عربي
Saturday 23rd of November 2024
0
نفر 0

العقاعد الکلام 2

 يلاحظ عليه بامرين :

الاول : ان الارادة مـن الامـور الـتـكـوينية الحقيقية , ولا تقع مثل هذه الامور في اطار الانشا, وانما يتعلق الانشا بالامورالاعتبارية , فتقسيم الارادة الى حقيقية وانشائية ليس بتام .
الـثاني : قد عرفت وجود الارادة الحقيقية في الصورتين ,وهو تعلقها حقيقة بالبعث والطلب , وان لم تتعلق بنفس الفعل الخارجي , الذي هو خارج عن سلطان الامر.

اكمال :

مـا ذكـرنـا من ان تعلق الارادة بشي فرع وجود الغاية فيه , لايهدف الى لزوم وجود غاية زائدة على الـذات مـطـلـقـا بـل اعـم منهاومن غيرها, فالغاية في المريد الممكن هي التي تناسب مقام الفعل ومرتبته فهي زائدة عليها, وانما ارادته سبحانه تعلقت بايجاد الاشيا او ببعث الناس الى افعال خاصة , فـالـغـايـة هي ذاته لا شي خارج عنها, لما حقق في محله من ان العلة الغائية , هي ما تقتضي فاعلية الـفـاعـل , وتـؤثـر فـيـه وتخرجه عن مرحلة القوة الى مرحلة الفعل , على وجه لولا الغاية لما كانت مصدراللفعل .
والـغـايـة بـهذا المعنى تستحيل على اللّه سبحانه , بان يريدايجاد شي او بعث الناس نحو شي لغاية خـارجـة عن ذاته مكملة لها في مقام الايجاد والانشا, لان كل فاعل يفعل لغرض غير ذاته , فهو فقير مستفيض محتاج الى ما يستكمل به , وهويناسب الفقر والامكان , لا الغنى والوجوب .
اضـف الـيه انه لو كان لفعله سبحانه في مجال التكوين والتشريع غاية ورا ذاته لزم تاثيرها فيها, وهو يـلازم كـون الـذات حـامـلة للامكان الاستعدادي , فيخرج بحصول الغاية عن مرحلة الاستعداد الى مـرحـلـة الـفـعلية , فيكون مركبا من مادة وصورة , وهو يلازم التركيب والتجسيم والجهة , الى غير ذلك من النواقص .

الدليل الثاني للاشاعرة :

اسـتدلت الاشاعرة على تغاير الطلب والارادة ـ لغاية اثبات الكلام النفسي في الانشاات ـ بان العصاة كـافـريـن كـانـوا ام مـسـلمين , مكلفون بما كلف به اهل الايمان , لان استحقاق العقاب فرع وجود الـتـكليف , ومن المعلوم ان التكليف الحقيقي فرع وجود مبدا مثبت له , وعندئذ يقع الكلام فيما هو المبداللتكليف , اهي الارادة ام الطلب .
فـان قيل بالاول , يلزم تفكيك مراده سبحانه عن ارادته , وهومحال , وان قيل بالثاني فهو المطلوب فثبت ان ورا الانشائيات امرا نفسانيا باسم الطلب غير الارادة وهو المصحح لتكليف العصاة .
وقـد اجـاب عـنه المحقق الخراساني بالتفريق بين الارادة التكوينية والارادة التشريعية , بان امتناع التفكيك يختص بالاولى دون الثانية .
يـلاحـظ عـلـيـه : بما ذكرنا من ان الارادة من الامور التكوينية ,ولها حكم واحد, فان كان التفكيك ممتنعا, فلا فرق حينئذ بين التكوينية والتشريعية , والا فيجوز في كلا الموردين .
والـجـواب : ان الارادة فـي جـميع المصاديق غير منفكة عن المراد,غير انه يجب تمييز المراد عن غيره , ففي غير مقام البعث تتعلق ارادته سبحانه بالايجاد والتكوين فلا شك ان تعلقها به يلازم تحقق المراد, قال سبحانه : (انما امره اذا اراد شيئا ان يقول له كن فيكون )
((17)) .
واما في مقام البعث فتتعلق ارادته بنفس البعث والطلب وهو امر متحقق لا ينفك عنه , وقد تقدم ان ارادة الفاعل لا تتعلق الا بفعل نفسه لا بفعل غيره , لان فعل الغير خارج عن سلطانه فكيف تتعلق به ؟.
هـذه بـعض ما استدل به الاشاعرة على مغايرة الطلب والارادة , ولهم ادلة اخرى , فمن اراد فليرجع الى كتبهم الكلامية
((18)) .
هذا بعض الكلام حول اتحاد الطلب والارادة استعرضناه ليكون مقدمة لمسالة الجبر والتفويض .
اذا عـرفت هذه الامور الاربعة التي ذكرناها تحت عنوان المقدمة , اعلم ان لكل من الجبر والتفويض مباني مختلفة وهذاهو الذي سنتناوله في الفصل اللاحق :

مباني

الجبر والتفويض وابطالهما

ربـمـا يغتر الانسان ويزعم ان اختلاف المنهجين يختص بفعل الانسان وعمله , وان الاشعري يسند جـمـيـع افعال الانسان الى اللّه سبحانه دون الفاعل , والمعتزلي ينسبه الى نفس الفاعل الاختياري دون اللّه سبحانه , ولكن التحقيق ان كلا القولين مبنيان على منهجين مختلفين في عامة العلل .
فـالاشـعـري لا يعترف بمؤثر في دار الوجود غيره سبحانه ,ويعتقد بانه المؤثر التام وليس لغيره من الـعـلـل اي دور فـيه ,وعلى ذلك ينسب شروق الشمس ونور القمر وبرودة الماواحراق النار الى اللّه سبحانه وانه جرت عادته على خلق الاثاربعد خلق موضوعاتها ولا صلة بينها وبين آثارها لا استقلالا ولاتبعا.
وعـلـى ذلـك الـمنهج انكر قانون العلية والمعلولية في عالم الامكان واعترف بعلة واحدة , وهو اللّه سـبحانه , حتى صرحوابان استنتاج الاقيسة من باب العادة والاتفاق , فاذا قال القائل :الانسان حيوان وكـل حـيـوان جـسـم , فلا ينتج قولنا كل انسان جسم الا بسبب جريان عادته سبحانه على حصول النتيجة عندحصول المقدمات فلولاها لما انتج .
وفـي مـقـابل هذا المنهج منهج المفوضة , الذين هم على جانب النقيض من عقيدة الاشاعرة حيث اعـترفوا بقانون العلية والمعلولية بين الاشيا لكن على نحو التفويض , بمعنى انه سبحانه خلق الاشيا وفوض تاثيرها الى نفسها من دون ان يكون له سبحانه دور في تاثير العلل والاسباب .
وبـعبارة اخرى : هذه الموضوعات والعلل الظاهرية ,مستقلا ت في الايجاد غير مستندات في تاثيرها الى مبدا آخر,واللّه سبحانه بعدما خلقها وافاض الوجود عليها انتهت ربوبيته بالنسبة الى الاشيا, فهي بنفسها مديرة مدبرة مؤثرة .
ان الاشعري انما ذهب الى ما ذهب , لحفظ اصل توحيدي هو التوحيد في الخالقية , فبما انه لا خالق الا اللّه سبحانه لذااستنتج منه انه لا مؤثر اصليا ولا ظليا ولا تبعيا الا هو.
ولكن المعتزلي اخذ بمبدا العدل في اللّه سبحانه , وزعم ان اسناد افعال العباد الى اللّه سبحانه ينافي عدله وحكمته , فحكم بانقطاع الصلة وان الموجودات مفوض اليها في مقام العمل .
فالمنهج الاول ينتج الجبر والثاني ينتج التفويض , والحق بطلان كلا المنهجين واليك ابطال منهج التفويض اولا, ثم منهج الجبر ثانيا.

ابطال التفويض :

ان نـظرية التفويض , عبارة عن ان كل ظاهرة طبيعية بل كل موجود امكاني سوا اكان ماديا ام غيره محتاج في وجوده وتحققه الى الواجب دون افعاله وتاثيره في معاليله , بل هو في مقام التاثير مستغن عن الواجب ومستقل في التاثير.
اقول : هذه هي نظرية التفويض على وجه الايجاز وهي مردودة لوجهين :
الاول : انـه مـن الـمقرر في محله ((ان الشي ما لم يجب لم يوجد)) والمراد من الوجوب هو انسداد جميع ابواب العدم على وجهه بحيث يكون احد النقيضين (العدم ) ممتنعاوالنقيض الاخر واجبا فما لـم يـصـل الـمـعـلـول الـى هذا الحد, لايرى نور الوجود, كما لو افترضنا ان علة الشي مركبة من اجزاخمسة , فوجود المعلول رهن وجود جميع هذه الاحزا, كماان عدمه رهن فقدان واحد منها وان وجدت سائر الاجزا,ففقدان كل جز مع وجود سائر الاجزا يفتح الطريق امام طرؤالعدم الى المعلول فـلا يـوجد الا بسد جميع الاعدام الخمسة الطارئة على الشي , وهذا ما يقال : ((الشي ما لم يجب لم يوجد)).
اذا عـرفـت ذلك فنقول : ان استقلال الشي في الفاعلية والايجاد انما يصح اذا كان سد جميع ابواب الـعـدم الطارئة على المعلول , مستندا الى نفس الشي والا فلا يستقل ذلك الشي في التاثير, وليس الـمـقـام مـن هـذا الـقبيل لانه لا يستند سد جميع ابواب العدم الى الفاعل وذلك لان منها انعدام الـمعلول بانعدام الفاعل وسد طرؤ هذا العدم على المعلول مستند الى اللّه سبحانه لانه قائم به , فهو مـحـتـاج الـيـه حـدوثـا وبـقـا, ومـع عـدم استناد بعض اجزا العلة الى نفسها كيف يكون في مقام التاثيرمستقلا؟.
والـحـاصـل : انه لو قلنا باستقلاله في الايجاد, فلازمه ان يكون مستقلا في الوجود وهو عين انقلاب الممكن الى الواجب .
وربـمـا يـتصور ان الفاعل بعد الوجود مستغن عن اللّه سبحانه فيكون مستقلا في الفعل , تشبيها له سبحانه بالبنا وفعله , فكماان البنا مستغن عن البنا بعد الايجاد فكذلك الانسان مستغن عن اللّه بعد الـتـكـويـن , ولـكـن التشبيه باطل فان البنا علة لحركات يده ورجله واما صورة البنا وبقائها, فهي مستندة الى القوى المادية الموجودة في المواد الاساسية التي تشكل التماسك والارتباط الوثيق بين اجـزائه , فـيـبـقـى الـبنا بعد موت البنا,فليس البنا علة لصورة البنا ولا لبقائه , بل الصورة مستندة الـى نـفـس الاجـزا المتصورة المتلفة على الوضع الهندسي الخاص ,كما ان البقا مستند الى القوى الـطـبيعية التي توجد التماسك والارتباط بين الاجزا على وجه يعاضد بعضها بعضا, فيبقى مادامت القوى كذلك .
الثاني : ان الفاعل الالهي غير الفاعل الطبيعي وتفسيرهمابمعنى واحد, ليس على صواب .
امـا الاول , فـهو مفيض الوجود وواهب الصور الجوهرية من كتم العدم , ومثله الاعلى هو الواجب ثم المجردات النورية من العقول والنفوس حتى نفس الانسان بالنسبة الى افعاله في صقعها.
وامـا الـثـانـي , فهو المعد ومهيئ الشي لافاضة الصورة عليه ,فالاب فاعل مادي وطبيعي يقوم بالقا الـنـطـفـة في رحم الام ,وبعمله هذا يقرب الممكن من طرؤ الصور النوعية عليه حتى تتحرك من مرحلة الى اخرى , الى ان تصلح لان تفاض عليهاالصورة الانسانية المجردة .
ان عدم التمييز بين الفاعلين انجر الى الوقوع في اخطافادحة , فالمادي بما انه لا يؤمن بعالم الغيب , يـرى الفواعل الطبيعية كافية لخلق الصور الجوهرية الطارئة على المادة ,ولكنه لم يفرق بين واهب الصور, ومعد المادة , وقس على ذلك سائر العلل الطبيعية .
اذا عـلـمـت ذلـك فنقول : ان المجعول في دار الامكان هوالوجود وهو اثر جعل الجاعل وهو متدل بـالفاعل بتمام هويته ,وحيثيته , بحيث لا يملك واقعية سوى التعلق والربط بموجده ,وليس له شان سوى الحاجة والفقر والتعلق , على نحو يكون الفقر عين ذاته والتدلي عين حقيقته , لا امرا زائدا على ذاتـه , والا يـلـزم ان يكون في حد ذاته غنيا, ثم صار محتاجا وهو عين الانقلاب الباطل بالضرورة اذ كيف يتصور ان ينقلب الغني بالذات الى الفقير بالعرض .
اذا عـرفـت ذلـك فاعلم ان الانسان مخلوق للّه ومعلول له فقيرفي حد ذاته وكيانه , وما هذا شانه لا يـستغني في شؤونه وافعاله عن الواجب سبحانه , اذ لو استغنى في مقام الخلق والايجاد يلزم انقلاب الفقير بالذات الى الغني بالذات , لان الفقير ذاتا فقيرفعلا, والمتدلي وجودا متدل صدورا.
وان شـئت قـلـت : ان الايـجـاد فرع الوجود ولا يعقل اشرفية الفعل من الفاعل , فلو كان مستقلا في الايـجـاد لـصـار مـسـتـقلا في الوجود, فالقول بان ممكن الوجود مستقل في فعله , يستلزم انقلاب الممكن بالذات الى الواجب بالذات وهو محال , قال سبحانه : (يا ايها الناس انتم الفقرا الى اللّه واللّه هو الغني الحميد)
((19)) .
وقـال سـبحانه : (يا ايها الناس ضرب مثل فاستمعوا له ان الذين تدعون من دون اللّه لن يخلقوا ذبابا ولـو اجـتـمعوا له وان يسلبهم الذباب شيئا لا يستنقذوه منه ضعف الطالب والمطلوب # ما قدروااللّه حق قدره ان اللّه لقوي عزيز)
((20)) .
فتلخص من هذين البرهانين بطلان القول بالتفويض ومادة البرهان في الاول غيرها في الثاني .
فـان الاول , يـعتمد على ان المعلول لا يوجد الا بعد الايجاب وليس الايجاب شان الممكن , لان من طرق تطرق العدم الى الممكن هو عدم الفاعل وليس سد هذا العدم بيد الفاعل .
وامـا الـثـانـي , فيعتمد على ان ما سوى اللّه فقير في ذاته قائم به قيام الربط بذيه والمعنى الحرفي بـالـمـعـنى الاسمي , والفقر ذاته والحاجة كيانه , وما كان كذلك لا يمكن ان يكون مستقلا في مقام الايجاد والا يلزم انقلاب الممكن الى الواجب , وهو باطل بالضرورة .

 

0
0% (نفر 0)
 
نظر شما در مورد این مطلب ؟
 
امتیاز شما به این مطلب ؟
اشتراک گذاری در شبکه های اجتماعی:

آخر المقالات

وقفة بين يدي زِيارة الأربعِين
من هو النبي المرسل؟ ومن هم الأنبياء؟ وما هي ...
المُناظرة التاسعة/مناظرة السيد محمد جواد ...
الذنوب الكبيرة (3)
الفقه الشیعی مفتاح إصلاح البشر والوصول إلى ...
أهداف الفاروق
اليوم الآخر في القرآن الكريم
معنى الصفة
مَن هن الخبيثات ومَن هم الخبيثون؟
مفهوم البداء في عالم الخلق والتكوين

 
user comment