إذا كان لأحد أن يعتز بمشاركته لسيدنا الشهيد الصدر ــ رضوان الله عليه ــ في مسيرته الجهادية فلا يعدو ذلك الشهيدة بنت الهدى رحمها الله. لقد كتب لها ذلك، وكانت أهلاً له......
شاركته اليتم والفقر و الحرمان في مراحل الطفولة الأولى، وشاركته ما كابد من هموم و مشاكل ليس بمقدور كل أحد استيعابها، وشاركته الصراع المرير مع سلطة جبارة عاتية كفرت بكل القيم و الموازين فوقفت معه في صف المواجهة الأول في انتفاضة رجب عام 1979م، وشاركته شرف الاستشهاد في غرف الأمن العامة في بغداد، وشاركته قبره الشريف في النجف الأشرف.
إذ للشهيدة بنت الهدى كل الحق ــ للأمانة التاريخية ــ أن تعتبر شريكة السيد الشهيد الصدر رضوان الله عليه.
بدأت مسيرة المواجهة الجهادية للسيدة الشهيدة منذ الاعتقال الأول للسيد ــ رضوان الله عليه ــ عام 1971م (1392) هــ.
ثم جاءت انتفاضة صفر عام 1977م (1397)هــ فتعرض السيد الشهيد للاعتقال، وكانت تلك الأيام من الأيام العصيبة في تاريخ النجف حيث عم الخوف والرعب كل مكان، وكانت حشود السلطة في كل مكان تعتقل كل من يقع في قبضتها. أما بنت الهدى فكانت البطلة التي وقفت دون خوف في رباطة جأش وشجاعة غريبة حتى عاد السيد الشهيد ــ رضوان الله عليه ــ من بغداد.
عندما خرج السيد مع مدير أمن النجف خرجت معه وسبقتهما إلى حيث تقف السيارة وخطبت في الجموع منددة بجلاوزة النظام وما يفعلونه صارخة و مرحبة بالموت إذا كان في سبيل الله.
وفي صباح يوم السابع عشر من رجب 1399هــ (1979)م، تم الاعتقال للشهيد فقامت الشهيدة بنت الهدى بالذهاب إلى حرم الإمام أمير المؤمنين بالنجف الأشرف ونادت بأعلى صوتها:
"الظليمة الظليمة يا جداه يا أمير المؤمنين لقد اعتقلوا ولدك الصدر.. يا جداه يا أمير المؤمنين، إني أشكوا إلى الله وإليك ما يجري علينا من ظلم واضطهاد"
ثم خاطبت الحاضرين فقالت:
"أيها الشرفاء المؤمنون، هل تسكتون وقد اعتقل مرجعكم، هل تسكتون وإمامكم يسجن ويعذب؟ ماذا ستقولون إذاً لجدي أمير المؤمنين إن سألكم عن سكوتكم وتخاذلكم ؟ اخرجوا وتظاهروا واحتجوا.."
يا له من خطاب يدل على شجاعتها وقوتها وعدم خوفها من النظام الحاكم وأتباعه.
وبعد لحظات نظمت تظاهرة انطلقت من حرم الإمام علي (ع) ساهمت فيها المرأة مع الرجل، وأدت إلى إجبار السلطة على الافراج عن السيد الشهيد الصدر.
وكان من أثر هذه التظاهرة أن أفرج عن السيد بعد ساعات قليلة من اعتقاله.
شهادتها ودفنها
الاجرام والوحشية.. القسوة والارهاب.. صفات وخصائص النظام العفلقي الحاكم في العراق، لم يتورع النظام من استعمال كل وسائل الارهاب في معالجة مشاكله مع الشعب العراقي أو مع الدول المجاورة للعراق.
هل يمكن لحاكم يعيش في بلد الحضارات وفي القرن العشرين أن ينهج نهجاً قمعياً لفرض سيطرته على الشعب ؟
نعم هذا ما فعله صدام مع جيرانه من البلدان حينما قصف المدن الإيرانية بالصواريخ وقتل المدنيين فيها، وكذلك عندما قصف حلبجة بالغازات السامة "وحلبجة مدينة عراقية لا اسرائيلية". ثم هجومه على الكويت آخر ضحية لهذا الطاغية، فما جرى لشعبها من قتل وتعذيب وانتهاكات للقيم والأخلاق وحتى لأبسط المبادئ الإنسانية لا يمكن أن يصدق لولا الوثائق الدامغة التي لا تقبل الشك.
وبقيت مأساة العراق في جانبها الأعظم غير موثقة، وهي مأساة لا نظير لها في تاريخ البشرية.
لقد قام المجرم التكريتي بقتل السيد الصدر وأخته بنت الهدى ــ رضوان الله عليهما ــ بنفسه؛ فهو الذي أطلق النار عللقد كانت حليمة عاقلة تقابل الإساءة يهما بعد أن شارك في تعذيبهما.
يتحدث صاحب كتاب الشهيدة بنت الهدى كيف روت له ثلاثة مصادر كيفية حدوث المأساة كما يرويها أحد قوات الأمن ممن كان حاضراً في غرفة الاعدام، قال:
"احضروا السيد الصدر إلى مديرية الأمن العامة فقاموا بتقييده بالحديد، ثم جاء المجرم صدام التكريتي، فقال باللهجة العامية: (ولك محمد باقر تريد تسوي حكومة)، ثم أخذ يهشم رأسه ووجهه بسوط بلاستيكي صلب.
فقال له السيد الصدر: (أنا تارك الحكومات لكم). وحدث جدال بينهما عن هذا الموضوع وعن علاقته بالثورة الإسلامية في إيران، مما أثار المجرم صدام فأمر جلاوزته بتعذيب السيد الصدر تعذيباً قاسياً. ثم أمر بجلب الشهيدة بنت الهدى ــ ويبدو أنها كانت قد عذبت في غرفة أخرى ــ جاءوا بها فاقدة الوعي يجرونها جراً، فلما رأها السيد استشاط غضباً ورقّ لحالها ووضعها. فقال لصدام: إذا كنت رجلاً ففك قيودي. فأخذ المجرم سوطاً وأخذ يضرب العلوية الشهيدة وهي لا تشعر بشيء. ثم أمر بقطع ثدييها مما جعل السيد في حالة من الغضب، فقال للمجرم صدام (لو كنت رجلاً فجابهني وجهاً لوجه ودع أختي، ولكنك جبان وأنت بين حمايتك)، فغضب المجرم وأخرج مسدسه فأطلق النار عليه ثم على أخته الشهيدة وخرج كالمجنون يسب ويشتم".
وفي مساء يوم التاسع من نيسان عام 1980 م وفي حدود الساعة التاسعة أو العاشرة مساءً، قطعت السلطة التيار الكهربائي عن مدينة النجف الأشرف. وفي ظلام الليل الدامس تسللت مجموعة من قوات الأمن إلى دار المرحوم الحجة السيد محمد صادق الصدر ــ رحمه الله ــ فطلبوا منه الحضور إلى بناية محافظة النجف، وهناك سلّموه جنازة السيد الشهيد وأخته الطاهرة بنت الهدى، وحذروه من الإخبار عن شهادة بنت الهدى، ثم أخذوه إلى مقبرة وادي السلام ووارهما الثرى.
ذهبت شهيدتنا الغالية إلى ربّها راضية مرضية لتحيا عند أمها الزهراء، وتشكو لها عذاب تسعة أشهر ما أقساها، وسياط المجرمين وتعذيبهم وما أشدها، وتقطيع جسد طاهر نذرته لرسالة جدها (ع)، لتشكو لها خذلان الخاذلين، وسكوت الساكتين، وشماتة الشامتين، وتفرج المتفرجين.
ذهبت بنت الهدى وبقي دمها في أعناق الجميع أمانة ما أثقلها في ميزان حساب الأمم عند الله تعالى وعند التاريخ.
سلام على بنت الهدى يوم ولدت ويوم استشهدت ويوم تبعث حية.
source : www.tebyan.net