الرجعة فی اللغة : العودة إلى الحیاة الدنیا بعد الموت .
قال الجوهری والفیروزآبادی : فلان یؤمن بالرجعة ، أی بالرجوع إلى الدنیا بعد الموت (1).
ویُطلق على الرجعة الکرّة أیضاً ، وهو من الاَلفاظ المرادفة لها ، قال الجوهری : الکرّ : الرجوع ، یقال : کرّه وکرّ بنفسه ، یتعدّى ولا یتعدّى (2).
وفی حدیث أمیر المؤمنین علی علیه السلام : « وإنّی لصاحب الکرّات ودولة الدول » (3) . وجاء فی زیارته علیه السلام : « السلام علیک یا صاحب الکرة والرجعة » (4) .
الرجعة عند الشیعة الاِمامیة :
إنَّ الذی تذهب إلیه الاِمامیة أخذاً بما جاء عن آل البیت علیهم السلام ، هو نفس المعنى المحقّق فی اللغة ، وهو أنَّ الله تعالى یُعید قوماً من الاَموات إلى الدنیا قبل یوم القیامة فی صورهم التی کانوا علیها ، فیعزّ فریقاً ویذلُّ فریقاً آخر ، ویدیل المحقین من المبطلین ، والمظلومین منهم من الظالمین ، وذلک عند قیام مهدی آل محمد (علیه وعلیهم أفضل الصلاة والسلام) الذی یملأ الاَرض قسطاً وعدلاً بعد أن مُلئت جوراً وظلماً ، ولذلک تعدُّ الرجعة مظهراً یتجلى فیه مقتضى العدل الاِلهی بعقاب المجرمین على نفس الاَرض التی ملأوها ظلماً وعدواناً .
ولا یرجع إلاّ من علت درجته فی الاِیمان ، أو من بلغ الغایة من الفساد ، ثم یصیرون بعد ذلک إلى الموت ، ومن بعده إلى النشور ، وما یستحقونه من الثواب أو العقاب ، کما حکى الله تعالى فی قرآنه الکریم تمنّی هؤلاء المرتجعین الذین لم یصلحوا بالارتجاع ، فنالوا مقت الله ، أن یخرجوا ثالثاً لعلهم یصلحون : (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَیْنِ وَأَحْیَیْتَنَا اثْنَتَیْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَىٰ خُرُوجٍ مِّن سَبِیلٍ) (5) ولکن أنّى لهم ذلک وهم فی عذاب مقیم ؟
إمکان الرجعة وأدلّتها :
إنَّ الرجعة من نوع البعث والمعاد الجسمانی ، غیر أنها بعث موقوت فی الدنیا ومحدود کماً وکیفاً ، ویحدث قبل یوم القیامة ، بینما یُبعث الناس جمیعاً یوم القیامة لیلاقوا حسابهم ویبدأوا حیاتهم الخالدة ، وأهوال یوم القیامة أعجب وأغرب وأمرها أعظم من الرجعة .
وبما أنَّ الرجعة والمعاد ظاهرتان متماثلتان من حیث النوع ، فالدلیل على إمکان المعاد یمکن أن یقام دلیلاً على إمکان الرجعة ، والاعتراف بإمکان بعث الحیاة من جدید یوم القیامة یترتب علیه الاعتراف بإمکان الرجعة فی حیاتنا الدنیویة ، ولا ریب أنّ جمیع المسلمین یعتبرون الاِیمان بالمعاد من أُصول عقیدتهم ، إذن فجمیعهم یذعنون بإمکانیة الرجعة .
یقول السید المرتضى قدس سره : إعلم أنّ الذی یقوله الاِمامیة فی الرجعة لا خلاف بین المسلمین ـ بل بین الموحدین ـ فی جوازه ، وأنّه مقدور لله تعالى ، وإنّما الخلاف بینهم فی أنّه یوجد لا محالة أو لیس کذلک .
ولا یخالف فی صحة رجعة الاَموات إلاّ خارج عن أقوال أهل التوحید، لاَنَّ الله تعالى قادر على إیجاد الجواهر بعد إعدامها ، وإذا کان علیها قادراً ، جاز أن یوجدها متى شاء (6).
فإذا کان إمکان الرجعة أمراً مسلّماً به عند جمیع المسلمین ـ حتى قال الآلوسی : وکون الاِحیاء بعد الاِماتة والاِرجاع إلى الدنیا من الاُمور المقدورة له عزَّ وجلَّ ممّا لا ینتطح فیه کبشان، إلاّ أنّ الکلام فی وقوعه(7). إذن فلماذا الشکّ والاستغراب لوقوع الرجعة ؟ ولماذا التشنیع والنبز بمن یعتقد بها لورود الاَخبار الصحیحة المتواترة عن أئمة الهدى علیهم السلام بوقوعها ؟
یقول الشیخ محمدرضا المظفر : (لا سبب لاستغراب الرجعة إلاّ أنّها أمر غیر معهود لنا فیما ألفناه فی حیاتنا الدنیا ، ولا نعرف من أسبابها أو موانعها ما یُقرّ بها إلى اعترافنا أو یبعدها ، وخیال الاِنسان لا یسهل علیه أن یتقبّل تصدیق ما لم یألفه ، وذلک کمن یستغرب البعث فیقول : ( مَن یُحیی العِظَامَ وَهِیَ رَمِیمٌ ) فیقال له : ( یُحییها الَّذِی أنشَأها أوَلَ مَرةٍ وَهُوَ بِکُلِّ خَلقٍ عَلِیمٌ ) (8).
نعم فی مثل ذلک ، مما لا دلیل عقلی لنا على نفیه أو إثباته ، أو نتخیّل عدم وجود الدلیل ، یلزمنا الرضوخ إلى النصوص الدینیة التی هی من مصدر الوحی الاِلهی ، وقد ورد فی القرآن الکریم ما یثبت وقوع الرجعة إلى الدنیا لبعض الاَموات ، کمعجزة عیسى علیه السلام فی إحیاء الموتى
(وأُبرىءُ الاَکمَهَ والاَبرَصَ وأُحیی المَوتى بإذنِ اللهِ ) (9) وکقوله تعالى : (أنَّى یُحیی هذِهِ اللهُ بَعْدَ مُوتِها فأمَاتَهُ اللهُ مائةَ عامٍ ثُمَّ بَعَثَهُ ) (10).
یضاف إلى ذلک أنَّ نفوس الظالمین تأبى إقامة العدل وإحقاق الحق لما اقترفته أیدیهم الآثمة من الظلم والجور والمنکرات ، والرجعة تنطوی على أمرٍ یحقق العدالة الاِلهیة فی أرض الواقع بانتصاف الظالم من المظلوم وإدالة أهل الحق من أهل الباطل ، ولهذه العلة أبت نفوس المکابرین من أهل الجاهلیة الاعتقاد بالمعاد والنشور رغم أنّهم عاینوا المعجزات وضربت لهم الاَمثال الواضحة وأقیمت لهم الدلائل البینة والبراهین الساطعة ، لاَنّ قبول هذا الاعتقاد یعنی الانصیاع للحق والعدل بالوقوف أمام المحکمة الاِلهیة الکبرى ( یَومَ تَشْهَدُ عَلَیهِم ألسِنَتُهُم وأیدیهِم وَأرجُلُهُم بِما کانُوا یَعمَلُونَ ) (11).
أدلة الرجعة :
أورد الحر العاملی فی الباب الثانی من کتابه (الایقاظ من الهجعة بالبرهان على الرجعة) اثنی عشر دلیلاً على صحة الاعتقاد بالرجعة ، وأهم ما استدل به الاِمامیة على ذلک هو الاَحادیث الکثیرة المتواترة عن النبی والاَئمة علیهم السلام المرویة فی الکتب المعتمدة ، وإجماع الطائفة المحقة على ثبوت الرجعة حتى أصبحت من ضروریات مذهب الاِمامیة عند جمیع العلماء المعروفین والمصنفین المشهورین ، کما استدلوا أیضاً بالآیات القرآنیة الدالة على وقوع الرجعة فی الاُمم السابقة ، أو الدالة على وقوعها فی المستقبل إما نصاً صریحاً أو بمعونة الاَحادیث المعتمدة الواردة فی تفسیرها ، وفیما یلی نسوق خمسة أدلة نبدأها بالاَدلة القرآنیة :
وقوعها فی الاُمم السابقة :
لقد حدّثنا القرآن الکریم بصریح العبارة وبما لا یقبل التأویل أو الحمل عن رجوع أقوام من الاُمم السابقة إلى الحیاة الدنیا رغم ما عرف وثبت من موتهم وخروجهم من الحیاة إلى عالم الموتى ، فإذا جاز حدوثها فی الاَزمنة الغابرة ، فلم لا یجوز حدوثها مستقبلاً : ( سُنَّةَ اللهِ فی الَّذِینَ خَلَوا مِن قَبلُ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنّةِ اللهِ تَبدِیلاً ) (12).
روى الشیخ الصدوق بالاِسناد عن الحسن بن الجهم ، قال : قال المأمون للرضا علیه السلام : یا أبا الحسن ، ما تقول فی الرجعة ؟
فقال علیه السلام : « إنّها الحقّ ، قد کانت فی الاُمم السالفة ونطق بها القرآن ، وقد قال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم : یکون فی هذه الاُمّة کل ما کان فی الاُمم السالفة حذو النعل بالنعل والقذّة بالقذّة ، وقال صلى الله علیه وآله وسلم : إذا خرج المهدی من ولدی نزل عیسى بن مریم علیه السلام فصلى خلفه ، وقال صلى الله علیه وآله وسلم : إنَّ الاِسلام بدأ غریباً وسیعود غریباً ، فطوبى للغرباء . قیل : یا رسول الله ، ثم یکون ماذا ؟ قال صلى الله علیه وآله وسلم : ثم یرجع الحقّ إلى أهله » (13).
وهناک ادلة کثیرة علی الرجعة منها احیاء السید المسیح للموتی واحیاء اصحاب الکهف واحیاء قتیل بنی اسرائیل و إحیاء قوم من بنی إسرائیل و إحیاء عزیر أو أرمیا وامثلة علی ذلک کثیرة یمکنک متابعتها تفصیلیا علی موقعنا فی باب العقائد الاسلامیة .
المصادر :
1- الصحاح 3 : 1216 . والقاموس المحیط 3 : 28 .
2- الصحاح 2 : 805 .
3- الکافی 1 : 198 / 3 باب أنّ الاَئمة علیهم السلام هم أرکان الاَرض
4- بحار الاَنوار 100 : 349 .
5- عقائد الاِمامیة ، للمظفر : 108 تحقیق مؤسسة البعثة . والآیة من سورة غافر 40 : 11 .
6- رسائل الشریف المرتضى 3 : 135 ـ الدمشقیات ـ دار القرآن الکریم ـ قم .
7- روح المعانی 20 : 27 دار إحیاء التراث العربی ـ بیروت .
8- سورة یس 36 : 78 ـ 79 .
9- سورة آل عمران 3 : 49 .
10- عقائد الاِمامیة ، للشیخ المظفر : 111 ـ 112 . والآیة من سورة البقرة 2 : 259 .
11- سورة النور 24 : 24 .
12- سورة الاَحزاب 33 : 62 .
13- بحار الاَنوار 53 : 59 / 45 .
source : .www.rasekhoon.net