عربي
Tuesday 15th of October 2024
0
نفر 0

حياة علــي الأكبــر (عليه السلام)

* عمّته : زينب ، أُم كلثوم، وبقيّة بنات أمير المؤمنين (عليه السلام).

* أخوته : الإمام زين العابدين (عليه السلام)، عبد الله الرضيع.

* أخواته : فاطمة ، سكينة ، رقيّة.

* أُمه : ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي.

* ولد في المدينة 11 شعبان سنة 33 هـ.

* كان يشبه رسول الله (صلى الله عليه وآله) خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً.

* كنيته : أبو الحسن.

* لقبه : الأكبر.

* استشهد مع أبيه الحسين (عليه السلام) في كربلاء.

* دفن عند أبيه الحسين (عليه السلام) في قبر متصل بقبره ، عليه صندوق نفيس مطعّم بالعاج ، وفوقه قفص فضّي يزدحم المسلمون من جميع أنحاء العالم للسلام عليه ، والدعاء عند قبره الشريف.

* عمره : 27 سنة.

الإمام الحسين (عليه السلام)

هو سبط الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وحبيبه ، وخامس أهل الكساء ، ومن المخصوصين بآية التطهير ، وسيّد شباب أهل الجنّة ، فهو ابن الإمام أمير المؤمنين (عليه السلام)، وهو ابن فاطمة الزهراء سيدة نساء العالمين(عليها السلام) ، وهو أخو الإمام الحسين (عليه السلام) ، هو الإمام ، ابن الإمام ، أخو الإمام، أبو الأئمة ، هو الشهيد ابن الشهيد أخو الشهيد أبو الشهداء ، هو سيد أهل الإباء ، ومن علّم الناس على الحياة الكريمة تحت ظلال السيوف، هو المعني بقوله تعالى:( وَجَعلَها كَلِمة باقيةً في عَقبهِ لَعَلّهم يَرجعُون)  ، أي جعل الإمامة في عقب الحسين (عليه السلام)  إلى يوم القيامة(1).

هو الذي كان يصلّى في اليوم والليلة ألف ركعة (2).

هو الذي حجّ خمساً وعشرين حجّة ماشياً على القدمين وجنايبه تقاد معه(3).

هو الذي دخل على أسامة بن زيد وهو مريض وهو يقول: وا غمّاه فقال: وما غمّك يا أخي؟ قال : ديني ، وهو ستون ألف درهم.

فقال الحسين (عليه السلام): هو عليّ، قال: إني أخشى أن أموت فقال الحسين (عليه السلام): لن تموت حتّى أقضيها، فقضاها قبل موته(4).

هو الذي وجد على ظهره يوم الطف أثر ، فسئل عنه زين العابدين (عليه السلام) فقال : هذا مما كان ينقل الجراب على ظهره إلى منازل الأرامل واليتامى والمساكين(5).

هو الذي وصله معاوية بمال كثير ، وثياب وافرة ، وكسوة وافية، فردّ الجميع عليه ولم يقبله منه، وهذه سجيّة الجواد، وشنشنة الكريم ، وسمة ذي السماحة ، وصفة من قد حوى مكارم الأخلاق، ومحاسن الشيم(6). هو الذي دعا بهذا الدعاء بعد أن سقط على الأرض صريعاً وجراحاته تنزف دماً: اللّهمّ متعالي المكان ، عظيم الجبروت، شديد المحال، غنيّ عن الخلائق ، عريض الكبرياء ، قادر على ما تشاء ، قريب الرحمة، صادق الوعد، سابغ النعمة، حسن البلاء ، قريب إذا دُعيت ، مُحيط بما خلقت ، قابل التوبة لمن تاب إليك، قادر على ما أردت ، تدرك ما طلبت ، شكور إذا شكرت ذكور إذا ذكرت، أدعوك محتاجاً ، وأرغب إليك فقيراً، وأفزع إليك خائفاً ، وأبكي مكروباً، وأستعين بك ضعيفاً ، وأتوكّل عليك كافياً ؛ اللهم احكم  بيننا وبين قومنا فانّهم غرّونا وخذلونا وغدروا بنا وقتلونا، ونحن عترة نبيّك ، وولد حبيبك محمد (صلى الله عليه وآله) ، الذي اصطفيته بالرسالة، وائتمنته على الوحي ، فاجعل لنا من أمرنا فرجاً ومخرجاً يا أرحم الراحمين ؛ صبراً على حكمك يا غياث من لا غياث له، يا دائماً لا نفاد له ، يا محيي الموتى ، يا قائماً على كل نفسٍ بما كسبت احكم بيني وبينهم وأنت خير الحاكمين(7).

 العصمة

وعلي الأكبر (عليه السلام) من معصومي أهل البيت صلوات الله عليهم، إلاّ أن عصمته غير واجبة كالأنبياء والأئمة (عليهم السلام) ، لأنهم صلوات الله عليهم واقعون في طريق تبليغ الرسالة لذا وجبت عصمتهم ، أمّا علي الأكبر ، والعباس ، وزينب (عليهم السلام) ، فهم معصومون بمعنى آخر، فهم منزّهون عن عمل القبيح، معصومون من الذنوب بملكة اكتسبوها ، ومرتبة سامية حصلوا عليها ، لطفاً من الله سبحانه وتعالى بهم لعلمه بصحّة ضمائرهم ، وصدق نيّاتهم، واخلاصهم في طاعته ، وانقيادهم لأمره جلّ شأنه.

وتعرف هذه الملكة السامية لهؤلاء السادة بأمرين:

الأمر الأول: شهادة المعصوم بحقّهم ، فهو لا يعطيها اعتباطاً لتنزّهه عن الخطأ في القول والعمل.

الأمر الثاني:  مرورهم بالأزمات العظيمة، والخطوب المذهلة، ومع ذلك لا يصدر منهم إلاّ الرضا والتسليم لأمره سبحانه وتعالى ، فإذا كان هذا حالهم في أيام البؤس والمحن، فهم أولى بالشكر في حال اليسر والرخاء.

وتحقّق الأمر الأوّل لعلي الأكبر (عليه السلام) بـ :

1 – دفن الإمام زين العابدين (عليه السلام) له في قبر مستقل ، محاذياً لقبر أبيه سيّد الشهداء (عليه السلام) ، تمييزاً له عن بقية الشهداء ، رضوان الله عليهم أجمعين.

2- أفراد الأئمة (عليهم السلام) له بزيارات مستقلّة ، اشعاراً بسموّ مقامه، وعظيم درجته عند المولى سبحانه وتعالى.

3 - كلماتهم صلوات الله عليهم فيه ، لاسيّما في زياراته (8) وأنت إذا تأمّلت كلمة الإمام الحسين (عليه السلام) عندما وقف على مصرعه : قتل الله قوماً قتلوك ، ما أجرأهم على الرحمن ، وعلى انتهاك حرمة الرسول (صلى الله عليه وآله) .

ويستشف من هذه الكلمة عظمة الشهيد ، فحرمة الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)  لا تنتهك بقتل فرد من المسلمين مهما بلغت منزلته ، إلاّ أن يكون القتيل الإمام أو من يليه في السموّ والرفعة ، والقرب من الله سبحانه وتعالى.

وتحقّق الأمر الثاني للشهيد الأكبر (عليه السلام) - أعني الصبر في الأزمات - كلامه مع أبيه سيّد الشهداء (عليه السلام) عند قصر بني مقاتل (9) والثبات معه رغم رخصته لجيشه في الانصراف ؛ وأهم من هذا وذاك ردّه (عليه السلام) لأمان أهل الكوفة وتصميمه على الشهادة من أجل إعلاء كلمة الحق ، ورفع راية الإسلام خفّاقة ، وسحق الطغاة الظالمين.

(لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ  لأُوْلِي الأَلْبَابِ مَا كَانَ حَدِيثًا يُفْتَرَى وَلَـكِن تَصْدِيقَ الَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَتَفْصِيلَ كُلَّ شَيْءٍ وَهُدًى وَرَحْمَةً لِّقَوْمٍ يُؤْمِنُونَ) (10)

  أوَلَسنا على الحق

والموت مرّ وكريه مطعمه ، لأنه الباب المفضي لما بعده من الأهوال والمشاق ، ولكن هناك أشخاص استعذبوه من أجل الحق ، وإعلاء كلمة الله سبحانه وتعالى ، ولأنه يؤدي بهم إلى رضوان الله وجنانه.

وفي طليعة هؤلاء أصحاب الحسين (عليه السلام) وأهل بيته ، فقد كان سرورهم بالشهادة أعظم من سرور عدوّهم بالظفر والغلبة.

صحيح أنّ كل جندي في الجيش الإسلامي مستعدّ للموت ، بل كل جندي في ساحة الحرب، ولكن هناك فوارق ومميّزات ، فأصحاب الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله) وإن وطّنوا أنفسهم على الموت إيماناً بعدالة قضيّتهم وإعلاء لكلمة ربّهم ، ولكنّهم كانوا يتأرجحون بين الموت والنصر، ولكن جنود سيّد الشهداء (عليه السلام) لم يكن أمامهم سوى الموت المحتّم ، فقد خطبهم الحسين (عليه السلام) في صبيحة يوم عاشوراء قائلاً : إنّ الله قد أذن في قتلكم فعليكم بالصبر(11).

وبذلك فضّلوا على غيرهم من الشهداء.

وفارق آخر بين أصحاب الرسول الأعظم (صلى الله عليه وآله)  وأصحاب الحسين (عليه السلام) ، فقد كان فرار الأولين من الحرب النار العار (إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْاْ مِنكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ) (12) بينما أصحاب الحسين (عليه السلام)  أذن لهم بالانصراف فأبوا ، فقد خطبهم (عليه السلام)  ليلة عاشوراء قائلاً : ألا وإنّي قد أذنت لكم فانطلقوا جميعاً في حلّ ليس عليكم منّي ذمام، هذا الليل قد غشيكم فاتخذوه جملاً(13).

ولم يكن هذا بأوّل إذن لهم بالتفرّق والانصراف ، ففي زبالة أخرج (عليه السلام) للناس كتاباً فقرأه عليهم :

 بسم الله الرحمن الرحيم

أمّا بعد فإنه قد أتانا خبر فظيع ، قتل مسلم بن عقيل ، وهانئ بن عروة، وعبد الله بن يقطر ، وقد خذلتنا شيعتنا ، فمن أحب منكم الانصراف فلينصرف ، ليس عليه منّا ذمام(14).

كذلك الإعلام بالشهادة كان مسبقاً ، فهو (عليه السلام) من حين خرج من مكّة يلهج بذكر يحيى بن زكريا (عليه السلام) وما أصابه ، ويقول : إنّ من هوان الدنيا على الله أن يُهدى رأس يحيى بن زكريا  لبغيٍّ من بغايا بني إسرائيل.

وفي طليعة الموكب الحسيني المستميت على الحق والعدالة ابنه علي الأكبر(عليه السلام).

ذكر أهل المقاتل والسير عن عقبة بن سمعان قال : لمّا كان السحر من الليلة التي بات بها الحسين(عليه السلام) عند قصر بني مقاتل، أمرنا (عليه السلام) بالاستسقاء من الماء ، ثم أمرنا بالرحيل ففعلنا ، فلما ارتحلنا عن قصر بني مقاتل خفق برأسه خفقة ثم انتبه وهو يقول: إنا لله وإنا إليه راجعون ، والحمد لله ربّ العالمين ، ثمّ كرّرها مرتين أو ثلاثاً ، فأقبل إليه ابنه علي بن الحسين ، وكان على فرس له فقال : إنّا لله وإنّا إليه راجعون ، والحمد لله ربّ العالمين ، يا أبتِ جعلت فداك ممّ استرجعت وحمدت الله؟

فقال الحسين (عليه السلام) : يا بُنيّ إنّي خفقت برأسي خفقة فعنَّ لي فارس على فرس فقال : القوم يسيرون والمنايا تسري إليهم ، فعلمت أنّها أنفسنا نُعيت إلينا.

فقال له : يا أبتِ لا أراك الله سوءاً ألسنا على الحق؟

قال : بلى والذي إليه مرجع العباد.

قال : يا أبتِ إذن لا نبالي نموت محقّين.

فقال له :  جزاك الله من ولد خير ما جزى ولداً عن والده (15).

(إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ) (16)

 أمــان

 يخطب سيد الشهداء (عليه السلام) بذي حسم فيقول : ((فإنّي لا أرى الموت إلاّ سعادة ، والحياة مع الظالمين إلاّ برما))(17).

فكان هذا شعاره حتّى آخر لحظة من حياته ، كما كان شعار الهاشميين والأنصار.

إنّ من أهم الأسباب التي تجعل أهل الحقّ أسرع استجابة لدواعي الموت من أهل الباطل ، هو علمهم بما أعدّ الله سبحانه وتعالى لهم من النعيم الدائم : (قُلْ أَذَلِكَ خَيْرٌ أَمْ جَنَّةُ الْخُلْدِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ كَانَتْ لَهُمْ جَزَاء وَمَصِيرًا * لَهُمْ فِيهَا مَا يَشَاؤُونَ خَالِدِينَ كَانَ عَلَى رَبِّكَ وَعْدًا مَسْؤُولاً) (18)، (تِلْكَ الْجَنَّةُ الَّتِي نُورِثُ مِنْ عِبَادِنَا مَن كَانَ تَقِيًّا) (19)، (وَسَارِعُواْ إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ) (20).

 (سَابِقُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِّن رَّبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا كَعَرْضِ السَّمَاء وَالْأَرْضِ أُعِدَّتْ لِلَّذِينَ آمَنُوا بِاللَّهِ وَرُسُلِهِ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَن يَشَاء وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ)(21).

(وَجَزَاهُم بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًاٍ)(22). (وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ)(23).

(أُوْلَئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمُ الْأَنْهَارُ يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِن ذَهَبٍ وَيَلْبَسُونَ ثِيَابًا خُضْرًا مِّن سُندُسٍ وَإِسْتَبْرَقٍ مُّتَّكِئِينَ فِيهَا عَلَى الْأَرَائِكِ نِعْمَ الثَّوَابُ وَحَسُنَتْ مُرْتَفَقًا)(24).

(قُلْ أَؤُنَبِّئُكُم بِخَيْرٍ مِّن ذَلِكُمْ لِلَّذِينَ اتَّقَوْا عِندَ رَبِّهِمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَأَزْوَاجٌ مُّطَهَّرَةٌ وَرِضْوَانٌ مِّنَ اللّهِ وَاللّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ)(25). (فَالَّذِينَ هَاجَرُواْ وَأُخْرِجُواْ مِن دِيَارِهِمْ وَأُوذُواْ فِي سَبِيلِي وَقَاتَلُواْ وَقُتِلُواْ لأُكَفِّرَنَّ عَنْهُمْ سَيِّئَاتِهِمْ وَلأُدْخِلَنَّهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ثَوَابًا مِّن عِندِ اللّهِ وَاللّهُ عِندَهُ حُسْنُ الثَّوَابِ)(26).

 (لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا أَبَدًا رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(27). (يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُم بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِم بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ)(28).

(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْكَبِيرُ)(29).

(أُوْلَـئِكَ جَزَآؤُهُم مَّغْفِرَةٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ)(30).(يُبَشِّرُهُمْ رَبُّهُم بِرَحْمَةٍ مِّنْهُ وَرِضْوَانٍ وَجَنَّاتٍ لَّهُمْ فِيهَا نَعِيمٌ مُّقِيمٌ) (31). (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ عِندَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الكَبِيرُ)(32).

فالمؤمنون وان كانوا في هذه الدنيا في أرغد عيش وأهنأه لا يقاس  بالجنّة ونعيمها ، كما أنّ الكافرين وأهل الجحود والعصاة، مهما كانوا في تعاسة وشقاء في الحياة الدنيا فهو لا شيء بلحاظ ما أعدّ الله جلّ جلاله لهم من العذاب والهوان.

ومن طريف ما ورد عن الإمام الحسين (عليه السلام) : أنّه اغتسل وخرج من داره في بعض الأيام، وعليه حلّة فاخرة ، ووفرة ظاهرة، ومحاسن سافرة، بنفحات  طيّبات عاطرة، ووجهه يشرق حسناً، ووجهه قد كمل صورة ومعنى، والسعد يلوح على أعطافه ، ونضرة النعيم تعرف من أطرافه، وقد ركب بغلة فارهة، غير عسوفة ، وسار وقد اكتنفه من حاشيته صفوف، فعرض له شخص من محاويج اليهود، وعليه مسح من جلود ، وقد أنهكته العلّة والذلّة ، وشمس الظهيرة قد شواه ، وهو حامل جرّة ماء على قفاه، فاستوقف الحسن (عليه السلام) فقال : يا ابن رسول الله سؤال!

فقال له : ما هو ؟

قال : جدّك يقول : الدنيا سجن المؤمن وجنّة الكافر ، وأنت المؤمن وأنا الكافر ، فما أرى الدنيا إلاّ جنّة لك تنعم فيها وأنت مؤمن ، وتستلذّ بها ، وما أراها إلاّ سجناً قد أهلكني حرّها، وأجهدني فقرها؟

 فلما سمع الحسن (عليه السلام) كلامه أشرق عليه نور التأييد ، واستخرج الجواب من خزانة علمه ، وأوضح لليهودي  خطأ ظنّه ، وخطل زعمه، وقال (عليه السلام): يا شيخ لو نظرت إلى ما أعدّ الله لي وللمؤمنين في دار الآخرة مما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، لعلمت قبل انتقالي إليه في هذه الحالة في سجن ؛ ولو نظرت إلى ما أعدّ الله لك ولكل كافر في الدار الآخرة من سعير جهنّم ، ونكال العذاب الأليم المقيم، لرأيت قبل مصيرك إليه في جنّة واسعة، ونعمة جامعة(33).

وظنّ أهل الكوفة يوم عاشوراء أنّ ابن رسول الله (صلى الله عليه وآله)، وحفيد أمير المؤمنين (عليه السلام) مؤثراً الدنيا على ما أعدّ الله لأوليائه من الجنّة ونعيمها ، فناداه مناديهم وقد حمل عليهم : إنّ لك رحماً بأمير المؤمنين يزيد بن معاوية.

فقال (عليه السلام) : لقرابة رسول الله (صلى الله عليه وآله) أحق أن ترعى من قرابة يزيد بن معاوية ؛ ثم شدّ عليهم(34) .

(إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلائِكَةُ أَلاّ تَخَافُوا ولا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ) (35).

 الشهادة

وطلع فجر اليوم العاشر من المحرم فصلّى الحسين (عليه السلام) بأصحابه صلاة الصبح ثم خطبهم قائلاً : إنّ الله قد أذن في قتلكم فعليكم بالصبر(36).

ثم عبّأهم للحرب ، فجعل على الميمنة زهير بن القين البجلي ، وعلى المسيرة حبيب بن مظاهر الأسدي ، وثبت (عليه السلام) وأهل بيته في القلب ، وأعطى رايته أخاه العباس بن أمير المؤمنين (عليه السلام).

ثمّ تقدم خطيباً في أهل الكوفة ، فعن الضحاك المشرقي : فو الله ما سمعت متكلّماً قطّ قبله ولا بعده أبلغ في منطق منه (37).

كما خطب بعض أصحابه رضوان الله عليهم ، والتحق الحرّ الرياحي وآخرون بالحسين (عليه السلام) بعد أن وضحت لهم معالم الحق والرشاد ؛ وخاف ابن سعد أن يفلت من يده الزمام، فتقدّم نحو عسكر الحسين (عليه السلام) ورمى بسهم وقال : اشهدوا لي عند الأمير أنّي أول من رمى، ثم رمى الناس، فلم يبق من أصحاب الحسين (عليه السلام) أحد إلاّ أصابه من سهامهم ، فقال (عليه السلام) لأصحابه : قوموا رحمكم الله إلى الموت الذي لا بدّ منه ، فإن هذه السهام رسل القوم إليكم ، فحمل أصحابه حملة واحدة ، واقتتلوا ساعة فما انجلت الغبرة إلاّ عن خمسين صريعاً (38).

ثم أخذوا يحملون فرادى ومجموعات صغيرة حتى استشهدوا عن آخرهم رضوان الله عليهم أجمعين.

وتقدّم الهاشميون يودّع بعضهم البعض، وأوّل من تقدّم منهم للحرب أبو الحسن علي الأكبر (عليه السلام) ، فلما رآه الحسين (عليه السلام) رفع شيبته نحو السماء وقال : اللهمّ اشهد على هؤلاء القوم ، فقد برز إليهم غلام أشبه الناس خَلقاً وخُلقاً ومنطقاً برسولك محمد (صلى الله عليه وآله) ، وكنّا إذا اشتقنا إلى وجه رسولك نظرنا إلى وجهه ، اللهمّ فامنعهم بركات الأرض، وإن متّعتهم ففرّقهم تفريقاً ، ومزّقهم تمزيقاً ، واجعلهم طرائق قددا ، ولا ترضِ الولاة عنهم أبداً ، فأنّهم دعونا لينصرونا ثم عدوا علي

علينا يقاتلونا ويقتلونا؛ ثمّ صاح الحسين بعمر بن سعد: ما لك قطع الله رحمك، ولا بارك لك في أمرك، وسلّط عليك من يذبحك على فراشك (39)، كما قطعت رحمي، ولم تحفظ قرابتي من رسول الله (صلى الله عليه وآله)، ثم رفع صوته وقرأ : (إِنَّ اللّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ * ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِن بَعْضٍ وَاللّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)(40).

ثمّ حمل علي بن الحسين (عليه السلام) وهو يقول:

أنا عليّ بن الحسين بن علي    والله لا يحكم فينا ابن الدعي

أضربكم بالسيف حتى يلتوي     نحن وبيت الله أولى بالنبي

أطعنكم بالرمح حتى ينثني       ضرب غلام هاشمي علوي

فلم يزل يقاتل حتى ضجّ أهل الكوفة لكثرة من قتل منهم ؛ حتى روي أنه قتل على عطشه مائة وعشرين رجلاً ، ثم رجع إلى أبيه وقد أصابته جراحات كثيرة فقال:  يا أبه العطش قد قتلني، وثقل الحديد قد أجهدني ، فهل إلى شربة ماء من سبيل، أتقوّى بها على الأعداء؟

فبكى الحسين (عليه السلام) وقال : يابني عزّ على محمد وعلى عليّ وعلى أبيك أن تدعوهم فلا يجيبونك ، وتستغيث بهم فلا يغيثونك ، يابنيّ هات لسانك ،فأخذ لسانه فمصّه ، ودفع إليه خاتمه وقال له : خذ هذا الخاتم في فيك ، وارجع إلى قتال عدوّك فإني أرجو أن لا تمسي حتّى يسقيك جدّك بكأسه الأوفى شربة لا تظمأ بعدها أبداً.

فرجع علي بن الحسين إلى القتال ، وحمل وهو يقول:

الحرب قد بانت لها حقائقُ       والله ربّ العرش لا نفارق

وظهرت من بعدها مصادقُ      جموعكم أو تغمد البوارق

وجعل يقاتل حتى قتل تمام المائتين ، ثم ضربه منقذ بن مرّة العبدي علي مفرق رأسه ضربة صرعه فيها،وضربه الناس بأسيافهم ، فاعتنق الفرس فحمله إلى عسكر عدوه ، فقطّعوه بأسيافهم إرباً إرباً ؛ فلما بلغت روحه التراقي نادى بأعلى صوته: يا أبتاه هذا جدي رسول الله قد سقاني بكأسه الأوفى شربة لا أظمأ بعدها أبداً ، وهو يقول لك : العجل ، فإنّ لك كأساً مذخورة.

فصاح الحسين (عليه السلام) : قتل الله قوماً قتلوك يابني ، ما أجرأهم على الله وعلى انتهاك حرمة رسول الله، على الدنيا بعدك العفا(41).

مرقده

وفي اليوم الحادي عشر من المحرّم دفن عمر بن سعد قتلاه وترك الحسين (عليه السلام)  وأهل بيته وأنصاره تصهرهم الشمس، وفي اليوم الثالث عشر جاء بنو أسد لدفن الأجساد الطاهرة، وقبل أن يباشروا مهمّتهم جاء الإمام زين العابدين (عليه السلام) من الكوفة للمهمّة نفسها، وأخذ يعاونهم في عملهم ، فدفن أباه الحسين (عليه السلام)  في قبر مستقل، كما دفن جميع الشهداء في قبر واحد - عدا حبيب بن مظاهر - كما  دفن عمه العباس (عليه السلام) على العلقمي حيث مصرعه، ودفن أخاه علياً عند رجلي

أبيه (عليه السلام) . وسبق لنا القول أنّ الإمام يعمل وفقاً لتعاليم السماء ، ويتصرّف حسبما يؤمر به.

وتكشف الأيام بعض هذا السر، فإذا بضريحه الطاهر يطوف به المسلمون من جميع أقطار  المعمورة ، متوسّلين به إلى الله سبحانه في قضاء حوائجهم ، وكشف  كربهم، وطلب المغفرة منه سبحانه وتعالى بشفاعته؛ كما بقي هذا الأثر الرفيع شاهد عدل على ظلم الأولين وعتوّهم.

ويقول الشيخ  جعفر الشوشتري رحمه الله: وملاحظة انكسار القلب عند النظر إلى قبره وقبر والده عند رجليه كما في الرواية (42).

______________

1- ينابيع المودة : 117 .

2- أعيان الشيعة : 4ق 1 / 124 .

3- مطالب السؤول : 2 / 28 . أسد الغابة : 2 / 120 . الشرف المؤبد لآل محمد : 7 . تاريخ ابن عساكر : 4 / 323 . تذكرة الخواص : 244 . العقد الفريد : 4 / 384.

4- بحار الأنوار : 10 / 143 .

5- أعيان الشيعة : 4 ق 1 / 132 .

6- إسعاف الراغبين : 183 .

7- مقتل الإمام الحسين (عليه السلام) للمقرم.

8- أنظر فصل كلمات الأئمة (عليهم السلام) من هذا الكتاب.

9- أنظر فصل (أو لسنا على الحق) من هذا الكتاب.

10- سورة يوسف : الآية 11.

11- كامل الزيارات : 73 .

12- سورة آل عمران : 155 .

13- الإرشاد : 231 .

14- تاريخ الطبري : 6/ 226 .

15- أبصار العين : 25 .

16- سورة آل عمران : 33 .

17- تاريخ الطبري : 6 / 229 .

18- سورة الفرقان : 15- 16 .

19- سورة مريم : 63 .

20- سورة آل عمران : 133

21- سورة الحديد : 21 .

22- سورة الإنسان : 12 .

23- سورة الرحمن : 46 .

24- سورة الكهف : 31 .

25- سورة آل عمران : 15 .

26- سورة آل عمران : 195 .

27- سورة المائدة : 119 .

28- سورة الحديد : 12 .

29- سورة البروج : 11 .

30- سورة آل عمران : 136 .

31- سورة التوبة : 21 .

32- سورة الشورى : 22 .

33- الفصول المهمة : 140 ، كشف الغمة.

34- سر السلسلة العلوية: 30 والرحم التي أشاروا إليها هي من جهة أم علي الأكبر ليلى بنت أبي مرّة بن عروة بن مسعود الثقفي، وأمها ميمونة بنت أبي سفيان.

35- سورة فصلت : 30 .

36- كامل الزيارات : 73 .

37- تاريخ الطبري : 6 / 242 .

38- مقتل الحسين (ع) للمقرم : 292 .

39- وقد استجاب الله جلّ جلاله دعاء سيد الشهداء(ع) ، فقد أرسل إليه المختار رضوان الله عليه من قتله على فراشه.

40- سورة آل عمران : 33 – 34 .

41- مقتل الحسين(ع) للخوارزمي : 2/31 .

42- الخصائص الحسينية: 7 . والرواية التي أشار الشيخ إليها عن الصادق (عليه السلام).


source : shiastudies.net
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

آيات ومعجزات خاصة بالمهدي المنتظر
القرآن الكريم والطريق نحو الكمال
أنواع التجلي الاِلَهي
دوافع الارتباط بالمعصومين (عليهم السلام)
طرق إثبات وجود الله
الشروط التي يجب توفرها في المفسر
أن آل يس آل محمد ص
القـــــــرآن الطريق إلى الله
آثار الغيبة على الفرد والمجتمع وإفرازاتها
إساءات إلى القرآن

 
user comment