حقیقة الشیعة الجعفریة (2)
21. و الشیعة الجعفریة یصَلّون و یصومون و یزکّون و یخمّسون أموالهم ، و یحجّون إلی بیت الله الحرام بمکّة المکرّمة ،و یؤدون مناسک العمرة و الحج في العمر مرّةً وجوباً ،و أکثر من ذلک ، استحباباً ،و یأمرون بالمعروف و ینهون عن المنکر ،و یتولّون أولیاء الله ،و أولیاء نبیّه ،و یعادون أعداء الله و أعداء نبیّه ،و یجاهدون في سبیل الله کلّ کافر أو مشرک یعلن الحرب علی الإسلام ،و کل ّ متآمر علی الأمة الإسلامیة ،و یجرون نشاطاتهم الاقتصادیّة و الاجتماعیّة و العائلیة کالتجارة و الإجارة و النّکاح و الطلاق و الإرث و التربیة و الرضاع و الحجاب و غیرها وفقا لأحکام الاسلام الحنیف ، آخذین هذه الأحکام ـ عن طریق الاجتهاد الذي یقوم به فقهاؤهم الأتقیاء الورعون ـ من الکتاب و السنّة الصحیحة ،و أحادیث أهل البیت الثابتة ،و العقل و إجماع العلماء .
22. و یرون أنّ لکل فریضة من الفرائض الیومیّة وقتاً معیّناً ،و أنّ أوقات الصلوات الیومیة هي خمسة : (الفجر و الظهر و العصر و المغرب و العشاء ) و أنّ الأفضل هو الإتیان بکلّ صلاة في وقتها الخاص، إلّا أنّهم یجمعون بین صلاتي الظهر و العصر،و بین صلاتي المغرب و العشاء ؛ لأنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله جمع بینهما من دون عذر و لا مرضٍ و لا مطرٍ و لا سَفر ـ کما في صحیح مسلم و غیره ـ تخفیفاً علی الأمّة ،و تسهیلاً علیها ،و هو أمر طبیعي في عصرنا الحاضر.
23. و یؤذّنون کما یؤذّن سائر المسلمین إلّا أنّهم یأتون ـ بعد: (حيّ علی الفلاح) ـ بجملة (حيّ علی خیر العمل ) لأنّها کانت في زمن رسول الله صلّی الله علیه و آله ،و إنّما حذفها ـ اجتهاداً ـ عمر بن الخطاب بحجة أنها تصرف المسلمین عن الجهاد، إذ عرفوا أنّ الصلاة هي خیر العمل (کما صرح بذلک العلامة القوشجي الأشعري في کتابه شرح تجرید الاعتقاد ، و جاء المصنّف للکندي و کنز العمّال للمتقي الهندي و غیرهم ) . بینما أضاف عمرُ بن الخطاب عبارة (الصّلاة خیرٌ من النوم) ،و الحال أنها لم تکن في زمن النّبي صلّی الله علیه و آله . (راجع کتب الحدیث و التاریخ).
و حیث إنّ العبادة و مقدّماتها في الإسلام موقوفةٌ علی الشرع المقدس و إذنه ، بمعنی أنه یجب أن یستند کل شیء فیها إلی نصٍ خاصٍ أو عامٍ من الکتاب و السنّة ،و إلّا کان بدعة مرفوضة و مردودة علی صاحبها .... لذلک لا یمکن الزیادة و النقصان في العبادات ، بل في کل أمور الشرع بالرأي الشخصي.
و أمّا ما یضیفه الشیعة الجعفریّة بعد (أشهد أنّ محمداً رسول الله) إذ یقولون : (أشهد أنّ علیاً ولي الله) ، فهو لروایات وردت عن رسول الله و أهل البیت صلوات الله علیهم ، تصرّح بأنّه ما ذکرت جملة (محمّد رسول الله ) أو کتبت علی باب الجنة إلّا و أردفت بجملة : (علي وليّ الله ) ،و هي جملة تنبيء عن أن الشیعة لا یقولون بنبوّة علي (ع) ، فضلاً عن القول بالوهیته و ربوبیّته و العیاذ بالله.
فلذلک جاز ذکرها إلی جانب الشهادتین رجاء أن تکون مطلوبة من قبل الله تعالی ، و لا یؤتی بها بقصد الجزئیة أو الوجوب و هذا هو ما علیه الأغلبیة الساحقة من فقهاء الشیعة الجعفریة.
و لهذتا فإنّ هذه الزیادة التي یؤتی بها لا بقصد الجزئیة کما قلنا ، لا تعدّ من قبیل ما لا أصل له في الشرع فلا تکون بدعةً.
24. و یسجدون علی التراب (والصعید) أو علی الحصی ، أو علی الصخر و غیر ذلک من أجزاء الأرض و نباتها (کالحصیر ) دون الفراش و القماش و المأکول و الحليّ ، لروایات کثیرةٍ وردت في کتب الشیعة و السنّة بأنّ رسول الله صلّی الله علیه و آله کان من دأبه السجود علی التراب أو الأرض ، بل و یأمر المسلمین بذلک ، و من ذلک أنّ بلالاً سجد ذات یوم علی کور عمامته اتقاء الحرّ اللافح، فإزال النبيّ (ص) بیده عمامة بلال من جبینه و قال : ترّب جبینک یا بلال.
و ذکر مثل هذا لصهیب و لرباح ، اذ قال : ترّب وجهک یا صهیب و ترّب وجهک یا رباح (راجع البخاري، و کنز العمال ، و المصنف لعبد الرزاق الصنعاني، و السجود علی الأرض لکاشف الغطاء ).
و لأنّ السجود علی التراب و وضع الجبین عند السجدة علی الأرض هو الأنسب للسجود أمام الله ، لأنه أدعی للخشوع و أقرب إلی الخضوع أمام المعبود، کما أنه یذکّر الإنسان بأصله و معدنه ، ألیس قال الله تعالی : « منها خلقناکم و فیها نعیدکم و منها نخرجکم تارةً أخری»13؟!
و إنّ السجود غایة الخضوع ، و غایة الخضوع لا تتحقّق بالسجود علی السّجاد و الفراش ، و القماش و الجواهر الثمینة ، إنما تتحقق بوضع أشرف موضع في البدن و هو الجبین علی أرخص شيء و هو التراب (راجع : الیواقیت و الجواهر للشّعراني الأنصاري المصري من علماء القرن العاشر).
نعم ، لا بدّ أن یکون التراب طاهراً، ولهذا یحمل الشیعة معهم قطعة من الطین(وهو التراب الملتزق ببعضه بعض) للتأکّد من طهارته . و ربما یکون هذا الطین مأخوذاً من أرضٍ مبارکة کأرض کربلاء التي استشهد فیها الإمام الحسین سبط رسول الله (ص) تبرّکاً ، کما کان بعض الصّحابة یأخذون من حصی مکة للسجود علیها في أسفارهم ، تبرّکاً (راجع المصنف للصنعاني).
و لکن لا یصرّ الشیعة الجعفریة علی هذا ، و لا یلتزمون به دائماً ، بل یسجدون علی أيّ صخرة نظیفة طاهرة مثل بلاط المسجد النبوي الشریف، و بلاط المسجد الحرام بلا إشکال و لا تردّد.
کما أنّهم لا یضعون یدهم الیمنی علی الید الیسری في الصلاة؛ لأنّ النّبي (ص) لم یفعل ذلک ، و لأنه لم یثبت ذلک بالنص القاطع الصریح ، و لهذا لا تفعله المالکیة أیضاً(راجع البخاري و مسلم و سنن البیهقي، و لمعرفة رأي المالکیة راجع بدایة المجتهد لابن رشد القرطبي المالکي و غیره).
25. و یتوضّأ الشیعة الجعفریة بغسل أیدیهم من المرافق إلی رؤوس الأصابع لا العکس، لأنّهم أخذوا کیفیة الوضوء من أئمة أهل البیت (ع) و هم أخذوه عن رسول الله صلّی الله علیه و آله و هم أدری من غیرهم بما کان یفعله جدّهم ، و قد کان رسول الله (ص) یفعل هکذا ، و قد فسّروا « إلی » في آیة الوضوء 14 بـ« مع» کما فعل ذلک الشافعي الصغیر في کتابه : « نهایة المحتاج».
کما أنّهم یمسجون أرجلهم و رؤوسهم و لا یغسلونها في الوضوء لنفس السبب الذي ذکرناه ، و لأنّ ابن عباس قال : الوضوء غسلتان و مسحتان ، أو مغسولان و ممسوحان ، (راجع السنن و المسانید ، و راجع تفسیر الفخر الرازي عند تفسیر آیة الوضوء).
26. و یقولون بجواز زواج المتعة لنصّ القرآن الکریم به إذ قال : « فما استمتعتم به منهنّ فآتوهنّ أجورهن»15 ، و لأنه فعله المسلمون في عهد رسول الله صلّی الله علیه و آله و سلم و فعله صحابته إلی منتصف عهد خلافة عمر بن الخطاب ، و هو زواج شرعي یشارک الزواج الدائم في :
أـ أن تکون المرأة غیر ذات بعل ، و في إجراء الصیغة المتکوّنة من الإیجاب من جانب المرأة و القبول من جانب الرجل.
ب ـ و في وجوب إعطاء مالٍ إلی المرأة یسمّی في الدائم : المَهر ،و في المتعة : الأجر، بنص القرآن کما مرّ أعلاه.
دـ و في وجوب إتخاذ العدّة من جانب المرأة بعد حصول انفصال الزوج عن الزوجة.
هـ ـ و في وجوب العدّة بعد المفارقة ، و إلتحاق الوَلَد بالوالد، و وجوب أن یکون الزواج واحداً لا أکثر.
وـ و في التوارث بین الولد و الوالد ، و الولد و الوالدة و بالعکس أیضاً.
و یفارق الزواج الدائم في تعیین مدة في الزواج المؤقّت و في عدم وجوب النفقة و القسمة علی الزوج للزوجة ، و عدم التوارث بین الزوجین، و عدم الحاجة إلی الطلاق من أجل الانفصال ، بل یکفي انقضاء المدّة المقررة أو التنازل عن بقیة المدة المذکورة في نصّ العقد لها.
و حکمة تشریع هذا النمط من الزواج هي الاستجابة المشروعة و المشروطة لحاجة الرجال و النساء الجنسیّة لمن لا یستطیع القیام بکل لوازم الزواج ا لدائم ، أو حُرِم من الزوجة ، لوفاة أو سبب آخر و بالعکس، مع إرادة العیش بکرامة و شرف ، و بالتالي فالمعتة في الدرجة الأولی حلٌّ لمعضلة اجتماعیة خطیرة ، و لمنع وقوع المجتمع الإسلامي في مستنقع الفساد و الإباحیة.
و قد یستفاد منها لأغراض التعارف المشروع قبل الزواج ، وهو بالتالي یمنع من اللقاء الحرام، و الزنا ، و الکبت الجنسي أو استخدام الأمور الأخری المحرّمة کالاستمناء بالنسبة لمن لا یطیق الصبر علی زوجة واحدة ، أو لا یمکنه إدارة زوجة ـ أو أکثر من زوجة ـ اقتصادیاً و معیشیاً و في نفس الوقت لایرید الحرام.
و علی کلّ حال ، فإنّ هذا الزواج یستند إلی الکتاب و السنّة ، و عمِل الصحابة به ردحاً من الزمن، ولو کان زنا لکان معناه أنّ القرآن و النّبي و الصحابة قد أحلّوا الزّنا و ارتکب فاعله الزنا مدّة من الزمن ، و العیاذ بالله.
هذا مضافاً إلی أنّ نسخة لا یستند إلی الکتاب و السنّة ، ولم یقم علیه دلیل قاطع و صریح.16
علی أنّ الشیعة الإمامیة و إن کانوا یبیحون و یحلّون هذا النوع من النکاح المشرّع و المشروع بنصّ الکتاب و السنّة إلّا أنّهم یرجّحون النکاح الدائم و إقامة العائلة لکونها أساس المجتمع القويّ السلیم ، و لا یمیلون إلی الزواج المؤقت المسمی في الشریعة بالمتعة مع کونها ـ کما قلنا ـ حلالاً مشروعاً.
و بالمناسبة ، فإنّ الشیعة الإمامیة ـ انطلاقاً من الکتاب و السنّة و تعالیم و توصیات أئمة أهل البیت علیهم السلامـ یکنّون کل احترام للمرأة ، و یقیمون لها وزناً کبیراً، و لهم في مجال مکانة المرأة و شؤونها و حقوقها و بخاصة في صعید التعامل الأخلاقي معها و الملکیة و النکاح و الطلاق و الحضانة و الرضاع و العبادات و المعاملات أحکام رائعة جدیرة بلاهتمام في روایات أئمتهم وفقههم.
27. و یحرّم الشیعة الجعفریة : الزنا ، و اللّواط ،و الرّبا ، و قتل النفس المحتمرة ، و شرب الخمر ، و القمار ،و الغدر، و المکر، و الغشّ و الخدیعة ، و الاحتکار، و التطفیف، و الغضب ، و السرقة ،و الخیانة ، و الغلّ ، والغناء و الرقص، و القذف ، والتهمة ، والنمیمة و الفساد، و إیذاء المؤمن ، و الغیبة ، و السبّ و الفحش ، و الکذب و البهتان و غیر ذلک من الکبائر و الصغائر ،و یحاولون ـ دائماً ـ الابتعاد عنها ،و تجنّبها ما أمکن . و یسعون جهدهم لمنعها في المجتمع بالوسائل المختلفة کتألیف و نشر الکتب و الکراسات الأخلاقیة و التربویة ، و إقامة المجالس و المحاضرات ،و خطب الجمعة و ...
28. و یهتمّون بفضائل الأخلاق و مکارمها ، و یعشقون المواعظ ،و یبادرون إلی إستماعها ،و یعقدون لذک المجالس و الحلقات في البیوت و المساجد و الساحات ، في المواسم و المناسبات رغبةً في الاتّعاظ ، و من هنا یهتمّون بأدعیة جلیلة الفائدة ، عظیمة المحتوی ، وردت عن رسول الله صلّی الله علیه و آله و الأئمة الطاهرین من أهل بیته مثل : دعاء کمیل ، و دعاء أبي حمزة ، و دعاء السمات ،و دعاء الجوشن الکبیر،17 و دعاء مکارم الأخلاق ، و دعاء الافتتاح (الذي یقرأ في شهر رمضان) و هم یقرأون هذه الأدعیة و المناجات الرفیعة المضامین في خشوع و روحانیةٍ، و في حالة خاصة من البکاء و الضّراعة ، لأنها توجب تهذیب نفوسهم ، و تقرّبهم إلی الله( وهذه الأدعیة موجودةٌ في موسوعة تحت عنوان موسوعة الأدعیة الجامعة صدرت مؤخراً ، کما هي موجودة کذلک في کتب الأدعیة ؛ المتداولة بینهم و المعروفة في أوساطهم).
29. و هم یهتمّون بقبور و مراقد النبيّ صلّی الله علیه و آله ، و الأئمة من أهل بیته المطهرین و ذریّته الطیّبین المدفونین في البقیع ، بالمدینة المنوّرة حیث مرقد الإمام حسن المجتبی ، و الإمام زین العابدین ، و الإمام محمّد الباقر ، و الإمام جعفر الصادق(ع).
و في النجف حیث مرقد الإمام علي (ع) . و کربلاء حیث مرقد الإمام الحسین بن علي(ع) و إخوته و أبنائه و أبناء عمومته ،و أصحابه الذین استشهدوا معه یوم عاشوراء.
و في سامراء حیث مرقد الإمام الهادي و العسکري(علیهما السلام).
و في الکاظمیة حیث مرقد الإمامین الجواد و الکاظم (ع) و کل ذلک بالعراق.
و في مدینة مشهد بإیران حیث مرقد الإمام الرضا(ع) .
و في مدینة قم ، و شیراز حیث مراقد أبنائهم و بناتهم ، و في دمشق حیث مرقد بطلة کربلاء السیدة زینب.
و في القاهرة حیث مرقد السیدة نفیسة (و هي من کرائم أهل البیت).
و ذلک احتراماً لرسول الله صلّی الله علیه و آله ، لأنّ الرجل یحفظ في ولده ، و تکریم ذریة الرّجل تکریم له ، و لأنّ القرآن الکریم مدح آل عمران ،و آل یس و آل ابراهیم و آل یعقوب و أشاد بهم ، و کان بعضهم غیر أنبیاء ،و قال :« ذریة بعضها من بعض»18 .
و لأنّ القرآن لم یعترض علی من قالوا: « لنتّخذنّ علیهم مسجداً»19 أي لنبنینّ و نقیمنّ علی مراقد أصحاب الکهف مسجداً، لیعبد الله إلی جانبهم ، و لم یصف عملهم بالشّرک ، لأنّ المسلم المؤمن یرکع و یسجد لله و یعبده وحده ،و إنما یأتی بذلک إلی جانب ضریح هؤلاء الأولیاء المطهّرین الطیبین لتقدّس المکان بهم، کما حصلت لمقام ابراهیم قداسة و کرامة فقال الله تعالی : « و اتّخذوا من مقام إبراهیم مصلّی »20 .
فلیس من صلّی خلف المقام یکون قد عَبَد المقام ، و لا من تعبّد الله بالسعي بین الصفا و المروة یکون قد عبدالجبلین ، إنما اختار الله لعبادته مکاناً مبارکاً مقدّساً ینتسب إلی الله نفسه في المآل ، فإنّ للأیام و الأمکنة قداسة کیوم عرفة ، و أرض منی ، و أرض عرفات ، وسبب قداستها هو انتسابها إلی الله تعالی.
30. و لهذا السبب أیضاً ، یهتمّ الشیعة الجعفریّة ـ کغیرهم من المسلمین الواعین المدرکین لشأن رسول الله صلّی الله علیه و آله و أهل بیته الطاهرین ـ بزیارة مراقد أهل البیت (ع) ، تکریماً لهم ، و لأخذ العبرة منهم و تجدیداً للعهد معهم و تأکیداً للقیم التي جاهدوا من أجلها و استشهدوا للحفاظ علیها ، لأنّ الزوار لهذه المراقد یذکرون في هذه الزیارات فضائل أصحابها ، و جهادهم و إقامتهم للصلاة و إیتاءهم للزکاة ، و ما تحمّلوا في طریق ذلک من الأذی و العذاب ، مضافاً إلی مشاطرة النبي الکریم ـ بهذا التعاطف مع ذریته المظلومین ـ حُزنَه (ص) علیهم.
ألیس هو القائل في قضیة استشهاد حمزة :« و لکنّ حمزة لا بواکي له » (کما في کتب التاریخ و السیرة)؟
و ألیس هو بکی في موت إبراهیم ولده العزیز؟
و ألیس کان یقصد البقیع لزیارة القبور؟
و ألیس هو القائل :« زوروا القبور فإنها تذکّرکم بالاخرة»21.
نعم ، إنّ زیارة قبور الأئمة من أهل البیت النبويّ و ما یذکر فیها من سیرتهم و مواقفهم الجهادیة تذکّر الأجیال اللاحقة بما قدّمه أولئک العظماء في سبیل الإسلام و المسلمین من تضحیات جسام ، کما و تزرع فیهم روح الشّجاعة و البَسالة و الإیثار و الشهادة في سبیل الله.
إنّه عملٌ إنسانيٌ حضاريٌ عقلانيٌ ، فالأمم تخلّد عظماءها ، مؤسسي حضاراتها ، و تحیي مناسباتهم بکلّ شکل و لون، لأنّ ذلک یبعث علی الافتخار و الاعتزار بقیمهم ، و یزید من إلتفات الأمم حولها و حول قیمها.
و هذا هو نفس ما أراده القرآن عندما أشاد في آیاته بمواقف الأنبیاء و الاولیاء و الصالحین و ذکر قصصهم.
31. و الشیعة الجعفریة یستشفعون برسول الله (ص) و الأئمة من أهل بیته المطهرین و یتوسّلون بهم إلی الله تعالی ، لمغفرة الذنوب ، و قضاء الحوائج ، و شفاء المرضی ، لأن القرآن هو الذي سمح بذلک بل دعی إلیه ، حیث قال : « و لو أنّهم إذ ظلموا أنفسهم جاءوک فاستغفروا الله و استغفر لهم الرّسول لوجدوا الله توّابا رحیماً»22 .
و قال :« و لسوف یعطیک ربّک فترضی» 23 و هو مقام الشفاعة.
فکیف یعقل أن یعطي الله لنبیّه الکریم مقام الشفاعة للمذنبین، و یعطیه مقام الوسیلة لذوي الحاجات ثم یمنع الناس من طلب الشفاعة منه ، أو یحرم النبيّ من الاستفادة من هذا المقام؟!
ألیس الله تعالی حکی عن أولاد یعقوب أنهم طلبوا الشفاعة من والدهم و قالوا له : « یا أبانا استغفر لنا ذنوبنا إنّا کنّا خاطئین »24 فلم یعترض علیهم ذلک النبي الکریم المعصوم بل قال :« سوف أستغفر لکم»؟25
و لا یمکن لأحد أن یدّعي أنّ النبيّ و الأئمة صلوات الله علیهم أمواتٌ ، فطلب الدعاء منهم لا یفید ، و ذلک لأنّ الأنبیاء أحیاء و خاصّة رسول الله صلّی الله علیه و آله ، الذي قال عنه سبحانه: « و کذلک جعلناکم أمّة وسطاً لتکونوا شهداء علی النّاس و یکون الرّسول علیکم شهیداً»26 أي شاهداً.
و قال : « و قل اعملوا فسیری الله عملکم و رسوله و المؤمنون»27 .
و هذه الآیة جاریةٌ و مستمرةٌ إلی یوم القیامة جریان الشمس و القمر ، و استمرار اللیل و النهار.
و أیضاً لأنّ النّبي و الأئمة من أهل بیته شهداء ،و الشهداء أحیاء ، کما قال الله تعالی أکثر من مرة في کتابه العزیز.
32. و الشیعة الجعفریة یحتفلون بموالید النبيّ و الأئمة من أهل بیته صلوات الله علیهم أجمعین ، و یقیمون المآتم في وفیاتهم ، ذاکرین فیها فضائلهم و مناقبهم و مواقفهم الرشیدة ، التي وردت بالنقل الصّحیح تبعاً للقرآن الذي ذکر مناقب النبي(ص) و غیره من الرسل ، و أشاد بها ، و لَفَت الأنضار إلیها للإتّساء و الاقتداء ، و للاعتبار و الاهتداء.
نعم ، یتجنّب الشیعة الجعفریة في هذه الاحتفالات الأفعال المحرّمة ، کالاختلاط المحرّم بین الرّجال و النساء و أکل المحرّم و شربه، و الغُلوّ في المدح و الثّناء،28 و غیرها من التصرّفات التي تتنافی و روح الشریعة الإسلامیة المقدّسة، و تتجاوز حدودها المسلّمة ، أو لا تنطبق علیها آیةٌ أو روایة صحیحة ، أو قاعدةٌ کلیّةٌ مستنبطةٌ من الکتاب و السنة بالاستنباط الصحیح.
33. و یستفید الشیعة الجعفریة من کتب تحتوي علی أحادیث الرّسول الاکرم و أهل بیته المطهّرین صلوات الله علیهم أجمعین مثل : « الکافي » للثقة الإسلام الکلیني ، و « من لا یحضره الفقیه» للشیخ الصّدوق ، و « الاستبصار » و « التهذیب » للشیخ الطوسيّ ، وهي کتبٌ قیّمة في مجال الحدیث.
و هذه الکتب ، و إن احتوت علی أحادیث صحیحة إلا أنّها ـ رغم ذلک ـ لم یطلق علیها أصحابها و مؤلفوها و لا الشیعة الجعفریة عنوان: الصحیح و لهذا لا یلتزم الفقهاء الشیعة بصحة جمیع أحادیثها ، بل یأخذون ما تثبت عندهم صحته منها، و یترکون ما لا یرونه صحیحاً ، أو حسناً ، أو مما یمکن الأخذ به حسب تعابیر علم الدرایة و الرّجال و قواعد علم الحدیث.
34. کما یستفیدون ـ في مجال العقیدة و الفقه و الدعاء و الاخلاق ـ من کتب أخری رویت فیها روایات متنوعة عن الائمة الطاهرین مثل کتاب :« نهج البلاغة » الذي ألفه السید الرضيّ رحمه الله من : خطب الإمام علي (ع) و رسائله و حکمه القصار.
و مثل رسالة « الحقوق » و « الصحیفة السجادیة» للإمام زین العابدین علي بن الحسین علیهما السّلام ،و الصحیفة العلویة للإمام علي (ع) ، « عیون أخبار الرضا» ،و التوحید ،و الخصال ، وعلل الشرائع ، و معاني الأخبار للشیخ الصدوق(رضي الله عنه).
35. و ربما استند الشیعة الجعفریة إلی أحادیث صحیحة لرسول الله صلّی الله علیه و آله ، وردت في مصادر إخوانهم من أهل السنّة و الجماعة 29 في مختلف المجالات من دون تعصّب ، أو تزمّت ،و تشهد بذلک مؤلفاتهم قدیماً و حدیثاً ، حیث وردت فیها أحادیث من صحابة النبيّ صلی الله علیه و آله و أزواجه و مشاهیر الصحابة و کبار الرواة کأبي هریرة و أنس و غیرها ، بشرط صحّته و عدم معارضته للقرآن و الأثر الصحیح ، و العقل الحصیف و إجماع العلماء.
36. یری الشیعة الجعفریة بأنّ ما لحق بالمسلمین قدیما و حدیثاً من المحن و الویلات ما کان إلّآ نتیجة أمرینهما:
أولاً: تجاهل أهل البیت (ع) کقادة مؤهّلین للقیادة ،و تجاهل إرشاداتهم و تعالیمهم ، و بخاصة تفسیرهم للقرآن الکریم.
و ثانیاً: التفرّق و التشتت و الاختلاف و التنازع بین المذاهب و الفِرق الإسلامیة.
و لهذا یسعی الشیعة الجعفریة دائماً إلی توحید صفوف الأمّة الإسلامیة ،و یمدّون ید المحبّة و الأخوة إلی الجمیع ، محترمین اجتهادات علماء تلک الفرق و المذاهب ،و أحکامها.
و في هذا السبیل دأب علماء الشیعة الجعفریة منذ القرون الإسلامیة الأولی علی ذکر آراء الفقهاء غیر الشیعة في مؤلفاتهم الفقهیّة و التفسیریة و الکلامیة مثل : « الخلاف » في مجال الفقه ، للشیخ الطوسي، و « مجمع البیان » في مجال التفسیر، للطبرسي ، و الذي مدحه أبرز علماء الأزهر.
و مثل « تجرید الاعتقاد » لنصیر الدین الطوسي في مجال العقیدة ، و الذي قام بشرحه علاء الدین القوشجي الأشعري.
37. و یری علماء الشیعة الجعفریة البارزون ضرورة الحوار بین علماء المذاهب الإسلامیة المختلفة في مختلف مجالات الفقه و العقیدة و التاریخ ،و التفاهم في قضایا المسلمین المعاصرة ، و الاجتناب عن التراشق بالتّهم ، و تسمیم الأجواء بالسّباب ، حتی تتهیّأ أرضیّة مناسبة لإیجاد تقارب منطقيٍّ بین فصائل الأمّة الإسلامیة و شرائحها المتعدّدة ، لسدّ الطریق علی أعداء الإسلام و المسلمین ، الذین یبحثون عن الثغرات لتوجیه ضربة قاضیة إلی کافة المسلمین ، من دون استثناء.
و هي هذا السّیاق لا یکفّر الشیعة الجعفریة أحداً من أهل القبلة قطّ ، مهما کان مذهبه الفقهي و منحاه العقیدي إلّا ما أجمع المسلمون علی تکفیره ، و لا یعادونهم، و لا یسمحون بالتآمر علیهم ،و یحترمون اجتهادات الفِرَق و المذاهب الإسلامیة و یرون عمل من ینتقل من مذهبه إلی مذهب الشیعة الجعفریة الإمامیة مجزیاً و مسقطاً للتکلیف و مبرءاً للذمّة، اذا کان قد عمل وفق مذهبه في الصلاة و الصیام و الحج و الزکاة و النکاح و الطلاق و البیع و الشراء و غیرها ، فلا یجب علیه تجدید صیغة النکاح أو الطلاق ما دام أجراهما وفق المختار من مذهبه.
و هم یتعایشون مع إخوانهم المسلمین في کل مکان کما لو کانوا إخوةً و أقارب.
نعم ، لا یوافقون المذاهب الاستعماریة کالبهائیة و البابیّة و القادیانیّة و ما شاکل ذلک ، بل یخالفونها و یحاربونها و یحرّمون الانتماء إلیها.
و إذا کان الشیعة ـ أحیاناً و لیس دائماً ـ یستخدمون التقیة ، وهي تعني کتمان ما هم علیه من المذاهب و المعتقد ، و هو أمرٌ مشروع بنص القرآن الکریم و معمولٌ به بین المذاهب الإسلامیة في ظروف الصراع الطائفي الحاد، فهو لأحد عاملین:
أحدهما : الحفاظ علی أنفسهم و دمائهم حتی لا تذهب هدراً.
و ثانیهما : الحفاظ علی وحدة المسلمین و عدم تعرضها للتصدّع.
38. و یری الشیعة الجعفریة أنّ من أسباب تأخّر المسلمین الیوم ، هو التخلّف الفکريّ و الثقافي و العلمي و التکنولوجي، و أنّ العلاج یکمن في توعیة المسلمین رجالاًو نساءاً ، و رفعِ مستواهم الفکري و الثقافي و العلميّ بإیجاد المراکز العلمیة کالجامعات و المعاهد، و الإستفادة من معطیات العمل الحدیث في رفع المشاکل الاقتصادیة ، و العمرانیة ،و الصناعیة ،و زرع الثقة في نفوس أبناء لدفعهم إلی میادین العمل ، والنشاط إلی أن یتحقق الاکتفاء الذاتيّ ، و یقضي علی حالة التبعیّة و الذیلیّة للأجانب.
نو لهذا أسّس الشیعة الجعفریة ، أینما حلّوا و نزلوا، مراکز علمیّة و تعلیمیّة، و أقاموا معاهد لتخریج اختصاصیّین في مختلف العلوم . کما انخرطوا في الجامعات و المعاهد في کل بلد، و تخرّج منهم علماء و فنیّون في مختلف الأصعدة الحیویّة قدنالوا مراکز علمیّة متقدمة.
39. یرتبط الشیعة الجعفریة بعلمائهم و فقهائهم عن طریق ما یسمّی بینهم بالتقلید في الأحکام ، فإلیهم یرجعون في مشکلاتهم الفقهیّة ، و یعملون في جمیع مجالات حیاتهم طبقاً لآراء الفقهاء، لأنّ الفقهاء ـ في عقیدتهم ـ وکلاء آخر الأئمة الطاهرین و نوّابه العامّین ، و حیث إنّ علماءهم و فقهاءهم لا یعتمدون في معایشهم و اقتصادهم علی الدّول و الحکومات ، لهذا یحظون بثقة کبیرة و عالیة من قبل أبناء هذه الطائفة الکبری.
و تؤمن الحوزات العلمیة الدینیة ـ و هي مراکز لتخریج الفقهاء ـ حاجاتها الاقتصادیة من أموال الخمس و الزکاة التي یدفعها الناس إلی الفقهاء رغبةً و طواعیةً ، وکوظیفة شرعیة مثل الصلاة والصیام.
و لوجوب دفع الخمس عند الشیعة الإمامیة من أرباح المکاسب أدلة واضحة ورد قسم منها في جملة الصحاح و السنن أیضاً (راجع کتب مبحث الخمس الاستدلالي عند فقهاء الشیعة).
40. یری الشیعة الجعفریة أنّ من حق المسلمین أن یتمتعوا بحکومات إسلامیة تعمل وفق الکتاب و السنة ، و تحفظ حقوق المسلمین ،و تقیم علاقات عادلة و سلیمة مع الدّول الأخری، و تحرس حدودها ، وتضمن استقلال المسلمین ثقافیاً ،و اقتصادیاً و سیاسیاً ، لیکون المسلمین أعزّاء کما أراد الله لهم إذ قال تعالی : « و لله العزّة و لرسوله و للمؤمنین»30.
و قال تعالی : « و لا تهنوا و لا تحزنوا و أنتم الأعلون إن کنتم مؤمنین».31
و یری الشیعة أنّ الإسلام ـ بوصفه الدین الکامل و الجامع ـ یحتوي علی منهج دقیق لنظام الحکم ، و أنّ علی علماء الأمّة الإسلامیة العظیمة أن یحتمعوا و یتباحثوا فیما بینهم لاستجلاء الصورة الکاملة لهذا المنهج ،و هذا النظام ، لیخرجوا هذه الأمّة من الحیرة و من دوامة المشاکل التي لا تنتهي ، والله الناصر و المعین.
«إن تنصروا الله ینصرکم و یثبّت أقدامکم»
هذه أبرز الخطوط في مجال العقیدة و الشریعة عند الشیعة الإمامیة المسمّاة بالجعفریّة أیضاً.
و هذه الطائة الیوم یعیش أبناؤها إلی جانب إخوتهم المسلمین في جمیع البلاد الاسلامیة، و هي حریصة علی الحفاظ علی کیان المسلمین و عزّتهم ، و مستعدة لبذل النفس و النفیس في هذا السبیل
____________________________
13 طه ، الآیة 55
14 المائدة ، الآیة 6
15 النساء ، الآیة 24.
16 راجع کلّ أحادیث المتعة في الصحاح و السنن و المسانید المعتبرة عند المذاهب الإسلامیة المختلفة.
17 و هو یضمّ ألف اسم من أسماء الله في نسقٍ رائع و مؤثّر.
18 آل عمران ، الآیة 34.
19 الکهف ، الآیة 21.
20 البقرة ، الایة 125
21 شفاء السقام للسبکي الشافعي ص 107، و مثله في سنن ابن ماجة 117:1.
22 النساء ، الآیة 64.
23 الضحی ، الآیة 5.
24 یوسف ، الآیتان 97و 98.
25 یوسف ، الآیتان 97و 98
26 البقرة ، الآیة 143.
27 التوبة ، الآیة 105.
28 و الغلوّ هو رفع إنسان إلی مستوی الألوهیّة أو الربوبیّة ، أو اعتقاد أنه یفعل شیئاً مّا مستقلّا عن المشیئة الإلهیة و إذن الله تعالی ، کما یفعل النصاری و الیهود في حق أنبیائهم.
29 ینبغي التنویه ـ هنا ـ بأنّ الشیعة الإمامیة هم أهل السنّة أیضا لأنّهم یأخذون بما جاء في السنّة النبویّة قولاً و عملاً و إمضاءً ، و منها وصایا النبي (ص) في حقّ أهل بیته و یلتزمون به التزاماً عملیاً دقیقاً و عقائدهم و فقهمم و کتبهم الحدیثة خیر شاهد علی ذلک و قد صدرت مؤخّرا موسوعة مفصّلة تقع في أکثر من عشر مجلدات تضمّ روایات الرسول الأکرم في مصادر الشیعة تسمی بـ (سنن النبيّ).
30 المنافقون ، الآیة 8.
31 آل عمران ، الآیة139.
source : www.islamquest.net