للمرجعية الدينية تأثير كبير على حركة الواقع الإسلامي الذي يتحرك فيه الناس في أوضاعهم العامة ، وذلك من خلال الموقع المميز الذي يتميزون به في ثقافتهم ، وقداستهم ، ومواقفهم ، وعلاقاتهم ، التي تنفتح على أكثر من جهة وأكثر من واقع .
ولعل قيمة المرجعية الشيعية الدينية الفقهية أنها تمتد في عناصرها التاريخية إلى عُهدة الإمامة في مضمونها القيادي الشامل ، الذي يتسع للفتوى ، وللسياسة ، وللحرب ، والسلم ، وللجوانب الإقتصادية في الحقوق الشرعية ، وغير ذلك لتنفتح المسألة على موقع النيابة عن الإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه ) في زمان الغيبة ليكون للمجتهد العادل موقع النائب عنه ( عليه السلام ) .
وفي ضوء ذلك اكتسب الفقيه المرجع قداسة بحيث يرى الناس أن قول المرجع هوقول الإمام ( عليه السلام ) والرادُّ عليه كالرادِّ على الإمام ( عليه السلام ) .
نشوء المرجعية :
كان الناس في حياة الأئمة المعصومين ( عليهم السلام ) يأخذون أحكامهم الفقهية من الأئمة ( عليهم السلام ) نفسهم ، بشكل مباشر أوعن طريق أصحابهم ، وهم العلماء المجتهدون الذين يعيشون في الأمصار ، فيستفتيهم الناس فيجيبون بالنيابة عنهم .
أما بعد الغيبة الصغرى للإمام المهدي ( عليه السلام ) ، والتي بدأت بعد وفاة الإمام الحسن العسكري ( عليه السلام ) عام ( 260 هـ ) ، فقد بدأ الناس يأخذون الأحكام عن طريق سفرائه الأربعة وهم :
الأول : عثمان بن سعيد .
الثاني : محمد بن عثمان .
الثالث : الحسين بن روح .
الرابع : علي بن محمد السمري .
وقد انتهت سفارتهم بوفاة السفير الرابع في سنة ( 329 هـ ) .
الصلاة
الغيبة الكبرى :
بدأت الغيبة الكبرى للإمام المهدي ( عجل الله تعالى فرجه ) سنة ( 329 هـ ) ، وقد أخَبَرَنَا بذلك الرسول ( صلى الله عليه وآله ) إذ يقول :
( المهدي من وُلدِي ، إسمه إسمي ، وكُنيتُه كُنيتِي ، أشبه الناس بي خَلقاً وخُلُقاً ، تكون له غيبة وحيرة تُضلُّ الأمم ، ثم يقبل كالشهاب الثاقب ، فيملأها عدلاً وقسطاً كما مُلئَت ظُلماً وجوراً ) الرسول والذراري 2 / 1025 .
والسؤال الذي نطرحه هنا هو : من الذي سيجيب الناس عن تساؤلاتهم ويفض نزاعاتهم في زمن الغيبة ؟
وجواب ذلك نجده في أحد التوقيعات التي وصلتنا عن الإمام الغائب ( عجل الله تعالى فرجه ) إذ يقول : ( أمَّا الحوادث الواقعة فارجعوا فيها إلى رُوَاة حديثنا ، فإنهم حُجَّتي عليكم ، وأنا حُجَّة الله عليهم ) كمال الدين 1 / باب 45 / 484 .
وفي توقيع آخر يقول ( عليه السلام ) : ( من كان من الفُقَهاء صائناً لنفسه ، حافظاً لدينه ، مخالفا لهواه ، مطيعا لأمر مولاه ، فَلِلعَوَام أن يقلدوه ) .
وعلى أساس ذلك برز فقهاء ، وعرفوا بين الناس كمراجع يستفتونهم في مسائلهم الشرعية ، نذكر هنا خمسة منهم كنموذج أقيمت عليه دعائم المرجعية عند الشيعة :
الأول : ابن قولويه ( قدس سره ) : وهو أحد دعائم الفكر الشيعي ، توفى سنة ( 368 هـ ) .
الثاني : الشيخ الصدوق ( قدس سره ) : آلت إليه المرجعية بين سنة ( 368 هـ ) وسنة ( 381 هـ ) ، وقدَّم خلالها خدمات جليلة للتراث الشيعي .
الثالث : الشيخ المفيد ( قدس سره ) : وسَطَعَ نجمُه في عالم التشيع بين سَنَتَي ( 371 هـ ) و ( 413هـ ) ، وكان لا نظير له في عصره في التَبَحُّر بالإحكام .
الرابع : السيد المرتضى ( قدس سره ) : أصبح مرجعاً للتقليد من سنة ( 413 هـ ) إلى سنة ( 436هـ ) ، إذ فاق علماء عصره في العلوم الإسلامية ، وكان يُلَقَّب بـ ( عَلَمِ الهُدَى) .
الخامس : الشيخ الطوسي ( قدس سره ) : فقيه مجدِّد عرف بـ ( شيخ الطائفة ) ، وسطع نجمه في سماء التشيُّع بين سنتي ( 436 هـ ) و ( 460 هـ ) ، واستطاع بجهده المتواصل أن يحدث تحولاً في المباحث الفقهية والأصولية .
وهكذا بقي فقهاء الشيعة يتصدون للزعامة والمرجعية إلى يومنا هذا ، ويغذون الحوزات العلمية بالعلم والمعرفة ، في العراق ، وإيران ، ولبنان ، ومناطق أخرى من العالم الإسلامي حتى أنجَبَتْ تلك المراكز فطاحل في الفقه والأصول ، ونذكر منهم أربعة من المتأخرين المعاصرين وهم :
الأول : السيد الحكيم ( قدس سره ) .
الثاني : السيد أبو القاسم الخوئي ( قدس سره ) .
الثالث : السيد الخميني ( قدس سره ) .
الرابع : السيد علي السيستاني ( دام ظلُّه ) ، الذي كان ولايزال يرفد حركة الحوزة العلمية في النجف الأشرف بعطائه وفكره .
source : www.tebyan.net