ترجمتهم وتاريخهم
التعريف الاصطلاحي واللغوي للاستشراق :
في المعنى الاصطلاحي : علم يقضي بمسائل الشرق ودراسة وتحليل واقعه ، وبعبارة أخرى : هو الدراسات التي تتعلّق بالشرق .
أمّا المعنى اللغوي للفظ ( شرق ) بالإنجليزية فهو ( Orient ) ، والدول الشرقية تسمّى ( The orient ) ، والإنسان الشرقي ( Oriental ) ، وكلّ من يبحث في تاريخ الشرق وأحوال أُممه يُدعى ( Orientalist ) أو مستشرق .
ظهور الاستشراق :
يعتبر الاستشراق حديث الظهور إلاّ أنّ معرفة الشرق وما يتعلّق به من أفكار فذلك يعود إلى الأزمان الغابرة ، ويؤيّد ذلك ما عثر عليه في التنقيبات من النقوش الأثرية على الأحجار ، ثمّ تلت ذلك حركة الاستشراق في القرون الوسطى ، لتؤكّد ذلك من خلال الوقائع التاريخية والنصوص الجغرافية ، وكتب الأسفار وغيرها .
أمّا ما هو الزمن الذي أخذ فيه الاستشراق نموّه الحقيقي ، وأصبح علماً يُدرّس ، فيمكن القول : إنّ المساعي التي بذلها الباحثون من إيطاليا وبريطانيا والبرتغال لدراسة الشرق ، كان في القرن الخامس عشر والسادس عشر الميلادي ، وكان من بينهم على سبيل المثال ( توماس هربرت ) .
وكان هذا الباحث الشاب ذكياً وماهراً ، استطاع الوصول إلى السواحل الجنوبية لإيران قادماً من الهند ، بالتنسيق مع السفير البريطاني آنذاك ، فبدأ بكتابة بحوثه حول إيران والإيرانيين .
وفي القرن السابع عشر والثامن عشر أخذ الاستشراق بالانتشار حتّى أنّ كتاب ( كلستان سعدي ) طبع لأوّل مرّة في أوربا خلال تلك الفترة .
ومنذ أواخر القرن السابع عشر الميلادي أصبحت مدينتا لندن وباريس من المراكز الرئيسية في تدريس الاستشراق ، ثمّ توسّع حتّى أصبحت أكثر البلدان الأوربية في الوقت الحاضر لديها معاهد خاصّة بتدريس الاستشراق بجميع أقسامه ، وتخرّج في كلّ عام أعداداً كبيرة من الأساتذة ، الذين يغذّون البحوث والدراسات في أوربا في مجال الاستشراق .
أقسام البحوث والتخصّصات :
يمكن تقسيم البحوث التي كتبها المستشرقون إلى ما يأتي :
التاريخ ، الاقتصاد ، الجغرافية ، اللغة ، الآداب ، علم الإنسان ، الفنون ، الأديان ، الفلسفة ، علم الآثار .
أمّا الفروع الموجودة في الجامعات الغربية ، والتي اختصّت بدراسة تاريخ الأُمم السابقة وأحوالها ، فهي :
فرع دراسة المصريين ، فرع دراسة الآشوريين ، فرع دراسة الإيرانيين ، فرع دراسة العرب ، فرع دراسة الأتراك ، فرع دراسة الصينيين ، فرع دراسة الهنود ، فرع دراسة اليابانيين ، فرع دراسة الساميين والسومريين .
ملاحظة : توسّع قسم دراسة أحوال المصريين حتّى شمل جميع أنحاء القارة الأفريقية .
المستشرقون الحقيقيون :
إنّ الذين جاءوا لدراسة الشرق كانوا أفراداً متفاوتين ، فمنهم من جاء بلباس عسكري أو غير عسكري ، أو بصفة أطباء أو معلّمين ، لكنّهم في حقيقة الأمر قساوسة كان هدفهم التبشير بالدين المسيحي ، وكانوا يتردّدون بكثرة على لبنان وسورية ومصر .
وظلّت حركة الاستشراق موضع شكّ لدى الكثير ، وبسبب هذا الغموض انقسم الناس نحوها إلى فريقين :
الأول : ينظر إلى المستشرقين بعين الاحترام .
والثاني : ينظر إليه على العكس من ذلك ، لأنّه كان من بينهم أُناس مهّدوا للاستعمار الغربي ، وكانوا أداة لتسلّط الغرب على الشرق ، كما لا يخفى أنّ منهم جماعة دفعهم شوق التعرّف على الشرق وأسراره ، وتحمّلوا في سبيل ذلك كثيراً من الصعوبات والمشاق .
وعلى أيّ حال مهما كانت الأغراض والدوافع التي دفعت للاستشراق ، فإنّ الاستشراق شيء ، والمستشرقين شيء آخر .
وبناءً على ما تقدّم نحن نعتقد بضرورة معرفة حقائق المستشرقين ، وندعو الباحثين إلى ذلك من خلال دراسة تاريخ الغرب وأحوال أممه ، ودراسة ما كتبه المستشرقون من كتب أو مقالات حول الإسلام ، والتشيّع والأئمّة المعصومين ( عليهم السلام ) ، ووضعها في متناول الجميع