حيث أنه لا يصح للانسان أن يتعدى هذه الصور السلبية من التعامل. مع أن الله تعالى يقول في كتابه: (ولقد يسّرنا القرآن للذكر فهل من مدّكر) القمر/ 17.
(إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم ويبشر المؤمنين) الإسراء/ 9.
وبالتالي فإن هذا التعامل يؤثر على الحالة الشعورية والانفعالية تجاه آيات القرآن ويتم الانفصال عن المنهج الرباني (فصل المنهج عن السلوك)، بحيث تكون تصرفات الانسان ومواقفه بعيدة عن قيم القرآن ومفاهيمه بخلاف العلاقة الحقيقية المطلوبة في التعامل مع هذا المنهج المقدس حيث أن العلاقة الايجابية تكون لها آثارها الايجابية في بناء الانسان الفرد والانسان المجتمع (وهو سر تقدم المسلمين وانتصاراتهم وتحقيقهم لذلك الكيان الحضاري الذي تنعمت به حتى غير البلاد الاسلامية).
(وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق) المائدة/ 83.
قال تعالى: (يا أيها الذين آمنوا استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم) الأنفال/ 24.
وحتى تكون الصورة واضحة نلقي الضوء ونسلطه على كيفية تعاملنا مع القرآن وما هي العلاقة السليمة المطلوبة حتى نتمكن من العودة إلى الاسلام الأصيل والمناهج الحضارية الكفيلة بسيادة الرخاء والأمن للإنسان.
أولاً ـ الصور السلبية للتعامل مع القرآن:
1 ـ الإهمال المعرفي: ويتمثل في القراءة المجردة الخالية من المعارف العلمية والتأملات التي تكشف عن جوهر هذا الكتاب المقدس هذه القراءة التي وجّه النبي الأكرم (ص) المسلمين إليها حتى تكون العلاقة بين الانسان المسلم والقرآن علاقة ـ تفاعل وإلتزام بما يأمر به القرآن أو ينهى.
وقد جاء في الحديث عن الرسول (ص): (في قوله تعالى، ورتل القرآن ترتيلاً)، قال (ص): بيّنه تبياناً، ولا تنثره نثر الرمل، ولا تهزّه هزّ الشعر، قفوا عند عجائبه، وحركوا به القلوب، ولا يكون هَمّ أحدكم آخر السورة.
وقد أكد القرآن على هذه الحقيقة بقوله: (أفلا يتدبرون القرآن أم على قلوب أقفالها) محمد/ 24.
ولأسف أصبحت العلاقة القشرية مع القرآن هي العلاقة الحاكمة فتحولت الاهتمامات العلمية إلى اهتمامات بسيطة لا تحدث أثراً علمياً أو عملياً يحقق الفائدة، ومن أمثال هذه الاهتمامات القشرية: ما هي عدد حروف القرآن ما هي طول عصى موسى ما نوع الفاكهة التي أكلها آدم.. الخ.
متناسين أن التوجيه الاسلامي هو أن تكون العلاقة علاقة معرفية، يقول الرسول (ص): حين رتل من الآيات: (ويل لمن لاكها بين لحييه ثم لم يتدبرها).
فحينما تمر على مسامعنا هذه الآية الكريمة (بلى قادرين على أن نسوّي بنانه) القيامة/ 4، فقد لا نستوحي منها شيئاً ولكن الذين تأملوا خفاياها توصلوا بعد التجارب: إلى علم البصمات حيث استحالة التشابه في البصمات بين البشر وبالتالي فإن هذا الكشف يوصلنا إلى دقة خلق الانسان وقدرة الإله على إعادة الانسان كما خلق أول مرة (لقد جئتمونا كما خلقناكم أول مرة) الكهف/ 48.
2 ـ الإهمال التطبيقي:
إن القراءة المجردة لا تحدث كبير أثر على سلوك الأفراد، فهب أنك تقرأ القرآن كل يوم ولكنك تهمل أهم بُعدٍ في هذه القراءة وهو التفاعل القلبي والسلوكي مع آيات الكتاب فإن المحصّلة النهائية هي أنك لا تتحول إلى تلميذ قرآني ولا يتحول سلوكك إلى سلوك رباني.
يقول الرسول (ص): رُبّ تالٍ للقرآن والقرآن يلعنه.
ويقول (ص): اقرأ القرآن ما نهاك، فإذا لم ينهك فلست تقرؤه.
مثال: (يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيراً من الظن إن بعض الظن إثم ولا تجسسوا ولا يغتب بعضكم بعضاً أيحب أحدكم أن يأكل لحم أخيه ميتاً فكرهتموه واتقوا الله إن الله تواب رحيم) الحجرات/ 12.
تتناول هذه الآية الكريمة ثلاثة أمراض اجتماعية هي:
1 ـ الظن: هو أن يظن بأهل الخير سوءاً.
2 ـ التجسس: هو تتبع عثرات المؤمنين.
3 ـ الغيبة: وهي ذكر العيب بظهر الغيب.
ويظهر في الآية الارتباط والتسلسل في تفاقم هذه الأمراض وآثارها السلبية على أفراد المجتمع المؤمن. فالظن يبعث على التجسس وهو (التجسس) باعث على تتبع وكشف عثرات المؤمنين وبالتالي الحديث عنها (الغيبة).
ومع ورود النهي القرآني عن هذه الرذائل إلا أن هناك فجوة بين هذا التوجيه الإلهي وبين السلوك البشري.
وإليك بعض الروايات التي تمقت بشدة أصحاب هذه الرذائل.
1 ـ الظن: قال الرسول (ص): (إياكم والظن فإن الظن أكذب الكذب).
ويقول (ص): مَن أساء الظن بأخيه فقد أساء بربه، إن الله تعالى يقول: (اجتنبوا كثيراً من الظن).
ويقول علي (ع) موجهاً للخير: لا تظنن بكلمة خرجت من أحد سواءً وأنت تجد لها في الخير محتملاً.
2 ـ التجسس: يقول الرسول (ص): (إياكم والظن، فإن الظن أكذب الحديث، ولا تجسسوا)، ويقول: (إني لم أؤمر أن انقّب عن قلوب الناس ولا أشق بطونهم).
عن سلمة بن الأكوع عن أبيه قال: أتى النبي عين من المشركين وهو في سفر فجلس عند أصحابه ثم انسلّ.
فقال النبي (ص): اطلبوه فاقتلوه، فسبقتهم إليه فقتلته، وأخذت سلبه فنفلني إياه.
3 ـ الغيبة: قال علي (ع): لا تعوّد نفسك الغيبة فإن معتادها عظيم الجرم.
وعن جابر بن عبدالله وأبي سعيد الخدري قالا: قال رسول الله (ص): الغيبة أشد من الزنا.
ويقول الصادق (ع): إياك والغيبة فإنها إدام كلاب النار.
ولا شك أن إهمال القرآن وتعاليمه يؤدي إلى تخلف الأمة ويجعلها تعيش الفقر والحرمان. وهو نتيجة طبيعية لحالة الرفض العملي وعدم الالتزام السلوكي بثقافة القرآن تلك الثقافة المسؤولة القادرة على البناء.
ولا يكتفي أفراد الأمة بالإهمال التطبيقي للقرآن ولكن القضية تتحول إلى توجيه سلبي لثقافة القرآن حسب الأهواء والمصالح من أجل الابتعاد عن كل المسؤوليات الاسلامية الملقاة على عاتق أفراد الأمة، فيعملون جاهدين لتحريف القرآن تحريفاً معنوياً (لا لفظياً) معتقدين أن ذلك يكفل لهم الحياة الفارهة متغافلين أن ذلك أدى إلى أن تتحمل الأمة الاسلامية كل تلك الويلات والمصائب من قبل الأعداء الذين ساهموا مساهمة كبيرة في توجيه الثقافة القرآنية خلاف ما أراد الله سبحانه وتعالى.
يقول تعالى: (ومَن أعرض عن ذكري فإن له معيشة ضنكا ونحشره يوم القيامة أعمى. قال رب لم حشرتني أعمى وقد كنت بصيراً قال: كذلك أتتك آياتنا فنسيتها وكذلك اليوم تنسى) طه/ 124-126.
ومن أهم القضايا التي تخلت عنها الأمة هي قضية تحمل المسؤوليات من أجل الحفاظ على الاسلام والدفاع عن الأمة ومقدساتها حيث بررت الأمة تقاعسها مستدلة بكتاب الله (التوجيه السلبي للقرآن).
ـ (ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة): بمعنى الجمود وعدم التحرك والدفاع عن الاسلام وقيمه.
ـ (يا أيها الذين آمنوا عليكم أنفسكم لا يضركم من ضلّ إذا اهتديتم) تبرير التقاعس والكسل عن المسؤوليات الاجتماعية فلا يسعى الفرد للاصلاح تحت غطاء المسؤولية الشخصية(إن الفرد مسؤول عن إصلاح نفسه فقط).
جاء أحدهم إلى ابن سيرين وأخبره أنه رأى في المنام خسرانه للدنيا والآخرة فما معنى ذلك؟ فأخبره ابن سيرين هل أضعت قرآناً؟ فأجاب: نعم منذ عدة أيام وأنا أبحث عن قرآن لي ضائع، فقال له: إن تضييعك للقرآن هو تضييع للدنيا والآخرة، فالحياة الآمنة المطمئنة تحتاج إلى قرآن وكذا الآخرة فهي مكان الراحة والهدوء بفضل نعمة القرآن، وما إن مضت سويعات حتى جاء شخص آخر، وقال: يا ابن سيرين رأيت في المنام أن الدنيا والآخرة أضحت من نصيبي، فقال له ابن سيرين: لقد عثرت على قرآن فهو لهذا الشخص فأعطه إياه.
قال تعالى: (فنبذوه وراء ظهورهم واشتروا به ثمناً قليلاً) آل عمران/ 187.
إن الطريق الصحيح للاستفادة من القرآن يكمن في العلاقة السليمة الكفيلة بعودة الرخاء والأمن والسعادة للأمة الاسلامية وذلك عبر ما يلي:
ثانياً ـ التعامل الإيجابي مع القرآن:
ولكن ما هي صور التعامل السليمة مع القرآن؟
1 ـ المعرفة العلمية للقرآن: لكي نرتقي بالقرآن علينا أن نتعامل معه على أساس أنه منهج إلهي علمي يتناول كل القضايا بأسلوب علمي دقيق، ولا شك أن العلمية هي الطريق السليم لعلاج كل المشكلات التي تواجه الانسان سواء كانت اقتصادية أو اجتماعية أو تربوية كما أنه المنهج العلمي القادر على بناء الفرد بناءً سليماً وذلك من خلال معالجة كل الأمراض العالقة والمترسبة فيه، وكذلك فإنه قادر على بناء المجتمع النقي البعيد عن كل القيم المادية والعلاقات الجاهلية التي تكون سبباً وراء تخلف أفراد المجتمع ووحشيته.
يقول تعالى: (يا أيها الناس قد جاءتكم موعظة من ربكم وشفاء لما في الصدور وهدى ورحمة للمؤمنين) يونس/ 57، (هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإنكانوا من قبل لفي ضلال مبين)، (ويضع عنهم إصرهم والأغلال التي كانت عليهم).
ولا شك أن هذه الآيات تتناول الأساليب العلمية لبناء المجتمع الصالح من خلال:
المنهج القادر على التغلغل في أعماق الانسان وتنقية الشوائب النفسية والسلوكية والاجتماعية العالقة به.
قدرة الهدم والبناء التي تعني القدرة على رفع القيود التي تكبل الفرد من أنظمة وقوانين جاهلة تعيق حركة الانسان نحو البناء وبالتالي فإن عملية البناء تبدأ على أرضية صلبة قابلة للنظام الإلهي الجديد الذي يقود نحو السعادة.
إن المعرفة العلمية للقرآن تمكنه من معرفة أسباب المشكلات وأساليب العلاج وطرقه، فالفساد السياسي والاقتصادي والاجتماعي المؤدي إلى دمار المجتمع يعالجه الاسلام من خلال كتابه المقدس عبر تسليط الضوء على الأسباب الحقيقية وراء تلك الأمراض والمشكلات.
(وما أصابكم من مصيبة فبما كسبت أيديكم).
إن انحراف الحكام والمحكومين أهم أسباب هذه المشكلات، وبالتالي فإن العلاج الذي يضعه القرآن لعلاج هذه المشكلات يتمثل في تحرك إرادة الأفراد نحو الاصلاح والتغيير والعودة إلى مناهج الله.
يقول تعالى: (ظهر الفساد في البر والبحر بما كسبت أيدي الناس ليذيقهم بعض الذي عملوا لعلهم يرجعون)، (إن الله لا يغير ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم).
2 ـ العملية الفكرية للأحداث القرآنية: تكمن الاستفادة الحقيقية من القرآن من خلال الدراسة الواعية للموضوعات القرآنية حيث يتناول القرآن الكثير من التجارب البشرية (قصص الأقوام السابقة): (لقد كان في قصصهم عبرة لأولي الألباب) يوسف/ 111، (تلك القرآن نقص عليك من أنبائها) الأعراف/ 101.
إن العملية الفكرية للأحداث القرآنية تعطي الانسان البصائر النافذة التي كانت سبباً في ازدهار الأمم وتقدمها وانهيار أمم أخرى وتخلفها ودمارها. (فاقصص القصص لعلهم يتفكرون) الأعراف/ 176.
وقال الإمام علي (ع): (تدبروا في أحوال الماضين قبلكم).
ولا شك أن هذه الدروس والتجارب القرآنية تعطي الفرد القدرة على استقراء التاريخ والاستفادة من تلك التجارب على مستوى المسيرة الانسانية للفرد والمجتمع يقول الرسول (ص): مَن راد علم الأولين والآخرين فليقرأ القرآن.
- دروس من التاريخ:
إن التاريخ يعيد نفسه، إنها الكلمة التي عادة ما نكررها ولكننا قد لا نتأملها فلنستقرئ التاريخ قليلاً ونطابقه مع واقعنا لنكتشف أننا لم نستلهم تلك الرؤى التاريخية التي تناولها القرآن الكريم، وكيف أننا نعيش تلك المشاكل السابقة بكل جوانبها، يقول الصادق (ع): إن الله بعث نبيه بإياك أعني واسمعي يا جارة.
المشكلات الاقتصادية:
وتتمثل في الأنظمة الاقتصادية المنحرفة القائمة على أساس نهب ثروات الشعوب تحت شعار تحقيق النمو والرفاه الاقتصادي ولا شك أن هذا الرفاه ينال فئة أصحاب المال دون غيرهم من طبقات الشعب.
إن فساد المنهج الاقتصادي يلقي آثاره على كل الحركة الاقتصادية للمجتمع. ومن عبر التاريخ يتحدث القرآن عن قوم شعيب وحالة الفساد الاقتصادي والذي يتكرر في عصرنا الحاضر بصور مختلفة مع وحدة الجوهر. (ويا قوم أوفوا المكيال والميزان بالقسط ولا تبخسوا الناس أشياءهم ولا تعثوا في الأرض مفسدين) هود/ 85.
وفي هذه الآية إشارة واضحة وصريحة إلى أن النظام الاقتصادي الوضعي يؤدي إلى الفساد الذي يكون سبباً في دمار الأمة وشيوع الانحرافات.
وتتكرر الشبهة التاريخية في قدرة المناهج الإلهية على وضع أفضل النظم الاقتصادية التي ينتج عنها الرفاه لجميع أفراد المجتمع.
(بقية الله خير لكم إن كنتم مؤمنين وما أنا عليكم بحفيظ) هود/ 86.
(قالوا يا شعيب أصلاتك تأمرك أن نترك ما يعبد آباؤنا أو أن نفعل في أموالنا ما نشاء) هود/ 87.
إن ابتعاد أفراد الأمة عن منهج الله كان سبباً في دمار الأمة، وقد تتعدد صور الدمار، فتارة يكون الدمار عقاباً إلهياً تفنى فيه الأمة.
(ولما جاء أمرنا نجينا شعيباً والذين آمنوا معه برحمة منا وأخذت الذين ظلموا الصيحة فأصبحوا في ديارهم جاثمين) هود/ 94.
وتارة أخرى يكون الدمار عبارة عن فشل تلك الأنظمة الاقتصادية ورفض الأمة لتطبيق هذه الأنظمة كما حصل للدول الشيوعية في العصر الحاضر.
ج) المشكلات الاجتماعية: ينظم الاسلام العلاقات الاجتماعية على أساس المساواة بين أفراد المجتمع في الواجبات والحقوق كما أنهم سواء أمام القانون لا فرق بين حاكم ومحكوم، ولا بين غني وفقير ولا بين أسود وأبيض.
قال الرسول (ص): (الناس سواسية كأسنان المشط).
ويقول (ص): (لا فضل لعربي على أعجمي، ولا لأبيض على أسود، إلا بالتقوى).
(إن أكرمكم عند الله أتقاكم).
وأمام هذه المساواة فإن الاسلام يحرك إرادة الأفراد من أجل الحفاظ على هذه القيم ومحاربة الانحرافات التي تؤدي إلى انهيار المجتمع.
يقول الرسول (ص): (كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته).
2 ـ ولكي يحافظ الاسلام على البناء الاجتماعي يدعو إلى الوحدة والحفاظ على الكيان الواحد ومحاربة الأسباب الداعية إلى تفكك المجتمع وضرب وحدته.
(واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا).
(وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان واتقوا الله إن الله شديد العقاب) المائدة/ 2.
إن الإلتزام بهذه القيم الإلهية هي ضمانة الحفاظ على المجتمع ووحدته وسلامته وأن الانحراف عنها وعدم الالتزام بها يؤدي إلى تعثر مسيرة المجتمع الواحدة، وإن سبباً من أسباب تعثر مسيرة المجتمع هو: الاختلاف السلبي الذي يؤدي إلى التناحر وبالتالي تفكك أفراد المجتمع وشيوع الانحرافات وذلك نتيجة لابتعاد الأفراد عن تلك القيم الربانية.
ويحدثنا التاريخ عن تجربة بشرية لإحدى الأمم وهم قوم إدريس (ع) وكيف تداعت هذه الأمة بسبب الاختلافات بين الأفراد.
في كتاب علل الشرائع بالإسناد إلى وهب: أنهم (قوم إدريس) اختلفوا بعد ذلك وأحدثوا الأحداث وأبدعوا البدع.
يقول الرسول (ص): ما اختلفت أمة بعد نبيها إلا ظهر أهل باطلها على أهل حقها. وبعيداً عن رؤى التاريخ فإن الأمة الاسلامية اليوم تعيش الاختلاف والتفكك الذي يتنافى مع قيم القرآن والاسلام حيث الدعوة إلى نبذ الخلاف والفرقة (إن هذه أمتكم أمة واحدة وأنا ربكم فاعبدون) الأنبياء/ 92. (واعتصموا بحبل الله جميعاً ولا تفرقوا).
وبالتالي فإنها تعيش الضياع وعدم الاستقرار وسيطرة الأعداء.
د) الانحرافات البشرية: إذا كانت التعاليم السماوية تعمل جاهدة من أجل رفع الانسان من حضيض الجهل والتخلف والانحراف إلى مستوى الرقي الحضاري والانساني.
(هو الذي بعث في الأميين رسولاً منهم يتلو عليهم آياته ويزكيهم ويعلمهم الكتاب والحكمة وإن كانوا من قبل لفي ضلال مبين).
فإن طبيعة النفس البشرية تميل إلى الأرض.. إلى الشهوة وبالتالي فإنها تستجيب لطبيعتها الأرضية وتبتعد عن قيم الخير والفضيلة وتعيش التحلل والانحراف وتبرز آثارهما على واقع الفرد والمجتمع.
من تجارب الأمم:
1 ـ قوم لوط: الانحرافات البشرية وآثارها السلبية.
حيث وصل ذلك المجتمع إلى درجة الحيوانية بسبب الانحراف السلوكي والشذوذ الجنسي (وهذا ما تعيشه بعض المجتمعات اليوم) وعدم استجابته إلى نداءات الرسالة الإلهية أدى به إلى الدمار.
(كذبت قوم لوط المرسلين) الشعراء/ 160.
(ولوطاً إذ قال لقومه أتأتون الفاحشة ما سبقكم بها من أحد العالمين. إنكم لتأتون الرجال شهوة من دون النساء بل أنتم قوم مسرفون) الأعراف/ 80-81.
(فلما جاء أمرنا جعلنا عاليها سافلها وأمطرنا عليها حجارة من سجيل منضود مسومة عند ربك وما هي من الظالمين ببعيد) هود/ 82-83.
2 ـ قوم يونس (ع): العودة الصادقة والرحمة الإلهية.
لأن الرسالات السماوية بما تحمل من قيم خيرة تهدف إلى صياغة البشر صياغة إلهية ومع ما يكتنف هذه الصياغة من صعوبات البناء واستجابة الأفراد وخضوعهم للقيم الزائفة التي تكرس واقعهم الشهواني المتخلف وتحافظ على مصالحهم، وبروز الآثار السلبية لذلك الواقع المنحرف. إلا أن في استطاعة الأمة عن طريق إرادتها الواعية العودة الصادقة إلى الله عبر الالتزام بالرسالة السماوية القادرة على رفع العذاب والتخلف عن كاهل الأمة. وهذا ما تتحدث عنه الآيات القرآنية بالنسبة إلى قوم يونس (ع). وذلك من خلال عودتهم الصادقة إلى الله تعالى.
يقول الله تعالى: (فلولا كانت قرية آمنت فنفعها إيمانها إلا قوم يونس لما آمنوا كشفنا عنهم عذاب الخزي في الحياة الدنيا ومتعناهم إلى حين) يونس/ 98.
إن العودة الصادقة إلى مناهج الله ونبذ طرائق الجاهلية المتمثلة في النظم الوضعية البشرية على كافة المستويات السياسية والاقتصادية والاجتماعية كفيلة بسيادة الخير والرحمة على أفراد البشر.
(آمنت فنفعها إيمانها) إنها سنّة الله في الأرض أن العودة يجب أن تكون بوعي الأمة وإرادتها.
(ولن تجد لسنّة الله تبديلاً).
(ولن تجد لسنّة الله تحويلاً).
3 ـ التزود الروحي والمعنوي:
إن الباحث عن الكمال يحتاج إلى بصيرة نقية نافذة تبعث فيه السعي الدائب لتحقيق غايته ولا شك أن من أهم أسباب سعادة الانسان وضمان السلامة في سعيه نحو الكمال يحتاج إلى البرامج الفكرية والعلمية القادرة على توجيهه نحو الخير والتكامل، ولقد أثبتت المناهج الفكرية التي وضعها الانسان نفسه فشلها لأنها مناهج ناقصة لا تحقق كل طموحات الانسان العليا ولا تغذي حاجاته الضرورية التي تصنع منه إنساناً سوياً.
ولقد أثبت الواقع العملي أن البقاء للمناهج السماوية القادرة على تحقيق كل ما يصبو إليه الفرد.
يقول الله تعالى:إن هذا القرآن يهدي للتي هي أقوم وبشر المؤمنين).
ومن السمات التي يتميز بها الكتاب السماوي (القرآن):
أنه البرنامج الأفضل لتوجيه العلاقة بين الانسان وخالقه. هذه العلاقة التي تضفي حالة الشعور بالخضوع المطلق لله عبر عبادته والالتزام بأوامره. (وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين).
إنها العلاقة التي يستمد منها الانسان قوة لضعفه، وبصيرة تعينه على السير في الطريق السليم. إنها العلاقة التي توجه فكر الانسان (لأن الفكر قاعدة الانطلاق والعمل) نحو الخير.. نحو تحقيق مفهوم العبادة التي تتمثل في تطبيق القيم الإلهية على واقع الحياة. (بمعنى أن العبادة تعني: أن ينفذ الانسان آيات الكتاب على واقعه فرداً وجماعة، ونظاماً).
يقول علي (ع): (اللهَ اللهَ في القرآن لا يسبقكم بالعمل به غيركم).
ويقول (ع): (لقاح الإيمان تلاوة القرآن).
أنه الأسلوب الأفضل لتوجيه السلوك البشري والغرائز الانسانية.
باعتبار أن مناهجه تهتم بالسلوكيات العملية أي في علاقة الانسان مع الانسان بالشكل الذي يضمن سلامة الحقوق وأداءها.
يقول الرسول (ص): (إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق).
ويقول (ص): (أحسن الخلق يثبت المودة).
ويقول الصادق (ع): (إن البر وحسن الخلق يعمران الديار ويزيدان في الأعمار).
كما أن القرآن يهتم في توجيه الغرائز فهو لا يكبتها فتتحول إلى قهر وحرمان ولا يطلق لها العنان فتتحول إلى فوضى وانحراف. فهو يربي النفس البشرية ويهذبها ويسير بها إلى الخير والصلاح.
(ونفس وما سواها فألهمها فجورها وتقواها قد أفلح من زكاها وقد خاب من دساها).
(قد أفلح من تزكى وذكر اسم ربه فصلى).
إنه التوجيه الأصلح لغرائز الانسان من غير إفراط أو تفريط لأن هذه العلاقة مع القرآن تتحول إلى زاد روحي ومعنوي تمكن الانسان من مجاهدة النفس وتحقيق النصر عليها.
(وتزودوا فإن خير الزاد التقوى واتقون يا أولي الألباب).
(قل هو للذين آمنوا هدى وشفاء) فصلت/ 44.
يقول الرسول (ص): (إن هذه القلوب تصدأ كما يصدأ الحديد. قيل: يا رسول الله فما جلاؤها؟ قال (ص): تلاوة القرآن).
وختاماً، فإننا مطالبون جميعاً بالتعامل الحسن مع القرآن عن طريق تلاوته والاهتمام بمعرفة أحكامه وقيمه وصولاً إلى تطبيقها وتحقيقها في واقع الانسان الفرد والمجتمع.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

العلمانية من الألوان الفكرية المعاصرة
في الحزن و فضله
زيارة السيدة المعصومة عليها السلام
حقيقة الآية المعجزة في القرآن
ملا صدرا و المعاد الجسماني
نحو تجديد الفكر التربوي في العالم الإسلامي
ولادة السيدة زينب عليها السلام
صُبت علـَـيَ مصـــائبٌ لـ فاطمه زهراعليها ...
آيات ومعجزات خاصة بالمهدي المنتظر
طبيبٌ دَوَّارٌ بطبه

 
user comment