عربي
Wednesday 1st of May 2024
0
نفر 0

مظاهر من شخصیة الإمام الرضا (ع)ــ 1

مظاهر من شخصیة الإمام الرضا (ع)ــ 1

لقد کانت شخصیّة الإمام الرضا (ع) ملتقی للفضائل بجمیع أبعادها و صورها، فلم تبق صفة شریفة یسمو بها الإنسان إلّا و هي من نزعاته، فقد وهبه الله کما وهب آباءه العظام و زینّه بکل مکرمة، و حباه بکل شرف و جعله علما لأمّة جده، یهتدي به الحائر، و یسترشد به الضال، و تستنیر به العقول.

 

 

مکارم الأخلاق:

قال ابراهیم بن عباس عن مکارم أخلاق الإمام (ع):

« ما رأیت، و لا سمعت بأحد أفضل من أبي الحسن الرضا (ع)، ما جفا أحدا قط ، و لا قطع علی أحد کلامه ، و لا ردّ أحدا عن حاجة ، و ما مدّ رجلیه بین جلیسه، ولا اتکأ قبله ، و لا شتم موالیه و ممالیکه، و لا قهقة في ضحکة ، و کان یجلس علی مائدته ممالیکه و موالیه ، قلیل النوم باللیل ، یحیي أکثر لیالیه من أوّلها الی آخرها، کثیر المعروف و الصدقة، و أکثر ذلک في اللیالي المظلمة». (1)

و من معالي أخلاقه انه کما تقلد ولایة العهد التي هي أرقي منصب في الدولة الإسلامیة لم یأمر أحدا من موالیه و خدمه في الکثیر من شؤونه وإنّما کان یقوم بذاته في خدمة نفسه، حتی قیل: إنه احتاج الی الحمام فکره أن یأمر أحدا بتهیئته له، و مضی إلی حمّام في البلد لم یکن صاحبه یظن أن ولي العهد یأتي الی الحمّام في السوق فیغسل فیه ، وإنما حمامات الملوک في قصورهم .

ولما دخل الإمام الحمّام کان فیه جندي ، فأزال الإمام عن موضعه، وأمره أن یصب الماء علی رأسه ، ففعل الإمام ذلک، و دخل الحمام رجل کان یعرف الإمام فصاح بالجندي هلکت، أتستخدم ابن بنت رسول الله (ص)!؟ فذعر الجندي، ووقع علی الإمام یقبل أقدامه، و یقول له متضرّعا:

« یا ابن رسول الله ! هلّا عصیتني إذ أمرتک؟».

فتبسم الإمام في وجهه و قال له ، برفق و لطف:

« إنها لمثوبة ، و ما أردت أعصیک فیما أثاب علیه ». (2)

 

زهده:

ومن صفات الإمام الرضا (ع) الزهد في الدنیا، و الاعراض عن مباهجها و زینتها، وقد تحدث عن زهده محمد بن عباد حیث قال: کان جلوس الرضا علی حصیرة في الصیف، و علی مسح ( الکساء من الشعر) في الشتاء، ولباسه الغلیظ من الثیاب حتی إذا برز للناس تزیا. (3)

والتقی به سفیان الثوري ــ و کان الإمام قد لبس ثوبا من خزــ فأنکر علیه ذلک و قال له : لو لبست ثوبا ادنی من هذا. فأخذ الإمام (ع) یده برفق ، و أدخلها في کمّه فإذا تحت ذلک الثوب مسح، ثم قال له :

« یا سفیان ! الخزّ للخلق ، و المسح للحق...». (4)

وحینما تقلّد ولایة العهد لم یحفل بأی مظهر من مظاهر السلطة، ولم یقم لها أي وزن ، و لم یرغب في أي موکب رسمي، حتی لقد کره مظاهر العظمة التي کان یقیمها الناس لملوکهم.

 

سخاؤه:

ولم یکن شيء في الدنیا أحب الی الإمام الرضا(ع) من الإحسان الی الناس و البر بالفقراء. وقد ذکرت بوادر کثیرة من جوده و إحسانه، و کان منها ما یلي:

1ـ أنفق جمیع ما عنده علی الفقراء، حینما کان في خراسان، وذلک في یوم عرفة فأنکر علیه الفضل بن سهل، و قال له : إنّ هذا لمغرم ....

فأجابه الإمام (ع):« بل هو المغنم لا تعدّنّ مغرما ما ابتغیت به أجرا و کرما ». (5)

2ـ و کان إذا أتی بصفحة طعام عمد الی أطیب ما فیها من طعام، ووضعه في تلک الصفحة ثم یأمر بها الی المساکین ، و یتلو قوله تعالی : ( فلا اقتحم العقبة ) ثم یقول:« علم الله عزّوجل أن لیس کل إنسان یقدر علی عتق رقبة فجعل له السبیل الی الجنة ». (6)

3ـ وروي: « أن فقیرا قال له : أعطني علی قدر مروّتک .

فأجابه الإمام (ع): « لا یسعني ذلک».

والتفت الفقیر الی خطأکلامه فقال ثانیا: اعطني علی قدر مروّتي.

وهنا قابله الإمام (ع) ببسمات فیّاضة بالبشر قائلا له : اذن نعم.

ثم قال:« یا غلام ! أعطه مائتی دینار». (7)

 

تکریمه للضیوف:

کان (ع) یکرم الضیوف، ویغدق علیهم بنعمه و احسانه و کان یبادر بنفسه لخدمتهم ، وقد استضافه شخص، و کان الإمام یحدثه في بعض اللیل فتغیّر السراج فبادر الضیف لاصلاحه فوثب الإمام،وأصلحه بنفسه،وقال لضیفه:« إنّا قوم لا نستخدم أضیافنا». (8)

 

عتقه للعبید:

ومن أحب الامور الی الإمام الرضا (ع) عتقه للعبید، وتحریرهم من العبودیة، و یقول الرواة: انه اعتق ألف مملوک. (9)

 

علمه:

و الشيء البارز في شخصیة الإمام الرضا (ع) هو احاطته التامة بجمیع أنواع العلوم و المعارف، فقد کان باجماع المؤرخین و الرواة اعلم أهل زمانه، و افضلهم و ادراهم باحکام الدین، و علوم الفلسفة و الطب و غیرها من سائر العلوم، و قد تحدّث عبدالسلام الهروي عن سعة علومه، وکان مرافقا له، یقول: « ما رأیت اعلم من علي بن موسی الرضا ، ما رآه عالم إلا شهد له بمثل شهادتي، و لقد جمع المأمون في مجالس له عددا من علماء الادیان، و فقهاء الشریعة و المتکلمین، فغلبهم عن آخرهم حتی ما بقي منهم أحد إلا أقرّ له بافضل، و اقرّ له علی نفسه بالقصور، و لقد سمعته یقول : کنت أجلس في (الروضة) و العلماء بالمدینة متوافرون فاذا عیّ الواحد منهم عن مسألة أشاروا الیّ بأجمعهم، وبعثوا اليّ بأجمعهم ، و بعثوا اليِّ المسألة فاجیب عنها...». (10)

قال ابراهیم بن العباس:« ما رأیت الرضا یسأل عن شيء قط إلاعلم و لا رأیت اعلم منه بما کان في الزمان الأول، الی وقته و عصره ، وکان المأمون یمتحنه بالسؤال عن کل شیء فیجیبه الجواب الشافي». (11)

قال المأمون:« ما أعلم احدا افضل من هذا الرجل ــ یعني الإمام الرضا ــ علی وجه الارض...». (12)

 

عبادته و تقواه:

و من ابرز ذاتیات الإمام الرضا (ع) انقطاعه الی الله تعالی ، و تمسّکه به، و قد ظهر ذلک في عبادته ، التي مثلت جانبا کبیرا من حیاته الروحیة التي هي نور، و تقوی وورع ، یقول إبراهیم بن عباس فی حدیث:«... کان (ع) قلیل النوم باللیل ، کثیر السهر، یحیي أکثر لیالیه من أوّلها الی الصبح و کان کثیر الصیام فلا یفوته صیام ثلاثة أیام في الشهر...». (13)

و یقول الشبراوي عن عبادته : إنه کان صاحب وضوء و صلاة، وکان في لیله کلّه یتوضّأ و یصلّي، ویرقد هکذا الی الصباح. (14)

لقد کان الإمام (ع) أتقی أهل زمانه، وأکثرهم طاعة لله تعالی. لقد سری حب الله في قلبه ، و تفاعل في عواطفه و مشاعره حتی صار من خصوصیات شخصیّته.

 

تسلّحه بالدعاء:

ومن مظاهر حیاة الإمام الروحیة تسلحه بالدعاء الی الله و التجاؤه إلیه في جمیع أموره، و کان یجد فیه متعة روحیة لا تعادلها أیة متعة من متع الحیاة.

وأثرت عن الإمام الرضا(ع) کوکبة من الأدعیة الشریفة کان من بینها ما یلي:

1ـ قال (ع):« یا من دلّنی علی نفسه، وذلّل قلبی بتصدیقه، أسألک الأمن و الإیمان في الدنیا و الآخرة ...». (15)

2ـ و قال (ع):« اللهم أعطنی الهدی و ثبتنی علیه ، واحشرنی علیه آمنا ، أمن من لا خوف علیه ، ولا حزن ولاجزع إنک أهل التقوی، وأهل المغفرة...».(16)

لقد دعا الإمام (ع) بطلب الهدایة، و الإنقیا الکامل الی الله الذي هو من أعلی درجات المقربین و المنیبین إلی الله تعالی.

 

 

المصدر: کتاب اعلام الهدایة

 

...............................................

الهامش:

1ـ عیون اخبار الرضا: 1 / 184 و عنه في بحار الأنوار: 49 / 90 ،91 و عنه في حیاة الإمام الجواد (ع) للقرشي: 35.

2ـ نور الأبصار: 138 ، عیون التواریخ: 3 / 227 مصور.

3ـ عیون أخبار الرضا: 2 / 178 ، المناقب 4 / 389.

4ـ المناقب: 4 / 389 ـ 390.

5ـ المناقب: 4 / 390.

6ـ المحاسن للبرقي: 2 / 146 ، ح 20 و عنه في بحار الأنوار: 49 / 97 ، ح 11.

7ـ مناقب آل أبي طالب: 4 / 390.

8ـ الکافي: 6 / 283 و عنه في بحار الأنوار: 49 / 102، ح 20.

9ـ التحاف بحب الاشراف: 58.

10ـ اعلام الوری: 2 / 64 و عنه في کشف الغمة: 3 / 106 ـ 107 و عنها في بحار الأنوار:49 / 100.

11ـ عیون أخبار الرضا: 2 / 180، الفصول المهمة: 251.

12ـ الإرشاد: 2 / 261.

13ـ بحار الأنوار: 49 / 91 عن عیون أخبار الرضا: 2 / 184.

14ـ الاتحاف بحب الاشراف: 59.

15ـ اصول الکافي: 2 / 579.

16ـ أعیان الشیعة: 4 / ق 2 / 197.

 


source : www.aban.ir
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ما هي حقيقة آيه الرجم ؟
الملائكة من أعوان المهدي وأنصاره أيضا
الاعلام في ثورة الامام الحسين عليه السلام
السيدة فاطمة (ع) تجسد البنت الكاملة والزوجة ...
كلمات في حق علي الأكبر (ع)
مصحف الإمام علي(عليه السلام)
للرجعة احکام
الأديان وتطور الوعي
زينب في الشام
أهمية التربية في الإسلام

 
user comment