عربي
Saturday 23rd of November 2024
0
نفر 0

الإمام علي والتسامح الديني والسياسي

الحمد لله رب العالمين والصلاة والسلام على محمد وآله وصحبه الطيّبين الطاهرين.

ورث الإمام علي تركة مثقلة بالاضطرابات فقد جاء إلى منصب القيادة في الأمة الإسلامية وقد تمزقت أواصرها واضطربت إدارتها، وأصبحت السلطة المركزية ـ أي سلطة الخلافة ـ موضع شك من جماهير الأمة، فقد كان الخليفة عثمان كبير السن فسيطر عليه جماعة من قومه فجعلوا الخلافة تركة لأسرة معينة، ثم كانت هناك الظروف الاجتماعية التي لم يكن له عليها سلطان بنشأة طائفة أثرت ثراءً فاحشاً وابتعدت عن النور النبوي.

ورث الإمام علي هذه التركة فأراد أن يعود بها إلى أصولها في رسالة محمد(صلى الله عليه وآله وسلم) فرأى القوم قد انحرفوا فأراد أن يقودهم إلى الطريق السوي، ولكن الحيوان إذا أصيب في أذنيه بما يشغله ينطلق في طريقه وتعصب قيادته مرة أخرى إلى الطريق السوي وقد كان هذا شأن الأمة.

جاء الإمام علي إلى الخلافة كارهاً مضطراً، وأراد أن يجمع الأمة على سبيل واحد، وسأذكر كلمة تنسب إلى المؤرخين حول الإمام \"انّه كان شجاعاً ولم يكن سياسياً\"، وهم في ذلك مخطؤون فقارئ التاريخ لو عرف أنّ الإمام علياً عندما تولى الخلافة لم يكن لديه جيش بل كانت المدينة ذاتها تحت سلطان فئات مشاغبة. ولما ثار عليه مَن ثار في العراق وتحصنوا واجتمعوا في العراق وجمعوا جموعهم، خرج الإمام على من المدينة وليس معه أكثر من 800 شخص، لكنه عندما وصل إلى ميدان المعركة كان معه ماينوف على الألوف والألوف، فمن أين جاؤوا لو كان الإمام بارعاً ـ كما يقولون ـ في الحرب دون السياسة؟!

كان الإمام سياسياً عظيماً وقائداً حربياً ماهراً، لكنه واجه قوات وظروفاً عسيرة. أول هذه الظروف والتحديات كانت نكث مَن نكث عهده عليه وخرجوا عليه وتحدوا اختيار الأمة له، وكما هو معلوم فقد كان اختيار أبي بكر بشخصين، وكان اختيار عمر بوصاية من قبل أبي بكر، وكان اختيار عثمان من قبل عبد الرحمن بن عوف، ولكن الإمام علياً اختاره الجمهور كله وانصاعت له الأمة عدا أفراد معدودين، ولما نكثوا عهده لم يقل الإمام قد كفروا ولم يهاجمهم هجوماً كما نعرفه اليوم في مهاجمة الناس خصومهم وإنّما حاول إرشاد القوم بالحسنى غير أن أعظم تركة للإمام علي في مجال التسامح الديني إنّما وقعت عندما خرج عليه قوم عرفناهم بالتاريخ باسم الخوارج، هؤلاء القوم زعموا أن الإمام قد انحرف عن جادة الصواب وانّه حكّم الناس حيث ينبغي أن يكون الحكم لله فقالوا \"الحكم لله\" كما وصفهم الإمام علي \"كلمة حق أريد بها باطل\"... هؤلاء القوم خرجوا زاعمين أنّهم يريدون القتال من أجل الخلافة وزاعمين أن الإمام علياً قد خان الأمة وأنّه لذلك لم يعد صالحاً لقيادة الأمة بل زاد بعضهم فاتهمه في دينه.

تصور انك في هذا العصر أو في أي عصر عندما تواجه بمثل هذه التهم الباطلة وهذا العنف في العبارة وهذا الأسلوب في الكلام فماذا تعمل؟

خرجوا وتحصنوا في مكان وهم جنود أقوياء الشكيمة مدججون بالسلاح، فماذا تفعل وأنت تقود جيشاً وتواجه معركة؟ قال قوم للإمام عليك بهم، حاربهم فهم يريدون حرباً وعليك بهم فصفهم بما ينبغي أن يُوصفوا به، فانّهم كفرة مارقون خرجوا على الدين وتبرؤوا من البيعة، فما كان جواب الإمام إلاّ أن قال سأتركهم إلاّ أن يسيؤوا، أو يقطعوا الطريق. ولما سأله سائل: أليسوا كفرة؟ قال: كلاّ بل من الكفر فرّوا. وهذه كلمة هامة، وقارنهم بغيرهم فقال: هؤلاء أرادوا الحق فأخطؤوا الطريق وغيرهم أراد الباطل فأصاب الطريق، أي أنّهم أحسنوا النية وأساؤوا الأسلوب، هم يريدون للخلافة أو الامامة أن تكون سليمة قوية ولكنهم بعملهم بالوسيلة التي اتخذوها أفسدوا غرضهم.

انّ الإمام علياً وضع أساساً للمجتمع الإسلامي، مجتمع يمكن للأفراد أن يختلفوا في الرأي وأن يجادل أحدهم الآخر في رأيه دون أن يرميه بالكفر أو يشهر في وجهه السلاح، هي نقطة هامة نسيها العالم الإسلامي ـ مع الأسف ـ منذ ذلك العصر.

نحن في عصر لايكاد الواحد منّا ينطق بكلمة لم تكن مكتوبة أو لم يحفظها إخواننا الدارسون في العلوم الإسلامية حتى يتهموه بالكفر، فنحن نُطالب في هذا العصر أن لا نكون أكثر من أدوات تسجيل نحفظ ولا نفكر، نردّد ـ بل نجتر ـ ما قاله العلماء السابقون دون أن نحرّف أو نغيّر عليهم أية كلمة، أي حرف، وهذا الحِجر على العقول نتيجته المحتومة التقهقر العلمي والديني بل والأخلاقي، فالذي لا يفكر ليس أنساناً وبالتالي لا يستطيع أن يقضي بين الحق والباطل أو يفرق بين الصواب والخطأ ولا بين الفاضل والشرير، فالأحكام الأخلاقية كالأحكام العقلية لا تنبع إلاّ من مجتمع حر، والإمام علي أراد أن يكون للمجتمع الإسلامي هذه الحرية التي ورثها من رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، الذي قال: \" إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإذا أخطأ فله أجر واحد \" فجعل للمخطئ أجراً، وقد أراد الإمام علي بهذا أن يثبت حكماً أساسياً في المجتمع الإسلامي وفي الفكر الإسلامي.

وبعد أن انهزم حزب الحق، حزب الله، وقام الطغيان في بلادنا حجر على الفكر حجراً تاماً فذبح كلّ مَن خالف العقيدة الحكومية ذبح الشياه، وقد قال أحد ولاة بني أمية ـ وهو خالد القسري ـ لبعض الناس في عيد الأضحى: \"اذهبوا وضحوا أما أنا فأضحّي بهذا الرجل، يعني جعد بن درهم\" وذلك لانّ له فكراً يخالف فكر الدولة، ومثل هذا لم يكن ليقع لو أنّ حزب الله انتصر في هذه المعركة.

هناك جدال كثير في العصر الحاضر حول علاقة الدول الإسلامية بعضها بالبعض الآخر، وأذكر قصة قصيرة انّي حينما دُعيت لأكون عضواً في المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية في أول اجتماع له بعد تكوينه من جديد دُعينا للاجتماع في بغداد، ولما اجتمع القوم في بغداد اشترطتُ لاشتراكي فيه ان لا تُهاجم إيران في المؤتمر على الإطلاق ـ وقد عُقد المؤتمر بعد انتهاء الحرب العراقية الإيرانية ـ وأن يكون الحوار حول السلام والإسلام لا أكثر، وانّنا هناك نريد جمع الكلمة لا الخلاف حولها، ووُعدتُ بأنّ هذا سيكون هو المنهج الذي سيسير عليه المؤتمر، ولكن لما وصلتُ إلى هناك وإذا بالخطب كلها حملة على إيران،

يقولون إن إيران لم تلتزم بقرار الأمم المتحدة ولم تلتزم في معاملة الأسرى بمعاهدة جنيف ولم تتعاون مع مؤسسة الصليب الأحمر لتوثيق العلاقة بين الأسرى وأهليهم.

ردّد هذا خطيب بعد خطيب وكان كلّهم من الوزراء، فطلبتُ الكلمة وكان من المقرّر أن أكون متحدثاً، ولكنّهم قالوا إن الكلمات ستلغى لكل من جاؤوا من الجامعات وهم الذين اقترحتهم، وقالوا أنهم ليسوا مهمين بل المهم سبعة عشر وزيراً وخمسة وثلاثون رئيساً للمؤسسات الدولية، ولكني أصررت على الكلمة فدُعيت فقلتُ: انّ مايدهشني في هذا النقاش ونحن في مؤتمر إسلامي أن نتكلم عن الأمم المتحدة فمتى اتحدت هذه الأمم إلاّ علينا؟ ثم نتكلم عن مؤسسة الصليب الأحمر ونحن مؤسسة إسلامية، فهل يحق لنا أو يليق أن نتكلّم عن الصليب الأخضر أو الأصفر أو الأحمر؟ ثم نتكلم عن ميثاق جنيف فهل منكم مَن يدلّني أي بلد عربي أو إسلامي تقع جنيف هذه فيه؟ لماذا لا نلجأ للشريعة الإسلامية، نلجأ لقرار الإمام علي بن أبي طالب الذي عندما وضعت الحرب أوزارها بينه وبين خصومه كان أول عمل قام به هو إطلاق سراح الأسرى، فلماذا لا نحتكم إلى الإمام علي وهو إمامنا وإمام كل المسلمين؟! هذا التسامح الذي لا يجعل الانتقام أو الحقد أساساً للتعامل بين المسلمين وهذه التركة الكبرى التي تركها الإمام علي للمسلمين.

نحن في عصر نعاني فيه من ضيق الفكر وسوء اللغة التي تستعمل بين المتحاورين، فما أحرانا أن نعود لهذا التراث العظيم تراث الإمام علي في التسامح الديني والتسامح في النقاش، فقد كان الإمام علي عظيم قدره وجلالة منصبه سهلاً في الملتقى يجادله مَن يريد الجدال ويناقشه مَن يريد النقاش بل يسيء إليه أناس كالخوارج فلا يرفع السيف في وجوههم بل يخاطبهم بالحسنى. هذه التركة بحاجة إلى أن تعرض على الأمة في هذا العصر.

انهي الكلمة بكلمة قصيرة أشير بها إلى النجف الأشرف، النجف الأشرف عظم قدره بانّه احتوى قبر الإمام فأصبح محجة للناس، ولو لم يكن فيه غير هذا القبر لقصده المسلمون من كل جوانب الأرض ليتبركوا بصاحب هذا القبر، ولكن ما كان هذا ليكون كافياً مع عظمته وجلالة قدره وإنّما عظمة المدينة جاءت من العلم، فالحوزة العلمية التي شعّ منها النور والتي استقت نورها من صاحب القبر ومن المصدر الأعظم لهذا النور النبي محمد(صلى الله عليه وآله وسلم)، هذه الحوزة هي التي جعلت هذه المدينة ذات أثر عظيم وذات سمعة جليلة في تاريخ الإسلام.

وسأذكر لكم مدينة أخرى هي مدينة حلب، كانت ذات يوم كعبة للشعراء والكتّاب والمفكرين، وفي عصر سيف الدولة شهدت هذه المدينة المتنبي الذي كتب أعظم قصائده فيها وكان فيها أبو فراس الحمداني وقريب منها عاش شاعر الفلاسفة وفيلسوف الشعراء أبو العلاء المعري، ثمّ احتوت المعلم الثاني الفارابي كان هذا العهد عهداً زاهراً في الفكر والأدب في حلب، ولكن أين حلب الآن؟! مات كلّ هذا بموت سيف الدولة وانتهى أمره. ولكن الحوزة العلمية في النجف الأشرف بقيت يشع منها النور، فاستمرت إلى اليوم مركزاً عظيماً للمسلمين جميعاً.

لقد ذُكِرَ الأزهر وأقول بأنّ الأزهر أنشأه الشيعة كما أنشؤوا النجف الأشرف ونحن مدينون كمسلمين سنّة وشيعة لما تركته الشيعة في تاريخ الإسلام من إنشاء المؤسسات التعليمية التي يشع منها النور على العالم الإسلامي، ونحن نرجو أن نعود مرة أخرى إلى العمل الجليل الذي كان يقوم به الشيخ محمود شلتوت والسيد القمي فقد كانوا مناراً للإسلام وموحدين للمذاهب المختلفة في العالم الإسلامي، ونحن أحوج ما نكون لمثل هذه الحركة اليوم أكثر من أي وقت آخر، حيث يضربنا العالم في كل مكان وقد عدتُ قريباً من كييف ويعاني المسلمون هناك ـ وهم من التتار ـ من حكوماتهم، لقد هدّم التتار بغداد ثمّ حملوا الإسلام إلى العالم، وقد ذكرتُ لهم أن يتفقوا ولا يلتفتوا إلى دعاة الفرقة ويتأسوا برسالة الإمام علي(عليه السلام) الذي قبل الحوار وسمع بالحوار والحرية الدينية في مجتمعه.

نحن نشكو في مجتمعاتنا من فقدان الحرية، وهذه الحرية أساس من أسس الفكر والأسس العقدية التي دعانا إليها الإمام علي، ونرجو اللّه أن يهدينا للاقتباس من تعاليمه والاقتداء به.

أمير المؤمنين شهيد المحراب

 

 قاتل علي(عليه السلام) ابن بغي:

 

 

قال الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( يا علي لك سبع خصال لا يحاجك فيها أحد يوم القيامة : أنت أول المؤمنين بالله إيمانا وأوفاهم بعد الله وأقواهم بأمر الله وأرأفهم بالرعية وأقسمهم بالسوية وأعلمهم بالقضية وأعظمهم مزية يوم القيامة )) .

وعن ابن عباس قال : قال (صلى الله عليه وآله وسلم) لعلي (عليه السلام) : (( أما إنك ستلقى بعدي جهدا !))  قال :(( في سلامة من ديني ؟ )) قال :

 (( نعم )) .

وعن علي (عليه السلام) : قال (صلى الله عليه وآله وسلم): (( إن الأمة ستغدر بك من بعدي ، وأنت تعيش على ملتي وتقتل على سنتي ، من أحبك أحبني ومن أبغضك أبغضني ، وإن هذا سيخضب من هذا ـ يعني لحيته من رأسه ـ ))  .

وقال (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( لا تموت حتى تضرب ضربة على هذا فتخضب هذه ، ويقتلك أشقاها كما عقر ناقة الله أشقى بني فلان ))(1).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

وفي (البحار) عن أبي جعفر(عليه السلام) قال: (( إن عاقر ناقة صالح أزرق ابن بغي ، وان قاتل علي ابن بغي ، وكانت مراد تقول ما نعرف له فينا أبا ولا نسبا ! وان قاتل الحسين (عليه السلام) ابن بغي ، وانه لم يقتل الأنبياء ولا أولاد الأنبياء إلا أولاد البغايا )) .

وروي عن حنان بن سدير عن رجل من مزينة قال : كنت جالسا عند علي (عليه السلام) فأقبل إليه قوم من مراد ومعهم ابن ملجم (لعنه الله) ، قالوا :

 يا أمير المؤمنين إن هذا طرأ علينا ، ولا والله ما جاءنا زائرا ولا منتجعا ! وإنا لنخافه عليك فأشدد يديه ، فقال له علي (عليه السلام) : (( اجلس ))، فنظر في وجهه طويلا ، ثم قال : (( أرأيتك إن سألتك عن شئ وعندك منه علم ، هل أنت مخبري عنه ؟ )) , قال: نعم ، وحلفه عليه ، فقال :(( كنت تصارع الغلمان وتقوم عليهم فكنت إذا جئت فرأوك من بعيد ، قالوا جاءنا ابن راعية الكلاب ؟ )) , قال : اللهم نعم ! فقال له : (( مررت برجل وقد أبقعت ، فقال وقد أحد النظر إليك : أشقى من عاقر ناقة ثمود ؟ )) قال نعم ، قال : (( قد أخبرتك أمك إنها حملت بك في بعض حيضها ؟ )) فتمتع هنيئة ! ثم قال نعم ، حدثتني بذلك ولو كنت كاتما شيئا لكتمتك هذه المنزلة ، فقال له علي  (عليه السلام) : (( قم ؟)) فقام (2).

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

الإخبار بشهادته (عليه السلام):

روى محمد بن طلحة ، في كتاب مطالب السؤول ص135 : أنه (عليه السلام) لما فرغ من قتل الخوارج وعاد إلى الكوفة ، قام في المسجد فصلى ركعتين ، ثم صعد المنبر فخطب خطبة حسناء ، ثم التفت إلى ابنه الحسن (عليه السلام) ، فقال :(( يا أبا محمد ، كم مضى من شهرنا هذا ؟ )) قال : (( ثلاث عشرة يا أمير المؤمنين )) , ثم التفت إلى الحسين (عليه السلام) ، فقال :(( يا أبا عبد الله ، كم بقي من شهرنا هذا ـ يعني رمضان الذي هم فيه ـ ؟ )) فقال الحسين (عليه السلام) : (( سبع عشرة يا أمير المؤمنين )) , فضرب (عليه السلام) بيده إلى لحيته ، وهي يومئذ بيضاء ، فقال : (( الله أكبر ، والله ليخضبنها بدمها إذا انبعث أشقاها )) ، ثم جعل يقول :

أريد حياته ويريد قتلى  * * *  خيلي من عذيري من مراد

 

وعبد الرحمن بن ملجم المرادي يسمع ، فوقع في قلبه من ذلك شئ ، فجاء حتى وقف بين يدي علي (عليه السلام) وقال : أعيذك بالله يا أمير المؤمنين ، هذه يميني وشمالي بين يديك فاقطعهما أو فقتلني . قال (عليه السلام) : (( وكيف أقتلك ولا ذنب عليك ؟ ألا ولو اعلم انك قاتلي لم أقتلك ، ولكن هل كانت لك حاضنة يهودية فقالت لك يوما من الأيام : يا شقيق عاقر ناقة ثمود ؟ )) , قال : قد كان ذلك يا أمير المؤمنين ، فسكت (عليه السلام) وركب (3) .

عن عثمان بن المغيرة قال : لما دخل شهر رمضان كان أمير المؤمنين (عليه السلام) يتعشى ليلة عند الحسن (عليه السلام) ، وليلة عند الحسين (عليه السلام) ، وليلة عند عبد الله بن العباس ، وكان لا يزيد على ثلاث لقم ، فقيل له ليلة من تلك الليالي في ذلك ، فقال : (( يأتيني أمر الله وأنا خميص ، إنما هي ليلة أو ليلتان )) ، فأصيب (عليه السلام) في آخر الليل(4) .

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

 

اللقاء المشؤوم:

قال ابن شهر آشوب في المناقب : روى أبو مخنف الأزدي ، وابن راشد ، والرفاعي ، والثقفي جميعا : انه اجتمع نفر من الخوارج بمكة ، فقالوا : إنّا شرينا أنفسنا لله ، فلو أتينا أئمة الضلال ، وطلبنا غرتهم فأرحنا منهم البلاد والعباد .

 فقال عبد الرحمن بن ملجم : أنا أكفيكم عليا .

 وقال الحجاج بن عبد الله السعدي الملقب بالبرك : أنا أكفيكم معاوية .

وقال عمرو ابن بكر التميمي : أنا أكفيكم عمرو بن عاص .

 وتوعدا التاسع عشر من شهر رمضان ، ثم تفرقوا ، فدخل ابن ملجم الكوفة ، فرأى رجلا من تيم الرباب وعنده قطام التيمية ، وكان أمير المؤمنين  (عليه السلام) قتل أباها الأخضر ، وأخاها الأصبغ في النهروان ، فشغف بها ابن ملجم ، فخطبها فأجابته بمهر ذكره العبدي في كلمة له فقال :

 

 

 

 

فلم أر مهرا ًساقه ذو سماحة  * * *  كمهر قطام من فصحيح وأعجم

ثلاثة آلاف وعبد وقينة  * * *  وضرب علي بالحسام المسمم

فلا مهر أغلى من علي وان غلا  * * *  ولا قتل إلا دون قتل ابن ملجم

 

 

فقال ابن ملجم : ويحك من يقدر على قتل علي ، وهو فارس الفرسان ، والسباق إلى الطعان ، ومغالب الأقران ؟ ! وأما المالية فلا بأس عليّ منها .

 قالت : انتظر غفلته ، فافتك به . فقبل ابن ملجم .

 

فبعثت إلى وردان بن مجالد وسألته معونة ابن ملجم ، واستعان ابن ملجم بشبيب بن بجرة فأعانه ، وأعانه رجل من وكلاء عمرو بن العاص بخط فيه مأة ألف درهم فجعله مهرها ، فأطعمتهما الموزينج والجوزينق وسقتهما الخمر العكبري ، فنام شبيب وتمتع ابن ملجم معها ، ثم قامت فأيقظتهما ، وعصبت صدورهم بحرير ، فتقلدوا أسيافهم وخرجوا(5).

 

 

 

شهادته (عليه السلام):

 

كانت وفاة أمير المؤمنين (عليه السلام) قبيل الفجر من ليلة الجمعة ليلة إحدى وعشرين من شهر رمضان سنة أربعين من الهجرة قتيلا بالسيف ، قتله ابن ملجم المرادي (لعنه الله) في مسجد الكوفة وقد خرج (عليه السلام) يوقظ الناس لصلاة الصبح ليلة تسع عشرة من شهر رمضان ، وقد كان ارتصده من أول الليل لذلك ، فلما مر به في المسجد وهو مستخف بأمره , مماكر بإظهار النوم في جملة النيام ، ثار إليه فضربه على أم رأسه بالسيف ـ وكان مسموما ـ فمكث يوم تسعة عشر وليلة عشرين ويومها وليلة إحدى وعشرين إلى نحو الثلث الأول من الليل ، ثم قضى نحبه (عليه السلام) شهيدا ولقي ربه ـ تعالى ـ مظلوما .

وقد كان (عليه السلام) يعلم ذلك قبل أوانه ويخبر به الناس قبل زمانه ، وتولى غسله وتكفينه ابناه الحسن والحسين (عليهما السلام) بأمره ، وحملاه إلى الغري من نجف الكوفة ، فدفناه هناك وعفيا موضع قبره ، بوصية كانت منه إليهما في ذلك ، لما كان يعلمه (عليه السلام) من دولة بني أمية من بعده ، واعتقادهم في عداوته ، وما ينتهون إليه بسوء النيات فيه من قبيح الفعال والمقال بما تمكنوا من ذلك ، فلم يزل قبره (عليه السلام) مخفي حتى دل عليه الإمام الصادق جعفر بن محمد (عليهما السلام) في أيام الدولة العباسية (6).

 

 

 

ما بعد الشهادة:

 

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال : (( لما قبض أمير المؤمنين (عليه السلام) قام الحسن ابن علي (عليه السلام) في مسجد الكوفة فحمد الله وأثنى عليه وصلى على النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) ثم قال : أيها الناس إنه قد قبض في هذه الليلة رجل ما سبقه الأولون ولا يدركه الآخرون ، إنه كان صاحب راية رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) ، عن يمينه جبرئيل وعن يساره ميكائيل ، لا ينثني حتى يفتح الله له , والله ما ترك بيضاء ولا حمراء إلا سبعمائة درهم فضلت عن عطائه ، أراد أن يشترى بها خادما لأهله , والله لقد قبض في الليلة التي فيها قبض وصى موسى يوشع بن نون والليلة التي عرج فيها بعيسى بن مريم ، والليلة التي نزل فيها القرآن )).

 

 

السماء والأرض تبكي على المؤمن:

عن ابن عباس قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) : (( إن السماء والأرض لتبكي على المؤمن إذا مات أربعين صباحا وإنها لتبكى على العالم إذا مات أربعين شهرا وإن السماء والأرض ليبكيان على الرسول أربعين سنة وإن السماء والأرض ليبكيان عليك يا علي إذا قتلت أربعين سنة )) .

عن الصادق (عليه السلام) : (( إنه لما قبض أمير المؤمنين لم يرفع من وجه الأرض حجر إلا وجد تحته دم عبيط )) .

عن السري بن يحيى : عن ابن شهاب قال : قدمت دمشق وأنا أريد الغزو ، فأتيت عبد الملك لأسلم عليه ، فوجدته في قبة على فرش يفوق النائم والناس تحته سماطان فسلمت عليه وجلست ، فقال : يا ابن شهاب أتعلم ما كان في بيت المقدس صباح قتل علي بن أبي طالب (عليه السلام) ؟ قلت : نعم . قال : هلم . فقمت من وراء الناس حتى أتيت خلف القبة ، وحول وجهه فأحنى على وقال : ما كان ؟ فقلت : لم يرفع حجر في بيت المقدس إلا وجد تحته دم ! ! ! قال : فقال : لم يبق أحد يعلم هذا غيري وغيرك فلا يسمعن منك . قال : فما تحدثت به حتى توفى عبد الملك(7).

 


مصاب رمى ركن الهدى فتصدعا  * * *  ونادى به ناعي السماء فأسمعا
وضجت له الأملاك في ملكوتها  * * *  وأوشك عرش الله أن يتضعضعا
ومن يك أعلى الناس شأنا ومفخرا  * * *  يكن رزئه في الناس أدهى وأفضعا
فيا ناشد الإسلام قوض رحله  * * *  وصاح به داعي النفير فجعجعا
وأصبح كالذود الظماء بقفرة  * * *  من الدهر لم تعهد بها الدهر مربعا
فأعظم بها من طخية قد تغلقت  * * *  وغبت على الإسلام سوداء زعزعا
أطلت على الآفاق تدوي كأنها  * * *  عباب طغى أذيمه متدفعا
وان قتيلا شيد الدين سيفه  * * *  جدير عليه الدين أن يتصدعا(8)
 

ــــــــــــــــــــــــــــــ

(1) كنز العمال / المتقي الهندي / ج 11 / ص 617 .

(2) الأنوار العلوية / الشيخ جعفر النقدي / ص 400 .

(3) نهج السعادة / الشيخ المحمودي/ ج 7 / ص 97.

(4) نفس المصدر / ص 100.

(5) نهج السعادة / الشيخ المحمودي / ج 7 / ص 110 - 113.

(6) الإرشاد / الشيخ المفيد / ج 1 / ص 10 ـ 11 .

(7) موسوعة شهادة المعصومين (عليهما السلام) / لجنة الحديث في معهد باقر العلوم (عليه السلام) / ج 1 / ص 387 ـ 388.

(8) الأنوار العلوية / الشيخ جعفر النقدي / ص 395 , قصيدة للحاج محمد رضا الآزري (رحمه الله تعالى).

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

التشيّع إتجاه فكري وسياسي
الحياة العلمية والسياسية في زمن الإمام الباقر ...
البدعة الحسنة والسيئة
المعصومة سلام الله علیها
فکرة عمل الدیود باعث للضوء
حبّ أهل البیت علیهم السلام فی السُنّة المطهّرة
الإمام الباقرعليه السلام وإصلاح الأمّة
استهداف نبي الرحمة (ص) من الراهب بحيرى حتى براءة ...
مع الثورة الحسينية
رساله الامام الهادي ( عليه السلام ) فى الرد على ...

 
user comment