عربي
Sunday 29th of December 2024
0
نفر 0

سلوني قبل أن تفقدوني

سلوني قبل أن تفقدوني
ارتقی امیر المؤ منين علي بن ابي طالب عليه افضل الصلاة والسلام المنبر وقال معاشر الناس سلوني قبل أن تفقدوني هذا سفط العلم هذا لعاب رسول الله هذا ما زقني رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)زقا زقا سلوني فإن عندي علم الأولين و الآخرين
أما و الله لو ثنيت لي الوسادة فجلست عليها لأفتيت أهل الإنجيل بإنجيلهم و أهل التوراة بتوراتهم و أهل الزبور بزبورهم حتى تنطق لي التوراة و الإنجيل و الزبور و يقلن صدق علي و ما كذب لقد أفتاكم بما أنزل الله عز و جل فينا و أفتيت أهل القرآن بقرآنهم حتى ينطق القرآن فيقول صدق علي و ما كذب لقد أفتاكم بما أنزل الله في و لو لا آية من كتاب الله لأخبرتكم بما يكون و بما هو كائن إلى يوم القيامة و هي قوله تعالى يَمْحُوا اللّهُ ما يَشاءُ وَ يُثْبِتُ وَ عِنْدَهُ أُمُّ الْكِتابِ .
ثم قال سلوني قبل أن تفقدوني فو الذي فلق الحبة و برأ النسمة لو سألتموني عن آية آية في ليل نزلت أو في نهار مكيها و مدنيها سفريها و حضريها ناسخها و منسوخها محكمها و متشابهها تأويلها و تنزيلها لأخبرتكم .
فقام إليه رجل يقال له ذعلب و كان ذرب اللسان بليغا في الخطب شجاع القلب قال لقد ارتقى ابن أبي طالب مرقاة صعبة لأخجلنه اليوم لكم بمسألتي لكم إياه
فقال يا أمير المؤمنين هل رأيت ربك قال ويلك يا ذعلب لم أكن أعبد ربا لم أره قال فكيف رأيته صفه لنا قال ويلك لم تره العيون بمشاهدة الأبصار و لكن رأته القلوب بحقائق الإيمان ويلك يا ذعلب إن ربي لا يوصف بالبعد و لا بالقرب و لا بالحركة و لا بالسكون و لا بقيام فيقال انتصب و لا بجيئة و لا بذهاب لطيف اللطافة لا يوصف باللطف عظيم العظمة لا يوصف بالغلظ رءوف الرحمة لا يوصف بالرقة مؤمن لا بعبادة مدرك لا بحاسة قائل لا بلفظ هو في الأشياء على غير ممازجة خارج منها على غير مباينة فوق كل شيء و لا يقال شيء فوقه و أمام كل شيء و لا يقال له أمام داخل في الأشياء لا كشيء في شيء داخل خارج عن الأشياء لا كشيء من شيء خارج فخر ذعلب مغشيا عليه ثم قال تالله ما سمعت مثل هذا الجواب و الله لا عدت إلى مثلها .
ثم قال سلوني قبل أن تفقدوني فقام إليه الأشعث بن قيس فقال يا أمير المؤمنين كيف تأخذ من المجوس جزية و لم يبعث إليهم نبي و لم ينزل عليهم الكتاب قال بلى يا أشعث قد أنزل الله عليهم كتابا و بعث إليهم نبيا حتى كان لهم ملك سكر ذات ليلة فدعا إليه ابنته إلى فراشه فارتكبها فلما أصبح تسامع به قومه فاجتمعوا على بابه فقالوا أيها الملك دنست علينا ديننا و أهلكته فاخرج نطهرك و نقم عليك الحد فقال لهم اجتمعوا اسمعوا كلامي فإن يكن مخرج مما ارتكبته و إلا فشأنكم فاجتمعوا فقال لهم هل علمتم أن الله لم يخلق خلقا أكرم عليه من أبينا آدم و أمنا حواء قالوا صدقت أيها الملك قال أ فليس قد زوج بنيه ببناته و بناته من بنيه قالوا صدقت هذا هو الدين فتعاقدوا على ذلك فمحا الله في صدورهم من العلم و رفع عنهم الكتاب فهم الكفرة يدخلون النار بغير حساب و المنافقون أشد عذابا منهم فقال الأشعث بن قيس و الله ما سمعت بمثل هذا الجواب و الله لا عدت إلى مثلها أبدا .
ثم قال سلوني قبل أن تفقدوني فقام إليه رجل من أقصى المسجد متوكئا على عصاه فلم يزل يتخطى رقاب الناس حتى دنا فقال يا أمير المؤمنين دلني على عمل إذا أنا عملته نجاني الله من النار فقال له اسمع يا هذا ثم افهم ثم استيقن ، قامت الدنيا بثلاث بعالم ناطق مستعمل لعلمه و بغني لا يبخل بماله على أهل دينه و بفقير صابر فإذا كتم العالم علمه و بخل الغني و لم يصبر الفقير فعندها الويل و الثبور و عندها يعرف العارفون لله زوال الدار قد رجعت إلى بدئها إلى الكفر بعد الإيمان أيها السائل فلا تغتر بكثرة المساجد و جماعة أقوام أجسامهم مجتمعة و قلوبهم متفرقة أيها السائل الناس ثلاثة زاهد و راغب و صابر فأما الزاهد فلا يفرح بشيء من الدنيا أتاه و لا يحزن على شيء منها فاته و أما الصابر فيتمناها بقلبه فإذا أدرك منها شيئا صرف عنها نفسه لما يعلم من شر عاقبتها و أما الراغب فلا يبالي من حلال أصابها أم من حرام ،
قال يا أمير المؤمنين فما علامة المؤمن في ذلك الزمان قال ينظر إلى ما أوجب الله عليه من حق فيتولاه و ينظر إلى ما خالفه فيتبرأ منه و إن كان حميما قريبا قال صدقت و الله يا أمير المؤمنين ثم غاب الرجل فلم نره و طلبه الناس فلم يجدوه .
قال فتبسم علي (عليه السلام)ثم قال سلوني قبل أن تفقدوني فلم يقم إليه أحد ثم قال للحسن (عليه السلام) قم فاصعد المنبر فتكلم بكلام لا تجهلك قريش من بعدي فيقولون إن الحسن لا يحسن شيئا فقال يا أبت كيف أصعد و أتكلم و أنت في الدنيا تسمع و ترى قال بأبي أنت و أمي أواري نفسي عنك و أسمع يا ولدي و لا تراني فصعد الحسن (عليه السلام)المنبر فحمد الله بمحامد شريفة بليغة و صلى على النبي و آله صلاة موجزة ثم قال أيها الناس سمعت جدي رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)يقول أنا مدينة العلم و علي بابها و هل تدخل المدينة إلا من بابها ثم نزل فوثب إليه علي (عليه السلام) فحمله و ضمه إلى صدره .
ثم قال للحسين (عليه السلام) يا بني قم فاصعد المنبر و تكلم بكلام لا تجهلك قريش من بعدي فيقولون الحسين بن علي لا يبصر شيئا و ليكن كلامك تبعا لكلام أخيك .
فصعد الحسين (عليه السلام) المنبر فحمد الله و أثنى عليه و صلى على نبيه صلاة موجزة ثم قال يا معاشر الناس سمعت جدي رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم) يقول إن عليا هو مدينة الهدى فمن دخلها نجا و من تخلف عنها هلك فوثب إليه علي (عليه السلام)فضمه إلى صدره و قبله ثم قال معاشر الناس اشهدوا أنهما فرخا رسول الله (صلی الله عليه وآله وسلم)و وديعته التي استودعنيها و أنا أودعكموها أيها الناس إن رسول الله سائلكم عنهما و بحذف الإسناد روي أن يوما حضر الناس عند أمير المؤمنين (عليه السلام)و هو يخطب بالكوفة و يقول سلوني قبل أن تفقدوني فإني لا سئلت عن شيء دون العرش إلا أجبت فيه لا يقولها بعدي إلا مدع أو كذاب مفتر فقام إليه رجل من جنب مجلسه في عنقه كتاب كالمصحف و هو رجل أدم ضرب طوال جعد الشعر كأنه من يهود العرب فقال رافعا صوته لعلي (عليه السلام)أيها المدعي لما لا يعلم و المتقدم لما لا يفهم أنا أسألك فأجب .
قال فوثب أصحابه و شيعته من كل ناحية و هموا به فنهرهم علي (عليه السلام)و قال دعوه و لا تعجلوه فإن العجلة و البطش و الطيش لا يقوم به حجج الله و لا بإعجال السائل يظهر براهين الله عز و جل ثم التفت إلى السائل فقال سل بكل لسانك و مبلغ علمك أجبك إن شاء الله بعلم لا يختلج به الشكوك و لا يهيجنه دنس ريب الزيغ و لا قوة إلا بالله .
قال الرجل كم بين المشرق و المغرب قال علي (عليه السلام)مسافة الهواء قال الرجل و ما مسافة الهواء فقال علي دوران الفلك قال و ما دوران الفلك قال (عليه السلام)مسيرة يوم الشمس قال صدقت قال فمتى القيامة قال علي عند حضور المنية و بلوغ الأجل قال صدقت قال فكم عمر الدنيا قال علي سبقه ثم لا تجديد قال الرجل صدقت فأين بكة من مكة قال علي مكة أكناف الحرم و بكة موضع البيت قال الرجل صدقت قال فلم سميت مكة قال علي لأن الله عز و جل مد الأرض من تحتها قال نعم قال فلم سميت بكة قال لأنها بكت رقات الجبارين و أعناق المذنبين قال صدقت فأين كان الله قبل أن يخلق عرشه قال سبحانه من لا تدركه الأبصار و لا تدركنه صفته حملة العرش على قرب ربواتهم من كرسي كرامته و لا الملائكة من زاخر رشحات جلاله قال ويحك لا يقال الله أين و لا بم و فيم و لا أي و لا كيف قال الرجل صدقت فكم مقدار ما لبث عرشه على الماء من قبل أن يخلق الأرض و السماء قال علي أ تحسن أن تحسب قال نعم قال للرجل لعلك لا تحسن أن تحسب قال بلى إني لأحسن أن أحسب قال علي أ رأيت إن صب خردل في الأرض حتى سد الهواء و ما بين الأرض و السماء ثم أذن لك على ضعفك أن تنقله حبة حبة من مقدار المشرق و المغرب و في مد عمرك و أعطيت القوة على ذلك حتى تنقله و أحصيته لكان ذلك أيسر من أن أحصي عدد أعوام ما لبث عرشه على الماء من قبل أن يخلق الأرض و السماء و إنما وصفت منقص عشر عشر لعشر من جزء من مائة ألف جزء و أستغفر الله عن التقليل و التحديد :
قال فحرك الرجل رأسه و أنشأ بعد يقول :
أنت أصيل العلم يا ذا الهدى *** تجلو من الشك الغياهيبا
خرت أقاصي كل علم فما *** تبصر أن غولبت مغلوبا
لا تنثني عن كل أشكولة *** تبدي إذا حلت أعاجيبا
لله در العلم من صاحب *** يطلب إنسانا و مطلوبا
المصدر : ارشاد القلوب/الجزء الثاني ص 373 - 378
الشـیخ ابو محمـد الحسـن بن محمد الدیلمی

 


source : راسخون
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

ماهية الصلاة البتراء والأحاديث الناهية عنها عند ...
الأنبياء (عليهم السلام) وتربية الإنسان
الإنتظار والصِّراع بين المستضعفين والمستكبرين
القراءات السبع والأحرف السبعة
الأصالة والاغتراب
رسالة الدم
الامام الهادي عليه السلام والغلاة
النفس في القرآن
بيع وشراء العملات الأجنبية
ولاية التأديب

 
user comment