في ذكر إثبات عصمة فاطمة الزهراء(عليها السلام) :
لقد عرفت فيما تقدم اتفاق المفسّرين وأرباب الحديث والتأريخ على أنّ الآية الكريمة (إِنَّمَا يُرِيدُ اللهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً)نزلت فيمن اشتمل عليهم الكساء، وهم: النبيّ الأعظم، ووصيّه المقدّم، وابنته الزهراء، وسبطاه سيّدا شباب أهل الجنة الحسن والحسين صلوات الله عليهم أجمعين.
ولم يخفَ المراد من الرجس المنفيّ في الآية بعد أن كانت واردةً في مقام الامتنان واللطف بمن اختصّت بهم، فإنّ الغرض بمقتضى أداة الحصر قصر إرادة المولى سبحانه على تطهير من ضمّهم الكساء عن كلّ ما تستقذره الطباع ، ويأمر به الشيطان ، ويحقّ لأجله العذاب ، ويُشين السمعة ، وتُقترف به الآثام ، وتُجمّد الفطرة ، وتسقط به المروءة ، وإليه يرجع ما ذكره ابن العربي في الفتوحات المكيّة في الباب (29) من أنّ الرّجس فيها عبارة عن كلّ ما يشين الإنسان ، وكذا ما حكاه النووي في شرح صحيح مسلم عن الأزهري من أ نّه كلّ مستقذر من عمل وغيره .
وعليه فالآية المباركة دالّة على مشاركة الصدّيقة الطاهرة(عليها السلام) لهم في هذا المعنى الجليل ، أعني العصمة الثابتة للأنبياء والأوصياء(عليهم السلام) ; لأنـّها كانت معهم تحت الكساء حين نزول الآية الكريمة ، ومن اُولئك الأفراد الّذين قال فيهم النبيّ(صلى الله عليه وآله) : «اللهمّ إنّ هؤلاء أهل بيتي فأذهب عنهم الرجسَ وطهِّرهم تطهيراً» .
ولو أعرضنا عن البرهنة العلميّة فإنّا لا ننسى مهما نسينا شيئاً أنّها ـ صلوات الله عليها ـ مشتقّة من نور النبيّ(صلى الله عليه وآله) المنتجَب من الشعاع الإلهي ، فهي شَظية من الحقيقة المحمّديّة المصوغة من عنصر القداسة المفرغة في بوتقة النزاهة . وأنـّها من أغصان الشجرة النبويّة ، وفرع من جذم الرسالة ، ولمعة من النور الأقدس المودَع في ذلك الأصل الكريم . فمن المستحيل والحالة هذه أن يتطرّق الإثم إلى أفعالها، أو أن تُوصَم بشيء من شِيَة العار .
فلا يهولنّك ما يقرع سمعك من الطنين أخذاً من الميول والأهواء المردية بأنّ العصمة الثابتة لمن شاركها في الكساء لأجل تحمّلهم الحجّيّة من رسالة أو إمامة ، وقد تخلّت (الحوراء) عنها فلا تجب عصمتها، فإنّا لم نقل بتحقق العصمة فيهم(عليهم السلام)لأجل تبليغ الأحكام حتّى يقال بعدم عصمة الصدّيقة لعدم توقف التبليغ عليها ، وإنّما تمسّكنا لعصمتهم بعد نصّ الكتاب العزيز باقتضاء الطبيعة المتكوّنة من النور الإلهي المستحيل فيمن اشتقّ منه مفارقة إثم، أو تلوّث بما لا يلائم ذلك النور الأرفع حتى في مثل ترك الأولى .
وهذه القدسيّة كما أوجبت عدم تمثّل الشيطان بصورهم في المنام على ما أنبأت عنه الآثار الصحيحة، أوجبت نزاهة الزهراء عمّا يعتري النساء عند العادة والولادة ; تفضيلا لها ولمن ارتكض([1]) في بطنها من طاهرين مطهّرين .
وممّا يؤكد العصمة فيها: المتواتر من قول الرسول(صلى الله عليه وآله) : «فاطمة بَضعة منّي ، يُغضبني مَن أغضبها، ويَسرّني من سرّها، وأنّ الله يغضب لغضبها ويرضى لرضاها»([2]).
فإنّ هذا كاشف عن إناطة رضاها بما فيه مرضاة الربّ جلّ شأنه وغضبه بغضبها ، حتى أنّها لو غضبت أو رضيت على أمر مباح من أن يكون له جهة شرعيّة تدخله في الراجحات، ولم تكن حالة الرضا والغضب فيها منبعثةً عن جهة نفسانية ، وهذا معنى العصمة الثابتة لها سلام الله عليها ([3]).
--------------------------------------------------------------------------------
[1] . ارتكض الجنين: تحرَّك في بطن اُمّه. المنجد (مادة ركض).
[2] . انظر الغدير للشيخ عبدالحسين الأميني : 7/310.
[3] . وفاة الصديقة الزهراء : 53 ـ 55.
source : www.sibtayn.com