عربي
Wednesday 24th of July 2024
0
نفر 0

تكوين الصهيونية الغاصبة

تكوين الصهيونية الغاصبة

الصهیونیة دعوة إجتماعیة سیاسیة انتشرت في الامة الاسرائیلیة باواخر القرن الماضي و کثر تحدث الناس فیها بالاعوام الاخیرة .وقد همنا امرها علی الخصوص في اثناء رحلتنا بفلسطین .و لا بدلنا في بحثنا عن احوال تلک البلاد الاجتماعیة و الاقتصادیة من الاشارة الی هذه الدعوة و تأثیرها الشدید في تلک الاحوال .فرأینا ان ناتي علی خلاصة تاریخها و حقیقة غرضها لزیادة الایضاح فنقول.

موضوعها

قد تقدم في کلامنا عن تاریخ فلسطین في الهلال الماضي کیف تشتت الیهود في انحاء العالم بعد ان جاهدوا في الدفاع عن اورشلیم دفاع الاسود .وقد مضی علیهم في هذه الهجرة نحو 18 قرنا و هم یندبون وطنهم و دولتهم و هیاکلهم . و لا سیما هیکل سلیمان الباقیة آثاره في القدس الی الان. و قد حاولوا استرداد ذلک الوطن عبثا و نظموا الاشعار في رثائه . و لا یزالون الی الیوم یبکون ذلک المجد الذاهب کل اسبوع عند احجار یعتقدون انها من بقایا هیکل سلیمان و قد حاول الیهود المهاجرون السعي في استرجاع ذلک الوطن غیر مرة باسالیب مختلفة آخرها الحرکة الصهیونیة التي نحن في صددها.

و لا بد لکل دعوة إجتماعیة أو سیاسیة من غرض ترمي الیه و غرض الصهیونیة « جمع الشعب الاسرائیلي في فلسطین و جعلها وطنا خاصا به » و هي مبنیة من الوجهة الدینیة علی آیات جاءت في سفر ارمیا الفصل 30 حیث یقول « لا تخف یا عبدي یعقوب یقول الرب و لا تفزع یا إسرائیل فإني اخلطک من الغربة و ذریتک من ارض جلائهم فیرجع یعقوب و یستقر في الراحة والخصب و لا یرعبه أحد» و في حزقیال (ص 39 عدد28 ) « فیعلمون اني انا الرب الههم باجلائي ایاهم الی الاثم ثم جمعي ایاهم الی ارضهم بحیث لا أبقي هناک منهم احدا من بعد » و في عاموس قول صریح (ص 9: 14 ) « واردّ شعبي اسرائیل فیبنون المدن المخربة و یسکنونها و یغرسون کروما یشربون من خمرها و ینشئون جنات یأکلون من ثمرها و اغرسهم علی ارضهم فلا یقتلعون فیما بعد من ارضهم التي اعطیتها لهم ».

و هناک نبوات أخری بهذا المعنی او نحوه في زکریا و اشعیا و میخا و غیرها .ماعندهم من الاعتقاد بالمسیح الذي سیأتي و یجمع بني اسرائیل حوله و یزحف علی القدس و یعید العبادة للهیاکل و غیر ذلک مما جاء في التلمود.

علی ان هذه الاقوال و امثالها لا تکفي لاجماع الامة علی العمل بها ان لم یتوقع اصحابها نفعا اقتصادیا او سیاسیا من ورائها او ان یدفهم للعمل جوع او اضطهاد او ظلم .و کم من اعتقاد یعتقده الناس و لا یجتعون للعمل له لعجزهم عن ذلک او لعدم الاضطرار الیه؟ و انما یجتمعون للعمل في ما یرون لهم فیه مصلحة حقیقیة .یتذرعون الی الاجتماع غالبا باسباب دینیة یتوکلون علیها و یؤولونها الی ما یساعدهم علی ذلک القیام و لا بد في مثل هذه الحال من محرک ببعث علی النهوض و قد بعث الیهود علی هذه الحرکة امران : ا لاول تمکن الروح الملیة من نفوسهم علی اثر الارتقاء الاجتماعي و العلمي في العالم المتمدن .فان شیوع الحریة الشخصیة ولد في نفوس الامم عصبیة عنصریة غلبت علی الجامعات الاخری .وبهذه العصبیة یطلب المجر التخلص من النمسا و یحاول البلقانیون الخروج من سلطة ترکیا. و البلقانیون انفسهم یتحاربون الان باسم العنصریة مع انهم من مذهب واحد و ا قلیم واحد.

و الامر الثاني مبالغة الامم النصرانیة في امتنان الیهود باسم الانتسمیتزم (antisemitism) و معنی اللفظة « مقاومة السامیین» لکنهم یریدون بهم الیهود خاصة . فآل ذلک إلی إجتماع کلمة الیهود باوروبا و فیهم طائفة حسنة من اصحاب الاموال و رجال السیاسة و العلم و أهل الهمة و النشاط فأخذوا یبحثون في الدفاع عن امنهم .و آنسوا في انفسهم المقدرة علی العمل بتلک الایات فوجهوا عنایاتهم الیها، فأخذ کتابهم یحرضون قومهم علی الاستعمار في فلسطین للتخلص من اضطهاد الامم لهم .و قال بعضهم « اذا لم یکن ابتیاع فلسطین ممکنا فلنطلب وطنا في مکان آخر علی وجه هذه البسیطة».

و نشط آخرون لاستنطار الجمعیات الخیریة الاسرائیلیة کجمعیة الاتحاد الاسرائیلي علی القیام بهذا العمل سنة 1863 و لکن هذه الجمعیة غرضها الرئیسي تهذیب الشبیبة الیهودیة .و حاول غیرهم استنهاض جمعیة الیهود الانکلیزیة في لندن و جمعیتهم في برلین فترتب علی ذلک تأسیس الجمعیة العمومیة الفلسطینیة و جمعیة الاستعمار الفلسطیني .لکن الدعوة لم تکن نضجت بعد فلم تأت هذه المساعي بثمرة .فوجهوا التفاتهم الی وادي الفرات لعله یصح أن یکون مهجرا لهم.و بذل السیاسي اولفانت الانکلیزي جهده في نیل امتیاز خط حدیدي في ذلک الوادي لیسکن فیه مهاجري الیهود من روسیا.و اقترح إنشاء مهجر یهودي في فلسطین بنواحي السلط علی أن تتألف جمعیة رأس مالها عشرة ملایین فرنک تبتاع ملیون فدان یستثمرها یهود بولندا و رومانیا و الاناطول. فلم یأذن لهم السلطان و قضی علی ذلک سائر مساعیهم في هذا السبیل.

لکن روح الصیونیة اخذت تتمکن من قلوب الیهود. و هم یزدادون تمسکا بالعنصریة کلما زاد مقاوموهم شدة . فکثرت الجمعیات التي تألفت لهذه الغایة . و اول جمعیة افلحت في استثمار ارض فلسطین نشأت سنة 1879 و لما التأم المؤتمر الاسرائیلي سنة 1884 للنظر في احوال المستعمرین والاخذ بناصرهم حضره مندبون عن خمسین جمعیة فازداد القوم نشاطا و بلغت الحرکة اشدها سنة 1894 و اوشکوا ان یبلغوا غایتهم لکن العثمانیین انتبهوا لاغراضهم فحالوا بینهم و بین ما یریدون . ولم یستقر عملهم علی قواعد متینة الا بعد ظهور الدکتور تیودور هرتسل صاحب الدعوة الصهیونیة .

و هو رجل نمساوي شدید الغیرة علی العنصر الاسرائیلي عالي الهمة قوي الحجةُ کتب و هو في باریس سنة 1895 کتابا في استعمار الیهود سماء « الوطن الاسرائیلي» لم یزعم أنه یستنهض به الهمم أو یستثیر العزائم بل قال أنه کتبه لنفسه و لا یقاف بعض اصدقائه علی آرائه. ولکن الکتاب ما لبث ان طبع في فینا بالنمساویة حتی نقل الی الفرنساویة و الانکلیزیة و العبرانیة و اعید طبعه مرارا و راج رواجا عظیما. وحرک الهمم فوق ما کان یتوقع الناس منه. و قد عارضه کثیرون لکن المجاري الاجتماعیة اقتضت ظهورثمره لان فکرة استعمار الیهود لفلسطین کانت قد نضجت و استعدت لها الاذهان و تاقت الیها النفوس

و خلاصة آراء هرتسل في ذلک الکتاب « ان اعداء السامیین آخذون في الازدیاد و لا یستطیع الیهود مقاومتهم لتشتت شملهم في الارض فهم في حاجة الی الاجتماع في وطن خاص بهم » فاقترح انشاء شرکة یهودیة اقتصادیة رأسمالها 50000000 جنیه مرکزها لندن. و ان تتألف جمعیة سیاسیة یهودیة تدبر اعمال هذه الشرکة و تشیر علیها بما ینبغي عمله . و اقترح للقیام بذلک ابتیاع فلسطین او الارجنتین علی ان ینتقل الیها الیهود انتقالا منتظما. ثم عدل هرتسل رأیه هذا فحصر طلبه باستعمار فلسطین دون سواها لعلمه ان الناس لا یساقون بمثل الشعائر الدینیة و الیهود هجروا فلسطین و قلوبهم في هیکل سلیمان

و لم تمض سنة علی نشر آراء هرتسل حتی اقبلت الجمعیات علی الاخذ بها . واول من فعل ذلک جمعیة الیهود النمساویة فوقع بضعة آلاف منهم سنة 1896 علی خطاب یطلبون فیه تأسیس جمعیة یهودیة في لندن ، غیر من أخذ برأیه و تعصب له من الناشئة المتألمین من مقاومة الیهود. علی ان طائفة کبیرة من الحاخامین في روسیا و المانیا و النمسا و النکلترا عارضوه في بادیء الرأي لانه لم یعتبر الوجهة الدینیة من المسألة کما ینبغي . و لان أتباعه أکثرهم من الشبان المتنورین و اتهموهم بکل قبیح . وکان المسیحیون أشد عطفا علی الصهیونیة من اولئک الحاخامین فنصروها باقلامهم و السنتهم و من جملة العقبات التي ُُُقامت في طریق الصهیونیة مسألة التعلیم لان الحاخامین اعتبروا نشر العلوم العصریة من قبیل الخروج علی الاداب الدینیة . واشاعوا ان الصهیونیة من آلات الکفر. فلما العقد الثاني رأی هرتسل من الحکمة مسالمة رجال الدین فاعترف ان الصهیونیة تشمل السعي في احیاء شعائر الدین فضلا عن الاقتصاد و السیاسة.

أعمال الصهیونیة و وسائلها

قد یستغرب القاریء نجاح هذه الدعوة في هذه المدة القصیرة . لکنه اذا علم الغرض و الوسیلة هان علیه ذلک . دعا هرتسل الشعب الیهودي من انحاء العالم المتمدن الی مؤتمر اجتمع في باسل سنة 1989 حضره نیف و مثنا عضو بعضهم یمثلون جماعات . و کانت الاذهان متأهبة لقبول الدعوة فلم یکتفوا باعلانها ـ و هي ایجاد و طن شرعي للشعب الاسرائیلي في فلسطینـ بل بحثوا في الوسائل المؤدیة الی نشرها و تأییدها فقرروا لذلک ثلاث وسائل من ارفی الوسائل المؤدیة الی النجاح و هي :

1ـ احیاء آداب العبرانیة و نشرها

2ـ إنشاء مدارس لتعلیم اللغة العبرانیة

3ـانشاء مالیة مشترکة للیهود

و اخذوا بعد انفضاض هذا المؤتمر في تأیید هذه القرارات بنشر الکتب و القاء الخطب فی اللغات العبرانیة والالمانیة والافرنسیة والانکلیزیة والعربیة .وشکلوا عمدة للاستعمار الاسرائیلي . فلما انعقد المؤتمر الثاني في فینا ثم في باسل سنة 1898 ظهرفي التقاریر التي تلیت في ذلک الاجتماع ان الجمعیات الصهیونیة القائمة بذلک العمل تضاعفت کثیرا واصبح عددها 150 جمعیة .فأخذاعداؤها یتقربون منها وآمن بمبادیها کثیرون من رجال الدین . و تقرر في هذا المؤتمر تعیین جمعیة خاصة بالاستعمار غرضها توسیع نطاقه وان تکون اللغة العبرانیة هي لغة الیهود حیثما وجدوا و قس علی ذلک ما جری في المؤتمرات التالیة .فانعقد المؤتمر الثالث في باسل ایضا وکانت ابحاثه اکثرها في نیل امتیاز من السلطان عبد الحمید لم یسفرعن نتیجة ، و بلغ عدد الجمعیات الروسیة فقط 877 جمعیة .و عدد المنتظمین في عضویة الجمعیة 250000 نفس . و انعقد المؤتمر الرابع في لندن سنة 1900 و الخامس في باسل سنة 1901 و في هذا المؤتمر تقرر عقد مؤتمر عمومي کل سنتین. غیر المؤتمرات الفرعیة في اثناء السنتین.

و قرروا انشاء مکاتب للمطالعة و مدارس و تألیف دائرة معارف عبرانیة. و انعقد المؤتمر السادس في باسل سنة 1903 و تقرر فيه ارسال لجنة‌ الي اوغندة‌ تبحث في هل تصلح تلك البلاد للاستعمارو قرر تخصيص 200000 جنيه لشراء ارض في فلسطين و سوريا .و في السنة‌ التالية‌ 1904 توفي الدكتور هرتسل صاحب هذه الدعوة‌ فانتخبوا مكانه الدكتور نوردو رئيسا . و عرضت انكلترا في ذلك العام علي الصهيونيين ارضا في شمال افريقيا الانكليزية علی سكة حديد اوغنده بين نيروبي و ماو لا جل انشاء مستعمرة يهودية‌مستقلة‌ باحكامها تحت رعاية‌الدولة‌ الانكليزية‌. فعينت لجنة‌ لبحث فقررت أن البقاع ضيقة‌لا تكفي فرفضوها . و فس علي سائر مؤتمرات الصهيونية و آخرها المؤتمر الحادي عشر الذي انعقد هذا في العام فينا برئاسة الموسيو وانسن وقد جاء فيه أن الصهيونية‌ سائرة علي قدم النجاح و ان سلامتها مرتبطة بسلامة‌الدولة‌ العثمانية لان المسألة‌ اليهودية و المسألة العربية‌ متفقان. وقرر اشياء أخری اهمها انشاء جامعة‌ في اورشليم لتعليم العلوم العالية باللغة‌ العبرية و في جملتها اللغات الشرقية‌ و الفلسفة القديمة‌ و الحديثة‌ .غير المؤتمرات الفرعية‌ التي كانت تعقد في انحاء العالم المتمدن و منها مؤتمر عقد في زمارين من اعمال فلسطين حضره 50 عضوا و شرط للدخول في الجمعية‌ خمسة‌ غروش يدفها الطالب و قسموا فلسطين من حيث الصهيونية‌ الي ستة‌ مناطق و تقرر تأليف جمعيات و فروع للاخذ بناصرها

و قرارات المؤتمر السابع من حيث العمل في فلسطين السعي في التنقيب عن الاثار و ترويج الزراعة و الصناعة و تحسين سائر الاحوال الاقتصادية و ترقية الهيأة‌ الاجتماعية‌ اليهودية و غير ذلك .و بلغت الجمعيات الصهيونية‌ الان الوفا عديدة ترجع في اعمالها الي قرارات المؤتمرات العامة‌ و للجمعية مصارف مالية لترويج اغراضها منها « المصرف اليهودي الاستعماري» غرضه سياسي .و هو اهم ادوات الجمعية في موضوعها الاساسي . الفرض منه « تنشيط الاستعمار الاسرائيلي في فلسطين و سوريا و سائر انحاء تركيا و في جزيرة سينا و قبرض» . و هو بنك مساهمة عدد المساهمين فيه نحو 135000 و له شعبة في يافا باسم الشركة الانكليزية الفلسطينية لها فروع في اكثر مدائن فلسطين .وزاد رأس ماله علي 120000 جنيه و البنك اليهودي الملي و الغرض منه جمع رأس مال يكون ملك الصهيونية يستخدم لابتياع الارضين في فلسطين . و اشترطوا ان رأس ماله لا يمس حتي يبلغ 50000 جنيه و قد زاد الان علي 120000 جنيه غير ما أنشاته الجمعية من وسائل التعليم و التهذيب كالمكاتب والمدارس و الجمعيات الادبية و الصحية للرجال و النساء و عززوا شأن المرأة‌ و اعطوها حق التصويت و الانتخاب لعضوية المؤتمر ، فالفت الجمعيات النسائية الادبية و التهذيبية و الاجتماعية و ناهيك بما انشأوه من الصحف الكبري لخدمة‌ اغراض الجمعية في روسيا و النمسا و المانيا و ايطاليا و انكلترا و مصر و بلغاريا و غيرها. و انتشرت الدعوة‌ الصهيونية بذلك في انحاء العالم المتمدن الي الصين و اليابان و تركستان و فيليبين فضلا عن ممالك اوروبا و اميركا و غيرهما. و اصبح انصارهما يعدون بالملايين . و هي مؤلفة من احزاب و فرق تتناقش و تتباحث سعيا في المصلحة العامة‌ و تأييد الفرض الاصلي المراد بها .

 


source : www.alimamali.com
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

عاشوراء الحكمة والعاطفة
الهجوم على دار الزهراء عليها السلام وما ترتب ...
المؤامرات فی الکوفة
واقع ﺍﻏﺘﻴﺎﻝ ﻋﺎﺋﺸﺔ
خالد بن ولید يقتل الصحابي مالك بن نويرة طمعاً في ...
الغلاة في نظر الإمامية
قبول الخلافة
تأملات وعبر من حياة يوسف (ع) - ج 2
أقوال علماء السنة في المذهب الشيعي
الثورة الحسينية اسبابها ومخططاتها القسم الاول

 
user comment