عربي
Thursday 26th of December 2024
0
نفر 0

سیرة الامام علي الهادي(علیهم السلام)

سیرة الامام علي الهادي(علیهم السلام)

نسبه الشریف

هو أبو الحسن عليّ بن محمّد الجواد بن عليّ الرضا بن موسي الكاظم بن جعفر الصادق بن محمّد الباقر بن عليّ زين العابدين بن الحسين السبط بن عليّ بن أبي طالب (عليهم السلام) وهو العاشر من أئمة أهل البيت (عليهم السلام) . اُمّه أُمّ ولد يقال لها سمانة المغربية1 وعرفت باُمّ الفضل2.

 

ولادته و نشأته

ولد (عليه السلام) للنصف من ذي الحجّة أو ثاني رجب سنة اثنتي عشرة أو أربع عشرة ومائتين3. وكانت ولادته (عليه السلام) في قرية (صريا) التي تبعد عن المدينة ثلاثة أميال4.

 

کنیته و ألقابه

يكنّي الإمام (عليه السلام) بأبي الحسن ، وتمييزاً له عن الإمامين الكاظم والرضا (عليهما السلام) يقال له أبو الحسن الثالث . أمّا ألقابه فهي : الهادي ، والنقيّ وهما أشهر ألقابه، والمرتضي ، والفتّاح والناصح ، والمتوكل، وقد منع شيعته من أن ينادوه به لأنّ الخليفة العبّاسي كان يُلقّب به5. وفي المناقب ذكر الألقاب التالية : النجيب ، الهادي ، المرتضي ، النقي ، العالم ، الفقيه ، الأمين ، المؤتَمن ، الطيب ، العسكري، وقد عرف هو وابنه بالعسكريين (عليهما السلام)6.

 

مراحل حیاة الامام الهادي(ع)

يمكن تقسيم حياة الإمام الهادي (عليه السلام) التي ناهزت الأربعين سنة إلي مراحل متعددة بلحاظ طبيعة مواقفه وطبيعة الظروف التي كانت تحيط به . غير أنّ التقسيم الثنائي يتواءم والمنهج الذي اتّبعناه في دراسة حياة الأئمة (عليهم السلام) ، والذي يرتكز علي تنوّع مسؤولياتهم وأدوارهم بحسب الظروف والملابسات السياسية والاجتماعية التي كانت تحيط بكل واحدٍ منهم، ووحدة الهدف الذي يعدّ جامعاً مشتركاً لكل مواقفهم (عليهم السلام)، والذي يتمثّل في صيانة الشريعة من التحريف وحفظ الأُمّة الإسلامية من الانحراف عن عقيدتها ومبادئها، وصيانة دولة الرسول (صلي اللّه عليه وآله وسلم) من التردّي ما أمكن، والتمهيد لاستلام زمام الحكم حينما لا يتنافي مع القيم التي شُرّع الحكم من أجل تطبيقها وصيانتها . والمرحلة الاُولي من حياة الإمام الهادي (عليه السلام) تتمثّل في الحقبة الزمنية التي عاشها في ظلال إمامة أبيه الجواد (عليه السلام) وهي بين (212 ه ) إلي (220 ه ) ويبلغ أقصاها ثماني سنوات تقريباً . وقد عاصر فيها كلاً من المأمون والمعتصم العبّاسيين. والمرحلة الثانية تتمثل في الفترة الزمنية بين توليه (عليه السلام) لمنصب الإمامة في نهاية سنة (220 ه ) وإلي حين استشهاده (عليه السلام) في سنة (254 ه ) وهي أربع وثلاثون سنة تقريباً . وقد عاصر في هذه الفترة ستة من ملوك بني العبّاس، وهم علي الترتيب: 1 ـ المعتصـم (218 ـ 227 ه ). 2 ـ الـواثـق (227 ـ 232 ه ). 3 ـ المتوكـل (232 ـ 247 ه ). 4 ـ المنتصـر (247 ـ 248 ه ). 5 ـ المستعين (248 ـ 252 ه ). 6 ـ المعتــز (252 ـ 255 ه ). وسوف نتابع المرحلة الأُولي من حياة هذا الإمام العظيم في الفصل الثالث من الباب الثاني، ونقف عند أهم الأحداث التي ترتبط به في فترة حياته في ظل أبيه (عليه السلام) . وأمّا المرحلة الثانية من حياته المباركة فسوف ندرس ظروفها ونقف عند ملامحها ومتطلّباتها خلال الأبواب الثلاثة الأخيرة.

 

منزلة الإمام في المدينة:

تسلّم الإمام الهادي (ع) شؤون الإمامة فعلياً في عام 220ه وله من العمر حوالى ست سنوات. وقد مارس دوره التوجيهي كواحد من أئمة الهدى ومصابيح الدجى وفي طليعة أهل العلم للتوجيه السياسي ومصدراً لقلق السلطة العباسية وقتذاك، فكان (ع): "خير أهل الأرض وأفضل من برأه الله تعالى في عصره" كما يقول أحد العلماء المعاصرين له. ولذلك تسالم علماء عصره وفقهاءه على الرجوع إلى رأيه في المسائل المعقّدة والغامضة من أحكام الشريعة الإسلامية. مما جعل من مدرسته الفكرية في مسجد الرسول (ص) في المدينة محجّة للعلماء وقبلة يتوجه إليها طلاب العلم والمعرفة انذاك وقد نقلت عن لسانه الشريف الكثير من الاراء الفقهية والعقائدية والكلامية والفلسفية من خلال أسئلة أصحابه والمناظرات التي كان يجيب فيها على تساؤلات المشكّكين والملحدين بالحجة والمنطق... وبذلك احتل مكانة محترمة في قلوب الناس مما أزعج السلطة العباسية أن يكون للإمام هذا الدور وهذه الموقعية والتأثير فأحاطوه بالرقابة وعناصر التجسس لمعرفة أخباره ومتابعة تحركاته.

 

الإمام (ع) والسلطة:

والجدير بالذكر أن الدولة العباسية شهدت انذاك نوعاً من الضعف والوهن السياسي والإداري وتسلّط الأتراك وتحكّم الوزراء وضعف شخصية الخلفاء طيلة عهود المعتصم والواثق العباسيين مما سمح بهذا المناخ الفكري الخصب والتحرك الواسع للإمام الهادي (ع)، ولكن الأمور تغيّرت في عهد المتوكل العباسي الذي كان يحقد حقداً شديداً على ال البيت(ع) فكان يحاول الحط من سمعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) والاستهانة به. كما قام بفعلته الشنيعة بحق الحائر الحسيني المقدّس فأمر بهدمه والتنكيل بزواره. وقد عانى منه العلويون شتى ألوان الأذى والاضطهاد، وأخيراً كان الإمام الهادي يحمل الرمز الهاشمي العلوي ويمثل محوراً دينياً لا يستهان به في البلاد الإسلامية انذاك. لذلك استعمل المتوكل على المدينة أحد أشد أعوانه وأخبثهم عبد الله بن محمد فكان يتحيّن الفرص للإساءة الى الإمام ويعمل على أذيته ويرسل التقارير والوشايات للإيقاع به، فكانت تصل إلى المتوكل أخبار الإمام مشحونة بالتفاف الجماهير حوله وورود الأموال الطائلة إليه من مختلف اقطار العالم الاسلامي مما يشكّل خطراً على الدولة، وإتماماً لهذه المؤامرة المدبّرة يرسل المتوكل إلى المدينة أحد أعوانه "يحيى بن هرثمة" بهدف إحضار الإمام الهادي (ع) إلى سامراء والتحرّي عن صحّة نيّة الإمام مناهضة السلطة. واستهدف المتوكل من هذا الإجراء:

أولاً: فصل الإمام عن قاعدته الشعبية الواسعة والموالية. الأمر الذي كان يقلق السلطة لذلك عندما يصل يحيى بن هرثمة إلى المدينة يقول: "فلما دخلتها ضجّ أهلها وعجّوا عجيجاً ما سمعت مثله فجعلت أسكنهم وأحلف لهم أني لم أؤمر فيه بمكروه".

ثانياً: إدانة الإمام مباشرة. ولذلك قام يحيى بن هرثمة بتفتيش دار الإمام (ع) تفتيشاً دقيقاً فلم يجد شيئاً سوى المصاحف وكتب الأدعية.

ثالثاً: وضع الإمام تحت المراقبة المباشرة. ولذلك أكره على مغادرة المدينة والحضور إلى سامراء بصحبة أفراد عائلته حيث خضع للإقامة الجبرية عشرين عاماً وعدّة أشهر كان الإمام فيها مكرّماً في ظاهر حاله، يجتهد المتوكل في إيقاع حيلة به للحط من مكانة الإمام (ع) في قلوب الناس". ومن ذلك أنه عند دخول الإمام (ع) سامراء احتجب المتوكل عنه ولم يعيّن داراً لنزوله (ع) حتى اضطر الإمام إلى النزول في خان يقال له "خان الصعاليك" وهو محل نزول الفقراء من الغرباء. ومن ذلك أنه كان يوجّه إليه الأتراك فيداهمون منزله ويحضرونه ليلاً إلى مجلس المتوكل العامر بالخمر والمجون. ولكن هذه السياسة لم تثمر شيئاً بل كانت ترفع من مكانة الإمام ومقامه واستطاع بذلك أن يكسب ولاء عدد من حاشية المتوكل إلى درجة أن والدة المتوكل كانت تنذر باسمه النذور. وأمام هذا الواقع قرّر المتوكّل التخلص من الإمام فسجنه مقدمة لقتله. ولكن إرادة الله حالت دون ذلك فلم يلبث إلاّ قليلاً حتى هجم عليه الأتراك في قصره وقتلوه شر قتلة. ولم تنته محنة الإمام الهادي (ع) بهلاك الطاغية المتوكل، فقد بقي تحت مراقبة السلطة باعتباره موضع تقدير الأمة وتقديسها.

وثقل على المعتز العباسي ما يراه من تبجيل الناس للإمام وحديثهم عن ماثره وعلومه وتقواه فسوّلت له نفسه اقتراف أخطر جريمة في الإسلام حيث دسّ له السم القاتل في طعامه. فاستشهد الإمام (ع) في سنة 254ه من شهر ذي الحجة عن عمر يناهز الواحد والأربعين سنة.

 

محاولة إغتیال الامام الهادي (ع)

لقد دبرت السلطة الحاكمة آنذاك مؤامرة لقتل الإمام (عليه السلام) ولكنها لم تنجح، فقد روي : أنّ أبا سعيد قال: حدثنا أبو العبّاس فضل بن أحمد بن إسرائيل الكاتب، ونحن بداره بسامرة، فجري ذكر أبي الحسن (عليه السلام) فقال : يا أبا سعيد ، إنّي أحدثك بشيء حدثني به أبي؟ قال : كنا مع المعتزّ وأبي كاتبه، قال: فدخلنا الدار وإذا المتوكل علي سريره قاعد، فسلّم المعتزّ ووقف ووقفت خلفه، وكان عهدي به إذا دخل عليه رحّب به ويامره بالجلوس فأطال القيام، وجعل يرفع قدماً ويضع أخري، وهو لا يأذن له بالقعود، ونظرت إلي وجهه يتغير ساعة بعد ساعة ويقبل الي الفتح بن خاقان ويقول: هذا الذي يقول فيه ما تقول؟ ويردّد القول، والفتح مقبل عليه يسكته ويقول : هو مكذوب عليه يا أمير المؤمنين، وهو يتلظي ويشطط ويقول : واللّه ، لأقتلن هذا المرائي الزنديق، وهو الذي يدعي الكذب، ويطعن في دولتي. ثم قال: جئني بأربعة من الخزر جلاف لا يفهمون، فجيء بهم ودفع إليهم أربعة أسياف ، وأمرهم أن يرطنوا بألسنتهم إذا دخل أبو الحسن. وأن يقبلوا عليه بأسيافهم فخبطوه ويغلقوه وهو يقول : واللّه لأحرقنه بعد القتل، وأنا منتصب قائم خلف المعتز من وراء الستر، فما علمتُ إلاّ بأبي الحسن قد دخل، وقد بادر الناس قدامه، وقالوا: قد جاء، والتفت ورائي فإذا أنا به وشفتاه تتحركان، وهو غير مكترث ولا جازع ، فلما بصر به المتوكل رمي بنفسه عن السرير إليه وهو يسبقه ، فانكب عليه يقبّل بين عينيه ويديه ، وسيفه، بيده وهو يقول : يا سيدي يابن رسول اللّه ياخير خلق اللّه ، يابن عمي يا مولاي يا أبا الحسن. وأبو الحسن (عليه السلام) يقول: اعيذك يا أمير المؤمنين باللّه [اعفني] من هذا . فقال: ما جاء بك يا سيدي في هذا الوقت ؟ قال : جاءني رسولك. فقال المتوكل: [يدعوك. فقال:] : كذب ابن الفاعلة، ارجع يا سيّدي من حيث جئت. يا فتح، يا عبيداللّه ، يا منتصر، شيعوا سيدكم وسيدي. فلما بصر به الخزر خرّوا سجداً مذعنين، فلما خرج دعاهم المتوكل ثم أمر الترجمان أن يخبره بما يقولون، ثم قال لهم: لِمَ لم تفعلوا ما أمرتكم به؟ قالوا : شدة هيبته، ورأينا حوله أكثر من مائة سيف لم نقدر أن نتأملهم ، فمنعنا ذلك عما أمرت به وامتلأت قلوبنا من ذلك [رعباً]. فقال المتوكل : يا فتح، هذا صاحبك وضحك في وجه الفتح، وضحك الفتح في وجهه. وقال المتوكل : الحمد للّه الذي بيض وجهه، وأنار حجته7 . إنّ هذا النصّ قد كشف لنا بوضوح عن كل نوازع المتوكل، التي تدور حول قتل الإمام وحرقه، فضلاً عن الاتّهام بالزندقة والطعن في دولته. والمتوكّل بعد كل هذه المحاولات التي باءت بالفشل لم يهدأ له بال وهو يريد إذلال الإمام (عليه السلام) بأي نحوٍ كان، وروي أنّه لمّا كان في يوم الفطر ـ وفي السنة التي قتل فيها المتوكل ـ أمر المتوكل بني هاشم بالترجّل والمشي بين يديه، وإنّما أراد بذلك أن يترجّل أبو الحسن (عليه السلام)، فترجّل بنو هاشم وترجّل أبو الحسن (عليه السلام) واتكأ علي رجل من مواليه، فأقبل عليه الهاشميون وقالوا: يا سيّدنا، ما في هذا العالم أحد يستجاب دعاؤه ويكفينا اللّه به تعزّر هذا؟ قال أبو الحسن (عليه السلام): في هذا العالم من قلامة ظفره أكرم علي اللّه من ناقة ثمود، لما عقرت الناقة صاح الفصيل إلي اللّه تعالي، فقال اللّه سبحانه: ( فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ)8 فقتل المتوكل يوم الثالث9.

 

دعاء الامام علي المتوکل

والتجأ الإمام أبو الحسن الهادي (عليه السلام) إلي اللّه تعالي ، وانقطع إليه ، وقد دعاه بالدعاء الشريف الذي عرف (بدعاء المظلوم علي الظالم) وهو من الكنوز المشرقة عند أهل البيت (عليهم السلام)10 .

 

هلاک التوکل

واستجاب اللّه دعاء وليّه الإمام الهادي (عليه السلام) ، فلم يلبث المتوكل بعد هذا الدعاء سوي ثلاثة أيام حتي هلك . وتم ذلك باتفاق المنتصر بن المتوكل مع مجموعة من الأتراك، حيث هجم الأتراك علي المتوكل ليلة الأربعاء المصادف لأربع خلون من شوال (247 ه ) يتقدمهم باغر التركي وقد شهروا سيوفهم ، وكان المتوكل ثملاً سكراناً ، وذعر الفتح بن خاقان فصاح بهم: ويلكم أمير المؤمنين؟! فلم يعتنوا به ورمي بنفسه عليه ليكون كبش الفداء له، إلاّ أنّه لم يغنِ عن نفسه ولا عنه شيئاً ، وأسرعوا إليهما ، فقطّعوهما إرباً إرباً ، بحيث لم يعرف لحم أحدهما من الآخر ـ كما يقول بعض المؤرخين ـ ودفنا معاً . وبذلك انطوت أيام المتوكّل الذي كان من أعدي الناس لأهل البيت (عليهم السلام) . وخرج الأتراك ، وكان المنتصر بانتظارهم فسلّموا عليه بالخلافة، وأشاع المنتصر أنّ الفتح بن خاقان قد قتل أباه ، وأنّه أخذ بثأره فقتله ، ثم أخذ البيعة لنفسه من أبناء الأُسرة العبّاسية وسائر قطعات الجيش . واستقبل العلويون وشيعتهم النبأ بهلاك المتوكل بمزيد من الابتهاج والأفراح، فقد هلك الطاغية الذي صيّر حياتهم إلي مآسي لا تطاق11.

 

مراحل حیاة الامام الهادي(ع)

يمكن تقسيم حياة الإمام الهادي (عليه السلام) التي ناهزت الأربعين سنة إلي مراحل متعددة بلحاظ طبيعة مواقفه وطبيعة الظروف التي كانت تحيط به . غير أنّ التقسيم الثنائي يتواءم والمنهج الذي اتّبعناه في دراسة حياة الأئمة (عليهم السلام) ، والذي يرتكز علي تنوّع مسؤولياتهم وأدوارهم بحسب الظروف والملابسات السياسية والاجتماعية التي كانت تحيط بكل واحدٍ منهم، ووحدة الهدف الذي يعدّ جامعاً مشتركاً لكل مواقفهم (عليهم السلام)، والذي يتمثّل في صيانة الشريعة من التحريف وحفظ الأُمّة الإسلامية من الانحراف عن عقيدتها ومبادئها، وصيانة دولة الرسول (صلي اللّه عليه وآله وسلم) من التردّي ما أمكن، والتمهيد لاستلام زمام الحكم حينما لا يتنافي مع القيم التي شُرّع الحكم من أجل تطبيقها وصيانتها . والمرحلة الاُولي من حياة الإمام الهادي (عليه السلام) تتمثّل في الحقبة الزمنية التي عاشها في ظلال إمامة أبيه الجواد (عليه السلام) وهي بين (212 ه ) إلي (220 ه ) ويبلغ أقصاها ثماني سنوات تقريباً . وقد عاصر فيها كلاً من المأمون والمعتصم العبّاسيين. والمرحلة الثانية تتمثل في الفترة الزمنية بين توليه (عليه السلام) لمنصب الإمامة في نهاية سنة (220 ه ) وإلي حين استشهاده (عليه السلام) في سنة (254 ه ) وهي أربع وثلاثون سنة تقريباً . وقد عاصر في هذه الفترة ستة من ملوك بني العبّاس، وهم علي الترتيب: 1 ـ المعتصـم (218 ـ 227 ه ). 2 ـ الـواثـق (227 ـ 232 ه ). 3 ـ المتوكـل (232 ـ 247 ه ). 4 ـ المنتصـر (247 ـ 248 ه ). 5 ـ المستعين (248 ـ 252 ه ). 6 ـ المعتــز (252 ـ 255 ه ). وسوف نتابع المرحلة الأُولي من حياة هذا الإمام العظيم في الفصل الثالث من الباب الثاني، ونقف عند أهم الأحداث التي ترتبط به في فترة حياته في ظل أبيه (عليه السلام) . وأمّا المرحلة الثانية من حياته المباركة فسوف ندرس ظروفها ونقف عند ملامحها ومتطلّباتها خلال الأبواب الثلاثة الأخيرة.

 

منزلة الإمام في المدينة:

تسلّم الإمام الهادي (ع) شؤون الإمامة فعلياً في عام 220ه وله من العمر حوالى ست سنوات. وقد مارس دوره التوجيهي كواحد من أئمة الهدى ومصابيح الدجى وفي طليعة أهل العلم للتوجيه السياسي ومصدراً لقلق السلطة العباسية وقتذاك، فكان (ع): "خير أهل الأرض وأفضل من برأه الله تعالى في عصره" كما يقول أحد العلماء المعاصرين له. ولذلك تسالم علماء عصره وفقهاءه على الرجوع إلى رأيه في المسائل المعقّدة والغامضة من أحكام الشريعة الإسلامية. مما جعل من مدرسته الفكرية في مسجد الرسول (ص) في المدينة محجّة للعلماء وقبلة يتوجه إليها طلاب العلم والمعرفة انذاك وقد نقلت عن لسانه الشريف الكثير من الاراء الفقهية والعقائدية والكلامية والفلسفية من خلال أسئلة أصحابه والمناظرات التي كان يجيب فيها على تساؤلات المشكّكين والملحدين بالحجة والمنطق... وبذلك احتل مكانة محترمة في قلوب الناس مما أزعج السلطة العباسية أن يكون للإمام هذا الدور وهذه الموقعية والتأثير فأحاطوه بالرقابة وعناصر التجسس لمعرفة أخباره ومتابعة تحركاته.

 

الإمام (ع) والسلطة:

والجدير بالذكر أن الدولة العباسية شهدت انذاك نوعاً من الضعف والوهن السياسي والإداري وتسلّط الأتراك وتحكّم الوزراء وضعف شخصية الخلفاء طيلة عهود المعتصم والواثق العباسيين مما سمح بهذا المناخ الفكري الخصب والتحرك الواسع للإمام الهادي (ع)، ولكن الأمور تغيّرت في عهد المتوكل العباسي الذي كان يحقد حقداً شديداً على ال البيت(ع) فكان يحاول الحط من سمعة الإمام علي بن أبي طالب (ع) والاستهانة به. كما قام بفعلته الشنيعة بحق الحائر الحسيني المقدّس فأمر بهدمه والتنكيل بزواره. وقد عانى منه العلويون شتى ألوان الأذى والاضطهاد، وأخيراً كان الإمام الهادي يحمل الرمز الهاشمي العلوي ويمثل محوراً دينياً لا يستهان به في البلاد الإسلامية انذاك. لذلك استعمل المتوكل على المدينة أحد أشد أعوانه وأخبثهم عبد الله بن محمد فكان يتحيّن الفرص للإساءة الى الإمام ويعمل على أذيته ويرسل التقارير والوشايات للإيقاع به، فكانت تصل إلى المتوكل أخبار الإمام مشحونة بالتفاف الجماهير حوله وورود الأموال الطائلة إليه من مختلف اقطار العالم الاسلامي مما يشكّل خطراً على الدولة، وإتماماً لهذه المؤامرة المدبّرة يرسل المتوكل إلى المدينة أحد أعوانه "يحيى بن هرثمة" بهدف إحضار الإمام الهادي (ع) إلى سامراء والتحرّي عن صحّة نيّة الإمام مناهضة السلطة. واستهدف المتوكل من هذا الإجراء:

أولاً: فصل الإمام عن قاعدته الشعبية الواسعة والموالية. الأمر الذي كان يقلق السلطة لذلك عندما يصل يحيى بن هرثمة إلى المدينة يقول: "فلما دخلتها ضجّ أهلها وعجّوا عجيجاً ما سمعت مثله فجعلت أسكنهم وأحلف لهم أني لم أؤمر فيه بمكروه".

ثانياً: إدانة الإمام مباشرة. ولذلك قام يحيى بن هرثمة بتفتيش دار الإمام (ع) تفتيشاً دقيقاً فلم يجد شيئاً سوى المصاحف وكتب الأدعية.

ثالثاً: وضع الإمام تحت المراقبة المباشرة. ولذلك أكره على مغادرة المدينة والحضور إلى سامراء بصحبة أفراد عائلته حيث خضع للإقامة الجبرية عشرين عاماً وعدّة أشهر كان الإمام فيها مكرّماً في ظاهر حاله، يجتهد المتوكل في إيقاع حيلة به للحط من مكانة الإمام (ع) في قلوب الناس". ومن ذلك أنه عند دخول الإمام (ع) سامراء احتجب المتوكل عنه ولم يعيّن داراً لنزوله (ع) حتى اضطر الإمام إلى النزول في خان يقال له "خان الصعاليك" وهو محل نزول الفقراء من الغرباء. ومن ذلك أنه كان يوجّه إليه الأتراك فيداهمون منزله ويحضرونه ليلاً إلى مجلس المتوكل العامر بالخمر والمجون. ولكن هذه السياسة لم تثمر شيئاً بل كانت ترفع من مكانة الإمام ومقامه واستطاع بذلك أن يكسب ولاء عدد من حاشية المتوكل إلى درجة أن والدة المتوكل كانت تنذر باسمه النذور. وأمام هذا الواقع قرّر المتوكّل التخلص من الإمام فسجنه مقدمة لقتله. ولكن إرادة الله حالت دون ذلك فلم يلبث إلاّ قليلاً حتى هجم عليه الأتراك في قصره وقتلوه شر قتلة. ولم تنته محنة الإمام الهادي (ع) بهلاك الطاغية المتوكل، فقد بقي تحت مراقبة السلطة باعتباره موضع تقدير الأمة وتقديسها.

وثقل على المعتز العباسي ما يراه من تبجيل الناس للإمام وحديثهم عن ماثره وعلومه وتقواه فسوّلت له نفسه اقتراف أخطر جريمة في الإسلام حيث دسّ له السم القاتل في طعامه. فاستشهد الإمام (ع) في سنة 254ه من شهر ذي الحجة عن عمر يناهز الواحد والأربعين سنة.

 

محاولة إغتیال الامام الهادي (ع)

لقد دبرت السلطة الحاكمة آنذاك مؤامرة لقتل الإمام (عليه السلام) ولكنها لم تنجح، فقد روي : أنّ أبا سعيد قال: حدثنا أبو العبّاس فضل بن أحمد بن إسرائيل الكاتب، ونحن بداره بسامرة، فجري ذكر أبي الحسن (عليه السلام) فقال : يا أبا سعيد ، إنّي أحدثك بشيء حدثني به أبي؟ قال : كنا مع المعتزّ وأبي كاتبه، قال: فدخلنا الدار وإذا المتوكل علي سريره قاعد، فسلّم المعتزّ ووقف ووقفت خلفه، وكان عهدي به إذا دخل عليه رحّب به ويامره بالجلوس فأطال القيام، وجعل يرفع قدماً ويضع أخري، وهو لا يأذن له بالقعود، ونظرت إلي وجهه يتغير ساعة بعد ساعة ويقبل الي الفتح بن خاقان ويقول: هذا الذي يقول فيه ما تقول؟ ويردّد القول، والفتح مقبل عليه يسكته ويقول : هو مكذوب عليه يا أمير المؤمنين، وهو يتلظي ويشطط ويقول : واللّه ، لأقتلن هذا المرائي الزنديق، وهو الذي يدعي الكذب، ويطعن في دولتي. ثم قال: جئني بأربعة من الخزر جلاف لا يفهمون، فجيء بهم ودفع إليهم أربعة أسياف ، وأمرهم أن يرطنوا بألسنتهم إذا دخل أبو الحسن. وأن يقبلوا عليه بأسيافهم فخبطوه ويغلقوه وهو يقول : واللّه لأحرقنه بعد القتل، وأنا منتصب قائم خلف المعتز من وراء الستر، فما علمتُ إلاّ بأبي الحسن قد دخل، وقد بادر الناس قدامه، وقالوا: قد جاء، والتفت ورائي فإذا أنا به وشفتاه تتحركان، وهو غير مكترث ولا جازع ، فلما بصر به المتوكل رمي بنفسه عن السرير إليه وهو يسبقه ، فانكب عليه يقبّل بين عينيه ويديه ، وسيفه، بيده وهو يقول : يا سيدي يابن رسول اللّه ياخير خلق اللّه ، يابن عمي يا مولاي يا أبا الحسن. وأبو الحسن (عليه السلام) يقول: اعيذك يا أمير المؤمنين باللّه [اعفني] من هذا . فقال: ما جاء بك يا سيدي في هذا الوقت ؟ قال : جاءني رسولك. فقال المتوكل: [يدعوك. فقال:] : كذب ابن الفاعلة، ارجع يا سيّدي من حيث جئت. يا فتح، يا عبيداللّه ، يا منتصر، شيعوا سيدكم وسيدي. فلما بصر به الخزر خرّوا سجداً مذعنين، فلما خرج دعاهم المتوكل ثم أمر الترجمان أن يخبره بما يقولون، ثم قال لهم: لِمَ لم تفعلوا ما أمرتكم به؟ قالوا : شدة هيبته، ورأينا حوله أكثر من مائة سيف لم نقدر أن نتأملهم ، فمنعنا ذلك عما أمرت به وامتلأت قلوبنا من ذلك [رعباً]. فقال المتوكل : يا فتح، هذا صاحبك وضحك في وجه الفتح، وضحك الفتح في وجهه. وقال المتوكل : الحمد للّه الذي بيض وجهه، وأنار حجته12 . إنّ هذا النصّ قد كشف لنا بوضوح عن كل نوازع المتوكل، التي تدور حول قتل الإمام وحرقه، فضلاً عن الاتّهام بالزندقة والطعن في دولته. والمتوكّل بعد كل هذه المحاولات التي باءت بالفشل لم يهدأ له بال وهو يريد إذلال الإمام (عليه السلام) بأي نحوٍ كان، وروي أنّه لمّا كان في يوم الفطر ـ وفي السنة التي قتل فيها المتوكل ـ أمر المتوكل بني هاشم بالترجّل والمشي بين يديه، وإنّما أراد بذلك أن يترجّل أبو الحسن (عليه السلام)، فترجّل بنو هاشم وترجّل أبو الحسن (عليه السلام) واتكأ علي رجل من مواليه، فأقبل عليه الهاشميون وقالوا: يا سيّدنا، ما في هذا العالم أحد يستجاب دعاؤه ويكفينا اللّه به تعزّر هذا؟ قال أبو الحسن (عليه السلام): في هذا العالم من قلامة ظفره أكرم علي اللّه من ناقة ثمود، لما عقرت الناقة صاح الفصيل إلي اللّه تعالي، فقال اللّه سبحانه: ( فَقَالَ تَمَتَّعُوا فِي دَارِكُمْ ثَلاَثَةَ أَيَّامٍ ذلِكَ وَعْدٌ غَيْرُ مَكْذُوبٍ)13 فقتل المتوكل يوم الثالث14.

 

دعاء الامام علي المتوکل

والتجأ الإمام أبو الحسن الهادي (عليه السلام) إلي اللّه تعالي ، وانقطع إليه ، وقد دعاه بالدعاء الشريف الذي عرف (بدعاء المظلوم علي الظالم) وهو من الكنوز المشرقة عند أهل البيت (عليهم السلام)15 .

 

هلاک التوکل

واستجاب اللّه دعاء وليّه الإمام الهادي (عليه السلام) ، فلم يلبث المتوكل بعد هذا الدعاء سوي ثلاثة أيام حتي هلك . وتم ذلك باتفاق المنتصر بن المتوكل مع مجموعة من الأتراك، حيث هجم الأتراك علي المتوكل ليلة الأربعاء المصادف لأربع خلون من شوال (247 ه ) يتقدمهم باغر التركي وقد شهروا سيوفهم ، وكان المتوكل ثملاً سكراناً ، وذعر الفتح بن خاقان فصاح بهم: ويلكم أمير المؤمنين؟! فلم يعتنوا به ورمي بنفسه عليه ليكون كبش الفداء له، إلاّ أنّه لم يغنِ عن نفسه ولا عنه شيئاً ، وأسرعوا إليهما ، فقطّعوهما إرباً إرباً ، بحيث لم يعرف لحم أحدهما من الآخر ـ كما يقول بعض المؤرخين ـ ودفنا معاً . وبذلك انطوت أيام المتوكّل الذي كان من أعدي الناس لأهل البيت (عليهم السلام) . وخرج الأتراك ، وكان المنتصر بانتظارهم فسلّموا عليه بالخلافة، وأشاع المنتصر أنّ الفتح بن خاقان قد قتل أباه ، وأنّه أخذ بثأره فقتله ، ثم أخذ البيعة لنفسه من أبناء الأُسرة العبّاسية وسائر قطعات الجيش . واستقبل العلويون وشيعتهم النبأ بهلاك المتوكل بمزيد من الابتهاج والأفراح، فقد هلك الطاغية الذي صيّر حياتهم إلي مآسي لا تطاق16.

 

استشهاد الامام الهادي(ع)

ظلّ الإمام الهادي (عليه السلام) يعاني من ظلم الحكّام وجورهم حتّي دُسّ إليه السمّ، كما حدث لآبائه الطّاهرين، وقد قال الإمام الحسن (عليه السلام) : ما منّا إلاّ مقتول أو مسموم17. قال الطبرسي وابن الصباغ المالكي : في آخر ملكه 18، استشهد وليّ اللّه عليّ بن محمّد (عليهما السلام)19. وقال ابن بابويه: وسمّه المعتمد20. وقال المسعودي: وقيل: إنّه مات مسموماً21؛ ويؤيد ذلك ما جاء في الدّعاء الوارد في شهر رمضان: وضاعف العذاب علي من شرك في دمه22. وقال سراج الدين الرفاعي في صحاح الأخبار: «وتوفي شهيداً بالسم في خلافة المعتز العبّاسي...»23. وقال محمّد عبدالغفار الحنفي في كتابه أئمة الهدي: «فلما ذاعت شهرته (عليه السلام) استدعاه الملك المتوكل من المدينة المنوّرة حيث خاف علي ملكه وزوال دولته .. وأخيراً دسّ إليه السمّ...»24. والصحيح أنّ المعتز هو الذي دسّ إليه السمّ وقتله به . ويظهر أنّه اعتلّ من أثر السمّ الذي سُقي، كما جاء في رواية محمّد بن الفرج، عن أبي دعامة، حيث قال: أتيت عليّ بن محمّد بن عليّ بن موسي عائداً في علّته التي كانت وفاته منها في هذه السنة، فلمّا هممت بالانصراف قال لي: «يا أبا دعامة، قد وجب حقّك، ألا اُحدّثك بحديث تسرّ به؟ قال: فقلت له: ما أحوجني الي ذلك يابن رسول اللّه . قال: حدّثني أبي محمّد بن عليّ، قال: حدثّني أبي عليّ بن موسي، قال: حدثّني أبي موسي بن جعفر، قال: حدّثني أبي جعفر بن محمّد، قال: حدّثني أبي محمّد بن عليّ، قال: حدّثني أبي عليّ بن الحسين، قال: حدّثني أبي الحسين بن عليّ، قال: حدّثني أبي علي ابن أبي طالب (عليهم السلام) ، قال: قال لي رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) : اكتب يا عليّ: فقلت: «وما أكتب؟ فقال: اكتب بسم اللّه الرحمن الرحيم، الإيمان ما وقرته القلوب وصدّقته الأعمال، و الإسلام ما جري علي اللّسان، وحلّت به المناكحة». قال أبو دعامة: فقلت: يا بن رسول اللّه ، ما أدري أيّهما أحسن الحديث أم الإسناد؟! فقال: إنّها لصحيفة بخطّ عليّ بن أبي طالب (عليه السلام) بإملاء رسول اللّه (صلي اللّه عليه وآله وسلم) نتوارثها صاغراً عن كابر»25. قال المسعودي: واعتلّ أبو الحسن (عليه السلام) علّته التي مضي فيها فأحضر أبا محمّد ابنه (عليه السلام) فسلّم إليه النّور والحكمة ومواريث الأنبياء والسّلاح26. ونصّ عليه وأوصي إليه بمشهدٍ من ثقات أصحابه ومضي (عليه السلام) وله أربعون سنة27.

 

لماذا دفن الامام الهادي (ع) في بیته

لقد جرت العادة عند العامّة والخاصّة أنّه إذا توفي أحدٌ أن يدفن في المكان المعدّ للموتي المسمّي ـ بالمقبرة أو الجبّانة ـ كما هو المتعارف في هذا العصر أيضاً، ولا يختلف هذا الأمر بالنسبة لأي شخص مهما كان له من المكانة والمنزلة، فقد كان ولا يزال في المدينة المحل المُعدّ للدّفن ـ البقيع ـ حيث إنّه مثوي لأئمة أهل البيت (عليهم السلام) ، وزوجات النبيّ (صلي اللّه عليه وآله وسلم)، وأولاده، وكبار الصحابة والتابعين وغيرهم، كما وأن مدفن الإمامين الجوادين (عليهما السلام) فيمقابر قريش. وأمّا السبب في دفن الإمام الهادي (عليه السلام) داخل بيته ، فيعود إلي حصول ردود الفعل من الشيعة يوم استشهاده (عليه السلام) وذلك عندما اجتمعوا لتشييعه مظهرين البكاء والسخط علي السلطة، والذي كان بمثابة توجيه أصابع الاتهام إلي الخليفة لتضلّعه في قتله. وللشارع الذي اُخرجت جنازة الإمام (عليه السلام) إليه الأثر الكبير، حيث كان محلاً لتواجد معظم الموالين لآل البيت (عليهم السلام) إذ ورد في وصفه: الشارع الثّاني يعرف بأبي أحمد.. أوّل هذا الشارع من المشرق دار بختيشوع المتطبّب التي بناها المتوكل، ثم قطائع قواد خراسان وأسبابهم من العرب، ومن أهل قم، وإصبهان ، وقزوين ، والجبل ، وآذربيجان، يمنة في الجنوب ممّا يلي القبلة28. ويشير إلي تواجد أتباع مدرسة أهل البيت في سامراء المظفري في تاريخه إذ يقول: فكم كان بين الجند، والقواد، والاُمراء، والكتّاب، من يحمل بين حنايا ضلوعه ولاء أهل البيت (عليهم السلام)29. كلّ هذا أدّي إلي اتّخاذ السلطة القرار بدفنه (عليه السلام) في بيته، وإن لم تظهر تلك الصورة في التاريخ بوضوح، إلاّ أنّه يفهم ممّا تطرق إليه اليعقوبي في تاريخه عند ذكره حوادث عام (254 ه ) ووفاة الإمام الهادي (عليه السلام) حيث يقول: وبعث المعتز بأخيه أحمد بن المتوكّل فصلّي عليه في الشارع المعروف بشارع أبي أحمد، فلمّا كثر الناس واجتمعوا كثر بكاؤهم وضجّتهم، فردّ النعش إلي داره، فدفن فيها..30 وتمكّنوا بذلك من إخماد لهيب الإنتفاضة والقضاء علي نقمة الجماهير الغاضبة، وهذا إن دلّ علي شيء فإنّما يدل علي وجود التحرّك الشيعي رغم الظروف القاسية التي كان يعاني منها أئمة أهل البيت (عليهم السلام) وشيعتهم من سلطة الخلافة الغاشمة.

 

من أدعیة الامام الهادي(ع)

1 ـ دعاؤه عند الشدائد: وكان يدعو به إذا ألمّت به حادثة أو حلّ به خطب أو أراد قضاء حاجة مهمة ، و كان قبل أن يدعو به يصوم يوم الأربعاء والخميس والجمعة ، ثم يغتسل في أوّل يوم الجمعة ويتصدق علي مسكين، ويصلي أربع ركعات، فيقرأ في الركعة الأولي سورة الفاتحة وسورة يس، وفي الثانية سورة الحمد وحم الدخان ، وفي الثالثة سورة الحمد مع سورة الواقعة، وفي الرابعة سورة الحمد وسورة تبارك ، وإذا فرغ منها بسط راحتيه إلي السماء ، ودعا بإخلاص قائلاً بعد البسملة31 : « اللهم لك الحمد حمداً يكون أحقّ الحمد بك ، وأرضي الحمد لك ، وأوجب الحمد لك ، وأحب الحمد إليك ، ولك الحمد كما أنت أهله، وكما رضيته لنفسك، وكما حمدك من رضيت حمده من جميع خلقك، ولك الحمد كما حمدك به جميع أنبيائك ورسلك وملائكتك ، وكما ينبغي لعزك وكبريائك وعظمتك ، ولك الحمد حمداً تكل الألسن عن صفته ويقف القول عن منتهاه ، ولك الحمد حمداً لا يقصر عن رضاك، ولا يفضله شيء من محامدك... اللهم ومن جودك وكرمك أنّك لا تخيب من طلب إليك وسألك ورغب فيما عندك ، وتبغض من لم يسألك ، وليس كذلك أحد غيرك، وطمعي يا رب في رحمتك ومغفرتك ، وثقتي بإحسانك وفضلك حداني علي دعائك والرغبة إليك ، وأنزل حاجتي بك ، وقد قدمت أمام مسألتي التوجه بنبيك الذي جاء بالحق والصدق فيما عندك ، ونورك وصراطك المستقيم، الذي هديت به العباد ، وأحييت بنوره البلاد ، وخصصته بالكرامة ، وأكرمته بالشهادة وبعثته علي حين فترة من الرسل... اللهم دللت عبادك علي نفسك فقلت تباركت وتعاليت : ( وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِيْ وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ) 32 وقلت : ( ... قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَي أَنفُسِهِمْ لاَ تَقْنَطُوا مِن رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)33 . وقلت: ( وَلَقَدْ نَادَانَا نُوحٌ فَلَنِعْمَ الْمُـجِيبُونَ )34 أجل يارب نعم المدعو أنت ونعم الرب أنت ونعم المجيب ، وقلت: (قُلِ ادْعُوا اللَّهَ أَوِ ادْعُوا الرَّحْمَانَ أَيّاً مَا تَدْعُوا فَلَهُ الْأَسْماءُ الْحُسْنَي)35 ، وأنا أدعوك اللهم بأسمائك التي إذا دعيت بها أجبت ، وإذا سُئلت بها أعطيت ، وأدعوك متضرعاً إليك مستكيناً ، دعاء من أسلمته الغفلة ، وأجهدته الحاجة ، أدعوك دعاء من استكان ، واعترف بذنبه ، ورجاك لعظيم مغفرتك ، وجزيل مثوبتك36. 2 ـ دعاء الاعتصام، وهذا نصّه: « يا عدّتي عند العدد ، ويا رجائي والمعتمد ، ويا كهفي والسند، ويا واحد يا أحد ، ويا قل هو اللّه أحد ، أسألك اللهمّ بحق من خلقته من خلقك ، ولم تجعل في خلقك مثلهم أحد أن ...» ثمّ تذكر حاجتك37. 3 ـ مناجاته: وكان الإمام الهادي (عليه السلام) يناجي اللّه تعالي في غلس الليل البهيم بقلب خاشع ، ونفس آمنة مطمئنة . وكان ممّا يقول في مناجاته : « إلهي مسيء قد ورد ، وفقير قد قصد ، فلا تخيّب مسعاه وارحمه واغفر له خطاه...». « الهي صلِّ علي محمّد وآل محمّد ، وارحمني إذا انقطع من الدنيا أثري ومُحي من المخلوقين ذكري ، وصرت من المنسيين كمن نسي ، الهي كبُر سني ، ورق جلدي ، ودقّ عظمي ، ونال الدهر مني واقترب أجلي ، ونفدت أيّامي ، وذهبت شهواتي وبقيت تبعاتي إلهي ارحمني إذا تغيّرت صورتي...»38 .

 

---------------------------------

1. اُصول الكافي : 1 / 298 .

2. مناقب آل أبي طالب : 4 / 433، وعنه في بحار الأنوار : 50 / 114

3. اُصول الكافي : 1 / 497، والإرشاد : 368، والمصباح: 523 .

4. مناقب آل أبي طالب : 4 / 433 ، وثلاثة أميال تعادل خمسة كيلومترات .

5. كشف الغمّة : 2 / 374 .

6. المناقب : 4 / 432 .

7. الخرائج والجرائح : 1/417 ـ 419 وعنه في كشف الغمّة: 3/185 مع اختلاف يسير.

8. هود 11: 65.

9. عيون المعجزات: 122، بحار الأنوار: 50/209.

10. مهج الدعوات: 50/209.

11. الكامل في التاريخ : 10 / 349 .

12. الخرائج والجرائح : 1/417 ـ 419 وعنه في كشف الغمّة: 3/185 مع اختلاف يسير.

13. هود 11: 65.

14. عيون المعجزات: 122، بحار الأنوار: 50/209.

15. مهج الدعوات: 50/209.

16. الكامل في التاريخ : 10 / 349 .

17. بحار الأنوار : 27/216 ، ح 18، كفاية الأثر: 160.

18. أي المعتز.

19. إعلام الوري 2: 110، الفصول المهمة 2: 1075.

20. بحار الأنوار 50: 113، مناقب آل أبي طالب 3: 506.

21. مروج الذهب 4: 185.

22. بحار الأنوار: 50/206 ح 19، إقبال الأعمال 1: 215.

23. إلزام الناصب: 302.

24. راجع : الإمام الهادي من المهد الي اللحد: 509 ـ 510.

25. بحار الأنوار: 50/208 ، مروج الذهب: 4/184.

26. إثبات الوصيّة: 257، عيون المعجزات: 122.

27. بحار الأنوار: 50/210، عيون المعجزات: 122.

28. موسوعة العتبات المقدسة: 12/82.

29. تاريخ الشيعة: 101.

30. تاريخ اليعقوبي: 2/503.

31. الوسائل : 5 / 62 .

32. البقرة 2: 186 .

33. الزمر 39: 53 .

34. الصافات 37: 75 .

35. الإسراء 17: 110 .

36. بحار الأنوار 87: 48 ـ 51، عن جمال الأُسبوع والمتهجد.

37. عدة الداعي: 57، راجع حياة الإمام عليّ الهادي : 131 ـ 136، الأمالي، الطوسي: 280، وفيه: «صلِّ علي جماعتهم».

38. حياة الإمام عليّ الهادي عليه السلام، : 137، عن الدر النظيم.

 

 


source : www.alimamali.com
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أدب الامام الهادي(علیه السلام)
كرامات الإمام الهادي ( عليه السلام )
كرم الإمام الهادي ( عليه السلام )
اخبار الامام الهادي (عليه السلام) مع المتوكل ...
نفحات في ذکرى ميلاد الامام الهادي عليه السلام
تاريخ حياة الإمام الهادي (عليه السلام)(القسم ...
الإمام الهادي عليه السلام والفرق الضالّة
محطات قدسية .. في عالم النور(الإمام الهادي عليه ...
الامام الهادي عليه السلام قدوة
بعض أصحاب ورجال الهادي (عليه السلام)

 
user comment