الإسلام وحجاب المرأة
ومن شبهات عصرنا مسألة حجاب المرأة، إذ قالوا: الحجاب ختم ملكية المرأة
للرجل فهو نوع استعباد يقوم به الرجل على المرأة وأن الإسلام يدعو الى سجن
المرأة في بيتها ويمنعها من الخروج، متمسكين بعناوين رنانة مثل الحرية
ومساواة الرجل للمرأة والتجدد والانفتاح.
ولا أراهم يريدون من هذه
الشعارات إلا خدع الناس وإفساد الشباب وتصدير ثقافة التعري والحرية الجنسية
الهادمة لطاقة المجتمع وأهدافه السامية حتى يكرسون التبعية الفكرية
والسياسية لهم بل وهذه من الوسائل والطرق التي يتوسلون بها لتخدير
المجتمعات الإنسانية وإجبارها على أن تكون مجرد مجتمعات تستهلك ما تنتجه
مصانعهم، فإن على المرأة المسلمة بنظرهم وبحجة الحرية والتجدد والتقدم أن
تعرض نفسها على المتفرجين كل يوم وكل ساعة بزينة جديدة حتى تكون جديرة بأن
تصبح من مستهلكي المصانع الغربية، وهل من الحرية الإنسانية أن تكون المرأة
سلعة تعرض لعيون الرجال المتعطشة، وتلبس الثياب الحاكية التي تقول للرجل
انظر إلي أنا هنا، وهل من مستلزمات أنوثة المرأة أن تقضي الساعات الطوال
تحت أيدي المواشط رجالا أو إناثا مع ما يستلزم ذلك من استهلاك الوقت وفساد
الأخلاق.
ولكن الإسلام يكذب كل هذه الأقاويل ويعتبر أن المرأة
والرجل من الناحية الإنسانية سواء، لم يخلق أحدهما ليملك الآخر بل خلق
ليتمم الآخر ويكمّله، فلكل منهما بوصفه إنسانا يسمح له بالمشاركة في خدمة
المجتمع على أن يظهر في المجتمع بوصفه إنسانا لا أكثر ولا أقل، فعدم السماح
للمرأة بأن تظهر بأنوثتها لا يؤخذ دليلا على أن الإسلام يريد أن يحجبها عن
المجتمع فإن حالها حال الرجل في ذلك ففي النواحي التي يتحتم على المرأة
التستر فيها يتحتم على الرجل ذلك، فإن الرجل عندما يخرج الى المجتمع لا
يمكن له أن يُظهر رجولته وذكورته، وهكذا حال المرأة لا ينبغي لها أن تعيش
في المجتمع إلا بوصفها إنسانا تعتمد على شخصيتها وكفاءتها فإذا حافظت على
طهارتها وعفتها تكون من أكمل مكونات المجتمع الناجح.
ولذا ترى أن
الإسلام أسند للمرأة خدمة المجتمع داخل البيت وأسند للرجل خدمة المجتمع
خارجه لأن المرأة بطبيعتها الأنثوية الرقيقة أجدر بإدارة البيت الذي يقوم
على الحب والعطف والحنان، وسمح لها بالخروج والمشاركة في بناء المجتمع ولم
يأمرها بالجلوس خلف الستائر ولم يدعُ الى حبسها، كما سمح للرجل كذلك وأمر
كلا منهما بالتستر، ولكن لما كانت جاذبية المرأة وسحرها أشد تأثيرا من
الرجل كان حجابها أوسع وأشمل، لا جرم خصّها الله بالقسط الأكبر من الحجاب
لأن حب الظهور والتظاهر والتجمل والرغبة في أسر الرجال وإيقاعهم في شباك
الحب والشهوة من خصائص المرأة لذا تراها تجنح نحو التبرج والتعري لأجل
تحقيق هذه الأغراض.
فأمرت بالتستر (الحجاب) لسد باب الفساد والفتنة
والزنا الممقوت عقلا وشرعا، ولا يخفى ما في الحجاب من نفع يعود على الأمة
فإن قصر التعري والتمتع الجنسي على المحيط العائلي الزوجي يزيد من الروابط
الزوجية بين الزوجين ويزيد الزوجين اقترابا وتحابا ووئاما فإن الزواج
الشرعي يسبغ السعادة والراحة على نفسية الزوجين، وأما في حالة التحرر
الجنسي فيكون الزوجان القانونيان من حيث وضعهما النفسي طرفين متنافسين يرى
كل منهما الآخر حائلا يمنعه من حريته واختيار من يريد، فضلا عما في السفور
والتعري والحرية الجنسي من ضرر يشل قوة العمل والنشاط في المجتمع.
انظر
الى المرأة الغربية والمقلد لها التي قيل لها أنت حرة في تصرفاتك تراها في
الواقع مقيدة أكثر من التي فرض عليها دينها التستر والتعفف لأنها لا تعتمد
على شخصيتها بل على أنوثتها ورقتها ومظهرها التي تقضي جل وقتها بتنميقه
وتزينه حتى تصبح بضاعة تباع لأنظار الرجال وإشباع رغباتهم التي لا تنقضي
بسهولة، ولذا نرى كثيرا من أصحاب البنوك والمؤسسات والمتاجر وحتى
المستشفيات وغيرهم لا يوظفون إلا المرأة, بل يشترطون عليها كشف شعرها
وتقصير ثيابها الى ما فوق الركبة بشبر أو أكثر، فمثلهن لا يوظفن لأنهن من
أهل الكفاءة بل هن في الواقع واجهات عرض لتكثير الزبائن.
وفي
المقابل، المرأة المسلمة التي تظهر في المجتمع بمظهر إنسان بدون إشارات
وهوامش تشير الى أنوثتها بل تعتمد على شخصيتها وخبرتها ومكانتها العالية
الطاهرة، وبهذا تكون مساوية للرجل في نظر الإسلام، فإن كل الشرائع أمرت
المرأة بالحجاب ولم يزل الحجاب من أهم وأشرف أوصاف المرأة ومفاخرها فالحجاب
صيانة لها وهو المحافظ عليها وهو مظهر وقارها وحشمتها وعفتها.