تُعد العلاقة الاجتماعية السليمة بين أبناء المجتمع الواحد وانفتاحهم وتواصلهم مع بعضهم البعض واحدة من أكثر الأمور تأثيراً في خلق مجتمع منسجم مع بعضه وقابل للتعاطي مع مشكلاته وحلها بأقصر الطرق.
ومن هنا كان للتوجيه الديني دوراً كبيراً في صياغة الشخصية الإسلامية في فترات متفاوتة من التاريخ عندما كان عالم الدين العنصر المحوري في العملية، إلا أن تلك العلاقة لم تبارح مكانها وبقيت محاطة بموانع الانخراط المتبادل بين عالم الدين وعامة الناس في سائر شؤون حياتهم خارج إطار المسجد أو مجلس الدرس، ذلك أن المجتمع يتحفظ على ممارسات علماء الدين خارج إطار دورهم التقليدي المعتاد وبسبب أن بعض رجال الدين أنفسهم لا يرون أنه من اللائق النزول إلى مستوى عامة الناس من أجل تحصيل هدف أسمى وهو الارتقاء بهم ورفعهم إلى مستويات أعلى. فانحصرت مهمة عالم الدين في إمامة الناس والإجابة على مسائلهم الدينية ووعظهم وإرشادهم من خلال المنابر المختلفة وحضور المناسبات الاجتماعية حضوراً رسمياً من خلال الدعوات الشخصية. فأصبحت العلاقة رسمية بين الجهة الدينية والمجتمع مع ما اتجه له بعض علماء الدين من غلق باب النقاش الحر مع الجيل الشاب أو أي عنصر في المجتمع ومحاورته في فكرة ما اشتبهت عليه أو لم يقتنع بها اقتناعاً تاماً أو جزئياً. في العديد من النقاشات نسمع العتب الكثير من قبل فئة الشباب على علماء الدين بسبب ابتعادهم عنهم وعن أجوائهم الخاصة ومعاملتهم برسمية تامة في حالة التعاطي مع العالم حتى فيما هو داخل في مهامه الدينية كالإجابة على مسألة ما أو طلب توجيه معين متبرمين من عدم المشاركة والتشجيع في أدوارهم الاجتماعية والرياضية كمباريات كرة القدم أو المسابقات الثقافية أو زيارتهم في الديوانيات العامة. فلو استطاع عالم الدين الالتصاق بالفئات الشبابية على تفاوت درجات الصلاح والانحدار لديها لتمكن من استمالة قلوبها لميلها العاطفي والفطري تجاه الدين ورجاله وتمكنه من توجيهها للدخول في أعمال اجتماعية وتجارية تعود بصالحها على الفرد والمجتمع. ففي بعض المجتمعات تجد عالم الدين متجرداً من زيه الديني في مرافق الحياة العامة كما هو الحال في إيران ولبنان والعراق. وقد تفاجأ أن ترى عالماً حوزوياً يرتدي بدلة رسمية تخاله فيها شخصاً من عامة الناس بل تجد بعضاً منهم يمارس رياضة المشي إلى جانب الآخرين في الأماكن المعتادة. كما إننا نلاحظ أن الدعاة في بعض الطوائف يسعون للتأثير على الجمهور على اختلاف توجهاته من خلال الدعابة والطرائف التي ينجذب لها الناس عادة يستتبعها توجيه الرسالة أو حزمة الأفكار للمتلقي بطريقة سهلة الهضم والتقبل مستثمرين وظائفهم كدعاة عن طريق استخدام ما يميل إليه الجمهور. في تجربة قام بها أحد علماء البحرين استطاع من خلالها انتشال مجموعة من الشبان من وحل الجريمة والمخدرات وإيذاء الناس ونقلهم إلى جو اجتماعي وديني بإعدادهم الخاص في مكان أُعد لهم لممارسة أنشطتهم فيه. ينقل الشيخ: كنت أقف معهم للحظات عند توجهي للمسجد وهم في حالة من اللامبالاة لنداء الصلاة، أتحادث معهم بشأن مبارة رياضية ونتائجها وأقوم بالتربيت على أكتافهم لتشجيعهم أو إبداء ارتياحي لموقف صدر منهم مع ممازحتهم بشكل بسيط. وبهذه الخطوات البسيطة للغاية، استطاع من إصلاحهم جميعاً وإفادة المجتمع من طاقاتهم المهدورة والتي لو بقيت كما كانت لاستثمرت في إفساد آخرين وإيذاء النفس والمجتمع. عالم آخر اتخذ من مشاركة الشباب في رحلاتهم الترفيهية في المنتجعات والمزارع وسيلة لجذبهم نحو العمل والإصلاح الاجتماعي بل وأكثر من ذلك فإنه وبعد الانتهاء من إمامة الجماعة يتوجه بالسلام على كل المصلين، فيوقر الكبير ويقبل يد الصغير وبهذا استطاع كسب القلوب والامتثال لتوجيهاته. ومن هنا، فإن المجتمع المعاصر بحاجة لتجسير الهوة بين الطرفين لما بات يتهدد المجتمعات والعنصر الشبابي بالدرجة الأولى من مخاطر ومشاكل عصفت بداخلها ومزقت تماسك البنية الاجتماعية، فما أكثر المشاكل والجرائم التي باتت ظاهرة في بعض المجتمعات والمتورطون فيها المراهقون والشباب. الذين لا يجدون من يصغي إليهم أ يرمقهم بنظرة منه لكسب قلوبهم. فما أحوج مجتمعاتنا إلى علماء دين يقومون بدور الموجهين والمستشارين في الجهات الصحية والأكاديمية والنوادي الرياضية دوراً تطوعياً يدخل في جانب التبليغ الديني كالذي يمارسونه لهداية الناس للإسلام من خلال العمل على إيجاد الحلول والتوجيهات المشجعة وتقديم المحاضرات المتعلقة بالشباب وحاجاتهم والأدوار المأمولة منهم والتركيز على طاقاتهم ومكانتهم في المجتمع على أنهم العنصر المعطاء والقادر على الرقي بالمجتمع والحفاظ عليه ، فما أفضل التبليغ الديني والتوجيه الداخلي الذي يتم من خلاله إعداد جيل واعي ونشط يمسك بزمام المسؤولية ويأخذ دوراً فاعلاً في المجتمع فتقل مستويات الجريمة والانفلات الأمني والاجتماعي ويصبح الناس كتلة واحدة في الوقوف بوجه المشاكل والأخطار. فما ينبغي التركيز عليه توجه العلماء لتطوير الذات وعدم الاكتفاء بالدراسة الدينية بل الاطلاع على كل ما يلامس حاجات ورغبات الناس من جديد التكنولوجيا والأحداث حول العالم كي يسير العالِم ويسير معه عامة الناس على مستوى واحد من التعاطي الفكري والأريحية في تبادل الطروحات وتقبلها، وبالتالي مجتمع أكثر حواراً واستقرار.