لاستخلاص صورة واضحة المعالم عن مشهد الغدير ، وعن الولاية التي أعلنت فيه ، لابد -أولا- من تقديم بعض الحقائق المهمة ، التي يجب أن تؤخذ بالحسبان في مثل هذه الصورة ، لما لها من تأثير فعال في وضوح معالمها ، وتكامل خطوطها ، وجلاء ملامحها في الفكر .
ومن أهم هذه الحقائق :
أولاً : مرور هذه الحقائق التاريخية المتمادية بين يوم الغدير ، وهذه العصور الراهنة التي نعيش فيها ، وهي حقب يستوجب مرورها -ولا ريب- خفاء الكثير مما سجله التاريخ عنه ، وافتقاد الكثير من جزئيات الأحداث المهمة التي جرت فيه ، وطبيعي أن للكثير من تلك الجزيئات أثره في بلورة الملامح المطلوبة منه ، ووضوح أبعاد الصورة الحقيقة له في بصيرة الإنسان المتتبع .
ثانياً : افتقاد ذلك العصر -الذي وقع فيه مشهد الغدير- لما يعرف اليوم بالوثائق التسجيلية ، التي يمكنها أن تخلد الوقائع والأحداث والكلمات ، التي يراد تخليدها كما هي ، وكما يراد لها أن تخلد ، لعامل الزمن ، والمستوى الحضاري المعروف حينذاك .
ولهذا فقد اسند نقل المشهد وتخليده إلى ذاكرة الأمة المسلمة ، ورواة أحاديث السنة فيها ، وكتبة التأريخ الذين يهتمون بمثل هذه المشاهد ، إذ لا يمكن تحصيل ما هو أكثر دقة ، وأتم كفاءة من هذه الطريقة .
ثالثا : مجانية معظم تلك الحقب التاريخية السابقة لموقف الغدير ، وللولاية التي أعلنت فيه ، وتنكبها عن طريقهما ، بل واتخاذها لطابع الصراع والسلبية سمة أساسية في علقتها معهما ، ومع كل ما يمت اليهما بصلة ، ولم تخف محاولاتها المستميتة لطمس معالم الحجة الإلهية فيهما ، ونقض دورهما في دين الله ، واستئصال آثارهما في حياة الأمة المسلمة .
وهي أمور معلومة الوقائع ، يراها كل أحد من المسلمين في حياته اليومية الجارية ، قبل أن يقرأها وقائع سوداء شوهت التاريخ الإسلامي والإنساني ، وسيأتي -إن شاء الله- بعض شواهدها التي ذكرتها مصادر التاريخ ، في عصور كان لها دورها المؤثر في بناء الاتجاهات الفكرية و العقائدية للأمة المسلمة .
رابعا : إننا في محاولتنا لاستشفاف الصورة التي نريدها حول الغدير، إنما نعتمد على ما ذكره شهداء الغدير من الرواة ، وحكاياتهم لما رأوه فيه .
وحينئذ ، فيجدر بنا أن لا نغفل ما هو المعروف في مثل هذه الحالات ، من أن كل شخص -في العادة- إنما يركز انتباهه على نقاط معينة تستلفت نظره مما يراه من المشهد ، دون استيعاب لما لا يراه فيه من القضايا ، بل ولا استيعاب لما يراه من الحوادث و المجريات إذا لم تثر اهتمامه .
وواضح أن هذه الحوادث قد تكون ذات أهمية كبرى في ذلك المشهد ، و في الغايات الأساسية للقائمين به ..
كما أن الراوي نفسه -وهو يتحدث عن المشهد الذي يخبر عنه- إنما يذكر منه خصوص ما يتطلبه الموقف الذي دعاه للحديث عنه ، دون غيره من النواحي ، وإن كان قد استوعب -في ذاكرته- ما هو أوسع من موضوع الحديث .
ولهذا فان استخلاص صورة واضحة عن مشهد مهم مثل الغدير ، يستدعي استعراض العديد من الروايات الحاكية عنه ، لتتكامل ملامح هذه الصورة من خلال التأمل فيها جميعاً وليس في بعضها خاصة .
وهكذا كان لابد لنا هنا من تقديم عدد مناسب من الروايات الواردة في استعراض مشهد الغدير ، والأحداث التي واكبته ، ومن مصادر مختلفة في الاتجاهات ، ورواة مختلفين في المواقف إزاء الغدير ووليه ، لاستلهام ملامح واضحة للصور التي نطمح الى إدراكها فيه ، قبل أن نستطيع دراسة ما يعنيه الالتزام الإلهي له ، ولما يرتبط به من أمور.
الغدير في السنة الشريفة
في هذا الفصل نذكر عشرة من الأحاديث التي عرضت لموقف الغدير نقدمها - أولاً- دون تعليق ، بل نكتفي بقراءة متأنية متأملة لها ، تمكننا من أن نستشف منها المعالم الرئيسية لهذا الموقف الخالد ، وما أبرزته من ملامحه وأبعاده ونتائجه التي أرادته له العناية الربانية .
1- ما رواه أبو الطفيل عن حذيفة بن أسيد قال :
لما قفل رسول الله صلى الله عليه واله وسلم من حجة الوداع ، نهى عن شجرات بالبطحاء متقاربات أن ينزلوا حولهن ، ثم بعث إليهن فصلى تحتهن ، ثم قام فقال : (يا أيها الناس ، قد نبأني اللطيف الخبير : أنه لم يعمر نبي إلا مثل نصف عمر الذي قبله ، وإني لاظن أن يوشك أن أدعى فاجيب ، وإني مسؤول ، وأنتم مسؤولون ، فماذا أنتم قائلون ؟..
قالوا : نشهد أنك قد بلغت ونصحت وجهدت، فجزاك الله خيراً.
قال : ألستم تشهدون أن لا اله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله، وأن جنته حق ، وأن ناره حق ، وأن الموت حق ، وأن الساعة آتية لا ريب فيها ، وأن الله يبعث من في القبور ؟ ..
قالوا : بلى ، نشهد بذلك .
قال : اللهم اشهد .
ثم قال : يا أيها الناس ، إن الله مولاي وأنا مولى المؤمنين ، وأنا أولى بهم من أنفسهم ، من كنت مولاه فهذا -يعني علياً- مولاه ، اللهم وال من والاه وعاد من عاداه .
ثم قال : أيها الناس إني فرطكم ، وإنكم واردون عليّ الحوض ، حوض اعرض مما بين بصرى وصنعاء ، فيه آنية عدد النجوم ، قدحان من فضة ، وإني سائلكم -حين تردون علي- عن الثقلين ، فانظروا كيف تخلفوني فيهما ؛ الثقل الأكبر : كتاب الله ، سبب طرفه بيد الله وطرف بأيديكم ، فاستمسكوا به ، لا تضلوا ولا تبدلوا .. عترتي أهل بيتي ، فإنه قد نبأني اللطيف الخبير أنهما لن يفترقا حتى يردا علي الحوض (1)) .
2- ما رواه زيد بن أرقم قال :
أقبل النبي صلى الله عليه واله وسلم في حجة الوداع ، حتى نزل بغدير الجحفة ، بين مكة والمدينة ، فامر بالدوحات فقمّ ما تحتهن من شوك ، ثم نادى الصلاة جامعة ، فخرجنا إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في يوم شديد الحر ، وأن منا من يضع رداءه على رأسه ، وبعضه على قدميه من شدة الرمضاء ، حتى أتينا إلى رسول الله صلى الله عليه واله وسلم فصلى بنا الظهر ، ثم انصرف إلينا فقال :
الحمد لله ، نحمده ونستعينه ، ونؤمن به ، ونتوكل عليه ، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ، ومن سيئات أعمالنا ، الذي لا هادي لمن ضل (كذا في النسخ والظاهر أن الصحيح أضل) ، ولا مضل لمن هدى ، واشهد أن لا اله إلا الله ، وأن محمداً عبده ورسوله .
أما بعد -أيها الناس- فانه لم يكن لنبي من العمر إلا النصف من عمر الذي قبله ، وأن عيسى بن مريم لبث في قومه أربعين سنة ، وإني شرعت في العشرين ، ألا وإني يوشك أن أفارقكم ، ألا وإني مسؤول ، وانتم مسؤولون، فهل بلّغتكم ؟، فماذا أنتم قائلون ؟ .
فقام من كل ناحية من القوم مجيب يقول : نشهد أنك عبد الله ورسوله ، قد بلّغت رسالته ، وجاهدت في سبيله ، وصدعت بأمره ، وعبدته حتى أتاك اليقين ، جزاك الله خير ما جزى نبياً عن أمته .
فقال : ألستم تشهدون أن لا اله إلا الله ، وأن محمدا عبده ورسوله، وان الجنة حق ، وأن النار حق ، وتؤمنون بالكتاب كله ؟، قالوا : بلى .
قال : فاني أن قد صدقتكم وصدقتموني ، ألا وإني فرطكم ، وأنتم تبعي ، توشكون أن تردوا علي الحوض ، فأسألكم -حين تلقوني- عن الثقلين، كيف خلفتموني فيهما .
قال : فاعتلّ علينا ما ندري ما الثقلان ، حتى قام رجل من المهاجرين ، فقال : بأبي أنت وأمي يا رسول الله ، ما الثقلان ؟ .
قال : الاكبر منهما : كتاب الله ، سبب طرف بيد الله ، وطرف بأيديكم، تمسكوا به ولا تولّوا ، ولا تضلوا ، والأصغر منها : عترتي ، من استقبل قبلتي وأجاب دعوتي ، فلا تقتلوهم ولا تقهروهم ، ولا تقصروا عنهم، فإني قد سألت لهم اللطيف الخبير فأعطاني ، وناصرهما لي ناصر ، وخاذلهما لي خاذل ، ووليهما لي ولي ، وعدوهما لي عدو . ألا فانها لم تهلك أمة قبلكم حتى تدين بأهوائها ، وتظاهر على نبوتها ، وتقتل من قام بالقسط ..
ثم أخذ صلى الله عليه واله وسلم بيد علي بن أبي طالب ورفعها فقال : من كنت وليه فهذا وليه . اللهم وال من والاه وعاد من عاداه .. قالها ثلاثاً (2) .
3- ما رواه عبد الله بن عباس ، قال :
لما أمر النبي صلى الله عليه واله وسلم أن يقوم بعلي بن أبي طالب المقام الذي قام به ، فانطلق النبي صلى الله عليه واله وسلم إلى مكة فقال :
رأيت الناس حديثي عهد بكفر بجاهلية ، ومتى أفعل هذا يقولون : صنع هذا بابن عمه ..
ثم مضى حتى قضى حجة الوداع ، ثم رجع ، حتى إذا كان بغدير خم أنزل الله تعالى :
(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ ..(3)) ، فقام مناد فنادى الصلاة جامعة ، ثم قال -وأخذ بيد علي- فقال : (من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه (4))
4- ما رواه ابن عباس أيضا ، قال :
لما خرج النبي صلى الله عليه واله وسلم إلى حجة الوداع نزل بالجحفة ، فأتاه جبرائيل عليه السلام فأمره أن يقوم بعلي فقال صلى الله عليه واله وسلم : أيها الناس ، ألستم تزعمون أني أولى بالمؤمنين من أنفسهم ؟.
قالوا : بلى يا رسول الله .
قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه، وأحب من أحبه ، وابغض من أبغضه ، وانصر من أعزه ، وأعن من أعانه .
قال ابن عباس : وجبت -والله- في أعناق القوم (5) .
5- ما رواه الخليفة الثاني عمر بن الخطاب ، قال :
نصب رسول الله صلى الله عليه واله وسلم علياً علماً ، فقال : من كنت مولاه فعلي مولاه، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، واخذل من خذله، وانصر من نصره ، اللهم أنت شهيد عليم .
قال عمر بن الخطاب : يا رسول الله ، وكان في جنبي شاب حسن الوجه طيب الريح قال لي : يا عمر ؛ لقد عقد رسول الله صلى الله عليه واله وسلم عقداً لا يحله إلا منافق.
فأخذ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بيدي فقال : يا عمر ، انه ليس من ولد آدم ، لكنه جبرائيل أراد أن يؤكد عليكم ما قلته في علي (6) .
6- ما رواه زيد بن أرقم ، قال :
لما نزل النبي صلى الله عليه واله وسلم بغدير خم ، في رجوعه من حجة الوداع ، وكان في وقت الضحى وحر شديد ، أمر بالدوحات فقمّت ، ونادى الصلاة جامعة ، فاجتمعنا ، فخطب خطبة بالغة ، ثم قال :
إن الله (تعالى) أنزل إلي:
(يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنزِلَ إِلَيْكَ مِن رَّبِّكَ وَإِن لَّمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ وَاللّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ .. ).
وقد أمرني جبرائيل عن ربي أن أقوم في هذا المشهد ، وأعلم كل أسود وأبيض أن علي بن أبي طالب أخي ووصيي وخليفتي والامام بعدي ، فسألت جبرائيل أن يستعفي لي ربي ، لعلمي بقلة المتقين ، وكثرة المؤذين لي ، واللائمين لكثرة ملازمتي لعلي ، وشدة إقبالي عليه، حتى سموني أذنا فقال (تعالى) :( وَمِنْهُمُ الَّذِينَ يُؤْذُونَ النَّبِيَّ وَيِقُولُونَ : هُوَ أُذُنٌ قُلْ : أُذُنُ خَيْرٍ لَّكُمْ ..(7)) .
ولو شئت أن أسميهم وأدل عليهم لفعلت ، ولكني بسترهم تكرّمت ، فلم يرض الله إلا بتبليغي فيه . فاعلموا -معاشر الناس- ذلك ، فان الله قد نصبه لكم وليا وإماما ، وفرض طاعته على كل أحد، ماض حكمه ، جائز قوله ، ملعون من خالفه ، مرحوم من صدّقه ، اسمعوا وأطيعوا ، فان الله مولاكم ، وعلي إمامكم ، ثم الإمامة في ولدي من صلبه إلى القيامة ، لا حلال الا ما أحله الله ورسوله ، ولا حرام الا ما حرمه الله ورسوله وهم . فما من علم ألا وقد أحصاه الله فيّ ونقلته إليه ، فلا تضلوا عنه ، ولا تستنكفوا منه، فهو الذي يهدي إلى الحق ويعمل به ، لن يتوب الله على أحد أنكره ولن يغفر له ، حتماً على الله أن يفعل ذلك ، وأن يعذبه عذابا نكرا أبد الآبدين .
فهو أفضل الناس بعدي ، ما نزل الرزق وبقي الخلق ، ملعون من خالفه ، قولي عن جبرائيل عن الله (وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ..(8)) .
افهموا محكم القرآن ، ولا تتبعوا متشابهه ، ولن يفسر ذلك لكم إلا من أنا آخذ بيده وشائل بعضده ، ومعلمكم : من كنت مولاه فهذا علي مولاه ، وموالاته من الله تعالى أنزلها علي ، ألا وقد أديت ، ألا وقد بلّغت، ألا وقد أسمعت ، ألا وقد أوضحت ، لا تحل إمرة المؤمنين بعدي لأحد غيره . ثم رفعه إلى السماء حتى صارت رجله مع ركبة النبي صلى الله عليه واله وسلم ، وقال : معاشر الناس ؛ هذا أخي ، ووصيي ، وواعي علمي، وخليفتي على من آمن بي ، وعلى تفسير كتاب ربي .
(وفي رواية) : اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، والعن من أنكره ، واغضب على من جحد حقه . اللهم انك أنزلت عند تبيين ذلك في علي : (الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ .(9)) بإمامته ، فمن لم يأتم به، وبمن كان من ولدي في صلبه إلى القيامة فـ(أولئِكَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ وَفِي النَّارِ هُمْ خَالِدُونَ .(10)) ..
إن إبليس أخرج آدم عليه السلام من الجنة -مع كونه صفوة الله- بالحسد، فلا تحسدوا فتحبط أعمالكم ، وتزلّ أقدامكم ، في علي نزلت سورة (والعصر . إِنَّ الْإِنسَانَ لَفِي خُسْرٍ ..) .
معاشر الناس ؛ (فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَالنُّورِ الَّذِي أَنزَلْنَا .( 11).) (من قَبْلِ أَن نَّطْمِسَ وُجُوهاً فَنَرُدَّهَا عَلَى أَدْبَارِهَا أَوْ نَلْعَنَهُمْ كَمَا لَعَنَّا أَصْحَابَ السَّبْتِ(12))، النور من الله فيّ ، ثم في علي ، ثم في النسل منه إلى القائم المهدي.
معاشر الناس ، سيكون من بعدي أئمة (.. يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا يُنصَرُونَ .(13))، وان الله وأنا بريئان منهم ، إنهم وأنصارهم في الدرك الأسفل من النار ، وسيجعلونها ملكا اغتصابا ، فعندها يفرغ لكم أيها الثقلان، و( يُرْسَلُ عَلَيْكُمَا شُوَاظٌ مِّن نَّارٍ وَنُحَاسٌ فَلا تَنتَصِرَانِ. ) .. الحديث (ضياء العالمين) (14) .
7 - ما رواه زيد بن أرقم كذلك -في تتمة الحديث السابق- إذ قال :
قال الرسول صلى الله عليه واله وسلم : معاشر الناس ؛ قولوا : أعطيناك على ذلك عهداً عن أنفسنا ، وميثاقاً بألسنتنا ، وصفقه بأيدينا ، نؤديه إلى أولادنا وأهالينا، ولا نبتغي بذلك بدلا ، وأنت شهيد علينا ، وكفى بالله شهيداً.
قولوا ما قلت لكم ، و سلّموا على علي بإمرة المؤمنين ، وقولوا :
(الْحَمْدُ لِلّهِ الَّذِي هَدَانَا لِهَـذَا وَمَا كُنَّا لِنَهْتَدِيَ لَوْلا أَنْ هَدَانَا اللّه.(15))، فان الله يعلم كل صوت ، وخائنة كل نفس ، (فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ عَلَى نَفْسِهِ ، وَمَنْ أَوْفَى بِمَا عَاهَدَ عَلَيْهُ اللَّهَ فَسَيُؤْتِيهِ أَجْراً عَظِيماً .( 16))، قولوا ما يرضي الله ، (إِن تَكْفُرُوا فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنكُمْ.( 17)).
قال زيد بن أرقم : فعند ذلك بادر الناس بقولهم : نعم ؛ سمعنا وأطعنا على أمر الله ورسوله بقلوبنا ، وكان أول من صافق النبي صلى الله عليه واله وسلم وعلياً أبو بكر، وعمر ، وعثمان ، وطلحة ، والزبير ، وباقي المهاجرين والأنصار ، وباقي الناس إلى أن صلى الظهرين في وقت واحد ، وامتد ذلك إلى أن صلى العشاءين في وقت واحد ، وواصلوا البيعة والمصافقة ثلاثاً (18) .
8 - ما رواه أبو سعيد الخدري ، قال :
إن رسول الله صلى الله عليه واله وسلم دعا الناس إلى علي في غدير خُـمّ ، وأمر بما تحت الشجرة من الشوك فقمّ ، وذلك يوم الخميس ، فدعا علياً ، فأخذ بضبعيه فرفعهما حتى نظر الناس إلى بياض إبطي رسول الله صلى الله عليه واله وسلم ثم لم يتفرقوا حتى نزلت هذه الآية :
(الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الإِسْلاَمَ دِيناً.(19).).
فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : الله اكبر على إكمال الدين ، وإتمام النعمة ، ورضا الرب برسالتي ، وبالولاية لعلي من بعدي ..
ثم قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ، اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ، وانصر من نصره ، واخذل من خذله .
فقال حسان : ائذن لي يا رسول الله أن أقول في علي أبياتا تسمعهن .
فقال صلى الله عليه واله وسلم : قل -على بركة الله- .
فقام حسان فقال : يا معشر مشيخة قريش ، اتبعها قولي بشهادة من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم في الولاية ماضية ، ثم قال :
يناديهم يوم الغدير نبيهم
بخم وأسمع بالنبي منادياً
يقول فمن مولاكم ووليكم
فقالوا ولم يبدوا هناك التعاميا
إلهك مولنـا وأنت وليـنــا
ولم تر منا في الولاية عاصيا
فـقال له : قـم يـا علي فإنني
رضيتك من بعدي إماما و هادياً
فمن كنت مولاه فهـذا وليـه
فكونوا له أنصار صدق مواليا
هناك دعا اللهم والـي ولــيه
وكن للذي عادى عليا معاديا(20)
9 - ما أخرجه الحافظ أبو عبيد الهراتي ، قال :
لما بلّغ رسول الله صلى الله عليه واله وسلم بغدير خم ما بلّغ ، وشاع ذلك في البلاد أتى جابر بن النضر بن كلدة العبدري فقال : يا محمد ، أمرتنا من الله أن نشهد أن لا اله إلا الله وانك رسول الله ، وبالصلاة والصوم والحج والزكاة ، فقبلنا منك ، ثم لم ترض بذلك حتى رفعت بضبع ابن عمك ففضلته علينا ، وقلت: من كنت مولاه فعلي مولاه ، فهذا شيء منك أم من الله ؟ .
فقال رسول الله صلى الله عليه واله وسلم : والذي لا اله إلا هو ، إن هذا من الله .
فولّى جابر يريد راحلته وهو يقول : اللهم إن كان ما يقول محمد حقاً فأمطر علينا حجارة من السماء أو ائتنا بعذاب اليم .
فما وصل إليها حتى رماه الله بحجر فسقط على هامته وخرج من دبره، وأنزل الله (تعالى) :
(سأل سائل بعذاب واقع .(21).).. الآيات(22) .
10- ما رواه التابعي الجليل سليم بن قيس الهلالي ، قال :
في كتابه المعروف باسمه ، في احتجاج عبد الله بن جعفر على معاوية ، بعد شهادة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام حيث قال عبد الله -ضمن حديث طويل- : يا معاوية إني سمعت رسول الله صلى الله عليه واله وسلم يقول على المنبر وأنا بين يديه ، وعمر بن أبي سلمى ، وأسامة بن زيد ، وسعد بن أبي وقاص ، وسلمان الفارسي ، وأبو ذر ، والمقداد ، والزبير بن العوام ، وهو يقول : أليس أزواجي أمهاتكم ؟, فقلنا : بلى ؛ يا رسول الله ، قال : من كنت مولاه فعلي مولاه ... أولى به من نفسه -وضرب بيده على منكب علي عليه السلام - اللهم وال من والاه ، وعاد من عاداه ...
أيها الناس ؛ أنا أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ليس لهم معي أمر ، وعلي من بعدي أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ليس لهم معه أمر ، ثم ابني الحسن أولى بالمؤمنين من أنفسهم ، ليس لهم معه أمر .
ثم عاد فقال : أيها الناس ، إذا أنا استشهدت فعلي أولى بكم من أنفسكم، فإذا استشهد علي فابني الحسن أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ، وإذا استشهد الحسن فابني الحسين أولى بالمؤمنين منهم بأنفسهم ... إلى أن قال : فقال معاوية : يا ابن جعفر ؛ لقد تكلمت بعظيم ، ولئن كان ما تقول حقاً لقد هلكت أمة محمد من المهاجرين والأنصار غيركم -أهل البيت- وأولياءكم وأنصاركم .
فقال : والله ؛ إن الذي قلت حق ، سمعته من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم .
فقال معاوية : يا حسن ويا حسين ويا ابن عباس ما يقول ابن جعفر ؟.
فقال ابن عباس : إن كنت لا تؤمن بالذي قال ، فأرسل إلى الذين سماهم فاسألهم عن ذلك .
فأرسل معاوية إلى عمر بن أبي سلمى وإلى أسامة بن زيد فسألهما، فشهدا أن الذي قال ابن جعفر حق، قد سمعناه من رسول الله صلى الله عليه واله وسلم كما سمعه(23).
هذه عشرة من الأحاديث التي وردت في الغدير ، وحكت بعض ما جرى فيه من مشاهد ، و-كما قلت-، فإننا نلاحظ أن كلا منها قد ركز على بعض جوانب الموقف ، وما اكتنفه من ملابسات ، أو ما استتبعه من حوادث ارتبطت به .
وأعتقد أننا الآن -وبعد قراءتنا لهذه الأحاديث- أكثر قدرة على تمييز الملامح الأساسية ، وبلورة الحدود التفصيلية التي تعنينا من هذا المشهد ، وأوضح رؤية لخطوط الصورة التي نطمح إلى استكمال معالمها، تمهيدا للدخول في موضوع البحث .
* من كتاب علي في التزام الحق لفضيلة الشيخ ضياء زين الدين دامت بركاته .
(1) مجمع الزوائد للهيثمي - ج : 9 - ص : 165- ن : مكتبة القدسي القاهرة . والبداية والنهاية للحافظ أبي الفداء إسماعيل بن عمر بن كثير - ج : 5- ص : 109 . و ج : 7- ص : 349- ن : مطبعة السعادة بمصر، ويراجع كتاب الغدير للشيخ عبد الحسين الأميني - ج : 1- ص : 26 - مطبعة الغري في النجف - سنة : 1364 لمعرفة المصادر الأخرى للحديث .
(2) الغدير - ج : 1- ص: 35عن الروضة الندية ، شرح التحفة العلوية - ج : 2- ص : 236 .
(3) المائدة : 67.
(4) الغدير- ج : 1- ص :50- عن كنز العمال -ج : 6- ص: 153 ومصادر أخرى ..
(5) الغدير - ج :1- ص :50 ، عن كتاب الولاية للسجستاني .
(6) ينابيع المودة للقندوزي- ج : 2- ص : 74 - ن : مكتبة العرفان - بيروت .
(7) التوبة : 61 .
(8) الحشر : 18.
(9) المائدة: 3 .
(10) التوبة : 17 .
(11) التغابن : 8 .
(12) النساء : 47 .
(13) القصص :41 .
(14) الغدير - ج : 1- ص : 196 - 198 عن كتاب الولاية لمحمد بن جرير الطبري .
(15) الاعراف : 43 .
(16) الفتح : 10 .
(17) الزمر :7 .
(18) الغدير - ج : 1- ص : 246 عن كتاب الولاية لمحمد بن جرير الطبري .
(19) المائدة : 3
(20) ن . م - ج: 1 - ص :211-212 عن كتاب : ما نزل من القران في علي للاصبهاني ، وكتاب سليم بن قيس الهلالي .
(21) سورة المعارج : 1 .
(22) الغدير -ج : 1- ص : 218- عن الهراتي في كتاب (تفسير غريب القران) .
(23) كتاب سليم بن قيس - ص : 185-186- ط : المطبعة الحيدرية - النجف .
source : www..zainealdeen.com