یشکل بعض المعاندین على الشیعة بأنهم یتوسلون بالأنبیاء والأئمة علیهم السلام ، وبالأولیاء والصالحین ، وأنهم یقسمون على الله تعالى بحقهم ، ویعتقدون بأن ذلک مؤثر فی استجابة الدعاء .
إن تحریم التوسل بالنبی الأکرم صلى الله علیه وآله ، وبسائر الأنبیاء والأئمة علیهم السلام وکذا بالأولیاء الصالحین ، هو من مبتدعات الوهابیین . قال الله تعالى : (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَابْتَغُوا إِلَیْهِ الْوَسِیلَةَ وَجَاهِدُوا فِی سَبِیلِهِ لَعَلَّکُمْ تُفْلِحُونَ) (1)
قال السمهودی الشافعی فی کتابه : وفاء الوفا بأخبار دار المصطفى ( قد یکون التوسل به صلى الله علیه وآله وسلم بطلب ذلک الأمر منه بمعنى أنه صلى الله علیه وآله وسلم قادر على التسبب فیه بسؤاله وشفاعته إلى ربه ، فیعود إلى طلب دعائه ، وإن اختلفت العبارة ، ومنه قول القائل : له أسألک مرافقتک فی الجنة . . . الحدیث ، ولا یقصد به إلا کونه صلى الله علیه وآله وسلم سببا وشافعا ) .
وفی کتاب کشف الارتیاب ص 252 . ( روى النسائی والترمذی وغیرهما إنه صلى الله علیه وآله وسلم علم بعض أصحابه أن یدعو ویقول : اللهم إنی أسئلک وأتوسل إلیک بنبیک نبی الرحمة ، یا محمد یا رسول الله ، إنی أتوسل بک إلى ربی فی حاجتی لیقضیها لی ، اللهم فشفعه لی )
ونقل السمهودی فی وفاء الوفا ج 2 ص 422 عن القاضی عیاض فی الشفاء بسند جید عن أبی حمید ، قال : ناظر أبو جعفر أمیر المؤمنین مالکا فی مسجد رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم فقال مالک : یا أمیر المؤمنین ، لا ترفع صوتک فی هذا المسجد ، فإن الله تعالى أدب قوما فقال (یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا لَا تَرْفَعُوا أَصْوَاتَکُمْ فَوْقَ صَوْتِ النَّبِیِّ وَلَا تَجْهَرُوا لَهُ بِالْقَوْلِ کَجَهْرِ بَعْضِکُمْ لِبَعْضٍ أَن تَحْبَطَ أَعْمَالُکُمْ وَأَنتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) (2)
ومدح قوما فقال (إِنَّ الَّذِینَ یَغُضُّونَ أَصْوَاتَهُمْ عِندَ رَسُولِ اللَّهِ أُولَٰئِکَ الَّذِینَ امْتَحَنَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ لِلتَّقْوَىٰ لَهُم مَّغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِیمٌ) (3)
وذم قوما فقال (إِنَّ الَّذِینَ یُنَادُونَکَ مِن وَرَاءِ الْحُجُرَاتِ أَکْثَرُهُمْ لَا یَعْقِلُونَ) (4) وإن حرمته میتا کحرمته حیا ، فاستکان لها أبو جعفر ، فقال یا أبا عبد الله أستقبل القبلة وأدعو أم أستقبل رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم . فقال : لم تصرف وجهک عنه ، وهو وسیلتک ووسیلة أبیک آدم علیه السلام إلى الله یوم القیامة ؟ بل استقبله واستشفع به فیشفعک الله ، قال الله تعالى (وَمَا أَرْسَلْنَا مِن رَّسُولٍ إِلَّا لِیُطَاعَ بِإِذْنِ اللَّهِ وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذ ظَّلَمُوا أَنفُسَهُمْ جَاءُوکَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَّحِیمًا) (5).
وقد ذکر صاحب کتاب خلاصة الکلام أن هذا الحدیث أورده السبکی فی کتابه شفاء السقام فی زیارة خیر الأنام ، والسمهودی فی کتابه خلاصة الوفا ، والقسطلانی ، فی المواهب اللدنیة ، وابن حجر فی تحفة الزوار والجوهر المنظم ،
وذکر کثیر من مؤلفی کتب المناسک فی آداب زیارة النبی صلى الله علیه وآله وسلم . قال ابن حجر فی کتابه الجوهر المنظم ( روایة ذلک عن الإمام مالک جاءت بالسند الصحیح الذی لا مطعن فیه .
وقال الزرقانی فی شرح المواهب ورواها ابن فهد بإسناد جید ( ورواها القاضی عیاض فی الشفا با سناد صحیح رجاله ثقات ، لیس فی إسنادها وضاع ولا کذاب . وقال : ومراده بذلک الرد على من نسب إلى مالک کراهیة استقبال القبر )
وفی الصواعق المحرقة ، لابن حجر أن الإمام الشافعی توسل بأهل البیت النبوی حیث قال :
آل النبی ذریعتی * وهم إلیه وسیلتی أرجو بهم أعطى غدا * بیدی الیمین صحیفتی
وزاد فی کشف الارتیاب ص 260 : ( أما أئمة أهل البیت الطاهر النبوی فأدعیتهم المأثورة عنهم التی تبلغ حد التواتر طافحة بالتوسل بجدهم صلى الله علیه وآله وسلم وبآله وبحقه وحقهم ، والأقسام علیه تعالى بهم ، وهم أعرف بسنة جدهم وبأحکام ربهم ، من ابن تیمیة وابن عبد الوهاب وأتباعهما من أعراب نجد ، فهم باب مدینة علم المصطفى وورثة علمه الذین أمرنا بأن نتعلم منهم ) .
وقال فی کشف الارتیاب ص 260 : ( ومن أنواع التوسل به صلى الله علیه وآله وسلم استقبال قبره الشریف وقت الدعاء ، فإنه فی الحقیقة توسل به صلى الله علیه وآله وسلم وبقبره الشریف ، وقد جرت علیه سنة المسلمین خلفا عن سلف وقرنا بعد قرن وجیلا بعد جیل ، وأفتى باستحبابه الإمام مالک إمام دار الهجرة فی قوله للمنصور : لم تصرف وجهک عنه وهو وسیلتک ووسیلة أبیک آدم إلى الله تعالى ، بل استقبله واستشفع به قال فی کتاب خلاصة الکلام : ذکر علماء المناسک أن استقبال قبره الشریف صلى الله علیه وآله وسلم وقت الزیارة والدعاء أفضل من استقبال القبلة قال فی الجوهر المنظم : ویستدل لاستقبال القبر أیضا بأنا متفقون على أنه صلى الله علیه وآله وسلم حی فی قبره یعلم زائره ، وهو صلى الله علیه وآله وسلم لو کان حیا لم یسع الزائر إلا استقباله واستدبار القبلة ، فکذا یکون الأمر حین زیارته فی قبره الشریف .
ثم نقل قول مالک للمنصور المشار إلیه آنفا . ثم قال : قال العلامة الزرقانی فی شرح المواهب : إن کتب المالکیة طافحة باستحباب الدعاء عند القبر مستقبلا له مستدبرا للقبلة .ثم نقل عن مذهب الإمام أبی حنیفة والشافعی والجمهور مثل ذلک وقال : وأما مذهب الإمام أحمد ففیه اختلاف بین علماء مذهبه ، والراجح عند المحققین منهم أنه یستقبل القبر الشریف کبقیة المذاهب )
وقال فی ص 258 : ( قال السمهودی : ذکر کثیر من علماء المذاهب الأربعة فی کتب المناسک عند ذکرهم زیارة النبی صلى الله علیه وآله وسلم أنه یحسن للزائر أن یستقبل القبر الشریف ویتوسل إلى الله تعالى فی غفران ذنوبه وقضاء حاجاته ویستشفع به صلى الله علیه وآله وسلم .
وفی ص 263 : روى أبو حنیفة فی مسنده عن ابن عمر قال من السنة أن تأتی قبر رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم من قبل القبلة ، وتجعل ظهرک إلى القبلة وتستقبل القبر وتسلم . وقال ابن جماعة فی منسکه الکبیر : ومذهب الحنفیة . . . إلى أن قال : ثم یدور إلى أن یقف قبالة الوجه المقدس مستدبر القبلة فیسلم ) (6).
المصادر :
1- سورة المائدة / 35
2- الحجرات /2
3- الحجرات /3
4- الحجرات /4
5- النساء /64
6- الامام الشافعی /کشف الارتیاب
source : http://ar.rasekhoon.net/