عربي
Saturday 23rd of November 2024
0
نفر 0

الإمام الرضا (ع) وتجربة المشارکة السياسية في الحکم(القسم الأول)

من مؤلفات الاستاذ راشد الراشد، باحث اسلامي وقيادي في تيار العمل الإسلامي البحريني.

الإمام الرضا (ع) وتجربة المشارکة السياسية في الحکم(القسم الأول)

إستطاع الإمام الکاظم (ع) أن يمهد الأرضية تماماً للتحرک الإسلامي بقيادة الإمام الرضا (ع) لإستلام زمام الحکم، يدل علی ذلک التلکوء الواضح الذي برز عند العباسيين بعد تنفيذهم عملية إغتيال الإمام الکاظم (ع). وذلک بما يوحي الخوف الشديد من ردة فعل مرتقبة من قبل جماهير الأمة في حال معرفتها بحقيقة علمية الإغتيال، هذا أشد ما کان يخشاه بنو العباس.

ولم تکن هذه الخشية وليدة الفراغ، إنما بسبب تغلغل کوادر وطلائع الرسالة الجيد في صفوف الأمة. وإذا لم تقم الدولة العباسية بإيجاد مبرر کافٍ لإقناع عامة المسلمين بکيفية موت الإمام (ع)، من شأنه أن يثير السخط الشعبي العام، ويؤدي بالتالي إلی زلزلة أرکان الحکم العباسي الذي شيد بنيانه علی أسس من الظلم والطغيان.

وتقول بعض الشواهد التاريخية إن السندي بن شاهک قد أستدعی جماعة من أصحاب الإمام (ع)، وکانوا نيفاً وخمسين رجلاً، يشهدوا جسد الإمام (ع) علی أنه خال من أية آثار تدل علی موتة غير طبيعية، کما أستدعی بعدهم جماعة أخری من الفقهاء ووجوه أهل بغداد وإستشهدهم علی ذلک بعد أن عرض عليهم جنازة الإمام، کما أنه سجل شهاداتهم مع أسماءهم وأعمالهم ومنازلهم، وقام الرشيد شخصياً بجمع شيوخ الطالبيين والعباسيين ليقول لهم: هذا موسی بن جعفر قد مات حتف أنفه، وما کان بيني وبينه ما أستغفر الله منه، فأنظروا إليه.

والحق إنه لو لم تکن نشاطات الرساليين من طلائع وکوادر الأمة بقيادة الإمام الکاظم (ع) ذات تأثيرات إيجابية واسعة في صفوف الأمة لما کانت السلطة العباسية بحاجة إلی اللجوء إلی مثل هذه الأساليب للتنکر إلی عملية إغتيال الإمام (ع).

ويقودنا هذا إلی الأوضاع السياسية التي تحکم الساحة حينها، وما حققته الأمة خلال جهادها في عهد الإمام الکاظم (ع) إذ کما يتضح:

1_ نمو الوعي الثقافي في صفوف الأمة للإسلام کأطروحة إجتماعية وعقائدية، أي إلی الإسلام کمفهوم حياة ونظرية حضارة، نتيجة للعمل الدؤوب الذي قام به المؤمنون الرساليون خلال الفترات الماضية علی جبهة الفکر والثقافة وتوضيح الأبعاد العلمية والحضارية للإسلام. وکانت المدرسة الرسالية، وصفوة العلماء الأبرار الذين تتلمذوا فيها علی أيدي الائمة المعصومين (ع)، النواة الأساسية والمحور الرئيسي للتغذية في هذا المضمار.

2_ نمو الوعي السياسي إلی حدٍ لم تعد فيه أساليب التضليل والتعتيم کافية لإغواء أبناء الأمة عن الحقائق التي تدور خلف الکواليس. وقد ساهمت مواقف الإمام (ع) الشجاعة من بني العباس في تصعيد الوعي السياسي، وکذا فإن وجود عدد من الکوادر الرسالية الواعية في أجهزة الدولة ساهم في تسيس الأمة.

ولذلک يمکننا الجزم بأن الأمة، وصلت إلی مستوی رفيع من التأثير في مجريات الأمور علی الساحة مع أنها لم تکن تمتلک سلطة إدارية في البلاد فهي لازالت في يد بني العباس. لکن جباية الأموال الطائلة للإمام (ع) من مختلف أقطار وولايات الدولة الإسلامية ووجود شرائح واسعة من المتفاعلين مع أطروحته الرسالية في أنحاء هذه الولايات کلها تؤکد أن الإمام (ع) أصبح الحاکم الفعلي للأمة. فمن جهة تلعب توجهاتها الفکرية والعلمية دوراً حاسماً في رفع المستوی الفکري والثقافي لدی عامة الناس، ومن جهة ثانية فأن المواقف التي إتخذتها سواعد الرساليين طوال الخمس والثلاثون عاماً _فترة إمامة الإمام الکاظم (ع) تحت ظل مبدأ التقية هي الأخری ساهمت في إيجاد دعائم قوية من جیل الواعين والمثقفين الذين بدأو يتحملون مسئولياتهم في تغذية الأمة بما تستلزم من مواقف وآراء سياسية أزاء کل الأحداث والأمور التي تجري من حولها.

ولم تکن السلطة العباسية ببعيدة عن ما وصلت إليه الساحة الإسلامية من التفاعل والإندماج مع الرساليين وقياداتهم الرشيدة. وعلی ذلک فقد کانت سياسية العباسيين قد تغيرت بعد مقتل الإمام الکاظم (ع)، بعد أن عرفت أن القمع والقتل لم يجد کوسيلة نافعة للحد من فاعليات الرساليين وشل نشاطاتهم.

ولما طغت نشاطات الرساليين وفاعلياتهم علی الساحة واکتسحت بذلک الموج الجماهيري لم يکن هناک أسلوب أنفع غير الليونة والإنفتاح عليها ومحاولة إظهار التقرب والتودد إليها فبدأت بالفعل بوادر الإنفتاح والتوافق تبرز إلی السطح. بل تعدی في ذلک إلی محاولة العباسيين تقرب الإمام الرضا (ع) إلی سدة الحکم. وبهذا إنقلبت المعادلة من قمع مفرط إلی إنفتاح، فتنازل عن الکثير المبادیء التي کان يؤمن بها بنو العباس. فقد قضی القمع _مثلاً_ علی عدد کبير من الموالين لآل البيت حتی راح قبل فترة وجيزة الإمام الکاظم (ع) _شهيد السجون_.

هنا وفي ظل هذا التقدم الملموس لنشاطات طلائع الأمة في وسط الساحة، تسلم الإمام الرضا (ع) زمام قيادة الأمور وتوجيه الساحة. إلّا أن دراستنا لحياته (ع) بحاجة إلی الإجابة عن أسئلة عديدة، خاصة في مثل هذه الأيام التي تقدمت فيه الحرکة الإسلامية في مناطق عديدة من العالم الإسلامي وأصبحت قاب قوسين أو أدنی من الحکم أو لا أقل هي الآن في طريقها أو وصلت للمشارکة السياسية مع الأنظمة القائمة، وهناک من إتجه الآن بقوة في ميادين العمل السياسي، فمتی تکون المشارکة السياسية في الحکم أمراً مشروعاً ومتی يکون الأمر مطلوباً وملحاً؟ وما هي حدود التقاطع مع الأنظمة السياسية القائمة؟ وما هو الحال بالنسبة لدخول الحرکة الإسلامية معترک الصراعات السياسية والعمل السياسي؟

وتأتي هذه الإشارات ليس لأننا ندرس حياة الإمام الرضا (ع) کأنموذج حي لمشارکة الائمة (ع) في الحياة السياسية فحسب، وإنما لبروز دوره السياسي في حياة وبإعتباره کولي للعهد للخليفة العباسي، فإن ذلک قد أزاح الکثير من الحجب التي تقف وراء الذهنيات المشوشة التي تحاول فهم حياة الائمة مجردة عن أدوارها المهمة الخطيرة في حياة الأمة بشکل عام والإقتصار علی المعرفة الشکلية التي ربما لا تتجاوز حد التقديس الأعمی لمجموعة من العباد والزهاد!

والآن: کيف تمکن الإمام (ع) من المشارکة السياسية في الحکم؟

هنالک أسباب وعوامل عديدة تظافرت فيما بينها لتجعل من المشارکة السياسية في الحکم للإمام (ع) وبالتالي للتحرک الإسلامي الرسالي أکثر من مسألة ملحة وضرورية:

أولاً: قوة تنامي المد الرسالي في جميع أنحاء الدولة الإسلامية، وکذلک الشعبية الواسعة التي إحتلها خط أهل البيت (ع) في صفوف الأمة.

فلم يکن من السهل تجاهل هذا التيار المتعاظم في الأمة، أو تغافل هذا النفوذ الواسع لشخصية الإمام الرضا (ع) کخليفة شرعي بعد والده الإمام الکاظم (ع)، لتمرير سياسات التضليل والتزوير علی الأمة. ففي کل بقعة من بقاع الدولة الإسلامية هناک الرساليون المخلصون الذين يواصلون نشاطهم بکل إجتهاد وتحت مظلة منيعة من السرية والکتمان بادیء الأمر، ثم ما لبثت أن غطت تحرکاتهم أسماع الدولة الإسلامية بکل مساحتها، وإستطاعوا بذلک أن يکتسحوا الموج الجماهيري الذي ظل ولفترة مخدوعاً بألوان مختلفة من شعارات التضليل والتعتيم، حيث تقف وراء ستار حديدي من القمع والإرهاب.

أمّا الآن فقد أصبح (الإسلام) بقيادة الإمام الرضا (ع) الحاکم الفعلي لإرادة عامة المسلمين، وتجبی للإمام (ع) الأموال الطائلة من کل مکان، ليستعين بها علی أمور إدارة الأمة والعباد، ولذلک کان علی العباسيين أن يواجهوا هذه القوة الفتية التي إستطاعت أن تهيمن علی إرادة الموج الجماهيري وتوجهه حسب أهدافها وتطلعاتها في الساحة، أن يواجهوها لکي لا ينفلت عقال الأمور من أيديهم ومن ثم تنتهي دولتهم إلی البوار.

ثانياً: إشتغال الثورات وقيام عدد من الإنتفاضات ضد الوجود العباسي وذلک في مناطق عديدة من ولايات الدولة الإسلامية، وکان لها الأثر البارز في رسم خارطة الواقع السياسي المقبل في الدولة، وکان علی أثرها _أيضاً_ أن غيّرت الإتجاهات السياسية القائمة في الدولة العباسية تجاه القوة الرئيسية المنافسة لهم متمثلة في تيار التحرک الإسلامي الرسالي بقيادة الإمام الرضا (ع).

فمن جلمة الثورات والانتفاضات والتي تلک ما حدثت في کلا من مصر والسودان و الحجاز و العراق وخراسان وکذا آذربیجان وأرمینیا.(1)

وبطبع الحال فإن حملة هذه الإضطرابات والتي تغطي مساحة واسعة من الدولة الإسلامية بإمکانها أن تحدث مفاجآت خطيرة تهدد مستقبل الحکم والزعامة لبني العباس، لولا أن تدارکوا الموقف بالتقرب إلی الإمام (ع) وإظهار التودد إليه وإلی الخاصة من طلائع الأمة.

بعد أن جعلوهم فيما مضی عرضة لإرهابهم وقمعهم الذي أودی بحياة الکثيرين منهم کما فرّق العديد من الروابط الأسرية القائمة علی وشائح الإيمان والرسالة.

ثالثاً: الصراعات التي نشبت داخل البيت العباسي بين الأمين والمأمون حيث ظل الأخير مشغولاً بمحاربة أخيه الذي کان حسب المراسيم الخلافية العباسية خليفة شرعياً علی رأس الدولة العباسية، وإستطاع في النهاية من أن يعد جيشاً لدخول بغداد، عاصمة أخيه الأمين، فدخلها وقتل من في بغداد وهدم الکثير من البيوت والضياع ثم خلع أخيه وسمی الخلافة بإسمه، ثم عاد بجيشه إلی خراسان. فعاد الإضطراب يدب في أوصال الساحة في بغداد. ونصب أهل بغداد علی أنفسهم إبراهيم بن المهدي خليفة وخلعوا رجل المأمون، ليکون جزءاً آخر من أجزاء الساحة الکلية التي لم تبرد بعد من السخط والإضطراب العام في وجه العباسيين.

لقد ظن المأمون بتصفية أخيه بأنه سيکون أکثر قدرة علی مواجهة الموقف الذي وصل إلی حدٍ من الإنفلات من يد بلاط الخلافة، لکنه عمل العکس تماماً حيث بمواجهته أخيه أتاح الفرصة بشکل أکبر للرساليين للنفوذ علی الصعيدين الجماهيري والسياسي الرسمي، کما ساعد جداً علی إتاحة الفرصة لنمو جو الإضرابات والغليانات الجماهيرية(2)، مما زاد الموقف أزمة وتعقيداً علی ما کان عليه قبل ذلک.

ونظراً لإزدياد شعبية الإمام الرضا (ع) وإتساع دائرة الموالين له، کان المأمون يدرک جيداً أن تهدئة ثورة عامة المسلمين ضد الدولة العباسية کلها بيد الإمام (ع)، فکان يلجأ إليه باستمرار لإنزال أوامره إلی الشارع العام لتهدئة غضبة المسلمين ومن ثم السيطرة علی الأوضاع المتأزمة. وقد استدعی المأمون الإمام الرضا (ع) أکثر من مرة يامره بمطالبة شيعته لئن يسکتوا عن المطالبة بحقهم في الخلافة. والحادثة الآتية بين لنا بوضوح مدی عمق الأزمة التي وصل إليها بنو العباس في حکمهم مع أبناء الأمة، فبعد إغتيال الفضل بن سهل، راجت شائعة مفادها بأن عملية الإغتيال وقعت بتدبير من المأمون، فخرجت الجماهير في مسيرات غاضبة ناحية قصر الخلافة إستنکاراً لعملية الإغتيال، وتطالب بأخذ القصاص العادل من منفذي الجريمة. وهنا تشير المصادر التاريخية إلی أن المأمون قد خرج من الباب الخلفي لقصره قاصداً بيت الإمام الرضا (ع) الذي کان يقع بالقرب من القصر، مستنجداً بالإمام (ع) يرجوه التدخل لوقف غصبة الجماهير الثائرة. فيخرج الإمام (ع) مطالباً الناس بفک المسيرات والعودة إلی منازلهم فکانت أن اطاعته فوراً(1). وهذا إنما يدل أمرين الأول: مدی السخط الجماهيري الذي کانت تعاني الدولة العباسية وعدم رغبة جماهير الأمة في خلافة بنو العباس، الثاني: مدی الشعبية والإلتفات الواسع الذي يحظی به الإمام (ع) من قبل جماهير الأمة.

ولذلک يکون بإمکاننا تصور الأسباب الواقعية وراء مطالبة المأمون الإمام (ع) بالخلافة ومن ثم بولاية العهد لما رفض الإمام (ع) الخلافة.

والسؤال الآن: لماذا رفض الإمام (ع) الأمر بالخلافة وأليس في ذلک تفويت لفرصة رائعة لإستعادته أمر الخلافة؟

والجواب:

لاتمکن معرفة الدوافع الحقيقة وراء رفض الإمام (ع) مسألة المشارکة السياسية في الحکم إن سواء عبر الخلافة أو القبول بمسألة ولاية العهد إلّا من خلال معرفة الجذور الأساسية والدوافع الحقيقية لمطالبة المأمون الإمام (ع) بذلک.

لقد بذل المأمون ما بوسعه من أجل إثبات حسن نيته في التقرب الإمام (ع)، وتزداد محاولاته کلما تصاعدت أنباء الجهاد، وتفاعلاته المختلفة هنا وهناک علی طول البلاد الإسلامية وعرضها، وحريٌ بنا مادمنا في صدد الحديث عن مسألة التقارب العباسي لخط أهل البيت (ع) أن نذکر بإيجاز مختصر أهم الأمور التي قام بها المأمون العباسي للتقرب للطلائع الرساليين وکسب ود قائدهم الأعلی الإمام (ع).

لقد قام المأمون بخلع أخیه المؤتمن من ولاية العهد لإعطائها الإمام الرضا (ع)، کما زوج إبنتة حبيبة للإمام (ع)، وبدل شعار العباسيين من السواد إلی الخضرة وهو شعار العلويين، وکذلک فإنه ضرب النقود بإسم الإمام (ع)، وفوق کل ذلک أمر ولد العباس وأرکان دولته وقواد جيشه بمبايعة الإمام (ع) کولي للعهد.

إن مجمل هذه الأعمال أثارت العديد من التساؤلات حول الأهداف التي يرمي اليها المأمون من ذلک، خاصة وأن تاريخ بني العباس مع الأئمة (ع) حافل بکل ماهو سيء وأسود، فيا تری هل کانت الرغبة صادقة للتودد والتقرب لآل البيت علی أنهم أهل الحق في شؤون الخلافة وإدارة البلاد والعباد في الدولة الإسلامية، أم أنه تکتيک آخر للعب علی ذوقون جماهير الأمة، توجيه ضربة أخری للإمام الرضا (ع) وتحرکه الرسالي المبارک؟! کل هذه التساؤلات وغيرها مما يرتبط بحقيقة دوافع المأمون تجاه الإمام يکشف عنها الإمام (ع) من خلال العديد من المواقف والتي أدلی بها عن رأيه وصرح فيها عن موقفه إزاء کل ما يجري. رغم أن المأمون حاول هو الآخر عبر طرق متعددة لإثبات حسن نيته للرأي العام، فقد کتب إلی العباسيين في رسالته المشهورة إليهم ما يبرر فيه التقرب إلی الإمام (ع)، جاء فيها(3):

«وأما کنت أردته للبيعة لعلي بن موسی الرضا (ع) بعد إستحقاق منه لها في نفسه واختيار مني له، فما کان ذلک مني إلّا أن أکون الحاقن لدماءکم والذائذ عنکم بإستدامة المودة بيننا وبينهم.

وأمّا ما ذکرتم من إستبصار المأمون في البيعة لأبي الحسن الرضا (ع) فما بايع له المأمون إلّا مستبصراً في أمره عالماً بأنه لم يبق أحد علی ضهرها أبين فضلاً ولا أضهر عفة ولا أورع ورعاً ولا أزهد زهداً في الدنيا ولا أطلق نفساً ولا أرضي في الخاصة والعامة، ولا أشد في ذات الله لومة لائم، ولعمري أن لو کانت بيعتي بيعة محاباة لکان العباس إبني وسائر ولدي أحب إلی قلبي وأجلی في عيني ولکن أردت أمراً وأراد الله أمراً، فلم يسبق أمري أمر الله».

وهکذا يمکن لمح بعض أسباب أعطاء البيعة للإمام (ع)، إذ أنها کما توضحه الرسالة في صدرها إن سبب المبايعة کما يحدده المأمون نفسه أن بني العباس لم تهد توازي أو تجاري القوة التي يمثلها الإمام (ع) في الأمة، فالمعرکة خاسرة بين الطرفين بالنسبة لبني البعاس وهکذا ما يوضحه قول المأمون: أن أکون الحاقن لدماءکم والذائذ عنکم بإستدامة المودة بيننا وبينهم.

إذن قوة الإمام (ع) المتصاعدة في صفوف الأمة من الدوافع البارزة لإتجاه بني العباس ناحيته.

لکن تری ماهي الأسباب والدوافع الأخری؟

لاشک إن قوة الإمام (ع) ونفوذ شخصيته بشکل واسع وسط الأمة لم يکن سبباً وحيداً کافياً لإقناع المأمون بالتنازل للإمام (ع) للخلافة أو ولاية العهد. فکما يتبين من بعض الروايات أن المأمون إتجه حتی النفس الأخير للتخطيط ضد الإمام (ع) ورجاله وإسقاط هيبتهم، في نفوس الأمة. بل أن الإصرار علی تسليم الإمام (ع) الخلافة أو ولاية العهد إنما هو خطة إراد بها المأمون الحد من تصاعد شعبية الإمام (ع) في صفوف الناس أو تشويه صورته في أذهان الأمة. والرواية الآتية تکشف لنا بوضوح تام عن ذلک.

عن أبي الصلت الهروي أنه قال: أن المأمون قال للرضا (ع) يا إبن رسول الله قد عرفت فضلک وعلمک وزهدک وورعک وعبادتک وأراک أحق بالخلافة مني. فقال الإمام الرضا (ع): بالعبودية لله_ عزوجل_ أفتخر، وبالزهد في الدنيا أرجو النجاة من شر الدنيا، وبالتواضع في الدنيا أرجوا الرفعة عند الله_ عزوجل_ فقال المأمون: فإني قد رأيت أن أعزل نفسي عن الخلافة وأجعلها لک وأبايعک!

فقال الإمام (ع): إن کانت هذه الخلافة لک وجعلها الله لک فلا يجوز أن تخلع لباساً البسکه الله وتجهله لغيرک، وإن کانت الخلافة ليست لک فلايجوز لک أن تجعل لي ما ليس لک.

فقال المأمون: يا إبن رسول الله لابد لک من قبول هذا الأمر.

فقال له الإمام (ع): لست أفعل ذلک طائعاً أبداً. فما زال المأمون يجهد به أياماً حتي يئس من قبوله فقال له: فإن لم تقبل الخلافة ولم تحب مبايعتي لک فکن ولی عهدي لتکون لک الخلافة بعدي.

فقال (ع): والله لعد حدثني أبي عن آباءه عن أمير المؤمنين (ع) عن رسول الله (ص) أني أخرج من هذه الدنيا قبلک مقتولاً بالسم.

هذه إحدی الروايات التي تبرز مدی الحاح المأمون علی الإمام (ع) لئن يقبل بالخلافة أو بولاية العهد کحد أدنی حتی أن الإمام (ع) صارحه ذات مرة عن سبب إندفاعته له، ووضع حداً فاصلاً بينه وبين حقيقة ما يدعيه مما أثار سخط المأمون.

ففي ذات مرة وبينما يواصل المأمون طريقته في الإلحاح عی الإمام (ع) قال له (ع)(4): إني لأعلم ما تريد؟!

فقال المأمون: وما أريد؟

قال (ع): الأمّان علی الصدق؟

قال: لک الأمان.

قال (ع): تريد بذلک أن يقول الناس: أن علي بن موسی لم يزهد في الدنيا، بل زهدت الدنيا فيه، ألا ترون کيف قبل ولاية العهد طمعاً في الخلافة.

فغضب المأمون غضباً شديداً ثم قال: إنک تتلقاني أبداً بما أکرهه، وقد آمنت سطوتي، فبالله أقسم لئن قبلت ولاية العهد وإلّا أجبرتک علی ذلک فإن فعلت وإلّا ضربت عنقک!

إذن لم يکن إصرار المأمون علی تسليم أمر الخلافة أو ولاية العهد للإمام الرضا (ع) نتيجة إذعان للحق أو حباً في الإمام (ع).

 


source : www.abna.ir
0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

أدعية الإمام الرضا ( عليه السلام )
صحيفة الإمام الرضا ( عليه السلام )
لماذا أبو نواس تأخر عن مدح الإمام الرضا(ع)؟
الإمام الرضا (ع) وتجربة المشارکة السياسية في ...
نبذة من حياة الامام علي بن موسي الرضا (ع)
طب الرضا
أدعية الإمام الرضا عليه السلام
مناظرة الإمام الرضا ( عليه السلام ) مع أصحاب ...
تراث الإمام الرضا عليه السلام
کرامات الامام الرضا علیه السلام

 
user comment