اعلم أنّ قانون الزوجيّة كقانون العلّية ، بنصّ القرآن الكريم هو الحاكم على العالم التكويني :
( وَمِنْ كُلِّ شَيْء خَلَقْنَا زَوْجَيْنِ )[1].
ومن مصاديق الأزواج العقل الكلّ والنفس الكلّ وكذا العلم والعمل ، والعلم مقوّم روح الإنسان والعمل يشخّص بدن الإنسان ، والعقل العملي يتبع العقل النظري ، فالعلم إمام العمل.
ومن مصاديق الأزواج : السماء والأرض ، والوجود والماهيّة ، وكلّ مذكّر ومؤنّث من الحيوان والروح الذي يتكوّن من نطفة الرجل والبدن المتكوّن من نطفة المرأة.
وهذا القانون حاكم في كلّ شيء حتّى أعصاب المخّ فإنّه يتكوّن من أعصاب زوجيّة.
والنكاح اللقاح التكويني هو الحاكم في قانون الزوجيّة ، ويتولّد منه العوالم المعنويّة والروحيّة والنفسية والمثالية والحسّية ، فالنكاح الأوّل كان في الأسماء الإلهيّة ثمّ في عالم الأرواح والعقول المفارقة ثمّ عالم الأجساد الطبيعية والعنصرية ، ثمّ ما يتولّد منه المولّدات الثلاثة ـ المعادن والنباتات والحيوانات ـ والنكاح الأخير يختصّ بالإنسان الكامل والكون الجامع ، فالروح بمنزلة الزوج والنفس بمنزلة الزوجة.
والخلق يكون على أساس التثليث ، فالولد من نطفة من الأبوين.
والإنسان الكامل سواء الرجل أو المرأة هو ثمرة شجرة الوجود ، فهو غاية الحركتين الوجودية والإيجادية ، فالمرأة مصنع الصنع الإلهي ، فهي كالشجرة الطيّبة أصلها ثابت وفرعها في السماء تؤتي اُكلها كلّ حين.
والإنسان الكامل لو كان رجلا فهو مظهر العقل الكلّ ، وإن كان امرأة فهو مظهر وصورة النفس الكلّية.
فعليّ (عليه السلام) مظهر العقل الكلّي على أتمّ الوجوه الممكنة ، فهو اُمّ الكتاب ، وفاطمة الزهراء مظهر النفس الكلّية على أتمّ الوجوه الممكنة.
إنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) وديعة المصطفى ، الحوراء الإنسيّة ، مطلع الأنوار العلوية ، وضياء المشكاة الولويّة ، اُمّ أبيها ، واُمّ الأئمة النجباء ، صندوق العلم ، ووعاء المعرفة.
لا ريب ولا شكّ أنّ فاطمة أحرزت مقام العصمة الإلهية الكبرى ، وكما ذهب الأعاظم من علمائنا الأعلام كالشيخ المفيد والسيّد المرتضى إلى عصمتها ، كما تدلّ الآيات الكريمة كآية التطهير والروايات الشريفة على ذلك ، ومن أنكر ذلك فإنّه كالأعمى الذي ينكر نور الشمس.
والعصمة قوّة نوريّة ملكوتية في المعصوم تعصمه عن جميع ما يشين الإنسان الكامل من الذنوب والمعاصي والسهو والنسيان والغفلة وما شابه ذلك ، ومن كان معصوماً من أوّله إلى آخره لا يصدر منه الشين.
فاطمة الزهراء معصومة بعصمة الله سبحانه كما عصم أولادها الأئمة الأطهار ، فإنّ عصمتهم كعصمة القرآن ، فهما الثقلان اللذان لن يفترقا في كلّ شيء من البداية وحتّى النهاية.
والأذان إعلام وإعلان لما يحمل الإنسان من العقيدة ، فالشيعي إنّما يعلن عن عقائده الصحيحة في أذانه وإقامته للصلاة ، فيعلن للعالم كلّ يوم أ نّه يؤمن بالله ووحدانيّه كما يؤمن برسول الله ونبوّته ويؤمن بولاية عليّ وإمامته ، كما يشهد بعصمة الزهراء وطهارتها ، أي في أذانه وإقامته يخبر عن معتقده في الأربعة عشر معصوم (عليهم السلام).
وفاطمة الزهراء بقيّة النبوّة وعقيلة الرسالة ، زوج وليّ الله الأعظم وكلمة الله الأتمّ ، حازت مقام العصمة ، فلا مانع بل من الراجح أن يشهد بعصمتها في الأذان والإقامة كما يشهد بنبوّة والدها وبولاية زوجها ، فنقول في الأذان والإقامة بعد الشهادة الثالثة : (أشهد أنّ فاطمة الزهراء عصمة الله)[2] . أو يلحقها بالشهادة الثالثة ، أي (أشهد أنّ عليّاً وأولاده المعصومين حجج الله ، وأنّ فاطمة الزهراء عصمة الله) ، فيقولها لا بقصد الجزئيّة كما أفتى المشهور من الفقهاء بذلك في الشهادة الثالثة.
وممّا يدلّ على عصمتها أنّ الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها ، كما ورد متواتراً في كتب الفريقين السنّة والشيعة.
ولا تجد معصوماً تزوّج بمعصومة إلاّ أمير المؤمنين (عليه السلام) ، ولولا عليّ لما كان لفاطمة كفؤ آدم ومن دونه ، فإنّ المعصومة لا يتزوّجها إلاّ المعصوم ، فمن خصائص أمير المؤمنين التي لا يشاركه فيها أحد حتّى النبيّ الأعظم محمّد (صلى الله عليه وآله)هو زواجه من المعصومة فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، وهو الزواج المبارك وزواج النور من النور كما ورد في الأخبار ، فلا يستولي على المعصومة إلاّ المعصوم ; لأنّ الرجال قوّامون على النساء ، فالمعصومة لا يتزوّجها إلاّ المعصوم ، بخلاف المعصوم فإنّه يتزوّج غير المعصومة ، فتدبّر.
وفاطمة سيّدة نساء العالمين من الأوّلين والآخرين ، في الدنيا والآخرة ، كما يشهد بذلك آية التطهير وحديث الكساء وأصحابه الخمسة : المصطفى والمرتضى وابناهما وفاطمة.
وإنّما قدّم في آية المباهلة النساء والأبناء على الأنفس ربما للإشارة إلى أنّ الأنفس فداهما.
وفاطمة تربية النبيّ والوصيّ ، خامس آل العباء وأصحاب الكساء ، والخمسة من الأعداد المقدّسة.
وفاطمة حقيقتها حقيقة ليلة القدر ، فمن عرفها حقّ المعرفة فقد أدرك ليلة القدر ، وسمّيت فاطمة لأنّ الخلق فطموا عن كنه معرفتها.
والله خلق عالم الملك على وزان عالم الملكوت ، والملكوت على وزان الجبروت ، حتّى يستدلّ بالملك على الملكوت وبالملكوت على الجبروت وهو عالم العقول.
وقد عبّر عن القوس النزولي بالليل والليالي ، كما عبّر عن القوس الصعودي باليوم والأيام ، فعصمة الله فاطمة عبّر عنها بليلة الله ، فهي يوم الله كذلك ، والإنسان الكامل هو القرآن الناطق ، فنزل أحد عشر قرآناً ناطقاً في ليلة القدر ، أي في فاطمة الزهراء ، فهي الكوثر وإنّا أعطيناك الكوثر وليلة القدر خير من ألف شهر أي ألف مؤمن ، فإنّ فاطمة اُمّ الأئمة النجباء واُمّ المؤمنين والملائكة من المؤمنين الذين حملوا علوم آل محمّد (عليهم السلام) ، وروح القدس فاطمة يتنزّلون في ليلة القدر بإذن ربّهم من كلّ أمر ، سلام هي حتّى مطلع فجر قائم آل محمّد (عليهم السلام).
وأيام الله كما ورد في خبر العسكري هم الأئمة فلا تعادوا أيام الله فتعاديكم.
والمعرفة على نحوين : مفهوميّة استدلالية ومعنويّة ذوقيّة ، والثانية يحصل عليها العارف بالشهود والكشف لا بالبرهان والكسب ، والعيان ليس كالبيان.
وليلة القدر قلب الإنسان الكامل الذي هو عرش الرحمان وأوسع القلوب ، فروح الأمين في ليلة مباركة ينزل بالقرآن ، فانشرح صدره ، فليلة القدر الصدر النبويّ الوسيع.
ومثل هذا الصدر الشريف يحمل القرآن العظيم دفعة واحدة في ليلة مباركة ، وفرق بين الإنزال فهو دفعي والتنزيل فهو تدريجي ، فنزل القرآن دفعة واحدة في ليلة القدر ثمّ طيلة 23 سنة نزل تدريجاً.
(ولقد كانت مفروضة الطاعة على جميع خلق الله من الجنّ والإنس والطير والوحوش والأنبياء والملائكة)[3].
والقلب يطلق على الشكل الصنوبري اللحمي الموجود في الجانب الأيسر من القفص الصدري ، كما يطلق على اللطيفة الربانية المتعلّقة بالقلب الجسماني ، فكذلك هذا المعنى يطلق في ليلة القدر.
وليلة القدر الذي يحمل القرآن دفعة واحدة في معارفه وحقائقه هي فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، وما من حرف في القرآن إلاّ وله سبعين ألف معنى ، وفاطمة تعرف تلك المعاني ، فمن عرفها حقّ معرفتها أدرك ليلة القدر ، فهي درّة التوحيد ووديعة المصطفى ليلة القدر ويوم الله والكون الجامع والقلب اللامع الذي يتجلّى فيه الغيب.
ثمّ النبوّة والوحي على نحوين تشريعية مختصّة بالرجال وقد ختمت بمحمّد فحلاله حلال إلى يوم القيامة ، ومقامية تكوينية ـ تسمّى بالنبوّة العامّة ـفتعمّ الرجال والنساء ، كما في قوله تعالى : ( وَأوْحَيْنَا إلَى اُمِّ مُوسَى )[4] ، كما قال أمير المؤمنين (عليه السلام) : أرى نور الوحي وأشمّ رائحته ، كما قال الرسول : تسمع ما أسمع وترى ما أرى ، إلاّ أ نّه لا نبيّ بعدي ، وأنت وزيري ، وإنّك على خير.
فمثل هذه النبوّة مستمرّة إلى يوم القيامة ينالها أصحاب النفوس القدسية فيتمثّل لها الصور الملكية والملكوتية كما وقع لمريم العذراء بحملها عيسى كلمة الله . وفاطمة كانت ممّن تحدّثها الملائكة ، فهي المحدّثة ـ بالكسر والفتح ـ .
فهناك من عنده علم من لدن حكيم كالخضر (عليه السلام) ، ومثل موسى من أنبياء اُولي العزم يريد أن يستصحبه كي يتعلّم رشداً ، إلاّ أ نّه لا يستطيع صبراً.
وفاطمة اسم من اسماء الله الحسنى ، واشتقّ اسمها من الفاطر ، فلا يقاس بها أحد بعد أبيها خاتم النبيّين وبعلها سيّد الوصيّين.
والعلم نور يتّحد مع العالم والمعلوم ، فيدخل جنّة الذات والأسماء ، والحكمة جنّة ، فمن يدخل الحكمة فقد دخل الجنّة ، والإنسان الحكيم الكامل جنّة ، وهو القرآن الناطق ، وكلّ يعمل على شاكلته فاقرأ وارقأ.
ن والقلم ، فما يكتب في العصمة الكبرى فاطمة الزهراء إلاّ رشحات من بحر معرفتها ، وقد فطم الخلق عن كنه معرفتها ، فمن يعرفها ويعرف أسرارها ؟
قال رسول الله : إنّ الله جعل علياً وزوجته وأبناءه حجج الله على خلقه ، وهم أبواب العلم في اُمّتي ، من اهتدى بهم هدي إلى صراط مستقيم[5].
وفي قوله تعالى: ( مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ * بَـيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَـبْغِيَانِ * فَبِأيِّ آ لاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ * يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ )[6] ، أخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله : ( مَرَجَ البَحْرَيْنِ يَلْتَقِيَانِ ) قال : عليّ وفاطمة ( بَـيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لا يَـبْغِيَانِ ) قال النبيّ ( يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالمَرْجَانُ ) قال : الحسن والحسين[7].
وأذاها أذى رسول الله ، ومن يؤذي الرسول فقد آذى الله ، ومن يؤذيهم فعليه لعنة الله في الدنيا وعذاباً مهيناً في الآخرة ، كما في قوله تعالى: ( إنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللهُ فِي الدُّ نْيَا وَالآخِرَةِ وَأعَدَّ لَهُمْ عَذَاباً مُهِيناً )[8] . وما اُوذي نبيّ بمثل ما اُوذيت ، أيّ أذى أكبر ممّا ورد على فاطمة الزهراء من المصائب من قبل الظالمين ؟ وثبتت العصمة لها من خلال الأحاديث الواردة في فضائلها ومقاماتها.
من أهمّ الخصائص الفاطميّة :
وإليكم جملة من الخصائص ، قد استخرجتها من الروايات الشريفة ، وهي تدلّ على الاُمور الغيبية في تكوينها وفي حياتها الملكيّة والملكوتيّة ، فإنّها :
1 ـ أوّل بنت تكلّمت في بطن اُمّها.
2 ـ أوّل مولودة اُنثى سجدت لله عند ولادتها.
3 ـ اُمّ أبيها.
4 ـ شرافتها العنصريّة ، فهي الحوراء الإنسيّة.
5 ـ اشتقاق اسمها من اسم الله الفاطر سبحانه وتعالى.
6 ـ رشدها الخاصّ.
7 ـ إنّها من أصحاب الكساء (عليهم السلام).
8 ـ الإمام المهدي المنتظر (عليه السلام) من ولدها.
9 ـ ذرّيتها لا يدخلون النار ولا يموتون كفّاراً ، والنظر إليهم عبادة.
10 ـ لم يكن لها كفو من الرجال آدم ومن دونه إلاّ أسد الله الغالب الإمام عليّ بن أبي طالب (عليهما السلام).
11 ـ هي ليلة القدر.
12 ـ فطم الخلق عن معرفتها.
13 ـ على معرفتها دارت القرون الاُولى.
14 ـ كتب اسمها على العرش.
15 ـ تحضر الوفاة لكلّ مؤمن ومؤمنة.
16 ـ لها ولادة خاصّة.
17 ـ ينفع حبّها في مئة موطن.
18 ـ نجاة شيعتها بيدها المباركة ، وتجلّي الشفاعة الفاطميّة يوم القيامة.
19 ـ زيارتها وحجّيتها على الأئمة الأطهار (عليهم السلام).
20 ـ في خلقتها النوريّة تساوي النبيّ (صلى الله عليه وآله).
21 ـ إنّها مجمع النورين النبوي والعلوي.
22 ـ إنّها مفروضة الطاعة المطلقة على كلّ الخلائق.
23 ـ هي العصمة الكبرى والطهارة العظمى.
24 ـ اسمها المبارك (فاطمة) يوجب الغنى.
25 ـ هي النسلة الميمونة والمباركة.
26 ـ زواجها كان في السماء قبل الأرض.
27 ـ حديث اللوح.
28 ـ تسبيحها وآثاره.
29 ـ يفتخر الله بعبادتها على الملائكة.
30 ـ إقرار الأنبياء والأوصياء بفضلها ومحبّتها.
31 ـ يُشمّ منها رائحة الجنّة.
32 ـ الوحيدة التي قبّل النبيّ يدها.
33 ـ هدية الله لنبيّه (صلى الله عليه وآله).
34 ـ خير نساء العالمين من الأوّلين والآخرين في الدنيا والآخرة.
35 ـ تبكي الملائكة لبكائها.
36 ـ وجوب الصلاة عليها كالنبيّ وآله الأطهار (عليهم السلام).
37 ـ قرّة عين الرسول (صلى الله عليه وآله).
38 ـ ثمرة فؤاد النبيّ (صلى الله عليه وآله).
39 ـ مهرها وصداقها.
40 ـ اُمّ الأئمة الأطهار (عليهم السلام).
41 ـ مصحف فاطمة (عليها السلام).
42 ـ بحر النبوّة.
43 ـ كوثر القرآن.
44 ـ شوق النبيّ للقائها وإنّه يبدأ بها بعد السفر كما يختم بها حين السفر.
45 ـ أوّل من تدخل الجنّة.
46 ـ ظلامتها.
وخصائص اُخرى سأذكرها إن شاء الله تعالى في موضع آخر مع رواياتها الشريفة ، والحمد لله ربّ العالمين.
[1]الذاريات : 49.
[2]كما ذهب إلى هذا شيخنا الاُستاذ آية الله الشيخ حسن زاده الآملي في (فص حكمة عصمتية في كلمة فاطمية) ، فراجع.
[3]دلائل الإمامة : 28.
[4]القصص : 7.
[5]شواهد التنزيل ; للحافظ الإسكافي الحنفي 1 : 58.
[6]الرحمن : 19 ـ 22.
[7]الدرّ المنثور ; للسيوطي 7 : 697.
[8]الأحزاب : 57.
من خصائصها (عليها السلام)
قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :
« لو كان الحسن شخصاً لكان فاطمة ، بل هي أعظم ، فإنّ فاطمة ابنتي خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً »[1].
لو قرأنا زيارة الجامعة الكبيرة الواردة بسند صحيح عن الإمام الهادي (عليه السلام)والتي تعدّ من أفضل وأعظم الزيارات ، لوجدناها تذكر وتبيّن شؤون الإمامة بصورة عامّة ، ومعرفة الإمام بمعرفة مشتركة لكلّ الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ، فكلّ واحد منهم ينطبق عليه أ نّه عيبة علمه وخازن وحيه.
إلاّ أنّ فاطمة الزهراء (عليها السلام) لا تزار بهذه الزيارة ، فلا يقال في شأنها : موضع سرّ الله ، خزّان علم الله ، عيبة علم الله ... فهذا كلّه من شؤون حجّة الله على الخلق ، وفاطمة الزهراء هي حجّة الله على الحجج ، كما ورد عن الإمام العسكري (عليه السلام) : « نحن حجج الله على الخلق ، وفاطمة الزهراء حجّة الله علينا ».
ثمّ فاطمة الزهراء هي ليلة القدر ، فهي مجهولة القدر كليلة القدر في شهر رمضان ، فلا يمكن تعريفها وأنّ الخلق فطموا عن معرفتها . ولا زيارة خاصّة لها ، ربما لأنّ أهل المدينة بعيدون عن ولايتها ويجهلون قبرها فكيف تزار ، أو يقال : لا يمكن للزهراء أن تعرّف في قوالب الألفاظ ، فإنّ الشخص تارةً يعرف بأ نّه عالم ورع ، واُخرى يقال : فلان لا يمكن وصفه ومعرفته ، فالزهراء (عليها السلام) إمام على ما جاء في زيارة الجامعة الكبيرة.
كما أ نّه ورد في توقيعات صاحب الأمر (عليه السلام) أنّ اُسوته ومقتداه اُمّه فاطمة الزهراء (عليها السلام) ، فالجامعة زيارة الإمام ، ولكن اُسوة الأئمة وحجّة الله عليهم هي فاطمة الزهراء ، فلا يمكن وصفها وبيان قدرها.
ومن خصائصها : كما أنّ لها مبان خاصّة في الفقه والعقائد والمعارف السامية ، إلاّ أ نّه من خصائصها أنّ حبّها ينفع في مئة موطن ، وحبّ الأئمة الأطهار (عليهم السلام) ينفع في سبع مواطن للنجاة من أهوال يوم القيامة.
ومنها : أ نّها في خلقتها النورية تساوي النبيّ ، فهي كما قال النبيّ : روحه التي بين جنبيه ، وربما الجنبين إشارة إلى جنب العلم وجنب العمل ، فهي واجدة روح النبيّ بعلمه وعمله وكلّ كمالاته إلاّ النبوّة فهي الأحمد الثاني ، فهي علم الرسول وتقواه وروحه.
ويحتمل أن تكون إشارة الجنبين إلى النبوّة المطلقة والولاية ، فقد ورد في الخبر النبوي الشريف : « ظاهري النبوّة وباطني الولاية » التكوينية والتشريعية على كلّ العوالم ، كما ورد : « ظاهري النبوّة وباطني غيب لا يدرك » ، وأنفسنا في آية المباهلة تجلّيها وظهورها ومصداقها هو أمير المؤمنين عليّ (عليه السلام) ، فالزهراء يعني رسول الله وأمير المؤمنين ، فهي مظهر النبوّة والولاية ، وهي مجمع النورين : النور المحمّدي والنور العلوي ، وكما ورد في تمثيل نور الله في سورة النور وآيتها : ( اللهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأرْضِ )[2] بأ نّه كالمشكاة ، وورد في تفسيره وتأويله أنّ المشكاة فاطمة الزهراء وفي هذه المشكاة نور رسول الله وأمير المؤمنين ثمّ بعد ذلك الأئمة الأطهار (عليهم السلام) يهدي الله لنوره من يشاء.
فالنبوّة والإمامة في وجودها ، وهذا من معاني (والسرّ المستودع فيها) فهي تحمل أسرار النبوّة والولاية ، تحمل أسرار الكون وما فيه ، تحمل أسرار الأئمة وعلومهم ، تحمل أسرار الخلقة وفلسفة الحياة.
ولا فرق بين الأحد والأحمد إلاّ ميم الممكنات الغارقة فيها ، والاُمّ تحمل جنينها وولدها ، وفاطمة الزهراء (عليها السلام) اُمّ أبيها ، فهي تحمل النبيّ في أسرار نبوّته وودائعها ، كما تحمل كلّ الممكنات في جواهرها وأعراضها ، فخلاصة النبوّة تحملها فاطمة فهي اُمّ أبيها.
ومن خصائصها : أ نّها تساوي النبيّ والوليّ في قالبها الطيني والصوري في عرش الله ، كما في الروايات فيما يلتفت آدم إلى العرش ويرى الأشباح الخمسة النورانية في العرش.
ومن خصائصها : أنّ خلقتها العنصري ليس كخلقة آدم (عليه السلام) ، فإنّه خلق من طين وبواسطة الملائكة ، ولكنّ خلق فاطمة إنّما كان بيد الله ، بيد القدرة ومن شجرة الجنّة ومن عنصر ملكوتي في صورة إنسان ، فهي حوراء إنسية كما ورد في الأخبار ، وإنّ النبيّ كان يقبّلها ويشمّها ويقول : أشمّ رائحة الجنّة من فاطمة ، ففاطمة الزهراء خير أهل الأرض عنصراً وشرفاً وكرماً.
ومن خصائصها : أنّ الله خلق السماوات والأرض من نورها الأنور ، وازدهرت الدنيا بنورها بعدما اظلمّت كما في خبر ابن مسعود ، وهذا معنى اشتقاق فاطمة من الفاطر بمعنى الخالق الذي فطر السماوات والأرض ، ففطر الخلائق بفاطمة الزهراء (عليها السلام) ونورها الأزهر.
ولمثل هذه الخصائص الإلهيّة كان النبيّ يقول : فداها أبوها ، وأ نّها اُمّ أبيها ، وكان يقوم أمامها إجلالا لها وتكريماً ويجلسها مجلسه ، ويقبّل يديها وصدرها قائلا : أشمّ رائحة الجنّة من صدرها ، ذلك الصدر الذي كان مخزن العلوم ومصداق السرّ المستودع فيها . وقد كسر الظالمون ضلعها وعصروها بين الباب والجدار وأسقطوا ما في أحشائها محسناً (عليه السلام) :
ولست أدري خبر المسمارِ *** سل صدرها خزانة الأسرارِ
[1]فرائد السمطين 2 : 68.
[2]النور : 35.