عربي
Tuesday 7th of January 2025
0
نفر 0

السرّ السادس - الشفاعة

السرّ السادس - الشفاعة

السرّ السادس - الشفاعة

 

من الواضح المعلوم أنّ الإنسان رهين بما كسب ، وأ نّه ليس للإنسان إلاّ ما سعى ، وهذا من الاُصول الأساسية في المفاهيم الإسلامية المنبثقة من القرآن الكريم والسنّة الشريفة . فالوصول إلى المراتب العالية والأهداف السامية ، لا يكون بالتكاسل والتمهّل والسكون ، بل لا بدّ من الحركة والعمل الدؤوب المتواصل ليل نهار ، وحتّى في الاُمور المعنوية والمسائل الروحية وما يرتبط بعالم الآخرة ، فلا بدّ من العبادة والانقطاع إلى الله سبحانه في الليل والنهار ، لا بدّ من الصلوات اليومية ، ومن صيام شهر رمضان المبارك ، وأداء مناسك الحج ، ورعاية جميع الأحكام الإلهية ، بإتيان الواجبات وترك المحرّمات ، وذلك من تقوى العام ، بل بإتيان النوافل والمستحبّات فضلا عن الواجبات ، وترك المكروهات فضلا عن المحرّمات ، وذلك من تقوى الخاص . فليس للإنسان إلاّ ما سعى ، وسوف يرى عمله محضراً ، مثقال شرّ أو مثقال خير.

ولكن من أراد صعود الجبل والوصول إلى قمّته ، فإنّه يتحرّك بنفسه أوّلا ، ويحمل معه ما يعينه على المسير والصعود ، إلاّ أ نّه في بعض المواقف يحتاج إلى من يسنده ويعينه ويدفعه إلى الأمام ، ويأخذ بيده للصعود إلى القمّة ، وحفظه من الانزلاق والهبوط ، وهذا الشخص المعين والمساعد يسمّى بالشفيع ، فهو بشفاعته
يساعد الصاعد على صعوده.

والمؤمن في حياته الإيمانية العلمية والعمليّة ، يبذل ما في وسعه وطاقته لنيل رضى الله سبحانه ، إلاّ أ نّه لعظم الصعود وأ نّه إلى ربّك المنتهى ، وأ نّه إليه يصعد الكلم الطيّب والعمل الخالص ، وأ نّه في مقام الإخلاص يرى أ نّه لم يفعل شيئاً ، ولا يقدر طي المنازل وإدامة المسير بوحده ، وإنّه يحتاج إلى شفيع يكمل وتره ، ويشفع له في التقرّب إلى ربّه العزيز ، ليجبر نقصه وضعفه ، وليدفعه إلى الصعود إلى المدارج العالية والمقامات السامية ونيل قمّة الكمال ، وهي زيارة الله في عرشه ، ولا يتحقّق ذلك إلاّ بالشفاعة . ولتحقّق الشفاعة أسباب وعوامل ، ومن أهمّها زيارة أولياء الله ، كما أنّ الإقرار بالذنب من الوسائل لدرك الشفاعة النبوية والولوية ، وخاتم الأنبياء محمّد (صلى الله عليه وآله) ادّخر شفاعته لأصحاب الكبائر من اُمّته ـ كما ورد في الحديث الشريف عند الفريقين ـ .

ومن أبرز العوامل للحصول على الشفاعة والمعونة الإلهية والتوفيقات الربّانية زيارة مولانا الإمام الرضا (عليه السلام) ، فإنّ زائره ينال الشفاعة ولو كان عليه ذنوب الثقلين ، وهذا من أسرار الولاية والزيارة فلا تغفل.

العيون بسنده عن ابن الفضال ، عن أبيه ، قال : سمعت الرضا (عليه السلام) يقول :

إنّي مقتول ومسموم ومدفون بأرض غربة ، أعلم ذلك بعهد عهده إليّ أبي عن أبيه عن آبائه عن رسول الله (صلى الله عليه وآله) ، ألا فمن زارني في غربتي كنت أنا وآبائي شفعاءه يوم القيامة ، ومن كنّا شفعاؤه نجى ، ولو كان عليه وزر الثقلين.

وهذا لا يعني التجرّؤ على الذنوب ـ والعياذ بالله ـ بل يعني الحياء من الله ورسوله وعترته الطاهرين ، فمن كان عنده مثل هذا الربّ الغفور الرحيم ، ومثل هؤلاء الشفعاء الأطهار ، كيف يعصي الله ورسوله والعترة الهادية ؟ !

السرّ السابع - غفران الذنوب ما تقدّم منها وما تأخّر

 

العصمة الذاتية من الذنوب والآثام والشين والرين والخطأ والسهو تختصّ بأهلها ، كالأنبياء والأوصياء (عليهم السلام) ، وكذلك من يحذو حذوهم بالعصمة الأفعالية ويرثهم في علومهم وسلوكهم ، وأمّا غير هؤلاء وما دونهم فكلّ واحد معرّض للخطأ والعصيان ، فإنّ غير المعصوم (عليه السلام) غير معصوم من الذنوب والمعاصي :

(وَقَلِيلٌ مِنْ عِبادِيَ الشَّكُورُ)[1].

وأكثر الناس يغرّهم الشيطان بوساوسه وخطواته وحزبه وحبائله ، كما تغريهم الدنيا الدنيّة وزخرفها وزبرجها ، كما تأمره النفس الأمّارة بالسوء بارتكاب الآثام ، فيبتلى المرء بالمعاصي والمنكرات ، إلاّ أن الله يغفر الذنوب جميعاً إلاّ ما اُشرك به ، فإنّه هو التوّاب الرحيم . فمن كان موحّداً مؤمناً بالله سبحانه فإنّه لا ييأس من روحه وغفرانه مهما فعل من الذنوب ، وارتكب من المعاصي ، ما دام لم يسوَدّ قلبه وينتكس وينقلب كالحجارة أو أشدّ قسوة[2].

فالمذنب يلتجئ إلى رحمة الله وإلى نبيّ الله (صلى الله عليه وآله) الذي هو رحمة للعالمين ومظهر
رحمة الله ، وإلى أهل بيته الأطهار (عليهم السلام) ، فمن يقتدي بهم في سلوكه ومعتقداته ويطيعهم في كلّ الأحوال ، فإنّه ينجو لا محالة ، وممّـا يوجب النجاة من الذنوب زيارتهم (عليهم السلام).

والعجب أنّ زيارتهم المقدّسة توجب غفران الذنوب ما تقدّم منها وما تأخّر ، أي تعطي الحصانة وصمّـام الضمان في المستقبل ، أمّا ما تقدّم من الذنوب فواضح ، فإنّ الزيارة تعني الماء الطاهر المطهّر الذي يزيل الأوساخ والأقذار من الثياب والجسد ، فتوجب محو الذنوب وكفّارة المعاصي وطهارة القلوب وتزكية النفوس وانشراح الصدور.

وأمّا ما تأخّر فهذا من أسرار الزيارة والولاية ، ويبدو لي في ذلك وجوه :

 

 

الأوّل :

أنّ الزائر بزيارته المقبولة يتوفّق للتوبة في آخر حياته وعند موته ، فلا يموت إلاّ مسلماً صالحاً مغفوراً ، فيغفر ما تأخّر من ذنبه ، ويكون عاقبته على خير وصلاح وغفران

.

الثاني :

قدسية الزيارة وعلوّ درجاتها تعطي الإنسان الزائر عصمة أفعالية ، فإنّه بعد درك فيض الزيارة المقبولة ، وانفتاحه على إمامه بروحه وقلبه ، من الصعب أن يفكِّر بالذنوب والمعاصي ، فإنّ قداسة الزيارة وشرف الحضور يمنعه من ذلك ، فلا يصدر منه إلاّ الصغار واللمم المغفور له ، فيغفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر

.

الثالث :

في الفقه الإسلامي يقال : الماء إذا بلغ قدر كرّ فلا ينجّسه شيء ، فإنّه يعصم عن النجاسة بمجرّد ملاقاتها ، حتّى يتبدّل أحد أوصافه الثلاثة ـ الطعم أو الرائحة أو اللون ـ بإحدى النجاسات المعهودة في الشرع الإسلامي المبين ، فماء الكرّ يكون معصوماً من النجاسات ، بمعنى أ نّه لا تؤثّر النجاسات في طهارته ، ويبقى الماء طاهراً ومطهّراً ، إلاّ أن يتبدّل لونه أو طعمه أو رائحته بالنجاسة

.

والزائر بزيارته واتّصاله بالعصمة الولوية ، وبالولاية الإلهية المتمثّلة بالائمّة المعصومين (عليهم السلام) وكذلك الأنبياء (عليهم السلام) ، فإنّه يعصم من الذنوب ، بمعنى أ نّه لا يتأثّر بها ما دام لم يتغيّر جوهره وذاته ، والزائر بعد زيارته المقبولة هيهات أن يرتكب من الذنوب ما يوجب تبدّل حقيقته وباطنه الإيماني الطاهر ، بل الزيارة تعصمه عن ذلك ، فإنّه اتّصل بماء البحر ، اتّصل بالإمامة والولاية العظمى ، فكيف يعمل الذنوب التي تغيّره في قلبه وروحه وعقله ، وتجعله كافراً نجساً ومشركاً رجساً ؟ ! هيهات لا يكون ذلك أبداً ، وهذا معنى غفران الذنوب ما تقدّم منها وما تأخّر.

عن أمير المؤمنين صلوات الله عليه قال : قال رسول الله (صلى الله عليه وآله) :

ستدفن بضعة منّي بخراسان ، ما زارها مكروب إلاّ نفّس الله كربته ، ولا مذنب إلاّ غفر الله ذنوبه.

قال أمير المؤمنين (عليه السلام) :

سيقتل رجل من ولدي بأرض خراسان بالسمّ ظلماً ، اسمه اسمي ، واسم أبيه اسم ابن عمران موسى (عليه السلام) ، ألا فمن زاره في غربته غفر الله ذنوبه ما تقدّم منها وما تأخّر ، ولو كانت مثل عدد النجوم وقطر الأمطار وورق الأشجار.

عن أبي جعفر (عليه السلام) قال :

من زار قبر أبي (عليه السلام) بطوس ، غفر الله ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، فإذا كان يوم القيامة نصب له منبر بحذاء منبر رسول الله (صلى الله عليه وآله) حتّى يفرغ الله من حساب عباده.

عن حمدان الدسوائي قال : دخلت على أبي جعفر الثاني (عليه السلام) فقلت له : ما لمن زار أباك بطوس ؟ فقال (عليه السلام) : من زار قبر أبي بطوس غفر الله ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر . قال حمدان : فلقيت بعد ذلك أيوب بن نوح بن دراج فقلت له : يا أبا الحسين ، إنّي سمعت مولاي أبا جعفر (عليه السلام) يقول : من زار قبر أبي بطوس غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، فقال أيوب : وأزيدك فيه ؟ قلت : نعم ، فقال : سمعته يقول ـ يعني أبا جعفر (عليه السلام) ـ :

من زار قبر أبي بطوس غفر له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، فإذا كان يوم القيامة نصب له منبر بحذاء منبر رسول الله حتّى يفرغ الله من حساب الخلائق[3].

الكليني بسنده عن أبي جعفر (عليه السلام) : من زار قبر أبي بطوس غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر . قال : فحججت بعد الزيارة فلقيت أيوب بن نوح فقال لي : قال أبو جعفر (عليه السلام) :

من زار قبر أبي بطوس غفر الله له ما تقدّم من ذنبه وما تأخّر ، وبني له منبراً حذاء منبر رسول الله وعلي (عليهما السلام) حتّى يفرغ الله من حساب الخلائق.

فرأيت بعد أيوب بن نوح وقد زار ، فقال : جئت أطلب المنبر[4].

عن الهروي قال : كنت عند الرضا (عليه السلام) عليه قوم من أهل قم ، فسلّموا عليه فردّ عليهم وقرّبهم ، ثمّ قال لهم :

مرحباً بكم وأهلا ، فأنتم شيعتنا حقّاً ، وسيأتي عليكم يوم تزورون فيه تربتي بطوس ، ألا فمن زارني وهو على غسل ، خرج من ذنوبه كيوم ولدته اُمّه

 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

من الشَّريعة حفظ النِّظام
من مناظرات الامام الصادق(عليه السلام)
زيارة الإمام علي بن موسى الرضا عليه السلام
بريد الحسد: الغضب والحقد ((مقتطفات من فكر الغزالي))
أسباب وضوابط اختلاف المفسرين
زيارة الامام الحسين (ع) في النصف من شعبان
سلوني قبل أن تفقدوني
المهدي المنتظر في القرآن الكريم
القرآن يتجلى في البرزخ بين البحار و الأنهار
جــنّة الـحسين (عليه السلام)

 
user comment