عربي
Monday 23rd of December 2024
0
نفر 0

حقوق المريض النفسي بين الطب والدين والقانون

حقوق الانسان .. مصطلح تزايدت معدلات ظهوره اخيرا في وسائل الاعلام وحديث الناس , وبالرغم من ذلك فان واحدة من القضايا المهمة التي لاتستحوذ علي القدر الملائم من الاهتمام مسألة حقوق المرضي الذين يعانون اضطرابا نفسيا وعقليا .. وهم فئة المرضي النفسيين اليجدون غالبا من يهتم بشئونهم او يدافع عن حقوقهم وهم في اشد حالات الضعف الانساني بسبب ما آل اليه حالهم نتيجة لاصابتهم بالمرض النفسي .. وهؤلاء يتزايد عددهم في المجتمع بصورة تدعو الي القلق .. كما تزايدت معاناتهم وهموم من يقوم علي رعايتهم .. ويمثلون عبلا علي المجتمع .. وقد يتعرضون الي الاهمال او الظلم او تضيع حقوقهم في الرعاية والعلاج والحياة الآمنة
والاشخاص الذين تتسبب اصابتهم بالمرضي النفسي في تدهور حالتهم العقلية الي درجة الاعاقة هم اخوة لنا لايختلفون عن غيرهم في شيء .. بل هم كل واحد منا , حيث ثبت ان المرض النفسي يمكن ان يصيب اي انسان في اي مرحلة من مراحل العمر , كما تؤكد الدراسات ان الامرفسية ـ وهي امراض العصر الحالي ـ اصبحت واسعة الانتشار في كل مجتمعات العالم سواء في الشرق او في الغرب دون تفرقة بين الاغنياء والفقراء .
وقد بدأت في العالم حاليا حركة اهتمام بحقوق المرضي النفسيين بعد ان تفاقمت مشكلاتهم في كل مجتمعات العالم علي مدي عصور طويلة كانوا يتعرضون فيها للمعاملة القاسية , ومن مظاهر هذا الاهتمام اعلان صدر عن الامم المتحدة في عام 1991 حول حقوق المريض النفسي , الحق في العلاج باستخدام الوسائل الطبية الحديثة في مقدمة الحقوق التي يجب ان يحصل عليها المرضي النفسيون دون تفرقة , ويتم ذلك باختيار المريض باقل من القيود علي حريته , ولابد من موافقته عند دخوله الي المستشفي وعند تقديم اي علاج له . فهل يحدث ذلك فعلاواقع !
وبالاضافة الي الحق في العلاج فان الحقوق المدنية للمريض النفسي كمواطن يجب ان يحصل عليها كاملة اثناء مرضه منها علي سبيل المثال حقه في استقبال الزائرين في اثناء وجوده بالمستشفيات وخصوصا حق الزوج في زيارات خصوصية لزوجته , وحق المريض في الاتصال بالعالم الخار , وتدبير شئونه والتصرف في امواله , وحقه في الاقامة في مكان ملا
ولعل طبيعة الامراض النفسية التي تؤثر علي العقل والحكم علي الامور تجعل من علاقة الطب النفسي بالقانون والقضاء مسألة مهمة لاتوجد بالنسبة لفروع الطب الاخري . والمرضي النفسيون قد يخرجون علي قوانين المجتمع فيرتكبون المخالفات والجرائم تحت تأثير حالتهم المرضية رغم انهم لايمثلون خطرا علي انفسهم او علي الآخرين إلا في حالات محدودة , وتذكر الارقام ان مليونين من جرائم العنف ترتكب في الولايات المتحدة كل عام بينها 23 الف جريمة قتل لايقوم المرضي النفسيون سوي بنسبة محدودة من هذه الجرائم لاتصل الي 30%, وتكون هناك قرابة او صداقة في نسبة 75% من هذه الحالات بين الجاني والضحية , والحالات النفسية المرضية التي ترتبط بسلوك العنف في اضطراب الشخصية الذي يعرف في الطب النفسي بالشخصية المضادة للمجتمع , وحالات لانفصام والبارانويا والوسواس القهري والاكتئاب والهوس , سبة عالية من الجرائم ترتكب تحت تأثير تعاطي الكحول والمواد المخدرة والعقاقير الاخري .
ويعفي القانون الشخص المجنون من المسئولية عمايفعل , لكن تحديد الجنون مسألة يحيط بها الكثير من الجدل , فكلمة مجنون والامراض النفسية والعقلية كما يعرفها الاطباء النفسيون كثيرة تصل الي مايقرب من 100 مرض تضمها قائمة التشخيص العالمية لتضيف الامراض النوالجريمة من المفترض ان لها عنصرين هما الفعل السييء في حق الآخرين , وتوفر النية او القصد , وهذا مايصفه القانون احيانا بسبق الاصرار والترصد , وبالنسبة للمرضي النفسيين فإن احد عنصري الجريمة وهو القصد لايتوفر فالمريض او المجنون مثل الطفل الذي تكسر شيئا وهو يلهو دون ان يدرك حقيقة مايفعل , ومن هنا كانت القواعد القانونية التي تعفي المريض العقلي من المسئولية عما يقوم به اذا كان في اثناء ذلك في حالة لايستطيع ان يميز فيها بين الصواب والخطأ
والمرضي النفسيون من اكثر الفئات حاجة الي الرعاية والمساندة , وكثيرا مايحدث ان يرتكب المريض النفسي بعض الافعال التي لايرضي عنها احد , أو قد يسبب في ايذاء نفسه او ايذاء الآخرين , فالمريض العدواني قد يوجه الاساءة الي اقرب الناس اليه من اهله او من يقوي رعايته , والمرضي هنا وهم يرتكبون جرائم العنف الدموية او يقدمون علي الانتحار انما يفعلون ذلك بحكم اصابتهم بالمرض النفسي الذي يتسبب في تشويه حكمهم علي الامور من تأثير الاكتئاب الذي يؤدي الي حالة من اليأس يقصد فيها المريض الحياة علي انها عبء لايطاق , لافكار المرضية والهلاوس في صورة اصوات توحي الي مريض لانفصام بمهاجمة الآخرين بعد ان تسلب ارادته , والمريض النفسي الذي يبدو هنا مجرما او ظالما هو مظلوم في الحقيقة لانه لم يحصل علي علاج فعال قبل ان تتدهور حالته
وفي بعض الاحيان يطالب المجتمع المريض النفسي بأن يتحمل نفس مسئولياته نحو اسرته وعمله والآخرين , ولايستطيع احد ان يصدق ان مريض الاكتئاب لايستطيع الخروج من عزلته او القيام بأي عمل بسيط , برغم ان حالته الصحية جيدة , او ان مريض الوسواس القهري لايمكنه اعن تكرار غسل يديه اكثر من 100 مرة رغما عنه , أو ان مريض الفصام يمكنه ان يتغلب علي الاصوات التي يسمعها تحدثه وتتحاور معه وتأمره فيطيع رغما عن ارادته , والناس يعتقدون ان علي المريض مسئولية فيما يحدث له ويستطيع ان يتحكم في اعراض المرض , وهذا غيريتخلي اقارب المريض عن مساعدته فيواجه الحياة دون مساندة خصوصا اذا طالت فترة المرض وهذا مايحدث في العادة في كثير من الامراض العقلية , وذلك بالاضافة الي عبء وتكاليف العلاج بالادوية الحديثة وهي باهظة للغاية خصوصا بالنسبة للمريض النفسي الذي يقعده المرض ويمنعمن العمل وكسب العيش .
حقوق المرضي النفسيين ..لو افترضنا انك كنت تجلس مكاني في العيادة النفسية وتقوم بدوري كطبيب نفسي .. واخبرك مريضك وهو معك في جلسة علاج نفسي بأنه ينوي قتل شخص اخر من اقاربه او جيرانه لانه يتصور انه لابد ان يعاقب هذا الشخص ,, ان رد الفعل الطبيعي هو ان يحاول الطبيب ان يثني المري عزمه ويقنعه إلا يفعل ذلك , غير ان قد يصر علي رأيه فكيف يتصرف الطبيب في هذا الموقف
المشكلة هنا هي التزام الطبيب النفسي بسرية المعلومات التي يدلي بها المريض فإذا قام الطبيب بابلاغ أي شخص علي حالة المريض فهو هنا قد افشي سر المهنة ويتعرض بموجب القانون لعقاب بالسجن والغرامة ويكون قد ارتكب مخالفة مهنية , واذا سكت علي ذلك وحدث ضرر بووقع جري كان الممكن منعها فإنه أيضا يكون قد ارتكب بسكوته مخالفة مهنية يعاقب عليها .. ولاتزال مثل هذه المأسأة محل نقاش لم يتم الاتفاق بشأنها فهناك حق المريض في حفظ اسراره وحق المجتمع الذي يوجب التحذير من وقوع جريمة حين نعلم بها مسبقا
وهناك مشكلة اخري نتعرض لها بصفة دائمة بحكم العمل فيا لطب النفسي تتمثل في المرضي النفسيين الذين يقودون السيارات في الشوارع وهم في حالة نفسية تؤثر علي تركيزهم ولاتسمح بقيادة السيارة بطريقة امنة , وهم بذلك يمثلون خطورة علي انفسهم وعلي الأخرين , ومن حق امع ان يتم منع هذا الخطر بإبلاغ الطبيب النفسي للسلطات عن مثل هذه الحالات قبل وقوع الحوادث لكن الطبيب النفسي لايفعل ذلك غالبا حتي لايزيد من متاعب مرضاه وينطبق ذلك ايضا علي حالات المدمنين الذين يقودون السيارات تحت تأثير الكحول والمخدرات الاخري ويتسببون في نسبة كبيرة من الحوادث , وهذه مسألة تحتاج الي حل حاسم بالاخذ في الاعتبار مصلحة المريض وظروف الطبيب ومصلحة المجتمع ايضا
وهناك من الامراض النفسية مايسبب اعراضا حادة فيكون المريض في حالة اثارة وتو تر شديدين لايستطيع السيطرة علي تصرفاته , وهناك من المرضي من لديه ميول انتحارية ويحاول التخلص من حياته بسبب المعاناة النفسية , ومنهم من يمثل خطورة علي المحيطين به ولديه ميول عدة , ومثل هذه الحالات لايكون حكم المريض علي حالته دقيقا فهو لايدرك مايعاينه لايعاني منه ويتطلب الامر هنا التدخل لعلاج المريض واجباره علي قبول دخول المستشفي حيث يكون ذلك هو الحل الوحيد لصالحه ولمصلحة المجتمع ايضا
وقد يعجب البعض منا اذا علم ان مو افقة المريض علي تناول اي دواء يصرف له لابد ان تكون واضحة وكتابية في كل الظروف , غير ان واقع الحال يختلف عن ذلك تماما داخل المستشفيات العقلية حيث يرغم المريض علي اخذ الحقن المهدئة حتي تتم السيطرة علي حركته , وكذلك يتم مال جرعات كبيرة من الادروية وجلسات الكهرباء ويجب ان يعطي المريض حقه في الموافقة علي العلاج .
ومن حقوق المريض النفسي المهمة ايضا حقه في ادارة امواله بنفسه , وكثيرا مايتطلب اهل المريض واقاربه الحجر عليه أي منعه من التصرف في امواله لاصابته بالمرض العقلي , ونحن نقول ان الاصابة بالمرض العقلي ليست مبررا كافيا في كل الاحوال لحرمان المريض من حق التصي ممتلكاته , وكثير من المرضي النفسيين لديهم القدرة علي التصرف السليم في اموالهم
والعلاقة بين المريض وطبيبه من العلاقات المقدسة خصوصا في الطب النفسي فالمريض يضع كل حياته واسراره وثقته الكاملة في طبيبه الذي يعتبر امينا علي كل ذلك ومن حق المريض الاحتفاظ بأسراره وعدم الافشاء بها تحت اي ظرف , كما ان علي الطبيب ان يقدم العون والمساعدة والاج بكل الوسائل الطبية الحديثة لمرضاه , ومن الواجب مناقشة المريض في حالته وشرح كل علاج يتم تقديمه اليه وتوضيح هدف العلاج ومدته وايه اثار جانبية تترتب علي استخدامه ورغم ان شيئا من ذلك لايحدث في معظم الاحيان الا ان ذلك يظل حقا للمريض في المعرفة والعلم بكلايتعلق بعلاجه قبل الموافقة عليه ..
قد تحدث مخالفات لاصول المهنة اثناء العلاج مثل الاهمال من جانب الطبيب او الخطأ غير المتعمد او امتناع الطبيب عن علاج المريض , وتعتبر هذه المخالفات لقواعد اخلاقيات الممارسة الطبية ومن المشكلات ايضاالتي تتسبب في تشويه العلاقة بين المريض النفسي وطبيبه افشاء المريض او ادخال احد المرضي بطريق الخطأ واحتجازه في المستشفي , او ارسال تقرير عن المريض الي احدي الجهات دون موافقته بما يمثل اختراقا لعلاقة تقوم علي الثقة , وثمة موضوع اخر اكثر حساسية هو احتمال قيام علاقة عاطفية بين الطبيب وواحدة من مرضاه , وهذه ا ترفضها كل القوانين والقواعد الاخلاقية مهما كان هناك من موافقة واغواء من جانب المريضة التي تعتبر تحت وصاية الطبيب اثناء العلاج , ويدخل ذلك ضمن عشرات من المسائل والاعتبارات الاخلاقية تحت بند سوء الممارسة الطبية ويجب ان تظل صورة الطبيب المعالج رفيعة المست حتي تنجح العلاقة العلاجية لاهمية تأثير شخصية الطبيب في حالة مرضاه , ويؤكد ذلك قول احد علماء الطب الطبيب النفسي علي وجه الخصوص يستخدم شخصيته كأداة رئيسية للعلاج , وكل مايصفه من الادوية ليست سوي رموز مكملة لتأثير شخصيته علي ا لاخر
وقد كان الاسلام اسبق من العلم الحديث في وضع الاسس للمعاملات الانسانية في كل مجال , وقد تضمنت الشريعة الاسلامية من التعاليم والاحكام , مايمكن الاستعانة به للتوصل الي حل للمشكلات الانسانية التي ظهرت وتفاقمت في عصرنا الحديث , والاسلام دين حياة فيه مالي الوقاية والعلاج من امراض نفسية متعددة , كما ان الايمان القوي بالله تعالي له تأثير ايجابي ثبت علميا علي حالة الصحة النفسية في كل الظرو
وبالنسبة للطب النفسي فإننا نضرب هنا مثالين لفضل تعاليم الاسلام في الوقاية والعلاج للمشكلات النفسية المستعصية فقد ثبت من دراسة حالات الاكتئاب النفسي ان نسبة تصل الي 15% من المرضي يقدمون علي الانتحار , وتصل نسبة الانتحار في الدول المتقدمة الي 42 لالف في السويد والدانمارك , و 40 لكل 100 الف في المجر , و 36 لكل 100 الف في الولايات المتحدة وبريطانيا , بينما تقل هذه النسبة في الدول العربية والاسلامية الي نحو 2 لكل 100 الف في مصر علي سبيل المثال اي اقل نسبة 20 ضعفا , والفليم الاسلام الواضحة حول الانتحار وقتل النفس والمثال الثاني هو مشكلة تعاطي وادمان الكحول التي تتسبب في الكثير من المضاعفات والحالات المرضية عضويا ونفسيا , وينجم عنها زيادة في نسبة الحوادث والجرائم , وهذه المشكلة تكاد تكون هامشية في الدول العربية والاسة يفصل التحريم القاطع للخمر في القران الكريم .
وبالنسبة لحقوق المريض النفسي فإن تكريم الاسلام للانسان وعدم المساس بحقوقه في كل الاحوال فيه تقديم لحلول كثير من مشكلات المعاقين نفسيا وعقليا , كما ان مراجعة احكام الفقه الاسلامي تقدم لنا حلولا لمسائل عديدة يثور حولها الجدل حتي الان
انتهي الكلام عن حقوق المرضي النفسيين والمعاقين عقليا ونفسيا ولكن لم تنته مشكلاتهم وهمومهم .. واذا كنا قد طرحنا من خلال هذا العرض بعضا من المشكلات العملية وهموم المرضي النفسيين فإننا نأمل في ان يحدث تحول وتغيير ايجابي لمصلحة هذه الفئة من اخواننا الذين يعون مشكلات نفسية بما يسهم في التخفيف من معاناتهم , و مساعدتهم للحصول علي حقهم في الحياة .

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

خصائص ومميزات حقوق الإنسان في الإسلام
حقوق المريض النفسي بين الطب والدين والقانون
النقطة الخامسة ما هو مدى امكان تنامي البشريّة في ...
حقوق الانسان بين الكونية والخصوصيات
رسالة الحقوق للإمام السجاد عليه السلام تناولت ...
عدالة الفقيه
حقوق الأفراد في ظل الإسلام
الامام علي وحقوق الانسان
حقوق الأمم والأديان عند أئمة أهل البيت(ع)
الشريعة الإسلامية وحقوق الإنسان

 
user comment