وردت الروايات الصحيحة في إسلام عمر وعثمان بعد أبي بكر، ولأبي بكر فضل في إسلام عثمان .
وجاءت روايات صحيحة في إسلام أبي بكر بعد خمسين مسلماً في مكّة([47])وأكثر من مئة مسلم ومسلمة، علماً بأنّ المسلمين المهاجرين إلى مكّة كانوا حوالي خمسين رجلا إذ حصلت المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار في المدينة والمهاجرون في خمسة وأربعين رجلا([48]).
فنفهم بأنّ أبا بكر وعمر وعثمان وعبد الرحمن بن عوف وأبو عبيد بن الجراح وسعيد بن زيد وطلحة وسعد بن أبي وقاص قد أسلموا آخر الناس في مكّة وقبل الهجرة النبويّة إلى المدينة بزمن قليل .
ولأنهم لم يقتلوا الكافرين وسفكوا دماء المتقين وقتلوا النبي العظيم واغتصبوا خلافته وقتلوا ابنته سيدة نساء العالمين فقد وصفهم معاوية بالعشرة المبشرة بالجنة مضيفاً إليهم اسم علي(عليه السلام) لذر الرماء في العيون .
بعد وصول رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة صادفته أوّل جمعة هناك فصلاّها جماعة طبقاً للمراسم العبادية للمسلمين في مسجد الجمعة وذلك أنّ ارتحاله عنها كان يوم الجمعة عامداً المدينة فأدركته صلاة الجمعة في بني سالم بن عوف ببطن واد لهم، قد اتّخذ اليوم في ذلك الموضع مسجداً وكانت هذه الجمعة أوّل جمعة جمّعها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في الإسلام. قال فيها:
«الحمد لله أحمده وأستعينه وأستغفره وأستهديه واُؤمن به ولا أكفره وأُعادي من يكفره، وأشهد أن لا إله إلاّ الله وحده لا شريك له وأنّ محمّداً عبده ورسوله أرسله بالهدى والنور والموعظة علي فترة من الرسل وقلّة من العلم وضلالة من الناس وانقطاع من الزمان ودنوّ من الساعة وقُرب من الأجل مَن يُطع الله ورسوله فقد رشد ومن يعصهما فقد غوى وفرط وضلّ ضلالا بعيداً.
واُوصيكم بتقوى الله فانّه خير ما أوصى به المسلمُ المسلمَ أن يحضّه على الآخرة وأن يأمره بتقوى الله فاحذروا ما حذّركم الله من نفسه ولا أفضل من ذلك نصيحة ولا أفضل من ذلك ذكراً وإنّ تقوى الله لمن عمل به على وجل ومخافة من ربّه عون صدق على ما تبغون من أمر الآخرة.
ومن يصلح الذي بينه وبين الله من أمره في السرّ والعلانية لا ينوي بذلك إلاّ وجه اللّه يكن له ذكراً في عاجل أمره وذخـراً فيما بعد الموت حين يفتقر المرء إلى ما قـدّم وما كان من سـوى ذلك يودّ لو أنّ بينه وبينه أمـداً بعيداً ويحذّركم اللّه نفسه واللّه رؤوف بالعباد والذي صدّق قوله وأنجز وعده لا خُلف لذلك فانّه يقول عزّ وجلّ:
(ما يُبدَّلُ القول لديَّ ومآ أنا بظلاَّم للعبيد)([49]) .
فاتّقوا الله في عاجل أمركم وآجله في السرّ والعلانية، فانّه من يتّق الله يكفّر عنّه سيّئاته ويُعظم له أجراً، ومن يتّق الله فقد فاز فوزاً عظيماً، وإنّ تقوى الله يوقّى مقته ويوقّى عقوبته ويوقّى سخطه وإنّ تقوى الله يبيّض الوجوه ويُرضي الربّ ويرفع الدرجة; خذوا بحظّكم ولا تفرِّطوا في جنب الله; قد علّمكم الله كتابه ونهج لكم سبيله ليعلم الذين صدقوا ويعلم الكاذبين.
فأحسنوا كما أحسن الله إليكم وعادوا أعداءه وجاهدوا في الله حقّ جهاده هو اجتباكم وسمّاكم المسلمين ليهلك من هلك عن بيّنة ويحيا من حيَّ عن بيّنة ولا قوّة إلاّ بالله، فأكثروا ذكر الله.
واعملوا لما بعد اليوم فانّه من يصلح ما بينه وبين الله يكفه الله ما بينه وبين الناس، ذلك بأنّ الله يقضي على الناس ولا يقضون عليه، ويملك من الناس ولا يملكون منه، الله أكبر ولا قوّة إلاّ بالله العظيم»([50]).
فكانت كلماته الرسالية النورية تدخل في قلوب الأنصار، وتبتهج بها النفوس فهي الأساس القويم للدين الجديد النازل من السماء.
ووصل رسول الله المدينة يوم الأثنين لثمان خلون من شهر ربيع الأول وعند وصول رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة قرر الشروع في الحصول على ارض والقيام ببنائهامسجدا، فاشترى مربداً ليتيمين من الخزرج بعشرة دنانير.
ومكان المسجد اختارته ناقة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) حيث بركت عنده ونقلوا اليه الحجارة من منطقة الحرّة([51]).
ومثلما ساهم رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في بناء الكعبة فقد شارك في بناء مسجد المدينة. فكان مسجد رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) هو المقر العام للحكومة الإسلامية والمركز المهم لتجمع المسلمين ومتابعة شؤونهم السياسية والاجتماعية والإقتصادية والعسكرية.
وجعل بيوت أزواجه أمام القبلة وبنى بيت فاطمة في غرب المسجد حيث قبره الآن إذ دفن النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) في بيتها(عليها السلام)، إذ مات النبي(صلى الله عليه وآله) في دار فاطمة(عليها السلام) فقال الإمام علي(عليه السلام) : «يدفن في المكان الذي مات فيه».
وابتنى جيران المسجد منازلهم وجعلوا أبوابها إلى المسجد، إلى ان أمر الله تعالى بسد الابواب الاّ باب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)وباب على(عليه السلام) ([52]).
وقد أزال المسلمون القبور الموجودة في تلك الأرض قبل البناء عليها وكانت قبورها دارسة مما يبين جواز هذا الأمر مع المقابر.
وكان طول المسجد اولاً مئة ذراع في مثلها([53]) ثم زيد في مساحة مسجد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم)في مرّات عديدة.
وقد قال الله تعالى:
(لَمَسْجِدٌ اُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أوَّلِ يَوْم أحَقُّ أنْ تَقُومَ فِيهِ)([54]).
وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): لا صلاة لجار المسجد الا في المسجد. والهدف من ذلك اجتماع المسلمين في بيوت الله سبحانه ودراسة امورهم وحل مشاكلهم ونشر الأخوّة في صفوفهم.
وكان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) قد بنى مسجد قباء اولا، واستمر بناء المساجد في ارجاء المدينة المنورة.
أشاع الحزب القرشي عدم تدوين المسلمين للتاريخ في زمن رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)فهل يصح هذا ؟
كانت العرب قبل الإسلام تؤرخ بموت كعب جد النبي(صلى الله عليه وآله وسلم) إلى عام الفيل فأرخوا به ثم أرخوا بموت عبد المطلب([55]) .
وكانت الفرس تؤرخ بملوكهم فيتجدد ذلك بموت كل ملك([56]).
والروم تؤرخ بزمن الاسكندر([57]) ثم عدلوا إلى ميلاد المسيح([58]).
وقال السهيلي: إنّ التاريخ الهجري نزل به القرآن وإنّ اتّفاق الصحابة على جعل الهجرة مبدأ للتاريخ إن كان مستنداً إلى القرآن الكريم فنعم الإستفادة تلك.
وقال ابن عبّاس عين ما نقل عن السهيلي([59]).اي ان القرآن نزل بالتاريخ الهجري.
وقال الحاكم: كان التاريخ في السنة التي قدم فيها رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم)المدينة وفيها ولد عبدالله بن الزبير([60]).
وكان مبدأ السنة في شهر ربيع الأوّل شهر وصول النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) إلى المدينة المنوّرة([61]) وبه أرّخ رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، وقدم المدينة يوم الأثنين لثنتي عشرة ليلة من ربيع الأول وهو ابن ثلاث وخمسين سنة([62]).
وقال الزهري عن ابن عباس ان رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) هو الذي أمر بالتأريخ يوم قدم المدينة في شهر ربيع الاول([63]).
اذن وجد التاريخ الهجرى بأمر رسول الله بينما غيّر عمر بن الخطاب بداية السنة من ربيع الأوّل إلى محرّم([64]).
وكان كفار قريش ينكرون ويرفضون التأريخ القائم على هجرة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)فغيّر عمر شهر التأريخ من ربيع الأول إلى محرّم ارضاءاً لقريش ! بينما لم يستجب أبو بكر لهم سابقاً .
وأنكر رجال السيرة والحديث الأمويين قيام رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) بوضع التأريخ ابتداءاً من هجرته في ربيع الأول ونسبوا ذلك إلى عمر لسلب مناقب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في محاولة منهم لتزييف الواقع([65]).
وكان محرم أول السنة عند عرب الجاهلية([66]) فأخذ به عمر وترك ربيع الأول أول السنة عند رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)([67]).
فأخّر تاريخ المسلمين شهرين ارضاءاً لقريش فغيَّر وقائع المسلمين تاريخياً وهي عملية غير إسلامية وأخّر لهم مقام إبراهيم عن مكانه!
ووصلت الينا الكثير من الكتب المؤرّخة بشهر ربيع الأول والسنة الهجرية من زمن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) وأبي بكر مثل كتاب رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) لنصارى نجران وجاء فيه:
كتب لخمس خلون من الهجرة([68]).
وقال رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم): يُقتل حسين بن علي على رأس ستين من مهاجري([69]).
وجاء في كتاب خالد بن الوليد لاهل الحيرة انه كتب في شهر ربيع الأول من سنة اثنتي عشرة([70]). وكتب كثيرة اخرى موجودة في كتب السيرة والحديث للأمويين وتلامذتهم. وأتباع الخط القرشي هم الذين أرادوا تشويه سمعة رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) في عدم اعتنائه بالتأريخ ذلك الأمر المهم واعلاء منزلة عمر!.
وأدرك عمر وأعوانه من الطلقاء والأعراب أن تغيير التاريخ الى شهر محرم سيغير كثيراً من الحقائق الإسلامية ويربك كثير من الوقائع وهو مطلب قرشي .
المؤاخاة قبل الهجرة فضحت رجال السقيفة
المؤاخاة بين المسلمين كانت معجزة الهية في معرفة أخلاقهم ومصيرهم .
ففي السنة الأُولى من هجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) والمسلمين إلى المدينة وبعد مضيّ خمسة أشهر على وصولهم اليها آخى رسول الله (صلى الله عليه وآله) أوّلا بين المهاجرين أنفسهم([71]) فاشتهرت هذه المؤاخاة في كتب المسلمين .
ثمّ آخى بين المهاجرين والأنصار([72]).
وكانت المؤاخاة بين كلّ ونظيره في الدين فقد آخى بين نفسه والإمام علي (عليه السلام)([73]) فالإمام نفس النبي(صلى الله عليه وآله) .
وآخى بين أبي بكر وعمر لانسجامهما في الأخلاق والأهداف والمصير . وتصارع هذان الاخوان على السلطة فقتل عمر صديقه أبابكر وحلَّ محله([74]) .
وآخى بين عثمان وعبدالرحمن بن عوف، فكانا رفيقين حميمين وعيّن ابن عوف عثمان خليفة على أن يردها اليه، فغدر به عثمان وعزله، فطالب ابن عوف بقتله، لكن عثمان اغتاله سريعاً([75]).
وآخى بين حمزة وزيد بن حارثة([76]) فقُتلا قبل شهادة رسول الله .
وآخى بين الزبير بن العوّام وطلحة بن عبيدالله، فغدر الاثنان بالامام علي(عليه السلام)، ونكثا بيعته، وجهزا جيش الجمل، وقَتَلا المدنيين في البصرة، وتصارعا على رآسة جيش الجمل، وقُتِلا في معركة الجمل ([77]) .
وآخى بين أبي عبيدة بن الجراح ومحمد بن مسلمة([78]). فكان الاثنان من رجال الحزب القرشي، والفارين من المشاركة في مراسم دفن رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم)، والانكى من هذا امتناع ابن الجراح حفار قبور المهاجرين من حفر قبر رسول الله(صلى الله عليه وآله وسلم) واسراعه الى السقيفة([79]) .
وهما من المشاركين في قتل فاطمة الزهراء(عليها السلام)، والمصممين على مخالفة ولاية أهل البيت(عليهم السلام).واثناء صراع أعضاء السقيفة على السلطة أقدم عمر على قتل صاحبه أبي عبيدة بن الجراح، وقتل معاوية رفيقه محمد بن مسلمة ([80]).
وآخى (صلى الله عليه وآله) بين سلمان الفارسي وحذيفة بن اليمان([81]). فكانا خير رفيقين مؤمنين عاشا وماتا على حب أهل بيت النبوة .
جاء في الرواية لمّا آخى رسول الله بين المسلمين بقي الإمام على (عليه السلام) فقال لرسول الله (صلى الله عليه وآله) : « آخيت بين أصحابك وتركتني » !
فقال النبي محمّد (صلى الله عليه وآله) : « إنّما تركتك لنفسي أنت أخي وأنا أخوك فإن ذكرك أحد فقل : أنا عبد الله وأخو رسوله لا يدّعيها بعدك إلاّ كذّاب، والذي بعثني بالحقّ ما أخّرتك إلاّ لنفسي، وأنت منّي بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبي بعدي وأنت أخي ووارثي »([82]).
حديث الاخوّة بين النبي محمّد (صلى الله عليه وآله) والإمام علي (عليه السلام)الهدف منه بيان نوع العلاقة بينهما .والتآخي بينهم كان على الحقّ والمواساة، وكان عددهم يومها تسعين رجلا خمسة وأربعون رجلا من الأنصار ومثلهم من المهاجرين([83]).
واهتمّ رسول الله (صلى الله عليه وآله) بالمؤاخاة بين المسلمين فقد أجراها في مكّة والمدينة ثمّ أجراها بين المهاجرين والأنصار([84]).
ومن دلائل نبوّة رسول الله (صلى الله عليه وآله) هذا الأخاء بين النفوس المتشابهة والتوجّهات المتطابقة فعمر شبيه أبي بكر، والزبير نظير طلحة، وعثمان مرآة لابن عوف وسلمان مطابق لتوجّهات حذيفة، ورسول الله (صلى الله عليه وآله) نفس الإمام على (عليه السلام) .
والمؤاخاة أفضل عمل إجتماعي عمله الرسول (صلى الله عليه وآله) لوحدة المسلمين تحت راية الإسلام ولأهميّته فقد كرّره النبي محمد (صلى الله عليه وآله) في مكّة والمدينة .
وهذا الإنسجام الحاصل هو الذي مكّن المسلمين من الإنتصار في الحياة الإجتماعية والثقافية والسياسية والعسكرية .
وسرّ انفصام عرى الأُمم وإنحلالها انعدام الوحدة وفقدان الإنسجام .
الوحدة الإسلامية بين المهاجرين والأنصار
بالرغم من تواتر حديث المؤاخاة وصحّته فقد كذَّبه ابن تيميّة المبغض عليَّ بن أبي طالب(عليه السلام)، بحجّة أنّ علياً ليس من الأنصار والمؤاخاة كانت بين المهاجرين والأنصار .
وجوابنا أن هذه حجة سخيفة على قدر عقله وعلمه وإلاّ فإن المؤاخاة كانت بين النبي ونفسه أو بين الرسول ووصيه .الذي يعني وحدة القيادة واستمرارها.
وأنّ الأحاديث المذكورة في المؤاخاة صحيحة السند، وقد آخى النبي(صلى الله عليه وآله) بين الزبير وطلحة وهما من المهاجرين، وقبل الهجرة أيضاً آخى النبي (صلى الله عليه وآله) بين المهاجرين كي تقوى كلمتهم، فآخى بين أبي بكر وعمر وهما من المهاجرين، وبين عثمان وعبدالرحمن بن عوف وهما من المهاجرين ، وبين حمزة وزيد بن حارثة وهما من المهاجرين، وبين مصعب بن عمير وسعد بن أبي وقّاص وهما من المهاجرين، وبين أبي عبيدة بن الجراح وسالم مولى أبي حذيفة وهما من المهاجرين، وبين علي (عليه السلام) ونفسه (صلى الله عليه وآله) .
وقال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي: «أما ترضى أن أكون أخاك؟
قال علي: بلى يارسول الله رضيت.
قال النبي (صلى الله عليه وآله): فأنت أخي في الدنيا والآخرة»([85]).
وقال النبي (صلى الله عليه وآله) لعلي (عليه السلام) : « أنت منِّي وأنا منك »([86]).
وقال (صلى الله عليه وآله) : « ياعلي إنّك سيد العرب وأنا سيد ولد آدم »([87]).
وثيقة الوحدة الاسلامية والصلح مع اليهود
ومن أهم الوثائق الخطيرة التي نظَّمها رسولُ الله (صلى الله عليه وآله وسلم) في المدينة هي وثيقة الوحدة الاسلامية بين المسلمين أولاً ومعاهدة عدم الاعتداء بين المسلمين واليهود ثانياً.
وهذه الوثيقة النادرة جمعت قبائل المدينة من الانصار مع المهاجرين في اتحاد مثالي تحت مبادئ فذة وأصول حكيمة.
فنظم النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) مبادئ وحدة وطنية بين المسلمين واليهود تصون حقوق الطرفين وتمنع الظلم والأجحاف.
فكانت اعظم وحدة دينية بين الطائفتين لم يشهد لها التاريخ مثيل وهي على عكس ما فعله اليهود بحق النصارى من قتل وفتك وتحريك الحكومات ضدَّهم.
وقد فعل اليهود بحق المسلمين نفس عملهم بحق النصارى من غش بحقهم وتحريض الأعداء عليهم بالرغم من كون النصارى في وقتها محكومين من قبل الروم وان المسلمين حاكمون على اليهود في المدينة.
قال محمد بن اسحاق وكتب رسول الله (صلى الله عليه وآله وسلم) كتاباً بين المهاجرين والانصار وادعَ فيه يهود وعاهدهم واقرهم على دينهم وأموالهم وشرط لهم، واشترط عليهم:
بسم الله الرحمن الرحيم
هذا كتاب من محمد النبي (صلى الله عليه وآله وسلم) بين المؤمنين والمسلمين من قريش ويثرب ومن تبعهم فلحق بهم وجاهد معهم، إنهم أمة واحدة من دون الناس، المهاجرون من قريش على ربعتهم([88]) يتعاقلون بينهم، وهم يفدون عانيهم بالمعروف والقسط بين المؤمنين.