يستطيع الإنسان دون غيره من الموجودات أن يعيش ضمن دائرة تحيط بها مجموعة من الأنظمة والقوانين، فهو قادر على إلزام نفسه بهذا القانون أو ذاك، وما ذلك إلا لوجود القابلية والإمكانية والقدرة عنده للإلتزام بالقانون.
ولا يخلو الإلتزام بالقانون من نوعٍ من أنواع المشقّة، وهو ما يعبّر عنه بالتكليف. والمشرّع قبل أن يلقي على الإنسان مسۆولية التكليف عليه أن يراعي عدداً من الشروط يُعبّر عنها بـ:
الشروط العامة للتكليف
ومعنى الشرط العام هو أنه إذا لم يتوفر لم يكن هناك تكليف وواجب، وهي:
1- البلوغ
الطبيعي منه لا يمكن تحديده بصورة دقيقة لجميع الأفراد، لأنّ مميزات الأفراد الفردية والمحيطة لها تأثير في سرعة البلوغ وتأخيره، لكن ما هو متيقن أن البلوغ عند جنس المرأة قبله عند الرجل.
ولا بدّ من تحديد عمر معيّن يعتبر السن المتوسط للجميع بالإضافة إلى شرط الرشد في الفقه الإسلامي ليكون ضابطاً لجميع الأفراد، وقد حدّد البلوغ القانوني وفقاً لرأي أكثرية علماء الشيعة عند الرجل بإتمام الخامسة عشرة قمرية، وعند المرأة بإكمالها التاسعة ودخولها بالعاشرة.
والإنسان غير مكلّف ما لم يصل إلى مرحلة البلوغ القانوني إلا أن يثبت بالدليل أنه وصل إلى مرحلة البلوغ الطبيعي قبل البلوغ القانوني.
2- العقل
فالمجنون لا يكلّف حال الجنون، ويتعامل مع الصبي غير البالغ كما يتعامل مع المجنون من ناحية عدم توجّه التكليف إليه حال صغره أو حال جنونه، فلو كبر أو أفاق من جنونه فلا يطالب بقضاء ما فاته وهو صغير أو وهو مجنون.
3- الإطلاع والوعي
وهو أصل عقلي اصطلح عليه علماء الأصول "بقبح العقاب بلا بيان"، بمعنى أن معاقبة من لا يعلم بالتكليف ولم يكن مقصِّراً في كسب الإطلاع قبيح عقلاً. لكن الإنسان مكلّف بتحصيل العلم والإطلاع ثم ممارسة نشاطه وفقاً لإطلاعه، وهذا ما يسدّ باب الجهل والتذرع أمام المولى بعدم العلم.
4- القدرة والتمكن
لا ريب أن قدرات الإنسان محدودة، وعليه فلا بدّ أن تكون التكاليف بحدود القدرة، ومن هنا عبّر علم الأصول عن هذا الشرط "بأنّ التكليف بما لا يطاق قبيح عقلاً"، بمعنى أن الأمر الذي لا يقدر عليه الإنسان يقبح على المشرّع أن يكلّفه به، لأنّه خلاف حكمة وعدله: (لاَ تُكَلَّفُ نَفْسٌ إِلاَّ وُسْعَهَا) البقرة:233.
والتكليف المشروط بالقدرة كالتكليف المشروط بالإطلاع يجب على الإنسان أن يحصل القدرة، ويعاقب على تقصيره بتحصيلها كما يعاقب على تقصيره بطلب المعرفة، ومن هنا قد لا تعاقب الأمّة على عدم مواجهتها العدو الظالم القوي ولكنّها تعاقب لأنها لم تعدّ له العدّة من قبل، وقد قال تعالى: (وَأَعِدُّوا لَهُمْ مَا اسْتَطَعْتُمْ مِنْ قُوَّةٍ وَمِنْ رِبَاطِ الْخَيْلِ تُرْهِبُونَ بِهِ عَدُوَّ اللَّهِ وَعَدُوَّكُمْ) الأنفال:60.
وعليه لا يعدّ العجز عذراً دائماً.
5- الحرية والإختيار
فلا ينبغي أن يكون الإنسان مجبراً أو مضطراً عندما يكون مكلفاً بإنجاز التكليف، فالجائع المشرف على الموت الذي لا يجد أمامه غير الميتة يسقط عنه تكليف حرمة أكل الميتة، والصائم الذي فوقه جبار يهدّده بالقتل يسقط عنه وجوب الصوم، وما ذلك إلا لهذا الشرط الدال عليه الحديث النبوي: "رفع عن أمتي تسعة: الخطá والنسيان، وما أكرهوا عليه، وما لا يعلمون، وما لا يطيقون، وما اضطروا إليه، والحسد، والطيرة، والتفكر في الوسوسة في الخلق ما لم ينطق بشفة"1.
فرق الإجبار عن الإضطرار
1- لا تهديد مع الإضطرار، بينما في الإكراه والإجبار هناك تهديد من قوّة أعلى.
2- يبحث الإنسان في مورد الإضطرار عن سبيل لرفع الظروف القاهرة بعد تحققها، بينما في مورد الإجبار يبحث عن سبيل لدفعها قبل تحققها.
كما أنه ينبغي التنبه إلى أنه لا يمكن اعتبار الإجبار والإكراه وكذلك الإضطرار من شروط التكليف العامة، لأنها:
أولاً: لها صلة بمقدار الضرر الذي يجب رفعه أو دفعه.
وثانياً: لها صلة بأهمية التكليف الذي يريد الإنسان نجازه، فبعض التكاليف توجب تحمل الأذى في سبيل إنجازها، كما أنه لا يجوز إزهاق أرواح الآخرين بحجة الإضطرار أو الإكراه.
شروط صحة التكليف
ومعنى شرط الصحة هو أنه لو لم يتوفر الشرط لم يۆدِّ المكلف تكليفه بشكلٍ صحيحٍ وما قام به خالياً من الشرط يعتبر باطلاً، وهي كثيرة، والملاحظ أنّ بعض شروط الصحة هي شروط تكليف وبعض شروط التكليف هي شروط صحة، فالنسبة بينهما عموم وخصوص من وجه كما في اصطلاح المناطقة.
ولما كانت أعمال الإنسان عبادية ومعاملاتية كان من الطبيعي انقسام شروط الصحة والتكليف إلى قسمين، هما:
1- شروط العبادة.
2- شروط المعاملة.
وقد تكون بعض الشروط شرطاً مشتركاً لصحة كلّ من العبادة والمعاملة معاً.
1- العقل
شرط للتكليف وشرط للصحة أيضاً، فالمجنون كما أنه لا تكليف في حقه، كذلك لا تصحّ منه فيما لو صدرت منه اتفاقاً.
2- القدرة
شرط للتكليف والصحة، فكما أنّ المكره لا تكليف في حقه، كذلك لو صدر منه الزواج مثلاً يعتبر باطلاً.
3- البلوغ
شرطٌ للتكليف وليس شرطاً للصحة، فالطفل غير مكلفٍ لكنّه لو صار مميزاً كالبالغ وتمكن من إنجاز العمل بصورة صحيحة فيعتبر العمل منه صحيحاً، لذا يتمكن من النيابة عن الاخرين، نعم يعتقد بعض العلماء أن البلوغ شرط في صحة المعاملات لذا لا يصحّ منه إجراء عقود لنفسه أو عن غيره وإن تمكن.
4- الإطلاع والوعي وعدم الإضطرار
من شروط الصحة لا التكليف، ولذا لو تحقّقت كلّ الشروط في العمل الصادر من المكلف الذي لم يكن عالماً بالتكليف صحّ منه، وكذا لو اضطر لبيع داره مع عدم رغبته في البيع فالعقد صحيح، نعم المعاملة الجبرية غير صحيحة بخلاف الإضطرارية.
5- الرشد
شرط للصحة لا للتكليف، وهو بمعنى اللياقة والقابلية لإدارة العمل الذي يريد القيام به، فلو تحققت كلّ الشروط دون الرشد لم تكن المعاملة صحيحةً كالتصرف بالمال أو الزواج، والولاية تبقى للولي حتى يبلغ الرشد قال تعالى:
(وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْداً فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ) النساء: 6.
والإنسان من ناحيته عليه أن يدرك ذاته، من أين وفي أين وإلى أين، وعندها يعرفه منزلته وأنه أمين الله في الأرض وأنه يملك القابلية لأن يصبح أفضل من الملائكة، وما ذلك إلا لوجود قابليات فيه دون غيره من المخلوقات لم يتركها الله دون رعاية، فقد شرع له ما ينمّي قابليته الجسمية والروحية بالشكل الذي يوصله إلى الهدف السامي وهو السعادة الأبدية.
ومن هنا كان للإنسان الدور الأساس في بناء مستقبله، وهو وإن تأثر ببعض محددات حريته من وراثة وظروف إجتماعية وجغرافية وزمنية، لكن مع ذلك فهو يملك القدرة للتغلب على كل هذه المحددات وقولبة نفسه بالطباع التي يريدها ويختارها لنفسه.
الشهيد مرتضى مطهري
اعداد: سيد مرتضى محمدي
المصدر:
1- جامع أحاديث الشيعة، أبواب المقدمات، الباب الثامن، الحديث3.
source : www.tebyan.net