أغلب الأدعیة والمناجاة والزیارات الواردة عن أئمّة أهل البیت علیهم السلام ، تبدأ بالصلاة على محمّد وآل محمّد أو تختم بها، فالصلاة على النبیّ وآله من الآداب العامّة الّتی یراعیها الداعی قبل وبعد أیّ دعاء، والصلوات أیضاً قد یتکرّر ذکرها فی أثناء المناجاة والأدعیة، تماماً کما فی کثیر من أدعیة الصحیفة السجّادیّة الواردة عن الإمام زین العابدین علیه السلام.
یقول الله تعالى فی محکم کتابه: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِکَتَهُ یُصَلُّونَ عَلَى النَّبِیِّ یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَیْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِیمًا﴾(1)
وقد بلغت الصلوات درجة من الأهمّیّة حتّى أصبحت جزءاً من التشهّد، وتبطل الصلاة فیما لو تُرکت عمداً، وهذا ما أشار له الشافعیّ وهو أحد الأئمّة الأربعة عند أهل السنّة فی شعره بمدح أهل البیت علیهم السلام قائلاً:
کفاکم من عظیم القدر أنّکم***من لم یصلّ علیکم لا صلاة له(2)
فالصلاة الّتی هی علاقة فردیّة وشخصیّة مع الله سبحانه نجد أنّه لا بدّ أن تُذکر الصلوات فیها، وهذا الوجوب فی التشهّد لیس حکماً خاصّاً بأتباع مدرسة أهل البیت علیهم السلام ، وإنّما هو حکم متّفق علیه لدى الفریقین الشیعة والسنة.
بعض الملاحظات حول الصلوات
ولأجل هذه العلاقة الخاصّة ینبغی الإشارة إلى بعض الملاحظات حول الصلوات.
الملاحظة الأولى
ورد من جملة آداب الدعاء أن تُذکر الصلوات قبل وبعد الدعاء وذلک لأجل استجابة الدعاء، وقد ذکر فی بیان هذا الأمر أنّه الدّعاء الّذی تُذکر الصلوات قبله وبعده فی الحقیقة هو ثلاثة أدعیة، لأنّ معنى الصلوات هو طلب الرحمة الخاصّة للنبیّ صلى الله علیه وآله وسلم وأهل بیته الأطهار علیهم السلام ، وهذه الصلوات وبعبارة ثانیة هذان الدعاءان قبل وبعد الدعاء من المؤکّد أنّها محلّ العنایة الإلهیّة ومورد القبول والإجابة، وذلک لأنّه لا یُعقل ولا یمکن أن لا یستجیب الله سبحانه أخلصَ الأدعیة لأفضل عباده وهم النبیّ وأهل بیته الأطهار، ومِن البعید عن ساحة الفضل والکرم والجود الإلهیّة أن لا یستجیب الدعاء الّذی هو فی الوسط بین الدعاءَین، طبعاً فیما لو کان هذا الدعاء الشخصیّ مستوفیاً لکلّ شرائط الإجابة، ولم یکن بصدد طلب معصیة أو على خلاف المصلحة الشخصیّة أو خلاف مصالح الآخرین.
وعلیه سیکون هذا الدعاء الّذی فی الوسط مظنّة الإجابة، ویکون محلّ العنایة الإلهیّة والسمع الإلهیّ.
سؤال وجواب
ما هی حکمة الصلوات فی التشهّد؟ علماً أنّ هذه الصلوات لیس قبلها ولا بعدها أیّ دعاء خاصّ، وإنّما هی واقعة بعد ذکر الشهادتین: "أشهد أن لا إله إلّا الله، وحده لا شریک له، وأشهد أنّ محمّداً عبده ورسوله، اللهمّ صلِّ على محمّد وآل محمّد"، وقد ورد بعدها السلام وهو: "السلام علیک أیّها النبیّ ورحمة الله وبرکاته، السلام علینا وعلى عباد الله الصالحین، السلام علیکم ورحمة الله وبرکاته"، وکذلک الأمر بالنسبة للصلوات المذکورة فی الآیة القرآنیة الکریمة: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِکَتَهُ یُصَلُّونَ عَلَى النَّبِیِّ یَا أَیُّهَا الَّذِینَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَیْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِیمًا﴾(3)، حیث لا یوجد أیّ دعاء لنا، ولا أیّ طلب أو حاجة خاصّتَین بنا، فما هی حکمة هذه الصلوات؟
وقبل الإجابة على هذا السؤال لا بدّ من بیان ثلاث مقدّمات:
1ـ إنّ کلّ إنسان عاقل یضع هدفاً لأیّ عمل یقوم به عن اختیار منه، وعلیه فإنّ الداعی لا بدّ أن یکون هادفاً وقاصداً لاستجابة دعائه.
2ـ نحن لا نعلم شیئاً عن الدعاء الّذی ندعو به، هل یصبّ فی مصلحتنا أولا، وعلیه هل یُقبل أو لا، لکنّنا نعلم علم الیقین أنّ الصلوات یستجیبها الله سبحانه، من هنا فالإنسان العاقل علیه أن یدعو الدعاء الّذی یستجیبه الله تعالى.
3ـ عندما نقوم بالصلوات على رسول الله وأهل بیته علیهم السلام ففی الواقع نحن نطلب الرحمة لهم علیهم السلام ، ویُعتبر ذلک بمثابة الهدیّة لهم علیهم السلام وهم خیر من تأدّب وتخلّق بالأخلاق الإلهیّة، الّتی منها ما وردت الإشارة إلیه فی قوله تعالى:
﴿هَلْ جَزَاء الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾(4).
لذلک فإنّ مقتضى کرم أهل البیت علیهم السلام أن یقوموا بردّ هدیّتنا بل ومضاعفتها لنا، ویقومون بالدعاء لنا نحن، ومن المؤکّد أنّ دعاءهم مستجاب إن شاء الله تعالى.
وعلیه لو قمنا بالدعاء لأنفسنا فلا نعلم أنّه مستجاب أم لا، ولکن لو قام النبیّ وأهل بیته الأطهار بالدعاء لنا، فإنّ دعاءهم مستجاب بإذن الله تعالى.
إذاً بحکم العقل إن کنّا بصدد طلب المنفعة لأنفسنا، علینا أن نبدأ بالصلوات على النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم وأهل بیته علیهم السلام مع غضّ النظر عن إدراج دعائنا الشخصیّ بین الصلوات فی الابتداء والصلوات فی ختام الدعاء.
الملاحظة الثانیة
إنّ الدعاء بالصلوات على النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم وأهل بیته الأطهار علیهم السلام ترجع مصلحتها للإنسان الداعی، وذلک لأنّ الداعی یقوم بطلب الرحمة للنبیّ صلى الله علیه وآله وسلم وأهل بیته علیهم السلام ووجودهم المقدّس ملیء بالرحمة الإلهیّة ولا یحتاج وأیّ إضافة علیه، لذا فإنّ هذه الرحمة عندما تُفاض علیهم سوف ترشح وتفیض منهم علیهم السلام إلى غیرهم ممّن هو متعلّق بهم ویعدّ تابعاً وتحت ولایتهم، ولو أردنا تشبیه هذه الحالة فإنّ أفضل مثال لها هو شخص عنده کوب ملیء بالماء، فکلّما سُکب ماء داخل الکوب فإنّه سوف تفیض على الصحن الّذی تحته، والّذی یستفید من هذا الماء المسکوب هی الموجودات المتعلّقة أو الموجودة بالصحن؛ وعلیه فإنّ من یدعو ویصلّی على النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم وأهل بیته تعود نفع هذه الصلوات إلیه، لأنّ وجودهم ملیء بالرحمة فتفیض منهم علیهم السلام على الشخص الداعی، ولذلک ورد فی الدعاء: "اللهم صلِّ على محمّد وآل محمّد صلاة تغفر بها ذنوبنا، وتصلح بها عیوبنا..."(5).
ونتیجة ما تقدّم: إنّ الصلوات على النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم وآل بیته علیهم السلام ترجع فائدتها إلى شخص الداعی، هذا بالإضافة إلى أنّ هذه الهدیة الّتی یُقدّمها لهم علیهم السلام یقابلونها بالهدیة وبالدعاء له ویستفید أکثر من هذا الدعاء.
الملاحظة الثالثة
عندما یرید إنسانٌ أن یطلب شیئاً ما من رجل عظیم أو جلیل وفی نفس الوقت لا یرى لنفسه أنّه أهل لهذا الطلب، أو یلیق بأن یطلب من هذا العظیم، فإنّه ینبغی علیه بناء لما فی علم النفس أن یلفت نظر هذا العظیم أوّلاً، ثمّ یقوم بطلب حاجته منه، وعلى سبیل المثال، یبدأ أوّلاً بإظهار المحبّة له، والعلاقة به، والطاعة وغیر ذلک، ویسعى قدر الإمکان لتهیئة الظروف شیئاً فشیئاً حتّى تحین الفرصة فی طلب حاجته.
ونحن الناس لا نملک اللیاقة أن نطلب من الله سبحانه، ولا نستحقّ منه الإجابة؛ وذلک بسبب ما ارتکبناه من ذنوب، وتجرّأنا بالمعاصی، وواجهناه بالسیّئات، وفی نفس الوقت لیس لدینا سبیل غیر الطلب منه سبحانه، لذلک لا بدّ من تحصیل هذه اللیاقة للطلب، وأفضل وسیلة هی طلب الرحمة للنبیّ صلى الله علیه وآله وسلم وأهل بیته علیهم السلام ، فبطلب الرحمة لهم وإظهار المحبّة لهم نستطیع تحصیل لیاقة الطلب من الله سبحانه.
وحقیقة المسألة هی أنّ الصلوات تعطینا الجرأة للحدیث مع الله سبحانه وأن نطلب حاجاتنا فی محضر العظمة الإلهیّة، وقبل أن نقوم بأیّ طلب لأنفسنا نبتدئ بطلب الرحمة لأحبّائه وأولیائه، وهذا الأسلوب هو المستخدم فی میدان المحبّة والعشق، حیث یستخدم أسلوب الإیثار ولغة المحبّة والرحمة، فکأنّنا نقول لأهل البیت علیهم السلام: "نحن وإن کنّا عین الفقر والحاجة، وغارقین فی مستنقع الاحتیاج، لکن مع ذلک نطلب من الله سبحانه أن یتفضّل علیکم بالرحمة والخیر، وما هذا الدعاء والإیثار الصادر منّا إلّا إبرازاً وتعبیراً لشدّة محبّتنا لکم".
إذاً عندما لم یکن أهل بیت النبوّة علیهم السلام بحاجة لدعائنا وطلبنا لهم من الله، ولکن دعاءنا لهم یشبه تصرّف الفقیر المسکین الّذی یقف أمام دار أحد الأغنیاء ویقول له: "الله یطیل عمرک ویعطیک الصحة والسلامة، الله یرزقک من ماله..." فإنّ هذا التصرّف من الفقیر والطلب من الله سبحانه لیس إلّا للفت نظر الغنیّ، لذلک لا یقول الغنیّ أبداً: "إنّنی سالم وصحّتی جیّدة وما عندی من مالٍ یکفینی و..." وذلک لأنّه یعلم أنّ هذا الفقیر لا یستطیع عمل شیء غیر هذا الدعاء، وهذا النحو من الأدعیة لا یمکن تفسیرها وتحلیلها بالطرق العقلیة، وهی لیست سوى بیان للمحبّة وإبراز للعشق ولفت للانتباه.
بعض آثار الصلوات
1- کفّارة الذنوب: عن الإمام أمیر المؤمنین علیّ علیه السلام قال: "الصلاة على
النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم أمحق للخطایا من الماء للنار, والسلام على النبیّ صلى الله علیه وآله وسلم أفضل من عتق رقاب"(6).
وعن الإمام الرضا علیه السلام: "من لم یقدر على ما یکفّر به ذنوبه فلیکثر من الصلاة على محمّد وآل محمد فإنّها تهدم الذنوب هدماً"(7).
عن الإمام الصادق علیه السلام, عن أبیه قال: قال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: "من صلّى علیّ إیماناً واحتساباً استأنف العمل".(8)
2- محبّة الله: عن عبد العظیم الحسنی قال: سمعت علیّ بن محمّد العسکری علیه السلام یقول: "إنّما اتّخذ الله عزّ وجلّ إبراهیم خلیلاً لکثرة صلاته على محمّد وأهل بیته صلوات الله علیهم"(9).
3- تعدیل المیزان: عن الإمام جعفر بن محمّد, عن أبیه, عن آبائه علیهم السلام قال: قال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: "أنا عند المیزان یوم القیامة, فمن ثقلت سیّئاته على حسناته جئت بالصلاة علیّ حتّى أثقل بها حسناته"(10).
وعن الإمام الصادق علیه السلام قال: "ما فی المیزان شیء أثقل من الصلاة على محمّد وآل محمّد, وإنّ الرجل لتوضع أعماله فی المیزان فتمیل به فیخرج صلى الله علیه وآله وسلم الصلاة علیه فیضعها فی میزانه فترجح"(11).
4- زیادة الحسنات: عن الإمام أبی عبد الله علیه السلام قال: "وجدت فی بعض الکتب: من صلّى على محمّد وآل محمّد کتب الله له مائة حسنة, ومن قال:
صلّى الله على محمّد وأهل بیته, کتب الله له ألف حسنة"(12).
5- تذهب بالنفاق: عن رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: "الصلاة علیّ وعلى أهل بیتی تذهب بالنفاق"(13).
وعن الإمام أبی عبد الله علیه السلام, قال: سمعته یقول: قال رسول الله صلى الله علیه وآله وسلم: "ارفعوا أصواتکم بالصلاة علیّ فإنّها تذهب بالنفاق"(14).
قصّة عن الحاج المیرزا علیّ هستیی الأصفهانی
هو ذلک المجتهد الحکیم وأحد الوعّاظ المعروفین ومدرّس کتاب الأسفار. ینقل الشیخ محمّد تقی مصباح الیزدی أنّه کان تحت سنّ العشرین وکان یتردّد أحیاناً لسماع درسه فی طهران فی مسجد الحاج السید عزیز الله، وقد سأله فی أحد الأیّام هذا السؤال وهو أنّه ما هی حاجة أهل البیت علیهم السلام لدعائنا لهم بطلب الرحمة وهم عندهم کلّ أنواع الرحمة؟
لقد لاحظ المیرزا علیّ فی ذلک الوقت أنّی شاب حدث السن ولم أبلغ درجة علمیة عالیة، فلذلک شجّعنی على سؤالی هذا، وأجابنی على قدر استیعابی آنذاک قائلاً: "لو کان هناک بستانیّ یعمل فی بستان لبعض الملّاک والأغنیاء، ویقوم بزراعة الورود وتنسیقها ورعایتها، فإذا جاء یوم ما أصحاب الأرض والورود ودخلوا بستانهم لیروا جماله وتنسیقه یقوم هذا البستانیّ بأخذ باقة من الورود وینسّقها ویقدّمها لهم بکلّ أدب واحترام متأهّلاً بهم ومسلّماً علیهم، وهذا التصرّف منه نوع من إظهار الأدب وإبراز الاحترام، وإلّا فإنّ الأرض والورود وکلّ ما فی البستان هو ملک لهم، والبستانی، لیس إلّا عاملاً عندهم، ونحن عندما نقوم بذکر الصلوات فإنّما نقطف باقة من حدیقة أهل البیت علیهم السلام ونهدیها لهم". وهذا الکلام بنفسه یجری فی تفسیر "وعجّل فرجهم"، لأنّ فی فرجهم علیهم السلام فرج أهل الإیمان(15).
المصادر :
1- سورة الاحزاب، الآیة: 56.
2- ینابیع المودّة، ج 3، ص 103.
3- سورة الأحزاب، الآیة: 23.
4- سورة الرحمن، الآیة: 60.
5- المراقبات، السید ابن طاووس، ج 1، ص 76.
6- وسائل الشیعة، الحرّ العاملی، ج7، ص194.
7- میزان الحکمة، ج7، ص195.
8- میزان الحکمة ، ج7، ص197.
9- میزان الحکمة ، ج7، ص194.
10- میزان الحکمة ،ج7، ص196.
11- میزان الحکمة ، ج7، ص192.
12- الوسائل م.س، ج7، ص196
13- میزان الحکمة ، ج7، ص193.
14- میزان الحکمة ، ج7، ص193.
15- شرح المنجاة الشعبانیة، الشیخ أحمد تقی مصباح الیزدی
source : .www.rasekhoon.net