الإیمان بالقضاء والقدر، من العقائد التی یجب أن تعلم بالضرورة.
والقضاء تعلق علم الله وإرادته بإیجاد الأشیاء على وجه مخصوص والقدر إیجادها فعلاً على هذا النحو.
تعلق القضاء بالعلم، وتعلقت الإرادة بالقدرة والفعل
وقد بین النبی صلى الله علیه وسلم أن هناک علاقة بین توحید الألوهیة وبین القضاء والقدر، فقال صلى الله علیه وسلم، فیما رواه الدیلمی بمسند الفردوس : ( الإیمان بالقدر نظام التوحید )
النتائج النفسیة التی یحققها الإیمان بالقضاء والقدر فیما رواه الحاکم فی تاریخه : ( الإیمان بالقدر یُذهب الهم والحزن ).
والمؤمن یجب أن یعتقد أن جمیع أفعال العباد، وکل حادث فی الکون إنما هو بقضاء الله وقدره، ولکنَّ مشیئة الله شاءت أن یکون للإنسان مشیئة حرة، هی أساس التکلیف، والابتلاء، ومناط الثواب والعقاب، وبسببها یکسب الإنسان الخیر، أو الشر، فیُثاب على الخیر، ویُعاقب على الشر قال تعالى : ﴿ لَا یُکَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَهَا لَهَا مَا کَسَبَتْ وَعَلَیْهَا مَا اکْتَسَبَتْ﴾ (1)
والقضاء والقدر نوعان : نوع لا کسب فیه للإنسان ؛ لأنه لا إرادة له فیه ولا یؤاخذ علیه، کحرکة الأفلاک والأنواء، ونزول المطر، ونمو النبات، واختلاف أحوال الناس من صحة ومرض، وقوة وضعف وغنى وفقر، وحیاة وموت، وبما أن من لوازم الحکیم، أن تکون أفعاله حکیمة، والقضاء والقدر من أفعاله، فالقضاء والقدر الذی لا کسب للإنسان فیه متعلق بالحکمة، والحکمة متعلقة بالخیر المحض، قال تعالى مشیراً إلى هذا النوع من القضاء والقدر : ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِکَ الْمُلْکِ تُؤْتِی الْمُلْکَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْکَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِیَدِکَ الْخَیْرُ إِنَّکَ عَلَى کُلِّ شَیْءٍ قَدِیرٌ) (2)
والنوع الثانی من القضاء والقدر متصل بأفعال العباد، فالإنسان مُنح إرادة حرة هی أساس التکلیف، والابتلاء، وقد منحه الله أیضاً مقومات التکلیف، والابتلاء، فسخر له ما فی السماوات والأرض تسخیر تعریف وتکریم، لیؤمن به ویشکره، ومنحه العقل قوةً إدارکیة یتعرف به إلى الله خلال الکون المسخر، قال تعالى : ﴿ وَالسَّمَاءَ رَفَعَهَا وَوَضَعَ الْمِیزَانَ ) (3)
وبعث الأنبیاء والرسل، وأنزل معهم الکتاب بالحق، لیکون منهجاً للإنسان یهتدی به.. قال تعالى : ﴿ فَمَنْ اتَّبَعَ هُدَایَ فَلَا یَضِلُّ وَلَا یَشْقَى ﴾ (4)
وأودع الله فی الإنسان الشهوات، لیرقى بها صابراً أو شاکراً إلى رب الأرض والسماوات، قال تعالى : ﴿ َأَمَّا مَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ وَنَهَى النَّفْسَ عَنِ الْهَوَى * فَإِنَّ الْجَنَّةَ هِیَ الْمَأْوَى ﴾ (5)
لقد منح الإنسان إرادة حرة، لتکون أساس التکلیف والابتلاء، ولیکون النجاح بها ثمن العطاء، ومادام الإنسان قد مُنح هذه الإرادة الحرة لیکسب بها أعماله ، ولیکون مسؤولاً فی حدود ما منحه الله من إمکانات، فلن تُسلب منه هذه الإرادة الحرة ؛ لأنه یستحیل أن تتناقض إرادات الله، ومتى توجهت إرادة الإنسان إلى فعل شیء، فی الدائرة التی هی مناط اختیاره، تعلقت إرادة الله فأمدته بالقدرة على تحقیقها وسیَّرت الفعل الاختیاری الکسبی للإنسان إلى الجهة التی تستحق الخیر أو الشر، وهکذا تُوظَّف مشیئة الإنسان الحرة الخیِّرة، أو الشریرة للخیر المطلق. قال تعالى: ﴿ وَکَذَلِکَ نُوَلِّی بَعْضَ الظَّالِمِینَ بَعْضاً بِمَا کَانُوا یَکْسِبُونَ ﴾ (6)
وهنا محل الإشارة إلى مقولة : " إن الله خالق لفعل الإنسان " فهذا لا یعنی أنه أجبره علیه، ولا یعنی أیضاً أنه رضیه منه، ومقولة : " إن الله علم ما کان وما سیکون " لا یعنی أن علم الله هو إلغاء لاختیار الإنسان، إنه علم کشف ولیس جبراً، فالجبر یتناقض مع التکلیف. (ویضیف بعض العلماء على مقومات التکلیف، القدرة الظاهرة على تنفیذ مشیئة الإنسان، وهی فی حقیقتها قدرة الله التی تتحقق بها مشیئة الإنسان) والابتلاء والمسؤولیة والجزاء والثواب والعقاب.. لقول الله عز وجل :
﴿ سَیَقُولُ الَّذِینَ أَشْرَکُوا لَوْ شَاءَ اللَّهُ مَا أَشْرَکْنَا وَلَا آَبَاؤُنَا وَلَا حَرَّمْنَا مِنْ شَیْءٍ کَذَلِکَ کَذَّبَ الَّذِینَ مِنْ قَبْلِهِمْ حَتَّى ذَاقُوا بَأْسَنَا قُلْ هَلْ عِنْدَکُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ * قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاکُمْ أَجْمَعِینَ ) (7)
وهذه آیة محکمة هی أصل فی نفی الجبریة، وتُحمل الآیات المتشابهة کما هو رأی علماء الأصول على الآیات المحکمة.
وللحسن البصری أجوبة شافیة فی القضاء والقدر، فعندما قیل له : إن الله أجبر عباده ؟ قال : الله أعدل من ذلک، فلمَّا قیل له : أفوض إلیهم ؟ قال : هو أعزُّ من ذلک، ثم قال : لو أجبرهم لما عذبهم، ولو فوَّض إلیهم لما کان للأمر معنى.
وهناک من یعتذر بالقضاء والقدر لیتنصل من المسؤولیة، وهذا عذرٌ واهٍ وحجة باطلة.
فتجاهل الإرادة الحرة التی منحها الله للإنسان، وکذلک الفکر الذی یمیز به الخیر من الشر، والشرع الذی فیه تبیان لکل شیء، فإن هذا التجاهل لا یُعفی صاحبه من المسؤولیة.
وللدعاء أثر فی رد القضاء:
عن عمار بن موسى ، عن أبی عبد الله علیه السلام سئل عن قول الله " یمحو الله ما یشاء ویثبت وعنده ام الکتاب " قال : إن ذلک الکتاب کتاب یمحو الله ما یشاء ویثبت فمن ذلک الذی یرد القضاء الدعاء ، وذلک الدعاء مکتوب علیه : الذی یرد به القضاء ، حتى إذا صار إلى ام الکتاب لم یغن الدعاء فیه شیئا .(8)
فالدعاء من أنفع الأدویة، وهو عدو البلاء یدافعه، ویعالجه، ویمنع نزوله، ویرفعه أو یخففه إذا نزل، وهو سلاح المؤمن
والإیمان بالقضاء والقدر لا یتناقض مع الأخذ بالأسباب، فلا تتم مصالح العباد فی معاشهم إلا بدفع الأقدار بعضها ببعض، فکیف بمعادهم، فإن الله أمرنا أن ندفع السیئة وهی من قضائه وقدره، بالحسنة وهی من قضائه وقدره،
ومن ثمرات الإیمان الصحیح المتوازن بالقضاء والقدر ؛ الاستقامةُ على أمر الله، والعمل بما یرضیه لأنه ( إلیه یُرجعُ الأمرُ کُلُهُ) (9)
﴿ مَا یَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلَا مُمْسِکَ لَهَا وَمَا یُمْسِکْ فَلَا مُرْسِلَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ وَهُوَ الْعَزِیزُ الْحَکِیمُ ) (10)
ومن ثمرات الإیمان الصحیح : الشجاعة، والإقدام، فقد کان أصحاب رسول الله صلى الله علیه وسلم لا یعرفون جبناً، ولا إحجاماً، ففی آذانهم دویُّ التوجیه الإلهی، قوله تعالى : ﴿ قُلْ لَنْ یُصِیبَنَا إِلَّا مَا کَتَبَ اللَّهُ لَنَا هُوَ مَوْلَانَا وَعَلَى اللَّهِ فَلْیَتَوَکَّلِ الْمُؤْمِنُونَ) (11)
ومن ثمرات الإیمان الصحیح : التحلی بالصبر الجمیل، والرضا والتسلیم، فعندما تنزل المصائب، یذکر المؤمن عند الصدمة الأولى قوله تعالى : ﴿ وَبَشِّرِ الصَّابِرِینَ * الَّذِینَ إِذَا أَصَابَتْهُمْ مُصِیبَةٌ قَالُوا إِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَیْهِ رَاجِعُونَ ) (12)
وهکذا نجد أن الإیمان بالقضاء والقدر رکن خطیر من أرکان الإیمان وهو من العقائد الأساسیة التی یجب أن تُعلم بالضرورة.
المصادر :
1- سورة البقرة الآیة 286
2- سورة آل عمران الآیة 26
3- سورة الرحمن*7
4- سورة طه الآیة 123
5- سورة النازعات: 40*41
6- سورة الأنعام الآیة 129
7- سورة الأنعام الآیة 148-149
8- بحار الأنوار - العلامة المجلسی ج 4 ص 121
9- سورة هود الآیة 123
10- سورة فاطر*2
11- سورة التوبة *51
12- سورة البقرة : 155 * 156
source : .www.rasekhoon.net