عربي
Tuesday 26th of November 2024
0
نفر 0

الإيمان بالمهدي عقيدة إسلامية وليست بمذهبية

في ضوء ما مر من بحث حتى الآن يضحي جليا أن موضوع(المهدي) و(الانتظار) و(الظهور) مقولات إسلامية وليست بمذهبية وأن ظهور المصلح والمنقذ في آخر الزمان عقيدة أممية وليست بإسلامية فحسب, يعني: إن أهل النحل والأديان عامة اعترفوا بهذه العقيدة, وجرى الحديث عن(الموعود) في أوساطهم منذ أيام الزمن السحيق.
والواقع هو أن إسلامية هذه القضية أصل واضح, وواضح جدا. في هذا الضوء فالإيمان بالمهدي(ع) ينحصر بالشيعة, بل أن أتباع المذاهب الإسلامية الأخرى يشاطرون الشيعة هذا الإيمان وهذا الانتظار. ولا بد أن يكون الأمر كذلك, إذ أن الروايات التي احتوتها كتب سائر المسلمين على مختلف مذاهبهم, والتي تدور حول المهدي وشأنه ومركز ودوره وغيبته وظهوره وعلائم ظهوره روايات وأحاديث نبوية على أرفع المستويات وقد بلغت حد التواتر.
ولاحظنا أن جمعا من علماء ومحدثي أهل السنة كتبوا كتبا خاصة بصدد المهدي(ع), وخصص الآخرون بحوثا مستوعبة في كتبهم حول خصوصيات المهدي وعلائم ظهوره, وعدد أصحابه وأسمائه....
وترجع هذه الظاهرة واهتمام علماء جميع الفرق والمذاهب الإسلامية بموضوع المهدي الكتابة فيه إلى الواقع الذي أشرنا إليه, وهو:
إن(المهدي) في الإسلام ظاهرة طرحها وعلمها رسول الإسلام(ص)نفسه. شأنها في ذلك شأن أحكام الإسلام وأصوله وعقائده الأخرى: كالتوحيد, والإمامة, والمعاد, والصلاة, والصوم, والزكاة, والحج, والجهاد, والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر, والتولي والتبري, والقبلة والميقات و..... على هذا الأساس فالاعتقاد بهذا الأمر واستبصاره فريضة على كل مسلم, ولهذا قالوا:
(وليس في المسائل النقلية التي لا طريق لإثباتها إلا السمع ما يكون الإيمان به أولى من الإيمان بظهور المهدي(ع), لو لم نقل بكونه أولى من بعضها, لأن البشارات الواردة قد بلغت مرتبة التواتر, مع أن الأحاديث المنقولة في كثير مما اعتقده المسلمون وغيرهم لم تبلغ تلك المرتبة. بل ربما لا توجد لبعض ذلك إلا رواية واحدة, ومع ذلك يعد عندهم من الأمور المسلمة فإذن كيف يصح للمسلم المؤمن بما جاء به الرسول(ص) وأخبر به أن يرتاب في ظهوره(ع) مع هذه الروايات الكثيرة؟)
9-(مذهب المعارضة)
المهدي عند أهل السنة
يتضح في ضوء ما مر من بحث لزوم الاعتقاد بـ(المهدي) و(الانتظار) و(الظهور) على كل مسلم. فتلك الأحاديث والمصادر وكذلك آيات القرآن- الكريم التي نزلت بحق(المهدي) حسب قول مفسري أهل السنة الكبار- كل هذا يجلي حقيقة أن كل مسلم يؤمن بالقرآن الكريم,أنه كتاب الله, ويؤمن بمحمد(ص) بوصفه نبيا ورسولا من قبل الله ويتلقى تعاليمه بوصفها تعاليم إلهية, لا بد له من الاعتقاد بـ(المهدي) و(الانتظار) ولا بد له من العمل وفق(آداب الانتظار) مهيئا نفسه لذلك(الظهور العظيم).
الالتفات والتأمل في كل تلك الأحاديث النبوية بما لها من أسانيد ورواة وما جاءت فيه من كتب ومؤلفات, والالتفات والتأمل في عدد من آيات القرآن الكريم يوجب أن تكون جماهير أرجاء العالم السني أنصارا لـ(مذهب المعارضة) متفاعلين مع وجود هذا الولي الإلهي العظيم, متمتعين بهذه النظرة الإلهية للوجود, أعني: الإيمان بظهور المهدي بغية تصفية قلاع الظلم العالمي, وأن يكونوا كالشيعة(في صف السعي الجاد لأجل تجسيد العدالة, والنضال ضد الظلم والظالم, والإعراض عن أنظمة الحكم الجائرة), وأن تكون لهم علاقة روحية مع هذا المنتظر يغمرها التوسل ويشفعها الطلب والالتماس.
طبيعة الأشياء تقتضي ما قلناه. ولم يكن الحال في عالم التسنن بالغا حد إغفال الجميع لهذا لأمر, ففي عصرنا هذا أيضا, هناك أخوة من أهل قبلتنا ألفوا كتبا في هذا الصدد. وصرح بعضهم- رغم خصوصياته- بوجود أحاديث وافرة بصدد المهدي, كما صرح بإسلامية الإيمان بالمهدي. من قبيل أبو الأعلى المودودي, وعبد الرحمن بدوي. وقال البعض منهم إن هذه العقيدة لها حضورها في أوساط أهل السنة والخاصة والعامة على هذه العقيدة.
وقد نقلنا النص بهذا الاتجاه عن الشيخ محمد عبده وأحمد أمين المصري. إبداء وجهة النظر الأخيرة يدعو للارتياح, إذ أنها تحكي عن هذا المعلم الإسلامي والنبوي ليس وقفا على علماء ومحدثي الشيعة. بل يتمتع بحوار عقيدي في أوساط جماهير أهل السنة أيضا.
ولا بأس هنا في الإشارة إلى حديث للدكتور طه حسين, فهو يقول في كتابه(الأيام): (إن الناس تنتظر المسيح فينسب الإيمان بمبدأ(الانتظار) إلى جماهير الناس, غير أنه انتظار للسيد المسيح(ع).
ينبغي هنا الالتفات إلى ملاحظتين:
1- إن هناك اعتقادا بالظهور وانتظار الظهور في وسط المجتمع المصري, وخصوصا في محيط الدكتور طه حسين آنذاك.
2- إن هذه العقيدة قد حرفت(وعوض عن المهدي بالمسيح).
ليس لنا- في ضوء الرؤية الإسلامية- ظهور وانتظار للمسيح منفصل عن ظهور المهدي وانتظاره. فبعد أن بعث السيد المسيح(ع) وعرض رسالته على الناس, ثم أشرق نور الإسلام العظيم وبعث محمد المصطفى(ص) ونزل القرآن عليه. فأي انتظار لعودة السيد المسيح مرة أخرى يمكن أن نعقل وجوده في أوساط الجامعة الإسلامية؟
جاء في الأحاديث الوافرة التي نقلها السنة والشيعة أنه بعد خروج المهدي وقتل الدجال والقضاء على فتنة اليهود. ولعل التحريف نشأ من هنا فطرحت المسألة بالصورة المتقدمة, وألا فنزول السيد المسيح(ع) من السماء, وحضوره بين جماهير العالم سوف يرتبط بشكل مباشر مع خروج المهدي(ع) ويشكل جانبا ثانويا من المشهد العام للظاهرة المهدوية.
على أية حال فالالتفات إلى موضوع(المهدي) و(الانتظار) و(الظهور) كان حظه أوفر لدى علماء الإسلام المطلعين الكبار وعند المحدثين والمؤلفين الواعين من أهل السنة, وواضح أن الحال يقتضي أن بشيع هؤلاء بشكل أكبر هذا المفهوم العقيدي الإسلامي وهذا المبدأ السياسي والاجتماعي التغييري في أوساط جماهير أهل السنة, وليتهم- كما سعوا على طريق التأليف والتحقيق ورواية الأحاديث وضبط متونها وأسانيدها في هذا المجال, الذي يستدعي التقدير الكبير في نفسه- ليتهم ساعون باتجاه إحياء حضور(مذهب المعارضة) ورفض أنظمة الحكم الطاغوتية الجائرة, والتوجه الفكري لحكومة العدل والقسط الإلهي, والاستعداد لظهور(المصلح الفاطمي) في أوساط جماهير عالم التسنن الواسعة أيضا. بغية أن تكون هذه العقيدة كالدم الحي الدافع لمواجهة الظلم والظالم على جميع الأرض الإسلامية, وفي أوساط أهل القبلة جميعهم, ولتبقى هذه العقيدة محركة بحرارة في عمق الوجدان المسلم. كما أن الاتجاه والتماس الحقيقة العلوية(الولاية الإلهية للمهدي) باستمرار يمثل رافدا روحيا ومنارا فكريا وسيدا إراديا لهؤلاء.

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

کتابة رقعة الحاجة إلی مولانا صاحب العصر والزمان ...
الحرب العالمیة فی عصر الظهور
في رحاب بقية الله: المهدوية عقيدة النجاة
المعالم الاقتصادية والعمرانية في حكومة الامام ...
تكاليف عصر الغيبة الكبری
المهدي والحسين عليه السلام الدور والتجلي
سيرة الإمام المهدي المنتظر(عجل الله فرجه)
أتحسب انك جرم صغير وفيك انطوى العالم الأكبر
كيف يكون الإنتظار للإمام المهدي عليه السلام
المدخل إلى عقيدة الشيعه الإمامية في ولادة الإمام ...

 
user comment