ولدت الدكتورة مونتسدات بمدينة " برشلونة " في أسبانيا(1)، وترعرعت في أحضان عائلة مسيحية.
تشرّفت باعتناق مذهب أهل البيت (عليهم السلام) خلال عقد الثمانينيات في بلادها، وتسمت بإسم " زينب " لإعجابها بالسيدة زينب بنت الإمام عليّ (عليه السلام) .
مرحلة الضياع الفكري والفراغ الديني:
تقول الدكتورة مونتسدات: " قبل أن أهتدي للإسلام كنت أشعر دائماً بأنّ شيئاً ما ينقصني، وكنت أحس بوجود حجب وموانع تمنعني من التقدم والتكامل، وتعيقني من التقرب إلى الله الذي كنت أعتقد به على ضوء الديانة المسيحية.
وكانت أمنيتي أن أتخلص من هذه الحجب، لأنّ النظرة المسيحية لله تعالى لم تكن مقنعة بالنسبة لي، ولم أكن أتقبل مسألة التثليث، وربوبية عيسى (عليه السلام) !
فكنت دوماً أعيش في حيرة من أمر معتقداتي وأفكاري، وكانت هذه
____________
1- أسبانيا: تقع في الجنوب الغربي من قارة أوربا، يبلغ عدد سكانها قرابة (40) مليون نسمة، يدين أغلبهم بالمسيحية الكاثوليكية الرومانية.
|
الصفحة 2 |
|
غموض عقيدة التثليث عند النصارى:
في الحقيقة أنّ الباحث يجد أنّ الاضطراب سمة واضحة في تفسير المسيحيين لعقيدتهم في التثليث! ولايخرج المتأمل في أقوالهم بنتيجة تذكر، وإليك بعض الأمثلة على ذلك:
1 ـ يقول " إكلمينص " مدير مدرسة اللاهوت بالاسكندرية ـ القرن الثاني الميلادي ـ: " ليس كل أقنوم عين الآخر، ومع ذلك فإنّ الأقانيم ليسوا ثلاث ذوات، بل هم ذات واحدة، لأنّ جوهرهم واحد وهو اللاهوت "(1).
2 ـ يقول " آموري بين " ـ القرن الثالث عشر الميلادي ـ: " الأقانيم الثلاثة ليست هي الله، بل هي كائنات سامية خلقها الله أوّلا، لتقوم بتنفيذ أغراضه "(2).
3 ـ يقول " ديونسيوس " بطريرك الاسكندرية ـ القرن الرابع الميلادي ـ: " الأب والإبن والروح القدس هم الله، لأنّ الله لاينقسم أو يتجزأ على الإطلاق... لذلك لاينفصل أقنوم عن الآخر بأيّ حال من الأحوال "(3).
فهذه آراء وتفاسير بعض أعلام النصارى حول عقيدة التثليث وطبيعة الأقانيم، وتوجد آراء أخرى لاتتفق معها بحال من الأحوال، قد خبطوا فيها خبط عشواء.
وتقول الدكتورة مونتسدات: " كانت لي صديقة أسبانية مثقفة وواعية التجأت إليها لحلّ الأسئلة والاستفسارات التي كنت أعاني منها في معرفة
____________
1- أنظر: المسيح في القرآن: 334.
|
الصفحة 3 |
|
2- المصدر نفسه.
3- المصدر نفسه: 333.
آراء بعض النصارى حول تسامح المسلمين:
قد شهد عدد من رجالات المسيحيين بسماحة المسلمين وحسن تعاملهم مع غيرهم من أهل الأديان الأخرى، وكان منهم:
1 ـ " الكونت هنري دي كاسترو " حيث ذكر في كتابه (الإسلام سوانح وخواطر): " لقد درست تاريخ النصارى في بلاد الإسلام، فخرجت منه بحقيقة مشرقة، وهي أنّ معاملة المسلمين للنصارى تدلّ على لطف في المعاشرة، وترفّع عن الغلظة، وعلى حسن مسايرة، ورقة ومجاملة، وهذا إحساس لم يؤثر عند غير المسلمين، فإنّ الشفقة والحنان كانا يعتبران لدى الأُوربيين عنواناً على الضعف، وهذه ملاحظة لا أرى وجهاً للطعن فيها "(1).
2 ـ المستشرق " أرنولد " الذي قال: " من الحق أن نقول: إنّ غير المسلمين نعموا في ظل الحكم الإسلامي بدرجة من التسامح لا نجد معادلا لها في أُوربا قبل الأزمنة الحديثة "(2).
3 ـ وقال " غوبينو " في كتابه (أديان آسيا الوسطى وفلسفتها): " أقول إلى حدّ الجزم: بأن لادين يضاهي الإسلام في التسامح "(3).
____________
1- أنظر: التعصب والتسامح بين المسيحية والإسلام: 210.
|
الصفحة 4 |
|
2- أنظر: تعدد الاديان وأنظمة الحكم لجورج قرم: 537.
3- المصدر نفسه: 238.
4 ـ وقال بطريرك بيت المقدس: " إن المسلمين قوم عادلون، ونحن لانلقى منهم أي أذى أو تعنّت "(1).
تعامل المسيحيين مع المسلمين في القرون الوسطى:
إنّ الناظر للتاريخ يجد تعامل بعض المسيحيين مع المسلمين يباين ويخالف تماماً الروح الإنسانية، خصوصاً في المناطق التي خضعت للنفوذ المسيحي في القرون الوسطى، فقد ارتكب المسيحيون مجازر رهيبة مع المسلمين، واستخدموا أساليب وحشية كانت وما تزال وصمة عار وخزي في تاريخ الكنيسة وزعامتها الدينية!.
فقد حفظ التاريخ في سجلاته قصص الموت الرهيب التي يتحاشاها أكثر المؤرخين والباحثين المسيحيين، ويمرون بها مروراً عابراً وسريعاً بإعتبارها حقبة سوداء في تاريخهم(2)، ولكن مع ذلك قد سجّل بعضهم هذه الأحداث الفظيعة التي جرت على المسلمين، كان منهم:
1 ـ " غوستاف لوبون "، حيث يقول: " كان بطرس الناسك على رأس أهم العصابات الزاحفة إلى الشرق، ولكن لم تكد تصل إلى بلغاريا حتى بدأ أفرادها ينهبون القرى، ويذبحون أهاليها، ويأتون ما يفوق الوصف من الأعمال الوحشية، فكان من أجنّ ضروب اللهو إليهم قتل من يلاقونهم من الأطفال المسلمين، وتقطيعهم إرباً إرباً وشيّهم!! كما روت (آن كومنين) إبنة قيصر الروم "(3).
2 ـ " الراهب روبرت "، حيث يقول: "... أحضر (يوهيمند) جميع الذين أعتقلوا في برج القصر، فأمر بضرب رقاب عجائزهم وشيوخهم وضعافهم،
____________
1- أنظر: تاريخ العلاقات بين الشرق والغرب في العصور الوسطى للدكتور سعيد عاشور: 19. 2- أنظر: قصة الأديان: 415، في خطى محمّد: 219.
|
الصفحة 5 |
|
3- أنظر: حضارة العرب: 323.
وأضاف أيضاً: " حدث قتل المسلمين في يوم الأحد المصادف 16 ديسمبر، وإذا لم يكن إنجاز كل شيء في ذلك اليوم، قتل قومنا ما بقي من أولئك في اليوم التالي! "(2).
والجدير بالذكر: يقدّر كثير من العلماء عدد المسلمين الذين قتلوا وذبحوا وأحرقوا منذ دخل " فرديناند " غرناطة، وحتى أجلاءهم الأخير بثلاثة ملايين مسلم(3)، ولقد شن هؤلاء حرباً ـ يزعمون أنّها مقدسة ـ باركها ودعمها رجال الكنيسة بشتى الصور! لاستئصال شأفة الإسلام والمسلمين، ولكنهم فشلوا مع ذلك في تحقيق أغراضهم.
وقد أقر بذلك المبشّر " غاردنر " بقوله: " لقد خاب الصليبيون في إنتزاع القدس من أيدي المسلمين، ليقيموا دولة مسيحية في قلب العالم الإسلامي، والحروب الصليبية لم تكن لإنقاذ هذه المدينة، بقدر ما كانت لتدمير الإسلام "(4).
التحرّر من التيه المظلم:
تقول الدكتورة مونتسدات: " لقد كنت أحمل نظرة مشوهة عن المسلمين، شأني في ذلك شأن بقية الأوربيين بشكل عام! إلاّ أنّ انكشاف الحقائق وتعرفي على بعض الوقائع التاريخية من قبل صديقتي، غيّرا كل ذلك.
واستمرت اللقاءات بيني وبين صديقتي، وبمرور الزمان إزدادت معرفتي
____________
1- المصدر نفسه: 325.
|
الصفحة 6 |
|
2- المصدر نفسه: 332.
3- أنظر: تعدد الأديان وأنظمة الحكم لجورج قرم: 169.
4- أنظر: التبشير والاستعمار للدكتور عمر فروخ: 115.
ومن العجب! أن يدّعي النصارى أنّ النبيّ عيسى (عليه السلام) هو الأب ـ الذي هو الخالق عندهم ـ في حين أننا نجد أنّ الإنجيل يقرّر حقيقة كونه رجلاً مخلوقاً قد منّ الله عليه بالكرامة، حيث يؤكد بطرس ذلك بقوله: " يا بني إسرائيل، أسمعوا هذا الكلام: إنّ يسوع الناصري رجل أيده الله بمعجزات وعجائب أجراها على يده بينكم، كما تعلمون "(1).
لكنهم يناقضون أنفسهم بأنفسهم! لأنّ أي شخص ولدته أمّه لايمكن أن يكون إلهاً، وهذا ما يقول به الإنجيل أيضاً(2)، ونبيّ الله عيسى (عليه السلام) أمهُ السيدة مريم بنت عمران، فأين إلوهيته من هذا القول؟!
وتناقضاتهم بوصفهم لعيسى (عليه السلام) تارة بـ (ابن الإنسان)! وأخرى بـ (ابن الله)!، حيث جاء وصفه بأنّه ابن الإنسان 83 مرّة، وأنّه ابن الله 13 مرّة في العهد الجديد!.
وفي الحقيقة أنّ النبيّ عيسى (عليه السلام) مبعوث من قبل الله تعالى، والإدعاء بأنّه ربّ أو شريك له يفنده الواقع، وقد أبطله عيسى (عليه السلام) بنفسه عندما أقرّ بعدم علمه بيوم القيامة، حيث جاء في الإنجيل عنه (عليه السلام) : " وأمّا ذلك اليوم وتلك الساعة فلا يعلم بهما أحد، لا الملائكة الذين في السماء ولا الإبن إلاّ الأب "(3).
____________
1)أنظر: التفسير التطبيقي للكتاب المقدس: 3273، أعمال الرسل: 2 / 22.
|
الصفحة 7 |
|
2)أنظر: التفسير التطبيقي للكتاب المقدس: 1106، أيوب: 25 / 4 ـ 6.
3- أنظر: التفسير التطبيقي للكتاب المقدس: 2033، مرقس: 13 / 32.
الكنيسة وطقوسها المبهمة:
تقول الدكتورة مونتسدات: " بدأت تتضح لي الحقائق أكثر فأكثر يوماً بعد آخر، وبقدر ماكانت تتسع مطالعاتي ومناقشاتي كنت أصل إلى حلول مقنعة للأسئلة والاستفسارات في خلدي من مسائل واستفسارات.
كما تبيّن لي أنّ العقيدة الإسلامية عقيدة سهلة سمحاء، لا يشوبها ذلك التعقيد الذي تلبست به المسيحية ".
وقد أقرّ بهذا التعقيد المسيحيون أنفسهم!
إذ يقول " رونالد بنتون " صاحب كتاب (الكنيسة من النشوء إلى القرن العشرين): " وتكاد تكون أكثر الأديان السماوية والوضعية تعقيداً، وقد علّمها عيسى (عليه السلام) ديناً بسيطاً سهلا، ولكن التعقيد طرأ عليها بعد ذلك، حتى أصبح عسيراً جداً فهم كثير من مبادئها، وحتى أصبح غموضها طبيعة واضحة فيها.
ويقول أيضاً: إنّ المسيحية بدأت بسيطة ولكن الناس عقّدوها بعقائد صعبة عصفت بها "(1).
ولكثرة تعقيد المسيحية أصبحت لاتوضّح مقصوداً، فهي عبارات وفقرات إنشائية غامضة لا أكثر!، وخلاصة القول بخصوص العقيدة المسيحية في التثليث كما يقول القس وهيب عطا الله: " إنّ التجسيد قضية فيها تناقض مع العقل والمنطق والحس والمادة والمصطلحات الفلسفية، ولكننا نصدّق ونؤمن أنّ هذا ممكن حتى ولو لم يكن معقولا! "(2).
____________
1- أنظر المسيحية لأحمد شلبي: 21.
|
الصفحة 8 |
|
2- طبيعة السيد المسيح: 18.
انتشال النفس من الأوهام:
ومن هذا المنطلق تقول الدكتورة مونتسدات: " اعتنقت الإسلام عن وعي وبصير، فأحسست بعد ذلك بالراحة النفسية عندما لامست روحي شفافية هذا الدين، المتجلية في عقيدته السمحاء، وعبادته التي تنمي الروح الخيرة المحبّة الصادقة في الإنسان، فتغيرت نظرتي للمجتمع وللكون والحياة تبعاً لذلك، وإنّي أحمد الله تعالى إذ هداني للدين الحقّ، وأنقذني من ظلمات الشرك والظلال ".