الاساءة لنبي الرحمة و خاتم المرسلين محمد المصطفى صلى الله عليه وآله وسلم ليست وليدة الساعة أو الصدفة بل لها تاريخ طويل وباع دفين في الحقد والكراهية اليهودية الصهيونية ضد أفضل خلق الله و أكملهم و أنبلهم .
فكلما أحس أحبار اليهودية و رهبانيتهم الصهاينة بالعزلة والوحدة و ضيق الخناق عليهم و فشل مؤامراتهم ضد البشرية خاصة المسلمين أفتعلوا مثل هذه الفعلة الشنيعة التي ترفضها ليس جميع الاديان السماوية بل حتى القرارات الدولية تلك التي تتشدق بها البلدان والانظمة الداعمة والراعية لمثل هذه الدسائس الخبيثة والوقحة غرباً و عرباً.
و ما أن سطعت شمس الاسلام البازغة على يد منقذ البشرية (ص) تنتشر في ربوع الحجاز ليسطأ نورها في ربوع المعمورة حتى أحس كبار يهود المدينة بالخطر القاتل عليهم و أن زمن سطوتهم على العرب والعالم قد آل الى الزوال وجاء الاسلام الحنيف لينقذ البشرية من خداعهم و فرعنتهم و جبروتهم و طغيانهم حتى انطلقت أول اساءة حيث اتهم بعض أحبار و كبار اليهود الرسول محمد (ص) بأنه شخص اقتبس و بصورة محرفة من التوراة والأناجيل المحرفة للعربية تلك التي تعلمها من "الراهب بحيرى" لأطماع شخصية في بسط هيمنته على المدينة عبر مصادقة اليهود والمسيحية والتقرب منهم و تقليد طقوسهم ولكنه ارتد عليهم بعد ذلك، رغم انه كانت هناك علاقة جيدة بينه (ص) وبين قبائل بنو قريظة و بنو قينقاع و بنو النضير اليهودية جيدة في بداية استقراره في المدينة خاصة بعد أن عقد معهم اتفاق سمي ب"ميثاق المدينة" الذي نص على عدم التعرض للاخر والذي نقضوه هم ايضاً.
وتوالت جذور الاساءة للرسول (ص) والمسلمين على مدى العصور الاخرى حتى بلغت ذروتها أثناء فترة انتشار الاسلام في بلاد الشام و هدد اتساعه نطاق الامبراطورية المسيحية المتصهينة في بلاد الروم حتى ظهرت شخصية يوحنا الدمشقي (John of Damascus) الحاقدة والذي كان والده مسيحيا وكان يعمل في منصب رفيع في مالية الخلافة الأموية في عهد عبد الملك بن مروان ، حيث تربى و ترعرع على يد قس متصهين مشهور من صقلية اسمه كوسماس (Cosmas) و اخذته القوات الاسلامية اسيراً الى الشام حيث كان يكن الحقد والعداء البغيض للاسلام و رسوله (ص) ، ليعيد اساءة يهود المدينة الاولى مرة اخرى بعد مضي قرون و يكون أول من كتب كتاباً كاملا ضد شخصية الرسول (ص) والاسلام حيث ذكر في كتابه المسمى (De Haeresbius) ليتهم الرسول (ص) باقتباسه بعض من كتابات "ورقة بن نوفل" الذي كان و حسب زعم "الدمشقي" قساً "نسطورياً".
وفي القرون الوسطى و خلال فترة هيمنة المسلمين على اسبانيا بدأ بعض ابرز قادة الكنيسة الاسبانية ممن لهم ارتباطات وثيقة برهبان اليهودية بزرع بذور النفاق والاختلاف بين المسيحيين والمسلمين و اشعال نار الفتنة و من أشهرهم ايلوجيس (Eulogius) الذي ركز على رفض الاسلام فكرة "الثالوث" و اعتبار الرسول محمد (ص) للسيد المسيح (ع) مجرد نبي أو رسول، وقام "ايلوجيس" بكتابة العديد من الرسائل مشدداً فيها أن الرسول محمد (ص) هو رسول كاذب حسب زعمه ، ووصف الرسول (ص) في كتاباته "بالذئب المختبئ بين الخرفان" – نعوذ بالله تعالى، و تزامنت هذه الكتابات مع محاولات من نفس النوع من قبل قس اسمه الفاروس (Alvarus) وكان لهذين الشخصين دور كبير في نشوء ما سمي بالاستشهاديين المسيحيين الذين قاموا ببعض العمليات الانتحارية ضد المسلمين.
و اخذت وسائل الاعلام الاستكبارية منذ ذلك الحين وحتى يومنا هذا خاصة في أميركا واوربا تلعب دوراً خبيثاً في محاولة حرف الرأي العام العالمي ضد المسلمين و رسالتهم و نبيهم (ص) خاصة الغربي سعياً منها لتحقيق أهداف استكبارية خبيثة لمواجهة الصحوة الاسلامية التي أخذت تتعاظم في العالم و بعد انتصار الثورة الاسلامية المباركة في ايران مما دفع باللوبي الصهيوني و حماته أن أحسوا بالخطر القادم ضد فرعنتهم و سطوتهم على العالم خاصة العالم الاسلامي الغني بالثروات والمصادر الطبيعية تلك التي يقوم اقتصاد القوى التسلطية والاستعمارية عليها عبر انصياع قادة هذه البلدان و أنظمتها الموروثية الرجعية للقرار الصهيوني المعادي للاسلام حفاظاً على مسند سلطتهم.
فكان كتاب "الايات الشيطانية" للروائي البريطاني من أصل هندي المرتد "سلمان رشدي" أول انطلاقة لعودة الاساءة ضد الرسول (ص) في العصر الحديث والذي صدر في لندن في 26 سبتمبر 1988، حيث جاءت فتوى الامام الخميني /قدس سره/ في 14 فبراير 1989 بهدر دم الكاتب والذي واجهت تغطية واسعة من قبل وسائل الأعلام الغربية تم فيها اتهام المسلمين بعدم السماح ل"حرية التعبير" في وقت ينص "العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية " والذي اعتمد و عرض للتوقيع والتصديق والانضمام بموجب قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة 2200 ألف (د-21) المؤرخ في 16 كانون/ ديسمبر1966 و بدأ تنفيذه بتاريخ: 23 آذار/مارس 1976، وفي المادة 20 على " تحظر بالقانون أية دعوة إلى الكراهية القومية أو العنصرية أو الدينية تشكل تحريضا على التمييز أو العداوة أو العنف".
وقد جاءت فتوى الامام الخميني /قدس سره/ الصارمة والتي لا تزال سارية المفعول ولاقت الدعم الاسلامي الشامل من شعوب و علماء و أنظمة ، لتكون رادعاً صارماً و قوياً أمام نوايا الاستكبار العالمي واللوبي الصهيوني في التمادي ضد شخصية الرسول (ص) والدين الاسلامي الحنيف لفترة من الزمن حتى خطط الصهاينة مرة اخرى للعبة قذرة بغية خلاصهم من ورطة الانزواء العالمي الذي كانوا يعانون منه ازاء تماديهم في الاجرام ضد الفلسطينيين و شعوب الشرق الاوسط .
فجاءت احداث الحادي عشر من سبتمر / ايلول عام 2000 لتكون مبرراً لانطلاق مؤامرة جديدة تستهدف الرسول (ص) ودينه القيم مرة اخرى وليشهد العالم تصاعدا في الكتابات التي تطعن في شخصية النبي (ص) وصدرت العديد من الكتب والمقالات والرسومات التي اشتهرت وانتشرت في غالبية بلاد الغرب ، وكان من أشهر الكتب التي صدرت في تلك الفترة كتاب باسم "نبي الخراب" (Prophet Of Doom) للمؤلف كريك ونن (Craig Winn) الذي وصف الرسول(ص) ب"قاطع طريق" (نعوذ بالله) استعمل حسب زعمه البطش والاغتيالات والخداع للوصول إلى السلطة المطلقة.
و من ثم بدأ سيل الاساءة قوياً هذه المرة و دون انقطاع هنا وهناك و يزداد سوءاً يوماً بعد آخر بسبب انكماش و امتناع الأنظمة الاسلامية والعربية من ابداء ردود فعل قوية رادعة أو السماح لشعوبها بالتنديد بهذه الاساءات الوقحة والشرسة التي تستهدف شخصية نبي الرحمة و خاتم المرسلين (ص) ، حيث قامت الكاتبة "أيان حرسي علي" وفي 2 نوفمبر 2004 قامت مع منتج الأفلام الهولندي "ثيو فان غوخ" بكتابة و تصوير فيلم "الخضوع"، والذي يدور حول الظلم الذي تتعرض له النساء في الثقافات الاسلامية حسب زعمها بالقول أنه "حب النبي محمد (ص) لزوجة إبنه و كيف أنه غاب في غار وعاد ومعه الحل السحري لزواجه منها" مما دفع الأمر الى مقتل المخرج "ثيو فان غوخ" على يد "محمد بويري".
ثم تلتها صحيفة "يلانذز بوستن" الدانماركية وفي سبتمر /ايلول 2005باقامة مسابقة لرسم كاريكاتير للنبي محمد (ص) وقامت الصحفية باختيار 12 رسمة من الرسوم المرسلة و فيها استهزاء وسخرية للرسول (ص)، فيما قامت شركة كيرسنت مون ببليشنغ (CRESCENTMOON PUBLISHING)، بنشر كتيب كاريكاتيري اسمه "محمد صدق و إلا"، لحساب رسام استعمل اسماً مستعاراً "عبدالله عزيز" و هو عبارة عن كتيب من 26 صفحة من الغلاف إلى الغلاف (13 ورقة) و يطرح الكتيب الحديث والسنة النبوية بصورة مهينة عدا عن الرسومات التي تظهر النبي محمد صلى الله عليه وآله و سلم بصورة "غبية" (نستجير بالله تعالى) بهدف إقناع السود الأميركيين بعدم التحول إلى منظمة "أمة الاسلام".
وفي 13/02/2008 أعادت سبع عشرة صحيفة دانماركية نشر رسم كاريكاتوري يسخر من الرسول محمد صلى الله عليه وآله وسلم ، و هو واحد من مجموعة رسوم مشابهة كانت قد نُشرت قبل عامين و أثارت موجة واسعة من الاحتجاجات في العالم الاسلامي.
و خلال الفترة تلك كان اللوبي الصهيوني منكفئ على جعل الكتب الدراسية وفي مختلف مراحلها الابتدائية والمتوسطة والثانوية و حتى الجامعية في المجتمعات الاوروبية قائمة على الحقد والكراهية والعداء الشديد للاسلام والمسلمين والرسول (ص) و ذلك حسب الدراسة المنهجية التي اعدها المستشرق الالمانى البروفيسور "عبد الجواد فلاتوري" المحاضر بمعهد الدراسات الاسلامية بالمانيا ومعه زميلته البروفيسورة "توروشكا" بدراسة والتي شارك فيها فريق من الباحثين الالمان على الكتب الدينية المدرسية التى تدرس لطلاب المانيا و فرنسا و انجلترا و هولندا و اسبانيا وعدد آخر من الدول الاوروبية حيث استغرق اعداد الدراسة نحو 14 سنة و نشرت بالالمانية والانجليزية والعربية و ذلك بواسطة "الاكاديمية الاسلامية للعلوم بكولونيا" .
كما أكد العلماء والباحثون المشاركون فى مؤتمر "الحوار الاسلامى – المسيحى" بسويسرا عام 1995 و بمناسة مرور (900) سنة على بدء الحروب الصليبية، ان المناهج التعليمية الاوربية تشوه صورة الاسلام والمسلمين بشكل كبير و تحمل الطفل والشاب الغربي على العداء والكراهية للاسلام والمسلمين و ديانتهم وان الاطفال الاوربيون ينشأون على كتب تزخر بالطعن على المسلمين وتزري بهم و بعقيدتهم و تنزل بهم من مصاف البشر لدرك الوحوش ، رغم وجود بنود في قوانين البلدان الاوروبية الجنائية تجرم المسيئين الى الرموز الدينية و تعتبر الأساءة للدين عملا مخالفا للقانون و على سبيل المثال في البندين 188 و189 من القانون الجنائي في النمسا والبند 10 من القانون الجنائي في فنلندا والبند 166 من القانون الجنائي في المانيا والبند 147 في القانون الجنائي في هولندا والبند 525 في القانون الجنائي في اسبانيا و بنود مشابهة في قوانين إيطاليا و بريطانيا والولايات المتحدة.
واليوم جاء الدور للأسوأ والأخطر في كل ما أشرنا اليه من إساءات للرسول (ص) والدين الاسلامي والمسلمين ، ليمثل فيلم"براءة المسلمين" المسيء والمشين الذي أنتجته مجموعة دينية أميركية تطلق على نفسها اسم "اعلام من اجل المسيح" (ميديا فور كرايست) وقام باخراجه آلن روبرتس (65 عاما) متخصص الافلام الإباحية دور الرمح الذي رفعه "الوحشي بن حرب" و قتل به سيد شهداء الاسلام سيدنا حمزة (رض) خلال حرب "احد"، باستهدافه شخصية الرسول (ص) تلك الشخصية الانسانية الفريدة التي قال عنها الله سبحانه و تعالى في كتابه المجيد "وَ إِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ – القلم 4" و استهداف اساس رسالة الدين الاسلامي الحنيف دين الرحمة والرأفة والاخلاق والمكارم حيث قال عنها (ص) : "بعثت لاتمم مكارم الاخلاق" وسط صمت غربي و عربي رسمي مطبق و بكل وقاحة و دون استحياء.
هذا الفيلم الوقح الذي استفز عواطف و مشاعر مليار والنصف مليار مسلم في العالم يعتبر حتى أخطر من إحراق المسجد الاقصى في الماضي كما قالها سيد المقاومة و صادق وعدها السيد حسن نصر الله لانه وقتها تحركت الدول الاسلامية و منظمة المؤتمر الاسلامي فيما تلتزم هذه المرة الصمت المطبق على الاساءة لنبيها (ص) بحجم هذه الاساءة تعطي اشارة للصهاينة بأنكم يمكنكم ان تهدموا المسجد الاقصى، مشددا على ان الدفاع عن الرسول هو دفاع عن كل المقدسات و هو دفاع عن كل الديانات السماوية وكل الانبياء(ع).
ان من أهم الأهداف الخطيرة لهذا الفيلم المشين وكل ما يتم على شاكلته بين الحين والآخر هو ايقاع الفتنة بين المسلمين والمسيحيين خاصة و انه يتم الدفع برجال دين او جمعيات مسيحية كي تسيء كل مرة للمقدسات الاسلامية، حيث ان من يقف من وراء هذه الاساءات يخطط للفتنة لآن المسلمين عندما يشاهدون ما يتعرض له رسولهم (ص) او مقدساتهم فهم سيقومون للانتقام لمقدساتهم ولرسولهم و بالطبع سيردون ضد المسيحيين باعتبار ان من يقف في العلن هو مسيحي، فيما ان من يخطط بهذه الطريقة هدفه اراحة الحركة الصهيوينة والعدو الصهيوني.
فهم يرفعون شعار"حرية الرأي والتعبير" و يتشدقون به ويريدونه لهم أينما تحوط مصالحهم و سياساتهم العدوانية والاستكبارية ، في وقت يجرمون فيه التطرق حتى بشيء بسيط لخرافة "الهولوكوست" التي افتعلها اللوبي الصهيوني تمهيداً لاحتلال فلسطين والسيطرة على البلاد الاسلامية لان ما وصل إليه الاستشراق في خلق أو إيجاد البنى الاجتماعية والسياسية والثقافية البديلة في البلاد الاسلامية لم يكن كافياً لاتمام الغزو الصليبي الجديد، لأن الاسلام يمثل على الدوام إزعاجاً متصلاً للغرب وللقيم الغربيةالمنحطة والرذيلة…. كما قال الدكتور إدوارد سعيد.
أما عن صمت المؤسسات الدينية الرسمية الاسلاميّة فقد أشار رئيس لجنة الفتوى بالأزهر قائلاً: " لقد كان واجباً أن يسارع الأزهر الى تشكيل لجنة لدراسة الموضوع؛ لاعلان الرأي الاسلامي فيه و صاحبه، ولكن الأزهر غارق، ليس في العسل، ولكن في شيء أسود…. " لعله انصاع للقرار الاخواني بعد ما عاش عقوداً منصاعاً لقرار مبارك المخلوع كما ينصاع قرار و عاظ السلاطين في بلاد الحجاز لقرارات مؤسساتهم الرسمية التي لا صلة للاسلام بها لا من قريب ولا من بعيد.
كما انه لا يكفي ان نعبر عن غضبنا بالتظاهر أمام السفارات الاميركية هنا و هناك بل يجب على الشعوب الاسلامية ان تضغط على دولها لتضغط بدورها على الادارة الاميركية بضرورة ان يحترم نبينا (ص) و ديننا، لأننا امة تملك الكثير من الامكانات و يجب ان نُفهم العالم ان هذه الأمة لن تسكت عن الاساءة لنبيها(ص) مهما كلفها ذلك ثمناً .
* بقلم: جميل ظاهري
source : sibtayn