عربي
Friday 22nd of November 2024
0
نفر 0

سعید السامرائی - العراق – حنفی

سعید السامرائی - العراق – حنفی

لد فی مدینة سامراء بالعراق فی منتصف الخمسینیات، ونشأ فی عائلة تنتمی إلى المذهب الحنفی، لکنه لم یخضع للتمیّز المذهبی ولم یتعصّب فی الانتماء المذهبی، بل مال حیثما أملت علیه الأدلة والبراهین التی حصل علیها بالبحث، فتشیّع فی منتصف العشرینیات من عمره بعد اتمامه للدراسة الجامعیة، ثم هاجر إلى خارج العراق تخلّصاً من النظام البعثی المتسلّط على زمام الحکم، وهو حالیاً مقیم فی لندن.

سبیل معرفة العقیدة الحقة:
یرى الدکتور سعید أن هناک طریقان لمعرفة العقیدة الحقة، أوّلها یوصل إلیها والآخر قد یوهم بذلک.
أمّا الأول: فهو معرفته بعد اعمال الفکر وتدقیق النظر.
وأما الثانی: فهو بتقلید من تعتقد بعدالتهم. وهذا قد یوصلک إلى الحق إن کان من تتبع آراءهم وأحوالهم وأفعالهم على الحق، وقد یضلک إن کانوا غیر ذلک، فإنک ستبقى على اعتقادک بأنک على الحق وهو التوهم، ویکون وصفک إذ ذاک على ما جاء به التنزیل (یَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ یُحْسِنُونَ صُنْعاً) (1) (إلاّ أنّهم هم المفسدون ولکن لا یشعرون) (2).
أما الأول فهو الذی وصفه علی أمیر المؤمنین (علیه السلام) عندما أجاب السائل عن الطائفة المحقة یوم الجمل، فلم یقل الامام "أنا على الحق" ولو قالها لکان صادقاً، بل قال: "اعرف الحق تعرف أهله".
ویرى الدکتور سعید بإن الانسان الباحث إذا کان من النوع الأول فإن مطالعته للکتب الصحیحة والحقه ستکون ذا فائدة، وأما إن کانت من الثانی وکان قبلُ من غیر المؤمنین بما جاء به الکتاب الذی یطالعه، فسیجد نفسه مکتئبة وصدره ضیقاً حرجاً مما یقرأ، لأنه یقرأ عبارات تبیّن الحقائق ویقرأ نصوصاً جلیة واضحة تلوی الأعناق، فإمّا أن یفزع إلى تکذیبها، وهذا دیدن الضعیف الذی بهت أمام الحق فلا یدری جواباً فیلوذ بالأوهام وأما أن یأخذ الله بیده فیمرّ بحالة الطفرة فیغیّر منهجه ویتغلّب على نفسه.

تحذیره من الوقوع ضحیة الطائفیة:
یرى الدکتور سعید السامرائی أن الطائفیة هی من أهم الموانع لمعرفة الحق وهی من أهم العقبات التی تحول دون توجه الانسان إلى البحث أو قبول الحق إذا تبیّن له.
ویصف الدکتور سعید الطائفیة بأنّها مشاعر فی القلوب، اسست على تاریخ قوامه الزیف، وتعلیم کلّه جهل وتجهیل، وتنشئة تقوم على الضغینة والنفاق، ودعم سیاسی لحکام متسلّطین دافعها تفریق الأمة لیسهل قیادها.
وباللغة الواضحة: فإن الطائفیة هی شعور السنی، أی سنی بالضغینة تجاه الشیعی، أی شیعی، لأن الأخیر لا یحب أئمته وبدون سبب أو غیر ذلک، أو هی شعور الشیعی بأنّ السنی لا یحب أئمته وأنه یحب الظالمین وأنه عون للظالمین علیه، بلا تحقیق ولا تدقیق ولا تفریق بین من یقف مع الظالم ممن ثار علیه.
ویضیف الدکتور سعید: الطائفی إذن، هو الشخص الذی یحمل بین جنباته تلک المشاعر المرّة المبنیّة على أسس واهیة مبنیة على جهل الأهل والمربین أو التوجیه الخبیث للحکام المتسلّطین أو کلیهما. وبعده، فالطائفی هو الذی یقف مواقف غیر صحیحة، إما بوعی أو بدون وعی بناءً على هذه المشاعر.

أهم اسباب اقتناعه بالتشیع:
توجه الدکتور سعید من هذا المنطق الموضوعی والبنّاء إلى قراءة تراث الشیعة، فیقول فی هذا الصدد: لم اعجب بقلم کإعجابی بقلم السید عبدالحسین شرف الدین الموسوی العاملی رحمه الله، وعلى الرغم من أن کتبه کانت من أوائل الکتب التی قرأت فی طریق التعرّف على مذهب أهل البیت (علیهم السلام)، لم تترک بعدها أیة بحوث أخرى فیّ ذلک التأثیر الذی ترکته بحوث السید شرف الدین، ولئن کان قلمه الساحر یمثل جزءاً کبیراً من ذلک التأثیر فإنّ التأثیر الأکبر کان لمنهجه فی البحث الذی یأخذ بالألباب ویشدّها أکثر فاکثر کلما تدرجت فی القراءة التی لابد وأن تکون متصلة بلا توقف مهما کانت المشاغل!
ویضیف الدکتور سعید: وقد عُرف عن السید شرف الدین جهاده المتواصل من أجل التقریب بین اتباع الدین الواحد والمذاهب المتعددة، وکان منهجه فی ذلک إثارة المشکلة وطرحها للبحث العلمی للوصول إلى الجواب الذی لا مفرّ منه ولا اشکال فیه، مما یزیل الأدران من القلوب ویحطّم ما یشاع هنا وهناک من مفتریات الغایة منها توسیع الفجوة بین المسلمین، وهذا المنهج، برأی خیر ألف مرة من ذاک المنهج الذی یدعو إلى تناسی المشکلة وکأنها غیر موجودة.

الانقلاب فی الاعتقاد:
فی نهایة مطاف بحث الدکتور سعید فرضت الأدلة والبراهین نفسها علیه، فلم یجد بُداً سوى الاستسلام للأمر الواقع والإذعان للحق.
ویصف الدکتور سعید حالة الانقلاب فی الاعتقاد قائلا: إن الانقلاب فی الاعتقاد حین یحدث یشیر إلى عدة صفات، هی ولا فخر:
أولا: إن صاحبه لا یحمل الانحیاز الناتج عن التعلیم منذ الصغر والنشأة، لأنّ ما تعلمه أنذاک قد انقلب علیه، فما کان فی قلبه بفعل التعلیم والتنشئة قد زال.
ثانیاً: أن صاحبه منفتح لقبول الرأی الآخر، ولولا ذاک ما انقلب على رأیه وقبل الرأی الآخر، وخصوصاً فی موضوع العقیدة.
ثالثاً: أن صاحبه یبحث عن الحق، ولا یترک الأمر کما تربّى علیه دون تمحیص وتقلیب.
رابعاً: أن صاحبه لا تعوزه الرغبة فی خدمة الحق، إلاّ فأی فائدة دنیویة یحصل علیها من یتشیّع؟! ولا یتشیع أحد إلاّ ویکون قد اقتنع من خلال قراءاته وتنقیباته فی بطون التاریخ، لأن الدنیا لم تزل مدبرة على الشیعة منذ القرن الأول الهجری، وأن الشیعة لا یزالون مرامی للنبال ومطاعن للرماح واجساداً للسجن والصلب والقتل والدفن أحیاء والتشرید والتنکیل.
ویقول الدکتور سعید حول اعتناقه لمذهب أهل البیت (علیهم السلام) : أنی لم اتشیّع فی لندن أو باریس أو نیویورک والشیعی فی مأمن، بل تشیّعت وأنا فی بغداد معقل العفالقة وطاغوتهم صدام حیث لا یجد الشیعی غیر السجن والتشرید والتهجیر والقتل والملاحقة.
وأضیف أیضاً، بأنی تشیعت فی قمة الاضطهاد الصدامی للشیعة، وذلک فی أواخر السبعینات وأوائل الثمانینات، فلم یکن هناک فی الحسبان دنیا، کما لم یکن هناک ترفاً فکریاً فی الأمر.

مؤلفاته:
(1) "حجج النهج، المختار من نهج البلاغة":
صدر سنة 1407هـ ـ 1987م عن مؤسسة الفجر، بیروت.
یقول المؤلّف فی المقدمة: "لقد قمت باختیار کل النصوص التی لها علاقة بموضوعین، أو بالاحرى طرفی موضوع واحد، أحدهما علة للآخر، فالأول هو تفضیل الإمام على معاصریه أجمعین والنص علیه والوصیة إلیه من قبل النبی(صلى الله علیه وآله)، وهذا سبّب أن یکون هو خلیفة النبی(صلى الله علیه وآله) بعده مباشرة وهو الموضوع الثانی. لذا فانک قد تجد فی المختار خطبة للامام فی حرب صفین وتجد بعدها أو قبلها کلام له (علیه السلام) مع شخص سأله وهما جالسان فی هدوء، وذلک لأنّ قاسمهما المشترک قد یکون ذکره الوصیة فی المقامین، أعنی انه وصی رسول الله(صلى الله علیه وآله)، وهکذا فی غیرها من النصوص المختارة، کما تضمن المختار ما هو أشمل من ذلک، وهو ذکر الأئمة من أهل البیت (علیهم السلام) الذین لا یمثل الامام علی (علیه السلام) إلا أولهم وإن کان عظیمهم...
یتألف الکتاب بعد المقدمة من أربعة أبواب:
الباب الأول: ماذا یجد من یقرأ نهج البلاغة.
الباب الثانی: المختار من الخطب والکتب والمواعظ والکلمات وشرحها والمواضیع ذات العلاقة.
الباب الثالث: ملحق المختار ویقع فی فصول، منها: مناقب وصفات الامام، الوصیة والنص والتفضیل، دفع الأمیر (علیه السلام) عن حقّه فی الخلافة بعد رسول الله(صلى الله علیه وآله)بلا فصل، الشورى، عائشة واتباعها ویوم الجمل، معاویة وعمرو وصفین، المبغضون والمنحرفون.
الباب الرابع: مصادر المختار عن کتاب مصادر نهج البلاغة لعبدالله نعمة، ویقع فی ثلاثة فصول، وهی تشتمل على مصادر بعض الخطب والکلام للمختار منها وبعض المختار من الکتب والرسائل وبعض المختار من أجوبة المسائل والکلام القصیر.
(2) "الطائفیة فی العراق، الواقع والحل":
صدر سنة 1413هـ ـ 1993م عن مؤسسة الفجر، لندن.
جاء فی تعریف هذا الکتاب بقلم المؤلف:
"لما کنت معتقداً ومقتنعاً بأن أغلب أهل السنّة ما وقفوا هذا الموقف المؤسف إلاّ بسبب العقد الطائفیة التی تربّوا علیها ونشأوا تحت ضغطها، فإن الواجب تجاه العراق أولا، والعراقیین بشکل عام ثانیاً، والسنّة المحکومین بهذه العقد ثالثاً، والشیعة العراقیین المظلومین رابعاً، هو الذی دفعنی لأن أصنف هذا الکتاب عسى أن یکون فیه تبیاناً للسّنّی حقیقة الموقف المؤسف الذی وقفه، والموقف الصحیح الذی یجب أن یکون علیه، وتبیاناً للشیعی حقیقة الدوافع وراء هذا الموقف الذی یقفه سنّة العراق عموماً، وواجبه تجاه ذلک".
وینقسم هذا الکتاب إلى مقدمة وأربعة أبواب، وفی کل باب بضعة مقالات وخلاصة. وهذه الأبواب هی عبارة عن:
1 ـ هل فی العراق مشکلة طائفیة؟
2 ـ العقد الطائفیة.
3 ـ على طریق الحل.
4 ـ الاسلامیون داخل مثلث المبادىء وحضور الماضی والواقع المفروض.
(3) "صدام وشیعة العراق":
صدر سنة 1991م عن مؤسسة الفجر، لندن.

الطائفیة:
لیست الطائفیة حزباً لوجود أحزاب مؤلفة من أفراد من طوائف مختلفة..
ولیست شعاراً لأن الطائفی یخجل من رفعها شعاراً، بل هو ینفی وجودها عنده..
کما أنا لیست طریقة حیاة، لأن الطائفی وضحیة طائفیته یعیشون فی بیوت متجاورة فی منطقة واحدة ویلبسون ملابس متشابهة، ویذهبون إلى أعمال متشابهة، وفی نفس أماکن العمل، ویذهب أولادهم إلى نفس المدارس، بل ویدعو بعضهم بعضاً فی مناسبات دینیة کإفطار رمضان وغداء العید مع أن الطائفیة أسست أصلا فی إطار دینی ـ سیاسی، ومع أن هذه المناسبات تعنی أن الجمیع ینتمون إلى دین واحد أمر بالوحدة ونهى عن التفرق..
الطائفیة هی مشاعر فی القلوب، أسست على تاریخ قوامه الزیف، وتعلیم کله جهل وتجهیل، وتنشئة تقوم على الضغینة والنفاق، ودعم سیاسی لحکام متسلطین دافعه تفریق الامة لیسهل قیادها.
وتصل مشاعر الطائفی إلى نقطة اللاعودة عندما یحکم على الآخرین بالخسران المبین، ولا یعود هناک فی نظره فائدة، ولا أجر أو ثواب من الانفتاح علیهم والتواصل معهم، اللهم إلاّ فی المستوى الخارجی المنافق وحسب ما تقتضیه مصالحه التجاریة أو الوظیفیة أو غیرها. کیف لا والتعلیم الطائفی یصل بالناس إلى درجات سافلة جداً من التفکیر حتى یظن السنّی بأن الشیعة یمسخون إلى خنازیر (أو ثعالب حسب قول جدتی رحمها الله)! وهذا لیس من قبیل المزاح لأنه مؤسس على تعلیم وتنشئة،
ولعل هذا هو السبب الذی یجعل بعض الإسلامیین السّنّة یتجنبون لقاء نظرائهم من الشیعة، لأن المسلم الحقیقی یتقرّب إلى الله تعالى بمعاداة أعدائه والبراءة منهم، ولما کان الشیعة بنظر البعض أعداء لله ورسوله(صلى الله علیه وآله)، فإن مفارقتهم وعدم اللقاء بهم یرجى منه الأجر والثواب، ولا حول ولا قوة إلاّ بالله العلیّ العظیم.

الطائفی:
فالطائفی إذاً، هو الشخص الذی یحمل بین جنباته تلک المشاعر المرّة المبنیّة على أسس واهیة مبنیة على جهل الأهل والمربین أو التوجیه الخبیث للحکام المتسلطین، أو کلیهما، ویحمل هذه المشاعر تجاه أخیه المسلم، مع أنه یضحک فی وجهه صباح مساء، ویشارکه أفراحه وأتراحه، ویشارکه فی التجارة والسفر والعمل بسبب الجیرة أو زمالة العمل أو مقاعد الدراسة، وقد یتصاهر معه مع ما یعنی ذلک من التحام العائلتین فیما بینهما.
وبعد، فالطائفی هو الذی یقف مواقف غیر صحیحة، إما بوعی أو بدون وعی، بناءً على هذه المشاعر.
أما أقصى درجات الطائفیة فهی ـ برأیی ـ التی لا یعرف بوجودها من یحملها، فهذا الإنسان لن یکون بمقدرته التفریق بین المواقف التی یتخذها: أیها على أساس طائفی وأیها على أساس آخر. والمؤلم هنا هو أن معظم الطائفیین، استقراءاً من الواقع المعاش، ینتمون إلى هذه الفئة، ومصابون بأقصى درجات الطائفیة.

الدولة الطائفیة:
الدولة الطائفیة هی الدولة التی تمیز بین رعایاها فی التوظیف والمکافأة وإعطاء المسؤولیة وتوزیع الحقوق والواجبات على اختلافها، لا على أساس المساواة کأصل، ثم الکفاءة ودرجة العطاء بعد ذلک، وإنما على أساس الانتماء الطائفی.
وتکون درجة طائفیة الدولة أکثر أو أقل حسب الحکومة القائمة، والظروف الداخلیة والخارجیة للبلاد. فمثلا عندما یکون قادة الدولة ذوی مشاعر طائفیة عمیقة أصلا فإن الدولة تصعد درجة طائفیتها حتى وإن کانت الأوضاع الداخلیة والخارجیة لیست سیئة کثیراً.
إن التعامل على أساس طائفی لا یؤذی الفرد ضحیة الطائفیة ولکنه یؤذی البلاد، لأنه سیکون من غیر الممکن أن یکون ذلک الرجل المناسب فی المکان المناسب لأن الکفاءة لا تکون هی المعیار، کما أن ضحایا الطائفیة سیتصرفون بشکل غیر متوازن: إما بتفان شدید کی یثبتوا إخلاصهم وحسن نیاتهم، وإما ببرود ولا إبالیة لأن النتیجة واحدة ولن یحصلوا على التقییم لجهودهم.
وتکبر هذه العقدة، وتخرج من إطارها الضیق بین الموظف والمواطن صاحب المعاملة، الى عائلتیهما وأصدقائهما وزملائهما لتخدم کإثبات جدید على وجود المشکلة.
وتصبح المفارقة مدهشة مع أشخاص مثلی ممن نقلهم الدهر من صفوف الطائفة الحاکمة إلى صفوف الطائفة المحکومة. ففی لیلة وضحاها یصبح التعامل مع نفس الشخص مختلفاً، وما تغیرت کفاءته وما تبدل إخلاصه لوطنه وعمله، وما تغیرت أخلاقه وسلوکیاته ومزاجه. هذا، فی حین یجب أن یکون التغییر حاصلا فی علاقتی شخصیاً بالممارسات الدینیة مثلا.
وأخیراً، فإن الدولة الطائفیة تجعل النسیج الاجتماعی یتهرأ وخیوطه تنقطع، وکلما زاد التمییز والاضطهاد الطائفی کلما ضعف النسیج الاجتماعی، وهو ما حصل فی فترات معینة من تاریخ العراق الحدیث.
هل الطائفیة نتاج الاستعمار الغربی، أم سببها صراع المسلمین السیاسی فی الماضی؟:
یبسّط البعض أسباب المشاکل الاجتماعیة والسیاسیة وغیرها بسبب قلة المعرفة، أو ضیق الأفق أو حتى الرغبة فی قلب الحقائق، فبعضنا یشتم الغیر کثیراً ویتهمه فی مصائبنا أکثر من اللازم، فی حین یتهم البعض الآخر أنفسهم ولا یحمل الغیر أی مسؤولیة تذکر.
وفیما یخص مصائب العرب والمسلمین ترى کثیراً من الناس یتهم الغرب والشرق وأعداء الأمة فی کل المصائب والمشاکل، فی حین یتهم البعض الآخر الأمة نفسها وخلافات زعاماتها فی ذلک.
ولما کانت الطائفة الشیعیة هی التی ثارت علیهم فإنه من المنطقی أن یتم إقصاؤهم عن الحکم وتسلیمه للطائفة التی لم تثر، وترتیب الحکم لکی تستمر هذه المعادلة کیلا یعود الشیعة فیطردوا بریطانیا من الشباک أیضاً بعد أن اضطرت إلى أن تخرج من الباب بثورة الشیعة وتضحیاتهم.
بدایة الخلاف ونشأة الطائفیّة:
بدأ الخلاف بین المسلمین أول ما بدأ عقیب وفاة رسول الله(صلى الله علیه وآله) مباشرة حیث تنازع المهاجرون والأنصار من جهة وقریش وبنو هاشم من جهة فی موضوع الخلافة. إلاّ أن الافتراق الحقیقی لم یتم إلاّ بعد مقتل الإمام الحسین بن علی (علیه السلام) فی أول عام 61هـ، إذ أن بعدها أصبح إهراق الدماء المقدسة أمراً طبیعیاً عند الحکام وأزلامهم وکما أخبرهم الإمام الحسین (علیه السلام) نفسه بأنهم لن یتورعوا بعده عن قتل أی إنسان، کیف لا وقد قتلوه مع معرفتهم بأنه سید شباب أهل الجنة وأنه ریحانة رسول الله(صلى الله علیه وآله) مع غیرها من الصفات الکثیرة التی یفترض أن یمتنع عن قتله لأجلها أعتى المجرمین، وکما قال الشریف الرضی:
قتلوهُ بعدَ عِلم منهمُ ***** أنّهُ خامس أصحابِ الکِسَا
فکان أن تفرعن الأمویون وولاتهم کالحجاج الثقفی، وکان على الشیعة أن یلجأوا إلى السرّ حتى فی اتصالهم بأئمتهم (علیهم السلام) ، ثم یثوروا على الظلم والواقع غیر الإسلامی للأمة بین حین وآخر. فی نفس الوقت أخذ الفقهاء الذین تصدوا للمناصب الشرعیة بعد الغیاب القسری لأئمة أهل البیت (علیهم السلام) عن هذه المناصب فی إفتاء المسلمین لیس فقط بجواز طاعة الإمام الظالم بل بوجوب طاعته وحرمة الخروج علیه.
وهکذا صار المسلمین فرقتین کبیرتین: الشیعة والسّنّة، لأن الخوارج اضمحل تأثیرهم وضعفوا بعد الفترة التی زعزعوا فیها أرکان الدولة الأمویة بثوراتهم العدیدة. وحدث أن کانت الخلافة الأساسیة هی للسّنّة بما فی ذلک الدولة العباسیة التی قامت بحجة الانتصار لأهل البیت (علیهم السلام) .
تجهیل السنة وإثارتهم ضد الشیعة:
فی حملتهم المستمرة لمحاصرة الشیعة والتشیع، فإن الحکام المختلفین على مختلف العصور لجأوا إلى سیاسة التعلیم الخاطىء لأهل السنّة، أو تجهیلهم فی الواقع فی کل ما یخص الشیعة وعقائدهم کی تبدو وکأنّها لیس فقط إحدى الانحرافات عن الإسلام والتی حدثت طوال التاریخ، وإنما الانحراف الأخطر والذی أرید به هدم الإسلام. إن الطریقة الوحیدة لرد الانبهار الذی لابدّ وأن یحصل عند البعض من جهاد الشیعة وتضحیاتهم وثباتهم على المبادىء، بغض النظر عن الاختلاف معهم، هذا الانبهار الذی قد یؤدی إلى الانفتاح على الشیعة وعقائدهم وبالتالی التحول إلى صفوفهم أو على الأقل للتعاون معهم ضد الظالمین، هی أن تُهاجَم عقائد الشیعة ویخلص إلى أنها ضد الإسلام ویُهاجَم الشیعة أنفسهم ویُنبَزوا بمختلف الأوصاف التی یکرهها الآخرون، لکی تجعل الناس تشمئز منها ومنهم فتتوقف عن الانفتاح علیهم.
وعلى العکس مما یعتقد البعض(3) من أن الفقهاء الأقدمین لم یکونوا طرفاً فی المشکلة الطائفیة وإثارة السنّیین على الشیعة. فلقد نقل التاریخ أقوال وأفعال العدید من الفقهاء السنّیین التی کانت تصف الشیعة بالکفر أو الفسق أو الانحراف إما کجزء من المخطط السلطوی لمحاصرة التشیع کون بعض هؤلاء الفقهاء کانوا من فقهاء البلاط ـ وعاظ السلاطین ـ أو کواجب دینی یعتقد الفقیه أنه یجب أن یقوم به لکشف الانحراف وتحذیر الناس منه.
لقد کتب بعض هؤلاء الفقهاء والمحدثین عن الشیعة ووصفوهم بما لم یصفوا به الیهود والنصارى والمجوس. بل صرّح البعض بعدائه لأئمة أهل البیت (علیهم السلام) أنفسهم فکیف إذاً بالشیعة. وها هو ابن خلدون یقول فی مقدمته الشهیرة: وشذّ أهل البیت بمذاهب ابتدعوها وَفِقْه انفردوا به، بنوه على مذهبهم فی تناول بعض الصحابة بالقدح(4)، وعلى قولهم بعصمة الأئمة... وکلها أصول واهیة ثم قال: وشذ بمثل ذلک الخوارج، ولم یحتفل الجمهور بمذاهبهم!!
فکیف لا ینشأ السنی على عداوة الشیعة وکرههم وعلماؤه الکبار یعلمونه أنهم یتبعون أهل البیت (علیهم السلام) الذین هم مارقون کالخوارج، وانهم مبتدعة، وأنهم یکرهون الصحابة ویقدحون فیهم؟

عقدة الصحابة:
تشکل قضیة الصحابة الحجر الأساس فی جدار البغضاء الطائفی حیث لا یرى السنّیّ أیّ مبرر لهذا الموقف السلبی للشیعة من الصحابة المقدسین عنده، ولست ألوم السنّیّ الذی لم یطلع على التاریخ وشیء من التحلیل الموضوعی الواعی، لأن شعوره شعور طبیعی یتولد عند کل إنسان، کائناً ما کانت عقیدته، تجاه من یقف موقفاً سلبیاً ممن یقدّس.
وأنت ترى هذه الحقیقة عند قراءة أی کتاب من الکتب التی دفعها الپترودولار لشتم عقائد الشیعة. فقضیة الصحابة تقف لیس فقط فی أوّل الإشکالات، ولکنها هی المشکلة الحقیقة لمن دقق فی هذه الکتب، ولمن استمع إلى شکاوى السنّة من عقائد الشیعة.
ولقد استعملت هذه القضیة لإثبات أعجمیة الشیعة، وأنهم جمعیة سریة أسسها الفرس لتدمیر الإسلام، وذلک لأن انتقاد الصحابة وتجریح بعضهم یعنی ـ کما یقولون ـ تهدید قدسیة السنّة النبویة المنقولة عن طریقهم، وبذا تنجح مؤامرة الفرس بإلباس الحق بالباطل وضیاع السنن المنقولة عن الصحابة. وهذا الکلام یقال ـ بالطبع ـ لإقناع العوام من السنّة لیس فقط بفساد عقیدة الشیعة، بل بتآمرهم بشکل مماثل للجمعیات الماسونیة والهیئات التبشیریّة، ضد الإسلام.
ولکن المؤسف هو أن هذا الکلام یردد من قبل بعض حملة العلم وأدعیائه، فهؤلاء یعرفون أن الشیعة لیسوا جماعة ترید أن تهدم دین المسلمین، بل هی جماعة لدیها خزین کبیر من الأحادیث الشریفة المنقول عن النبی(صلى الله علیه وآله) والأئمة الطاهرین (علیهم السلام) ، وذلک عن طریق بعض صحابة الرسول(صلى الله علیه وآله) وبعص صحابة الأئمة (علیهم السلام) . ولیست أحادیث الأئمة (علیهم السلام) اجتهاداً من عندهم، بل هی نصوص تلقاها کل إمام عن الإمام الذی قبله وصولا إلى رسول الله(صلى الله علیه وآله)، لذلک کانوا (علیهم السلام) کثیراً ما یبدأون روایاتهم بکلمة: "حدثنی أبی عن آبائه عن رسول الله(صلى الله علیه وآله).." وذلک تأکیداً لهذا المعنى.
من الناحیة الأخرى فإن الشیعة یفخرون بأنهم لا یوالون أی أحد إلاّ بعد التثبت من حسن سیرته وحسن خاتمته، فلا یمکن عندهم أن یوضع عبدالله بن مسعود الذی کان ممدوح السیرة دائماً ولم یغیر أو یبدل أو یفعل ما یؤذی المسلمین، حتى قضى على الحال التی فارق علیها رسول الله(صلى الله علیه وآله)، فی منزلة بعض الصحابة الذین لم یترکوا هذه الدنیا إلاّ وقد أثاروها فتنة عمیاء وخرجوا على علی بن أبی طالب الإمام المبایع من قبل المسلمین ـ دع عنک النص الذی یتحدث عنه الشیعة ـ وسلّوا سیوفهم ضد المسلمین فأشعلوا أوار أول الحروب فیما بین المسلمین أنفسهم، والتی أدت إلى مقتل الألوف منهم على أرض العراق بلا سبب سوى التنازع على الملک، کما لا یمکن أن یثقوا بروایات رواها أشخاص غشوا المسلمین وقتلوهم دون حق وسلبوهم وساروا فیهم بسیرة فرعون وهامان وقارون.
إلاّ أن الدول التی تسلطت على المسلمین لما رأت المقاومة من الشیعة لحکمهم غیر الشرعی کان لابد لها أن تزیف التاریخ وتفتعل الروایات المضادة لعقائد الشیعة فی الأشخاص والأحداث، والتی تصبح حقّاً بعد غسیل الدماغ بها لقرون من الزمان، خصوصاً وأن المعارضة الشیعیة بقیادة أئمة الهدى (علیهم السلام) کانت محرومة من وسائل الإعلام، وفی ذلک الزمن المتخلف بالنسبة لزمننا الحاضر فی وسائل الاتصال والإعلام.
وإننا نعاصر، ونحن فی هذا الزمن الذی یفترض أن ینقل فیه کل شیء کما هو بسبب وجود التلفزیون والفیدیو والقمر الصناعی والتلفون والتلکس والفاکس والکمبیوتر، نعاصر تشویه الأحداث بشکل یومی، وتعتیم على أحداث مهمة، وتضخیم واهتمام بأحداث تافهة، فکیف فی ذلک الزمان الذی لم تکن وسائل الإعلام والاتصالات کما هی فی عصرنا الحاضر، بل ولا واحد من الألف منها.
والمشکلة جدّ عویصة، وذلک لأنّ من یقف الشیعة منهم موقفاً سلبیاً واضحاً، أبا بکر وعمر وعائشة أم المؤمنین، هم أکثر الناس تقدیساً عند أهل السنّة، ولقد کان الشیعة غیر متساهلین مطلقاً فی المواقف التی اتخذها هؤلاء الصحابة الثلاثة لأنهم عدّوها خروجاً أساسیاً على نصوص مقدسة لا مجال لتجاوزها کما فی تجاوز أبی بکر وعمر لحق علیّ فی الحکم نصّاً علیه من الرسول(صلى الله علیه وآله) ومنع فاطمة(علیها السلام) حقها فی میراث أبیها(صلى الله علیه وآله)، وخروج عائشة من بیتها الذی أمرت أن تقرّ فیه بنص القرآن، وقیادتها الجیوش التی حاربت بها المسلمین الذین یقاتلون تحت رایة الخلیفة الشرعی المبایع، فالمسألة فیها إراقة دماء حرام وخلافة المسلمین وهی أخطر مرکز فی الإسلام.
وبما أن الشیعی یعتقد بأن أخاه السنّیّ لا یعرف الکثیر من الحقائق بسبب عمل الحکام فی الماضی على تشویه الحقائق بصرف الأموال لوضع الأحادیث الکاذبة التی تبرر کثیراً من الأفعال التی لا یقرّها الشرع أو التی تجاوز أصحابها على نصوص قرآنیة أو حدیثیة لا یمکن تجاوزها بإجماع المسلمین أو برفع شأن أناس وخفض آخرین، إذاً فعلیه أن یعذر أخاه السنّیّ حتى یبین له الحق لأن (کُلُّ حِزْبِم بِمَا لَدَیْهِمْ فَرِحُونَ) (5)، وفی نفس الوقت على السنّی أن یسمع له ویناقشه إذا لم یعتقد بما یرى.
عقدة عدم الفهم للعقائد والشعائر الخاصة بالشیعة:
یعترض السّنّی العراقی (وغیره فی هذا المجال) على بعض العقائد والشعائر الشیعیة.
وکما قلنا سابقاً فإن التعلیم والإعلام المسیطر علیه من قبل الدولة الطائفیة لا یتیح لعقائد الشیعة أن تعرض على الملأ، دع عنک توضیحها وشرحها وشرح أبعادها وتبیان عدم مخالفتها للإسلام، لذلک فإن الفرد السنّیّ لا یفکر بأنه قد یکون مخطئاً فی اعتقاده وقد یکون الشیعی هو صاحب الحق، لأن الفرد العادی لم یأته الوحی من السماء لیکون واثقاً تماماً من معتقداته وأنها فی صلب العقیدة الإسلامیة أو لا تتصادم معها.
ومن هذه العقائد عقیدة المهدی المنتظر الذی یعتقد الشیعة أنه موجود حی غائب عن أعین الحکام وینتظر الأمر الإلهی بتحقق الشروط لظهوره لتأسیس الدولة العالمیة الإسلامیة محقّقاً وعد جده رسول الله(صلى الله علیه وآله): "یملأ الأرض قسطاً وعدلا بعدما ملئت ظلماً وجوراً".
ومنها صلاتهم على تربة مأخوذة من طین من منطقة قبر الحسین (علیه السلام) فی کربلاء، فالسنّة یرون أن هذا نشاز لمجرد أنهم لا یصلون على مثلها(6).
ومنها الشهادة لعلی بن أبی طالب بالولایة فی الأذان والتی یعترض علیها السنّة بل ویشمئز بعضهم من سماعها. هذا، مع أن السنّة یضیفون کلمة "الصلاة خیر من النوم" فی أذان صلاة الفجر ویعترفون أن هذه لم تکن وقت النبی(صلى الله علیه وآله) وإنما أضیفت بعده.
ومنها الالتزام بصفة العدالة فیما یخص الأمور الشرعیة مما یؤدی إلى سوء فهم لدى السنّیین. وصفة العدالة تأتی فی مقدمات صفات إمامة المسلمین وإمامة الحج وإمامة الصلاة وغیرها. إن إمامة المسلمین هی التی من شأنها رفض الشیعة الحکام الزمنیین، ورُفِضَ الشیعة رداً على ذلک.
فالشیعی یرى فی مرجع التقلید إماماً له (کونه نائباً للإمام وحسب أمر الإمام المعصوم) فی جمیع أموره. من هذه الأمور تعیین رؤیة الأهلة والتی تصبح قضیة خلاف فی بدایة شهر رمضان المبارک وشهر شوال وشهر ذی الحجة، حیث یحرم الإفطار فی أول رمضان وآخره، ویحرم الصوم فی یوم العید، وحیث مناسک الحج والتضحیة فی عید الأضحى.
ویعتقد غالبیة أهل السنّة بأن الشیعة تصوم وتفطر بعدهم بیوم واحد عادة لأنهم یریدون أن یخالفوهم فحسب! هذا، فی حین أن الشیعة ینتظرون الأخبار من المراجع والعلماء فی العراق والکویت والمدینة المنورة وإیران ولبنان عادة، والذین یستندون إلى شهادة العدول فی رؤیة الهلال(7).
ومنها الزیارات الشیعیة للأئمة والصالحین وما یقرأ فیها، حیث لا یعتقد علماء السنّة ولا الکثیر من السنّة العوام إمکانیة أن یزار المیت ویتکلم معه وکأنّه حیّ وما الفائدة من ذلک. إلاّ أن هذا الأمر لیس بقضیة ذات شأن لأن الکثیر من السنّیین فی العراق وغیره یقومون بمراسیم الزیارة وطلب شفاعة المیّت فی الحاجات عند الله تعالى، على الرغم من الحرب التی تشنها الوهابیة السعودیة ضد هذه الشعائر فی کافة أرجاء العالم الإسلامی ومنها مصر بتأثیرها على بعض الجماعات الإسلامیة وبعض "العلماء".
وأخیراً، کنت أتصور أن ما یتهم به السنّة الشیعة من أنهم یفضلون علیاً، ویعتقدون بأن النبوة کان یجب أن تکون لعلیّ قد أصبح شیئاً من مخلفات الماضی، إلاّ أننی وجدت أنّ البعض لا یزال یحمل هذه الأفکار السخیفة عن الشیعة، وعندما کنت أعدد هذه الافتراءات على الشیعة لأحد أقربائی قاطعنی بأنه لا یشک فی أن بعض الشیعة یعتقد أن علیاً هو الذی کان من المفروض أن یکون النبی ولیس محمداً(صلى الله علیه وآله)!! وعندما أوضحت أنه لا یوجد مثل هذا الشیء فی الطائفة الشیعیة الإمامیة الاثنا عشریة لا فی عالمهم ولا فی جاهلهم أصرّ على رأیه بشکل ملفت للنظر وبقی على اعتقاده!!
أکثر من ذلک یصل الحد الى اتهام الشیعة بأنهم لا یحبون النبی(صلى الله علیه وآله) کما أقسمت إحداهن!!!
إحیاء أمرهم (علیهم السلام) والطائفیة:
أمرنا الأئمة (علیهم السلام) بدعوة الناس إلى منهجم وطریقتهم، ودعوا الله تعالى أن ینشر رحمته على من یقوم بذلک، وذلک بقولهم: "أحیوا أمرنا، رحم الله من أحیا أمرنا". ولکن کیف یمکن إحیاء أمرهم، أی دعوة الناس إلى اتباع مذهب أهل البیت (علیهم السلام) والذی علیه الشیعة الإمامیة الاثنا عشریة، بدون الدخول بادىء ذی بدء فی إثبات حق الأئمة (علیهم السلام) فی الولایة العامة على المسلمین، ثم تحلیل ما جرى بعد وفاة الرسول(صلى الله علیه وآله) من أمور تناقض ما تدعیه الشیعة (وتثبت صحته بوضوح من کتب السنّة أنفسهم) من تخطیط الرسول(صلى الله علیه وآله) للأمة بناءً على أوامر الله تعالى؟
کیف یمکن تجنب التعرف للصحابة الذین منعوا أهل البیت (علیهم السلام) من أن یتبوؤا مناصبهم حسبما أراد الله ورسوله(صلى الله علیه وآله)، والذین ساهموا فی ذلک، والذین قعدوا عن نصرتهم (علیهم السلام) حینما ادّعوا ذلک لأنفسهم؟
وإذا کان بالإمکان عمل ذلک بأن یشرح الداعیة حقیقة أهل البیت (علیهم السلام) ووصیة الرسول(صلى الله علیه وآله) بهم وإلیهم، ویلقی الضوء على شخصیاتهم المقدسة من خلال حیاتهم الشریفة، ثم لا یتعرض إلى أسباب عدم صعودهم إلى سدّة الحکم، فبماذا سیجب من سیسأل متعجباً من هذا التناقض العجیب بین أوامر الرسول(صلى الله علیه وآله) وواقع الحال؟
وإذا تمسک الداعیة بعدم الجواب ملتجئاً إلى الآیة الکریمة 141 من سورة البقرة: (تِلْکَ أُمَّةٌ قَدْ خَلَتْ لَهَا مَا کَسَبَتْ وَ لَکُم مَّا کَسَبْتُمْ وَ لاَ تُسْـَلُونَ عَمَّا کَانُواْ یَعْمَلُونَ) (8)، فبماذا سیجیب السائل الذی یدعوه إلى مذهب أهل البیت (علیهم السلام) عن الافتراءات التی فی الکتب التی تطبعها الوهابیة کل ساعة لتکرّه الناس هذا المذهب وتبعدهم عنه؟
لابد وأن یأتی الظرف الذی لابد من التعرض فیه إلى هذه الإشکالات الناشئة مما وقع بعد وفاة الرسول(صلى الله علیه وآله). وهنا، سیتهم من یتعرض لها بالطائفیة لأنه یتعرض للأشخاص الذین یقدسهم أهل السنّة، وتبدأ موجة جدیدة من الاتهامات.
فی البدء الهجوم على الشیعة بسبب عقائدهم المنحرفة، کما یفترون، وعندما یدافعون عن أنفسهم ضد هذا الهجوم یبدأ الهجوم علیهم بسبب طائفیتهم لأنّهم دافعوا عن أنفسهم!!!
إن دعوة الناس إلى أهل البیت (علیهم السلام) لیست دعوة طائفیة وذلک:
1 ـ لأن الدعوة إلى فکر وعقیدة لیست کذلک، إنما هی محاولة اقناع آخرین بوجهة النظر لنیل مکسب دنیوی أو أخروی أو الاثنین معاً.
وفی حالة التشیع بالذات فإن الکسب الدنیوی یکاد ینعدم، لأن الدنیا لم تزل مدبرة على الشیعة منذ أن رحل رسول الله(صلى الله علیه وآله) وإلى یوم الناس هذا. أما الأخروی فمضمون بدعاء الإمام "رحم الله من أحیا أمرنا". فهل یزهد عاقل فی نیل الرحمة الإلهیة لأجل شبهات یثیرها الطائفیون أو الجاهلون؟ وما قیمة کل هذه الأمور الدنیویة فی قبالة هذه الرحمة التی قد ترفع صاحبها إلى جنان الخلد؟
2 ـ لیست هذه الدعوة طائفیة لأن الذین یُحیی أمرهم هم أصحاب منهج أبعد ما یکون عن الطائفیة، وأقرب ما یکون إلى التقریب بین المسلمین، خذ مثلا نهج علی (علیه السلام) مع الصحابة الذین منعوه من تسلیم مقالید الحکم بعد وفاة الرسول(صلى الله علیه وآله)، وما زالوا یمنعونه منه وهو یقیم علیهم الحجة کی لا یضیع الحق من جانب، ویقف منهم موقف الناصح والأخ المخلص الذی لا یتأخر عن نصیحة أو یتلکأ عن مبادرة لإحقاق حق أو إزهاق باطل من جانب آخر. ولقد کان (علیه السلام) کذلک فی مواقف کثیرة نذکر منها:
أ ـ یوم السقیفة حین بویع أبو بکر ورسول الله(صلى الله علیه وآله) لما یزل مسجى بین أهله وبعض أصحابه، فما کان من علی (علیه السلام) ، وبعد أن أقام الحجة على المسلمین، سواء مباشرة حینما طاف علیهم لیلا یذکّرهم ببیعته قبل أقل من ثلاثة أشهر فی یوم الغدیر، وبممانعته للبیعة فی أول الأمر، أو بشکل غیر مباشر وذلک عن طریق الزهراء(علیها السلام) فی خطبتیها المشهورتین اللتین خاطبت بأولاهما أبا بکر خاصة ومن معه عامة، وثانیتهما التی خاطبت بها الأنصار.
بعدها، وبعد وفاة الزهراء(علیها السلام) بایع علی (علیه السلام) أبا بکر بعد أن مضت مدة تکفی لأن توصل للمسلمین على مر الأجیال أن علیاً (علیه السلام) کان یرى أنه صاحب الأمر بعد الرسول(صلى الله علیه وآله) مباشرة. کذلک فقد کان یصعب على أمیر المؤمنین (علیه السلام) أن یبایع أبا بکر فی حیاة الزهراء(علیها السلام) بعد أن جرى لها ما جرى وبعد أن قاطعت أبا بکر ولم ترض أن تکلمه إلى غیر ذلک من أحداث مؤلمة لیس ههنا مکان ذکرها.
ب ـ یوم جاء أبو سفیان، عدو الله ورسوله(صلى الله علیه وآله) یحث علیاً والعباس أن یتمردا على الخلیفة المبایع وهو یعدهم النصرة بما یستطیع ـ وقد کان بإمکان مدّعی الإسلام هذا أن یجمع الکثرة الکاثرة من المنافقین ـ فما کان من علی (علیه السلام) وقد عرف مقصده أن رده وجبهه بدخیلة نفسه، وأنه لا یرید سوى الوقیعة بین المسلمین وشق صفوفهم بعید الهزة العظمى التی حصلت لهم بوفاة قائدهم رسول الله(صلى الله علیه وآله). وکان علی (علیه السلام) ، لو کان ذا دعوة طائفیة، سیرضى بأبی سفیان ومن معه کی یعید الأمر إلى نصابه بغض النظر عما یحل فی المسلمین، أو على الأقل فی تحلیل الاعتماد على المنافقین وضعیفی الإیمان.
ج ـ یوم نص أبو بکر على عمر فقال عمار بن یاسر لعمر: "یا عمر: أمّرته عام أول وقد أمّرک الیوم"، وهذه لم تکن سوى زفرة من عمار، وإلاّ فإن علیاً (علیه السلام) کان قد أمر أصحابه بالصبر، وصبر هو وماشى عمراً فی خلافته التی امتدت عشر سنوات لم یبخل علیه بالنصیحة، بل وبإنقاذ فی أحیان کثیرة لم یُعرف فیها الحکم الصحیح، فکان علی (علیه السلام) المرجع فیها، مما جعل الخلیفة یقول فی مناسبات عدیدة قولته المشهورة: "لولا علیّ لهلک عُمر".
أکثر من ذلک، عندما أراد عمر أن یذهب بنفسه لفتح العراق وفارس أشار علیه علی (علیه السلام) بألا یذهب بل یبقى فی المدینة، ولو کان غیر علی (علیه السلام) لفرح بخلو الجو له فی المدینة حیث یستطیع أن یتمرد، أو یأمل بالبیعة بعد وفاة عمر المحتملة إذا ما ذهب للحرب.
د ـ یوم الشورى التی أمر بها عمر قبیل وفاته، وجعل فیها الأمر لعبد الرحمن بن عوف إن کان أصحاب الشورى ثلاثة وثلاثة، فکان ذلک وبویع عثمان بن عفان لأنه وافق على شرط عبدالرحمن بأن یحکم بکتاب الله وسنّة رسوله(صلى الله علیه وآله)وسیرة أبی بکر عمر، فی حین رفض الإمام علی (علیه السلام) أن یسیر بغیر الکتاب والسنة واجتهاد رأیه لأنه یعتقد أنه أعلم من أبی بکر وعمر، ولأنه یعتقد بعدم حجیة سیرة أبی بکر وعمر وعدم إلزامها له.
هنا أیضاً، لو کان ذا منهج فئوی ضیق وینظر إلى مصلحته الذاتیة ومصلحة الأمة الآنیة دون مراعاة القیم التی یعدّها خطأ والتی ستتأسس على موافقته على شروط لا یقرها ثم لا یفی بها، کان یمکنه أن یوافق على الشرط ثم یسیر حسبما یرید بعد أن یُبایَع.
هـ ـ موقفه من عثمان یوم أن حاصره المسلمون یطلبون النَصَف من وُلاته، ومن ثم أرادوه أن یخلع نفسه من الخلافة. حیث کان (علیه السلام) نِعم الناصح والسفیر بینهم وبین عثمان حتى خاف سلام الله علیه من الإثم کما قال (علیه السلام) . هذا مع أنه کان نفسه ینقم على عثمان الکثیر من الأحداث، ومنها ما تعرض له أکابر شیعته کعمار وابن مسعود وأبی ذر.
3 ـ هذه الدعوة لیست طائفیة وذلک لأنها من قبل أناس أثبتوا على مرور الأزمان أنهم أبعد ما یکونون عن الطائفیة، أو أن طائفیة البعض منهم أقل بکثیر من طائفیة غیرهم من المسلمین، ولئن کان الماضی بحاجة إلى دلیل فإن الحاضر المعاش یثبت بما لا یقبل الشک ما أقول. ولنضرب أمثلة على ذلک:
أ ـ تحتوی الدراسات الشیعیة على أطروحات ومقارنات وإشارات إلى الفقه السنّیّ والفکر السنّی والآراء السنّیّة، فی حین تخلو الدراسات السنّیّة خلواً تاماً من أیّة إشارة إلى الفکر أو الفقه الشیعی. وهذا یعم المجلات والصحف والکتب الدینیة والإطروحات الجامعیة وغیرها. ب ـ تحتوی المکتبات الشیعیة على کتب السنّة فی حین لا تحتوی مکتبات السنّة على کتب الشیعة، وهذا یعمّ المکتبات الخاصة والعامة، وفی جمیع بلاد المسلمین، ویعمّ جمیع المواضیع من حدیث وفقه وتاریخ وأدب وغیرها.
ج ـ تبیع محلات بیع الکتب الشیعیة کتباً دینیة وأشرطة کاسیت لوعاظ من السنّة فی حین لا تبیع محلات الکتب السنّیّة الکتب الدینیة الشیعیة، وهذا یعمّ جمیع المواضیع الدینیة، وجمیع بلاد المسلمین أکثر من ذلک، یتوقف أصحاب المکتبات الطائفیون عن التعامل مع الموزعین الذین یوزعون کتباً دینیة شیعیة، فلا یشترون منهم حتى الکتب الأخرى عقاباً لهم على نشر "الانحراف" الشیعی!!
ویصل الأمر إلى حدّ إحجام هؤلاء عن توزیع المصاحف الکریمة إن کانت مطبوعة فی إیران فی حین توزع المصاحف المطبوعة فی أی مکان دون مراجعة!
د ـ تضم رفوف مکتبات الجوامع والمساجد والحسینیات والجمعیات الإسلامیة الشیعیة الکتب الدینیة السنّیّة فی حین لا تضم مکتبات الجوامع والمساجد والجمعیات الإسلامیة السنّیّة کتب الشیعة.
هـ ـ تمد الجمعیات والجماعات الدینیة الشیعیة یدها بإخلاص دائماً للجماعات والجمعیات الدینیة السنّیّة من أجل التعاون فی شتى المجالات، فی حین یحجم الآخرون عن فعل المثل، بل یعاملون الشیعة وکأنهم غیر موجودین.
و ـ ینظر الشیعة إلى السنّیین على أنهم إخوان لهم یجهلون الحقیقة، وأن ذمتهم مبرأة باتباعهم مذاهبهم، وهم لذلک یطلقون علیهم لفظة "إخواننا" أو "الإخوة" کما سمعته بأذنی مراراً من جلسات لا یحضرها غیر شیعة. هذا على الرغم من أن الشیعة یعرفون أن الکثیر من "إخوانهم" السنّیّن لا یبادلونهم نفس المشاعر، بل یعتبرونهم منحرفین عن الدین باختبارهم ولذا فهم من الخاسرین، کما ویعرفون الأضغان والأحقاد التی فی قلوب البعض، والرمی بالأعجمیة کما فی حال شیعة العراق والخلیج(12) ولکن یحملوها على الجهل والتجهیل أیضاً.
أیها الإسلامیون: إجسلوا معاً
ضرورة مناقشة الخلافات من الآن وجهاً لوجه:
إن الجلوس سویة لمناقشة الخلافات ضروری ولا غنى عنه وذلک على صعید الأحزاب والعلماء والباحثین، لأن أفراد الناس الاعتیادیین من الشیعة والسّنّة لم یجدوا أن المشاکل التاریخیة والعقائدیة تحول دون دخولهم فی علاقات صداقة وتجارة وسفر، بل مصاهرة، وسائر الأنشطة الاجتماعیة، إن الجلوس سویة یمکّن من معرفة حقیقة ما یعتقده الآخرون أولا، ومعرفة ما یظن الآخرون أنک تعتقده ثانیاً، ومعرفة مدى استعداد الآخرین للوصول إلى حل لأی إشکال ثالثاً، ورابعاً، ولعله الأهم، یتیح الجلوس وجهاً لوجه للحواجز أن تتلاشى، وفی مقدمة ذلک الحواجز النفسیة الناشئة من التعلیم الخاطىء والتربیة الناقصة وعملیات غسیل الدماغ.
جفاء بعض الإسلامیین السنّیین:
ولقد أثبت لی الواقع المشاهد بما لا یدع مجالا للشک بأن أغلبیة الإخوة الإسلامیین السنّیین لا یبدون متحمسین لفکرة التقارب، ویغلب علیهم الجفاء والجفاف فی التعامل مع الإسلامیین الشیعة. وعندی أمثلة على هذا تدل على أن الکثیر من الإسلامیین السنّة غیر راغبین فی التقارب من الشیعة على الرغم من محاولات التقریب عن طریق الأشخاص، أو عن طریق المنهج الوحدوی الذی سلکته الحرکة الإسلامیة منذ الیوم الأول وحتى الآن.
وأنی أعزو هذا الجفاء والجفاف عند الإخوة الإسلامیین السنّة إلى سببین رئیسیین، هما:
أولا ـ اعتبار الشیعة منحرفین عن الدین، وبالتالی فإن التفاهم معهم مرفوض شرعاً.
ثانیاً ـ ضغط الجهات الدینیة المرتبطة بالنظام السعودی الوهابی على هؤلاء الإسلامیین بشکل أو بآخر وذلک ضمن الحملة العالمیة التی شنّتها الوهابیة ضد الشیعة منذ تفجر الثورة الإسلامیة فی إیران والتی یعرفها الجمیع، والناس عبید الدنیا، وضغوط الحیاة کثیرة خصوصاً لمن یقیم فی المهجر، لذا یصبح تحقیق النجاح عن طریق الضغط المستمر أمراً میسوراً.
والمشاهد من حال معظم أئمة المساجد والخطباء وبعض قادة الحرکات الإسلامیة السنّیة یدل على أن الکثیر منهم قد باع نفسه لقاء ریالات آل سعود التی یدفعونها عن طریق مؤسساتهم فی الخارج، وبالخصوص رابطة العالم الإسلامی التی تنتشر فروعها فی مختلف أنحاء العالم، وأیضاً مساجد الضرار التی یبنیها الوهابیون فی أصقاع مختلفة من الأرض، والتی هی أبواق دعایة لآل سعود والوهابیة والتی توجه سبابها وکلمات التکفیر التی لا تجید شیئاً کما تجیدها ضد الشیعة الإمامیة.
الأمور الواجب طرحها للمناقشة
وأذکر الآن بعض الأمور التی لابد وأن تتم مناقشتها للوصول إلى صیغ للتعامل معها. أقول صیغاً ولیس حلولا وذلک لأن معظم هذه الأمور لا یمکن حلّها إلاّ بالخروج عن المعتقد أو الخروج من المکابرة والعناد اللذین یصعب التغلب علیهما عند أکثر الناس، وستلاحظ أننی لم أذکر الحوار حول القضایا السیاسیة ـ التی لیست لها علاقة واضحة بالقضیة الطائفیة ـ لأنه قد بدأ فعلا بین الطرفین أولا، ولأن لیس علیه اعتراض، معلن على الأقل، ثانیاً.

1 ـ الخلاف العقائدی
یجب هنا طرح الخلافات العقائدیة لا لأجل إقناع الخصم بوجهة النظر الأخرى، وإنما لکی یعرف الخصم الأساس الذی بنیت علیه هذه الاعتقادات، فلا یقع بعدها فریسة الدعایات المغرضة والإشاعات التی هدفها تفریق المسلمین بتنفیر بعضهم من البعض الآخر من قبیل أن التشیّع قد أسسه الیهود أو الفرس لضرب الإسلام کما یشیعه أعداء الشیعة، أو من قبیل أن السنّة لا یحبّون أهل البیت (علیهم السلام) کما یظن بعض الشیعة.

2 ـ الخلاف الفقهی
وفی هذا یجب الوصول إلى اتفاق بعدم تسخیف الأحکام الفقهیة للطرف الآخر، وکما هو حاصل فی الهجمة الشرسة ضد الشیعة، ویجب الاتفاق على ضرورة احترام کل طرف لفقه الطرف الآخر، کی لا یصعب التوصّل إلى اتفاق بشأنها مستقبلا إذا أذن الله تعالى أن یکون للإسلامیین صوت فی حکم العراق.
یجب أن یتوقف تفکیر البعض عن طریقة "ما عندی هو الصحیح وما عند غیری هو الخطأ، حتى وإن لم أفکر بالموضوع، ویجب على غیری أن یتبعنی". قال لی أحد الإخوة أن أصدقاءه (وهم إسلامیون سنّة کانوا فی سفرة شبابیة فی بریطانیا) قالوا: "العجیب فی أمر الشیعة أنهم یدققون کثیراً فی مسألة اللحوم ویحرّمون أکل اللحوم التی تباع فی محلات اللحوم التابعة لغیر المسلمین، ولا یأکلون اللحوم ما لم تکن مذبوحة على الطریقة الإسلامیة، فی حین أنهم یأخذون قروض العقار التی تقدمها البنوک والتی هی حرام لأن أقساطها ربویة".
أجبته: "وأنتم عجیب أمرکم، تتحرجون فی مسألة قروض العقار التی تقدمها البنوک وتحرّمون أخذها مع وجود التخریج الفقهی لها، فی حین لا یهمّکم أن تأکلوا مما لم یذکر اسم الله علیه من اللحوم التی یذبحها غیر المسلمین وإنه لفسق!!".
نعم، فی کل مسألة تحرمها وتعجب لأنی أحللها، أنا أحللها وأعجب لأنک تحرمها.
هکذا یفکّر البعض: رأیه هو الصحیح والآخر على خطأ على الرغم من أنه لا یعرف من الفقه شیئاً، فلا هو من المتخصصین ولا من الذین یعرفون من أین جاءت الأحکام الفقهیة.
یجب الاتفاق على أن المسلم بریء الذمة فی عباداته ومعاملاته طالما هو یتبع مذهباً یدری لماذا اتبعه، ولیس تقلیداً للآباء والأجداد. والإسلام دین یسر، فیجب عدم إلزام الخصم بما لا یعترف الخصم به من فقه.

3 ـ الشعائر الدینیة
یعترض بعض السنّیّین، من إسلامیین وغیرهم، على الشعائر الدینیة للشیعة کإقامة مجالس العزاء فی محرّم من کل عام، وکزیارة مراقد الأئمة (علیهم السلام) وغیرها، ویعترض الإسلامیون المتأثرون بالدعوة الوهابیة التی ترفع شعار التوحید على المسلمین جمیعاً، سنة وشیعة، وفی مسألة إخراج النذور فی مقامات الأولیاء وفی زیارة المراقد للأئمة والأولیاء والصالحین.
ولما کانت هذه الأمور لا یمکن الامتناع عن القیام بها لأنها بالنسبة لمن یقوم بها من شعائر الله القائل: (ذَلِکَ وَ مَن یُعَظِّمْ شَعَائِرَ اللَّهِ فَإِنَّهَا مِن تَقْوَى الْقُلُوب) (9)، وبالتالی فسیثاب علیها من الله عزّوجلّ، فأصبح لازماً على من لا یرضى بهذه الشعائر أن یعرف الأساس الفقهی والتاریخی التی تقوم علیه، أو أن یوطّن نفسه على قبول القیام بها من قبل الآخرین الذین هم غالبیة الشعب العراقی من شیعة وسنّة.

الشیعة أکثر انفتاحاً للنقاش والبحث:
ومن مشاهداتی الشخصیة فی العراق والکویت وبریطانیا، أجزم بأن الشیعة أکثر انفتاحاً للنقاش والبحث من إخوتهم السنّة بما لا یقاس، وهذا لیس بسبب عیب موجود فی الشخصیة السنّیة، وإنما لأن السنّی ینشأ وهو ینتمی إلى أغلبیة المسلمین مما یؤسس قناعة لدیه بأنه على الحق لأن الأغلبیة، وحسب الاعتقاد الخطأ السائد، لا یمکن أن تکون على الباطل، هذا أولا، أما ثانیاً فلأن الشیوخ وأئمة المساجد والباحثین السنّیین لا یقیمون وزناً للشیعة ولا لأئمتهم (علیهم السلام) مما یؤدی إلى عدم اهتمام السنّی بهم، واعتبارهم، حتى وإن لم یعی ذلک، منحرفین أو شاذین لا یؤبه لهم ولعقائدهم.
وقد یکون هناک سبب ثالث وهو معرفة علماء السنّة بأن عند الشیعة أدلة قویة وحججاً یصعب ردّها من کتب أهل السنّة، وهذا یؤدی إلى إحجامهم عن المباحثة، وعدم فتح عیون أتباعهم على وجود رأی آخر له حججه وأدلته من کتبهم لئلا یؤدی ذلک إلى تشیع بعض السنّیین، وکما یحصل دائماً، خصوصاً بعد انتصار الثورة الإسلامیة فی إیران وخروج العقیدة الشیعیة من کونها عقیدة بعض المسلمین الذین لا یؤبه بهم، أو حتى أنهم من غیر المسلمین إلى عقیدة نجحت فی إسقاط نظام عمیل کافر، وتحت رایة الإسلام وشعاراته المتفق علیها (الله أکبر ولا إله إلاّ الله)، فتساءل الکثیر من السنّیین عن العقیدة الشیعیة التی یحملها قادة إیران وشعبها فأدى ذلک إلى تشیع بعضهم، بل أن بعضهم رووا بأنّهم قد تشیّعوا بعد قراءتهم لکتب الشیعة عقیب قراءتهم للکتب التی تهاجمهم وتکفرهم، فانقلب السحر على الساحر.
فی المقابل، ینشأ الشیعی وهو یحمل هموم الإسلام الذی لم یسر مسیرته التی أرادها الله تعالى، حسب اعتقاده، وهموم وأحزان أهل البیت (علیهم السلام) ، فیصبح عنده أن یأخذ سنّی واحد بمذهب أهل البیت (علیهم السلام) غایة ما یتمنى، أو خیر من الدنیا وما فیها کما فی الخبر. کما أن وجوده فی دول تحکمها الأنظمة السنّیة سواء کان الشیعة هم الأکثریة کما فی العراق والبحرین أو هم الأقلیة، یجبره على الاطلاع على ما عند الآخرین لأنه فی متناول یده فی التلفزیون أو الکتب أو الصحف والمجلات وغیر ذلک، فهو ینفتح على السنّی وما یکتبه علماؤه وباحثوه بشکل أو بآخر.
ولقد کنت أرى الکتب السنّیة من حدیث وفقه وتفسیر إلى جانب الکتب الشیعیة فی مساجد الشیعة ومکتباتهم العامة والخاصة، فی حین لا یوجد شیء من کتب الشیعة فی مساجد السنة ومکتباتهم. وهذا ینطبق على أشرطة التسجیل لأحادیث الوعظ وما شابه.
المصادر :
1- الکهف: 104
2- البقرة: 12
3- (2) کحسن العلوی فی کتابه "الشیعة والدولة القومیة": 240.
4- (3) وهو المهم عند علماء السنّة، بل الأهم والسبب فی عدائهم للشیعة. وأحب أن أنقل تعلیق السید عبدالحسین شرف الدین العاملی فی ص340 من کتابه "النص والاجتهاد" على قول ابن خلدون هذا، قال: ما أدری کیف تبنی المذاهب الفقهیة على تناول بعض الصحابة بالقدح، وما عرفت کیف تستنبط الأحکام الشرعیة من تناول أحد من الناس، وإبن خلدون یعد من الفلاسفة، فما هذا الهذیان منه یا أولی الألباب!
5- الروم: 32
6- (5) والحقیقة هی أن هذه التربة قد حملت أکثر مما تحتمل، ولکن لابد لکاتبی الکتب أن یملؤوها مقابل المال السحت الذی یدفع أجراً لهذه الکتب السامة.
7- (6) والحقیقة هی أن الواجب على جمیع المسلمین أن یصوموا ویفطروا بناءً على رؤیة الهلال من قبل العدول. إلاّ أن اتباع کثیر من البلدان الإسلامیة للسعودیة فی ذلک، وکون السعودیة تصوم وتفطر مبکراً دائماً، حتى قبل ولادة الهلال أحیاناً کما أکد ذلک الباحثون والفلکیون وبمقارنة جداول ولادة القمر التی لا شک فی صحتها، جعل السنّة فی الکثیر من البلدان الإسلامیة ومنها العراق الذی یتبع السعودیة أحیاناً کثیرة، یصومون ویفطرون قبل الشیعة.
8- البقرة: 134
9- الحج: 32

 


source : .www.rasekhoon.net
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ساندرا جونسون (سارا)
المستبصر ألفا عمر باه
السيدي محمد سانكارا
الطاطي أحمد المالكي المغربي
قصيدة في مدح الإمام علي(ع) لشاعر مسيحي
مركز أمير المؤمنين(ع) للترجمة ينجز عددا من أعمال ...
قصة والد مقاتل بالحشد الشعبي فارق الحياة بعد ...
مصر تطالب الإنتربول بضبط «94» متهماً يواجهون ...
بنت الهدي شريكة المسيرة والمصير
رسالة من علماء اليمن إلى أبناء الشعب السوداني

 
user comment